شعار قسم ميدان

زيدان يهزم مورينيو.. لأن التسلل لا يفسر كل الأشياء

midan - sport
واصل ريال مدريد الإسباني رحلته الناجحة رفقة مدربه زين الدين زيدان الذي واصل بدوره تحطيم كل التوقعات بفشله وبأكثر من دليل، متوجا بكأس السوبر الأوروبي على حساب مدرب أكثر خبرة ويُفترض كونه أعلى جودة، وهو البرتغالي جوزيه مورينيو المدير الفني لمانشستر يونايتد بهدفين مقابل هدف وحيد.

تلك هي حكاية البطولة السادسة لأسطورة الكرة الفرنسية في أقل من عامين، بين 52 دقيقة حصل خلالهم على كل ما يريد في مواجهة مَن تطلّب منه الأمر شوطا كاملا ليكتشف خطأ أغلب حساباته.

جوهرة مورينيو × جوهرة زيدان

بداية هادئة وحذرة ومتوقعة من الطرفين في مثل هذا الموعد، فكل طرف بحاجة إلى التأكد من صحة ما انتواه لخوض تلك المباراة قبل أن يحدد خطوته التالية، 6 أو 7 دقائق حرك خلالهم مانشستر الكرة بشكل جيد نسبيا قبل أن يغادر الملعب لبقية الشوط مسلّما إياه عن طيب خاطر للسيادة المدريدية.

لحظات قليلة قبل أن يتضح أن 4-3-3 المعتادة والمتوقعة من مانشستر يونايتد في ضوء العناصر المُسماة لدرجة أن موقع يويفا الرسمي أعلن عن التشكيل بتلك الطريقة(1) -قبل أن يصححه في ورقة المباراة التكتيكية(2)- ما هي إلا 3-5-2 قضى بها مورينيو أن يشارك دارميان كقلب دفاع ثالث بينما يلعب لينغارد دورا ليس دوره كما لو كان بالفعل يُجيد أدواره وبحاجة إلى التطور في مواقع أخرى!

على الجانب الآخر لم يكن الميرينغي يلعب 4-3-3 هو الآخر، بل 4-1-2-1-2 "الجوهرة" (Diamond) التي اختبرها في مناسبات عدة بالموسم الماضي خاصة مع غياب غاريث بيل، ولكنها غير صادقة بالقدر الكافي، ولا يمكن الجزم بأن أحد الثلاثي الأمامي يشغل مركزا بعينه في منظومة حرة تجعل مهمة تقييد أفرادها في غاية الصعوبة. إيسكو على وجه التحديد يفترض به في تلك الخطة على الورق شغل العمق تحت الثنائي بنزيمة وبيل، ولكنه كان يتحرك أينما ارتأى وبمنتهى البراعة والإمتاع.

    

الخريطة الحرارية لإيسكو ومناطق توزيع هجمات ريال مدريد - تميل أكثرية لمسات صانع الألعاب الإسباني إلى اليسار المتفوق بنسبة 39% (هو سكورد)
الخريطة الحرارية لإيسكو ومناطق توزيع هجمات ريال مدريد – تميل أكثرية لمسات صانع الألعاب الإسباني إلى اليسار المتفوق بنسبة 39% (هو سكورد)

 

يقودنا هذا الشكل الغريب الذي ظهر عليه الفريق الأحمر طيلة الشوط إلى سؤال تكرر كثيرا عبر الموسم الماضي: لماذا لينغارد تحديدا؟ من خصائص مورينيو الشهيرة عبر مسيرته التدريبية هو هذا اللاعب المطيع الذي لا يمتلك مقوما واضحا للعب على حساب مَن هم أفضل منه سوى تنفيذه للتعليمات. كان لينغارد هو مركز الخلل في مانشستر، ولكن المشكلة هنا لم تكمن في مجرد إقحام اللاعب الخاطئ، بل في استغلاله بأسوأ الطرق الممكنة.

خاض الجناح الشاب تلك المباراة لهدف وحيد في منظومة يونايتد الدفاعية: إيقاف داني كارفاخال، ربما لم يتوقع الاستثنائي حدوث ذلك، ولكن تلك المهمة قد باءت بفشل ذريع، ليس فقط لأن الظهير الإسباني عاث فسادا في يسار الشياطين الحمر، بل لأنها قوضت آمال الفريق الهجومية بنسبة كبيرة. إذا كنت تنوي التراجع ولعب المرتدات فمن سينطلق إلى الأمام إذا كان أسرع أجنحتك -هذا إن افترضنا كفاءته في الخروج بها- منشغلا بالتضييق على ظهير الخصم؟

ليست عبارة "خير وسيلة للدفاع هي الهجوم" صحيحة على طول الخط، ولكن في مواجهة هذا النوع من الأظهرة هي صحيحة بنسبة لا تقل عن 80%، فخير وسيلة لاتقاء شر كارفاخال هي إلزامه مناطقه الدفاعية بجناح يُشكل ضغطا حقيقيا عليه وليس جناحا يُدافع أمامه فيسترسل في مراوغته ويصنع هدف التقدم أيضا. مورينيو يُخطئ ولكنه ليس ضريرا، لهذا كان أول تغييراته بين الشوطين نزول ماركوس راشفورد بدلا منه.

مشاهد قصيرة

1- ركنية تصل إلى كاسيميرو الذي يسدد في العارضة، تتحول إلى مرتدة في قمة السرعة لصالح يونايتد صاحب الأفضلية العددية، بول بوغبا ينطلق في العمق ولديه مخيتاريان ولينغارد على الطرفين بانتظار التمريرة، أيهما سيتلقاها؟ أيهما سيسجل أو سيتحمل مسؤولية ضياعها إن فشل؟ ولكن لأن فضيلة الإيثار أهم من مجرد بطولة، قرر بوغبا الاستحواذ وحده على لعنات الجماهير العابرة للقارات بتسديدة سخيفة من موقع غير سانح في قدم المدافع، هذا بالضبط ما يحدث عندما تلعب لتُثبت شيئا ما فتُثبت نقيضه الكامل.

2- إن أجَّلنا الحديث عن حقيقة كون هدف الملكي الأول من تسلل سنجد حيلة لجأ إليها زيدان كثيرا، وهي إقحام أقل لاعبيه فنيا بشكل مفاجئ في مواقع الخطورة، فأثناء انشغال مدافعي الخصم بمراقبة كل هؤلاء النجوم لن يسهل التفات أحدهم إلى كاسيميرو متوسط الميدان الدفاعي، ربما حدث الأمر تلك المرة أسهل مما توقع زيدان وكاسيميرو معا، خاصة الأخير الذي لم يره أحد على الإطلاق.

  

لحظة لعب كارفاخال لبينيته صوب كاسيميرو المتسلل - لاعب الوسط البرازيلي بين الثنائي الشاغر فالنسيا ولينديلوف (مواقع التواصل)
لحظة لعب كارفاخال لبينيته صوب كاسيميرو المتسلل – لاعب الوسط البرازيلي بين الثنائي الشاغر فالنسيا ولينديلوف (مواقع التواصل)

 
3- بالنسبة للاعب من طراز عالمي يحاول استعادة ذاته التائهة منذ أربعة سنوات فقد كانت تلك مباراة جيدة من غاريث بيل غير المحظوظ بالتسديد على العارضة. تحركات متميزة طوال الشوط الأول وإن عابها التصرف بالكرة لاحقا، كل ذلك قبل لقطة صناعته للهدف الثاني والتي -مع كامل الاعتراف بجودتها من الثنائي بيل وإيسكو- تحتاج إلى التوقف معها أمام سذاجة دفاع تلقّى مرماه هدفا من "وان-تو" بدائي فقط لأن أحدا لم يتوقع أن ينطلق إيسكو إلى الداخل بعد التمريرة الأولى، أو لأن كل منهم قرر التواكل على الزميل المجاور، أو لأن مركز إيسكو "العائم" لم يترك الأريحية لتحديد من المُلزم برقابته.

  

المعذرة إن كانت الصورة غير واضحة، ولكن هذا الكائن الهلامي هو إيسكو تماماً كما رآه مدافعي مانشستر في تلك اللقطة! (مواقع التواصل)
المعذرة إن كانت الصورة غير واضحة، ولكن هذا الكائن الهلامي هو إيسكو تماماً كما رآه مدافعي مانشستر في تلك اللقطة! (مواقع التواصل)

 

تفسيرات عديدة لعمل دفاعي مُزري ولكنه يُعيدنا بالأساس لطريقة دفاع مانشستر يونايتد في تلك المباراة، والتي اعتمدت الابتعاد عن الضغط المباشر لصالح الرقابة وتضييق المساحات، الأمر الذي منح وسط ريال مدريد أريحية كاملة لفعل ما يجيده من نقل الكرة حيثما شاء، وأمام تلك الحركية لكافة العناصر ظهر دفاع الفريق الأحمر وكأنه يتظاهر بالرقابة وتضييق المساحات.

 

4- أطرف ما في الأمر أن أفضل لاعبي وسط يونايتد كان أحدثهم انضماماً: نيمانيا ماتيتش. قدم الصربي تفسيراً مقنعاً للغاية بشأن دفع 40 مليون جنيه استرليني لضمه على حساب خيارات أُخرى أصغر سناً فهو النموذج المثالي للاعب الوسط الدفاعي كما يتخيله مورينيو. يقولون أن شاغلي هذا المركز عادةً ما يكونون أقل جودة من الناحية الذهنية، ولكن حين اتخذ ماتيتش قرار التسديد من الخارج لم يكن هذا هو أفضل الخيارات فحسب بل الخيار الوحيد الصائب والمتاح بأقل هامش ممكن للخطأ، لترتد الكرة أمام لوكاكو وليسجل منها هدف فريقه الوحيد. لمَ التركيز على تلك المسألة؟ راجع المشهد الأول.

 

وصول متأخر
مع تنحية الذكريات السيئة المرتبطة باسمه جانباً، فإن حركة مورينيو الثانية بإشراك مروان فيلايني بدلاً من هيريرا منحت مانشستر يونايتد شكلاً واضحاً على الأقل. قراره بالتخلي عن معركة الوسط في الدقيقة 56 ومحاولة استغلال قوة فيلايني الهجومية بنقل المعركة إلى الهواء لم يكن أفضل الحلول من البداية ولكنه كان الخيار الأمثل في هذا التوقيت.

 

لا طائل من محاولة استعادة السيادة على الوسط أو على الأرض بعد كل ما حدث في الشوط الأول، عناصر مثل تركيبة الفريق الحالية وفارق الإمكانيات والتأقلم لم تكن لتسمح بمحاولة مجاراة الملكي في نسق أتقنه تماماً عبر الموسم الماضي، ربما فشل البرتغالي في إدارة المباراة ولكن جعبته لن تخلو بتلك السهولة. بينما امتلك مانشستر 4 تسديدات منهم واحدة على المرمى طوال الشوط الأول، تطورت الأمور لتصل إلى 9 تسديدات منهم 5 على المرمى في الثاني بشكل يدفع للتساؤل عن سر إضاعة 45 دقيقة كاملة في غياهب الـ3-5-2 من البداية.

  undefined

  

على الطرف الآخر وبعد 12 دقيقة من تقليص الشياطين الحمر للفارق، دفع زيدان بالثنائي أسينسيو وفازكيز على حساب بيل وإيسكو بعد أن قدما ما لديهما خاصةً الأخير الحاصل على جائزة رجل المباراة، ساعد هذا التنشيط على بقاء قوة ريال مدريد الهجومية حاضرة أمام التيار المعاكس، قبل أن يخرج كريم بنزيمة في الدقيقة 83 دون أن نشعر به، ويحل كريستيانو رونالدو متأخراً أملاً في استغلال مميزاته الغنية عن التعريف لخطف ثالث لم يأتِ، انتهت الحكاية وفاز ريال مدريد بالسوبر الأوروبي للمرة الثالثة في 4 أعوام.

 

لأن الأمر لم يعُد ممتعاً
تطرقنا هنا من قبل لمسألة مشابهة ولكن أكثر فجاجة وفداحة حول نموذج "فوز الطرف الأحق بطريقة غير مستحقة"، نعم ريال مدريد كان الطرف الأفضل بمسافة طيلة الشوط الأول وبعض فترات الشوط الثاني ولكن في النهاية أتى هدف ترجيح الكفة من تسلل لم يكن سهلاً على الحكم المساعد. لا، ليست جزءاً من متعة الكرة ولن تكون ولم يعد منطقياً أن تتكاثر الأخطاء من هذا النوع في كبرى المحافل القارية، ولو كان الأمر معاكساً وخسر الفريق الأفضل بفضل الخطأ التحكيمي لقامت الدنيا ولم تقعد.

 

لم يعُد هناك مفر من إقحام التكنولوجيا وبأسرع وقت ممكن، وإن كان هناك عنصراً بشرياً يجب الحفاظ عليه فهو اللاعب الذي يمكن لخطأ بشري عابر سليم النية 100% أن يقضي على موسم عانى فيه الأمرين حتى بلغ ما بلغه ثم حُرم منه لأن زاوية الرؤية لم تكن سهلة، ولن يكون المبرر السهل في كل مرة أن الطرف الأفضل قد فاز فتلك الأخطاء لا تُقَسَّم بتلك الدقة والأمانة ولا تراعي الأفضل حين تحدث.

 

بصرف النظر عن انتفاء التعارض بين المتعة والعدالة، فإنه من الجائز أن تستمتع إن وقع الظلم لصالح فريقك ولكن من المستحيل أن تمتلك نفس الشعور حال وقوع الظلم عليك، ولذلك وحتى يظهر ذلك المشجع الذي يتلذذ بتعرض فريقه للظلم التحكيمي فإن تلك الحُجَّة لا تملك أي منطق على الإطلاق.                 

المصدر : الجزيرة