شعار قسم ميدان

دورتموند – ريال مدريد.. في مجموعتنا "سانتا كلوز"!

ميدان - رونالدو

منذ ستة أشهر تقريبًا نشرت شبكة "إي إس بي إن" (ESPN) الأميركية تحليلًا شرح فيه مايكل كوكس الأهمية الفائقة التي اكتسبتها الأظهرة في الحقبة الأخيرة، وتزايد دورها في ترجيح كفة أي فريق على الثاني، مبررًا فيه نجاح كونتي ورانييري في الفوز بآخر نسختين من البريميرليغ بسبب رئيس؛ هو حُسن تعاملهما مع المساحات المتخلفة عن صعود أظهرة الجنب، سواءً بغلقها تمامًا بثنائي دفاعي ملتزم يمنح الأجنحة مزيدًا من الحرية كسيمبسون وفوكس في ليستر، أو باستخدام خط خلفي ثلاثي يستطيع تغطية هذه الفراغات بعرض الملعب محولًا الأظهرة نفسها إلى أجنحة كما في تشلسي كونتي.(1)

 
وقتها كان زيدان يكتسح أوروبا معتمدًا على نفس الإستراتيجية ولكن بتكتيك مختلف هو إلزام ثلاثي الوسط الخارق بالسيطرة على هذه المساحات وتوفير قاعدة انطلاق لمارسيلو وكارفاخال بالتمريرات البينية، وبعد بطولتي بريميرليغ للثنائي الإيطالي ولقبين أوروبيين لزيدان وهزيمة ثلاثية أمام توتنهام، احتاج بيتر بوش لهدفين إضافيين في مرماه وساعة كاملة من الاختراق المتكرر لخط دفاعه ليدرك الحقيقة الخططية الجديدة، واحتاج دورتموند لثمان مباريات فقط لتنطفىء انطلاقته النارية في أول اختبارين حقيقيين من الموسم.

شاهين ضد الطوفان

بدأ الهولندي بالخطة التي استقر عليها في المباريات الأخيرة؛ 4-3-3 فائقة المرونة يتكفل غوتزه بتغييرها كما يتفق أثناء اللعب، إما بتحركاته في العمق كصانع لعب تقليدي أو على الأطراف دافعًا أحد الجناحين للمنطقة كمهاجم ثاني.

خطة اللعب والتشكيل والتقييم الرقمي  (هوسكورد)
خطة اللعب والتشكيل والتقييم الرقمي  (هوسكورد)

على الجهة الأخرى كان إيسكو يقوم بدور مشابه ولكن بثلاثي وسط يحمي ظهره، وهي الرفاهية التي لم ينالها غوتزه لأن مدربه أصر على إقحامه في دور فشل فيه مرارًا مع غوارديولا في بايرن ميونيخ وهو ثالث الوسط (Mid-Trio) أو صانع اللعب المتأخر، بسبب ما يتطلبه هذا المركز من مجهودات دفاعية وسرعة في الارتداد لا يمتلك الألماني اللياقة الكافية للوفاء بها، خاصة أن رفيقه كاسترو والجناحين لم يكونوا أفضل حالًا على مستوى المردود الدفاعي.

 
المثير في الأمر أن خطة بوش لم تختلف كثيرًا عن خطة كونتي أو زيدان، نفس الاعتماد على انطلاقات ظهيري الطرف وبخاصة توليان لدفع يارمولينكو وفيليب في المناطق المتوسطة (Intermediate Spaces) بين ظهيري الريال وقلبي دفاعيه، ولكن دون تغطية حقيقية من الوسط أو ضغط فعال لحظة فقد الكرة، ما خلّف مساحات شاسعة لدى دورتموند في نفس المناطق التي حاول استغلالها لدى خصمه، وكأن بوش كان يحفر قبره بنفسه وبمنتهى الحماس.

 

متوسطات التمركز للاعبي الفريقين تظهر الثغرة الواضحة التي عانى منها دورتموند طيلة المباراة تقريبًا (هوسكورد)
متوسطات التمركز للاعبي الفريقين تظهر الثغرة الواضحة التي عانى منها دورتموند طيلة المباراة تقريبًا (هوسكورد)

 

ظهيري دورتموند لم يكونا أقل انطلاقًا وصعودًا من ظهيري الريال ولكن وقع الفارق في التغطية التي نالها كل ثنائي (سكواوكا)
ظهيري دورتموند لم يكونا أقل انطلاقًا وصعودًا من ظهيري الريال ولكن وقع الفارق في التغطية التي نالها كل ثنائي (سكواوكا)

النتيجة الحتمية كانت انتهاكات بالجملة لدفاع دورتموند تصدى لها بوركي في الدقائق الأولى، ثم استمرت حتى نهاية المباراة تقريبًا تاركة شاهين وحيدًا أمام طوفان أفضل خط وسط في العالم، ليخرج بعد ساعة كاملة استطاع خلالها إيقاف 11 هجمة لأبطال أوروبا ما بين اعتراض الكرة والعرقلة والثنائيات الهوائية، وفي نفس الوقت الذي أنتج فيه الرباعي كاسترو وغوتزه وفيليب ويارمولينكو مجتمعين 8 محاولات ناجحة فقط، لأن بوش قرر لسبب لا يعلمه إلا بوش أن يواجه بطل أوروبا بنفس الخطة ونفس التشكيل الذي واجه به سادس البوندزليغا.
 

الفجوة الضخمة بين مردود شاهين الدفاعي ومردود باقي عناصر الوسط (سكواوكا)
الفجوة الضخمة بين مردود شاهين الدفاعي ومردود باقي عناصر الوسط (سكواوكا)

 

ما سبق منح ريال زيزو أريحية شبه مطلقة في التحضير وبناء اللعب عززها قدرة هجومه على استغلال الفرص مقارنة بهجوم دورتموند، فرغم أن الأول أهدر العديد من الفرص السهلة التي كان بإمكانها تحويل النتيجة لفضيحة غير مسبوقة، إلا أن الثاني أهدر كل ما أتيح له تقريبًا، خاصة أن أوباميانغ قد فقد ذاكرة الجناح منذ الموسم الماضي، وتحول لمهاجم صندوق تقليدي ينتظر الهدايا دون فعالية في صناعة الفرص لنفسه أو لزملائه.

 
ما سبق رجح كفة الميرينغي بوضوح، فحتى رغم انخفاض مستواه نسبيًا إلا أن زيدان عادة ما يدخل هذه المباريات بحظوظ أوفر من غيره، لأنه لا يحاول إثبات شيء ما من خلال المبالغة في الاندفاع الهجومي أو التكتل الدفاعي، لا يمكنك اعتباره محسوبًا على معسكر أو تيار فكري معين، ولا يعقّد الأمور على فريقه مادام خصمه يمنحه الحلول طواعية، وكلها ميزات نادرة هذه الأيام رغم أنها لا تحتاج إلا لقليل من التواضع في بعض الأحيان.
 

فرص الفريقين (يسار) وتسديدات كل فريق  (سكواوكا)
فرص الفريقين (يسار) وتسديدات كل فريق  (سكواوكا)

  

أن تأتي متأخرًا

كان من المنطقي أن تتحسن أحوال دورتموند بعد التحول لـ3-4-2-1 في الشوط الثاني بنزول داوود وفايغل بدلًا من شاهين المستنزف وجيريمي توليان حصان طروادة الجبهة اليسرى، ولكن المنطقي لم يحدث، فبينما استغرق بوش ساعة كاملة ليدرك المشكلة في خط دفاعه، فإنه لم يدرك الأزمة في خط وسطه حتى نهاية المباراة.

 
بل إن تبديلات بوش تثير شكوكًا قوية حول مدى معرفته بقدرات لاعبيه أساسًا، إما هذا أو غرور لا يتناسب مع الخصم إطلاقًا؛ فحتى لو تجاوزنا عن مدى ملائمة يارمولينكو وفيليب وبوليسيتش من بعدهما لدور ظهير الطرف في 3-4-2-1، فإن إشراكهم في هذا المركز بغية الضغط على أطراف الريال كان يتطلب ثنائي محور قادر على حماية الدفاع، وهو ما لم ولن يتمكن داوود أو فايغل من توفيره لسبب بسيط وواضح هو أن كل منهما يحتاج للحماية بدوره رغم اختلاف أسلوبهما، فالأول صانع لعب متأخر أشبه بكروس، والثاني متحرك وحامل جيد للكرة مثل مودريتش، ولكن الفارق الجوهري هنا -إلى جانب فرق الكفاءة- هو أن حتى ثنائي الريال لم يبدو خارقًا إلا في حراسة محور دفاعي شرس مثل كازيميرو.
 
لذا ظل دورتموند فريسة سهلة طول المباراة تقريبًا، ولم يكن على زيدان إلا إعداد فريقه كالمعتاد ثم الحضور للمائدة، مستهلكًا تغييراته في إراحة عناصره الأساسية أكثر من إجراء تعديلات خططية في الملعب لمواكبة تغييرات بوش التي ألغت نفسها بنفسها، فحتى هدف الريال الثالث أتى من نفس الثغرة التي قضى الشوط الأول كله في استغلالها؛ ارتداد متأخر لفايغل في غياب لداوود عن المشهد أجبر باباستوثوبولوس على الخروج للطرف لمواجهة مودريتش الذي وضع رونالدو في مواجهة المرمى دون عناء.

 

رغم التعديل الخططي لدورتموند ظلت نفس الثغرة مجهزة لوضع مهاجمي الريال في مواجهة بوركي كلما استحوذوا على الكرة  (مواقع التواصل)
رغم التعديل الخططي لدورتموند ظلت نفس الثغرة مجهزة لوضع مهاجمي الريال في مواجهة بوركي كلما استحوذوا على الكرة  (مواقع التواصل)

 

تلك السهولة الفائقة التي التهم بها بطل أوروبا فريق بوش بعد أن سبقه توتنهام تضع عنوانًا كبيرًا لموسم دورتموند الأوروبي حتى الآن هو توزيع الهدايا، فبوتشيتينو سيظل يتذكر مباراته أمام بوش باعتبارها المناسبة الأولى التي حقق فيها فريقه فوزًا أوروبيًا على خصم أكثر خبرة وتمرسًا، لتعلن بداية تكون شخصية السبيرز الأوروبية والتي عززها الفوز على أبويل بانتظار الصدام المهم مع الريال.

 
بالمثل لن ينسى زيدان هذه المباراة كونها المرة الأولى التي يحقق فيها الملكي الفوز على هذا الملعب، والأهم أنها أتت في وقت حرج لتؤكد على انتهاء أزمة بداية الموسم في مدريد وبدء مرحلة الدفاع عن اللقب، وبالطبع لن يجد الثنائي من يستحق الشكر أكثر من سانتا كلوز دورتموند الذي أخذ على عاتقه مهمة فك العقد التاريخية لفرق المجموعة.

المصدر : الجزيرة