شعار قسم ميدان

ريال مدريد زيدان… الوقوف على حافة الهاوية

midan - زيدان

القصة بين ريال مدريد وزيدان كانت سينيمائية، رجل تضعه الأقدار في وجه المدفع مبكرا، يتولى قيادة فريق مهلهل ويطلب منه التصرف، يُعارضه الجميع وينتظر فشله الذي لا مفر منه منطقيا، يأخذ نفسا عميقا، يصنع نجاحا في موسمه الأول فيلقب بالمحظوظ، لا يبالي بكل ذلك ثم يعيد النفس العميق ذاته، ويطرق باب التاريخ في موسمه الثاني فيطرح كل الاتهامات التي وجهت له أرضا، يثبت للجميع أن ما قد تحقق سلفا لم يكن محض صدفة ولا ضربة حظ، ولكنه ينسى أنه بذلك قد رفع سقف طموحاتهم في ما هو آت، وأصبح مجبرا على ارتفاع النسق بمرور الوقت، وأن النجاح لم يسقط الضغوطات من على كاهليه، بل جعله مجبرا على مواجهة المزيد منها.

  

إثبات الذات

انتهى موسم 2017 وريال مدريد على منصة التتويج بدوري الأبطال للمرة الثانية على التوالي، الأمر الذي حدث بعد حوالي أسبوعين من عودة الليجا إلى خزائنه بعد غياب دام خمس سنوات، قضى زيدان عُطلته مستمتعا بالإشادات التي تُحاوطه في كل مكان، بل تُحاوط كل مكان يدور فيه حديث حول كرة القدم بشكل عام، وعلى غرار ما حدث مُسبقا، أخذ يُحضر لما هو قادم بقرارات مُضادة لما يطالب به الكل، ولكن في هذه المرة لم يرتد الكثيرون ثوب المعارضة بعدما أثبت لهم الرجل أنه كان على حق في ما عارضوه فيه سلفا، تصدر زيدان المشهد بالتعاقد مع بعض الشباب (1)  والاستغناء عن بعض من نجومه، حسنا، حصل الفريق على خدمات لاعبين جُدد، أطفال كانوا بالأمس، واليوم وجدوا أنفسهم مُطالبين باللعب بقميص ريال مدريد في كبرى التحديات وبشكل أساسي أحيانا، المنطق لا يحبذ ذلك، ولكن لسان حال الصامتين ظل يُهمهم "ألم يكن ماركو أسينسيو هذا طفلا بالأمس" ؟!

  

زيدان يحمل كأس دوري أبطال أوروبا  (رويترز)
زيدان يحمل كأس دوري أبطال أوروبا  (رويترز)

  

وفي الطريق نحو استمرار الهيمنة، انطلق كلاسيكو جديد للسوبر الإسباني  بين ريال مدريد وبرشلونة، ذهبت توقعات الجميع إلى لقبٍ جديد في متحف البيرنابيو، حينها أراد زيدان أن يفوق التوقعات قليلا، فأخضع برشلونة ذهابا وإيابا، وكتب تفوقا لريال مدريد على مستوى الاستحواذ أمام الغريم منذ وطأت أقدام جوارديولا عُشب الكامب نو (2)، تحكّم حينها في كل شيء، ليظن الجميع أن عصر ريال مدريد قد بدأ، وأن ما فعله برشلونة في غريمه إبان حقبة جوارديولا سيتم ردّه مُضاعفا خلال السنوات المقبلة التي سيجلس فيها الملكي على عرش أوروبا، نعم هكذا ظن الجميع.

    

حافة المنحدر

بدأ الدوري الإسباني بانتصار مدريدي على ديبورتيفو بثلاثية ، ثم بدأت التعثرات بداية من أول مبارايات الليجا في سانتياجو بيرنابيو، تعادل مخيب للآمال أمام فالنسيا في مباراة وصل فيها الريال للمرمى حوالي 22 مرة، ولم يُصب الشباك سوى في اثنتين منها فقط (3)، والسبب بالتأكيد الحظ وبنزيما وغياب رونالدو، جولتان وأتى سقوطٌ مدو أمام بيتيس أيضا في قلب البيرنابيو وبنفس السيناريو، والسبب بكل تأكيد هو ذلك المهاجم الفرنسي والحظ وغياب المعاقب كرستيانو.

 

 مرت الأيام وعاد رونالدو من الإيقاف، ابتعد بنزيما للإصابة، تحول الحظ حينها إلى حجة ضعيفة للسقوط أمام الصاعد حديثا ليغانيس، وأضعف في مواجهة الانبطاح في ويمبيلي بثلاثية مع الرأفة أمام توتنهام، وانتهى تماما بتأهل توتنهام متصدرا وريال مدريد وصيفا للمجموعة، سقوط يتلوه سقوط، وكل شيء بدأ ينحدر تدريجيا، النسق والأداء والطموح والأرقام، القلق انتاب الجميع، إلا زيدان الذي اعتاد الابتسام، والذي يبدو أنه محصن ضد القلق.

  

يخرج المدرب بعد كل مباراة يُقدم فيها ريال مدريد كرة قدم كارثية بكل المقاييس ليتحدث بأن الفريق لعب بشكل جيد ولكن التوفيق غاب
يخرج المدرب بعد كل مباراة يُقدم فيها ريال مدريد كرة قدم كارثية بكل المقاييس ليتحدث بأن الفريق لعب بشكل جيد ولكن التوفيق غاب
  

توالت الخيبات ووصل الفارق مع الغريم برشلونة إلى 19 نقطة، ريال مدريد أصبح في المركز الرابع وبينه وبين فياريال الخامس نقطة وحيدة، الطموحات تحولت من تحقيق السداسية إلى المنافسة على تحقيق مركز مؤهل لدوري أبطال أوربا في غضون 4 أشهر فقط، أشياء رُبما جعلت زيدان يشعر بالقلق أخيرا بعدما وجد شبح الإقالة يُحلق فوق سانتياجو بيرنابيو، وأن ما استند عليه سابقا أصبح جزءا من الماضي الآن، أما الحاضر فيُشير إلى واحدة من أسوأ انطلاقات ريال مدريد، ليُمارس زيدان تحطيم الأرقام في مدريد، ولكن بشكل آخر هذه المرة!

 

الكوميديا السوداء

الوضع في مدريد أصبح مدعاة للسخرية، ثم انتقل إلى مرحلةٍ أكثر سوءا ليُصبح مُثيرا للشفقة، حين يخرج المدرب بعد كل مباراة يُقدم فيها ريال مدريد كرة قدم كارثية بكل المقاييس ليتحدث عن أن الفريق لعب بشكلٍ جيد ولكن التوفيق غاب، وأنه ليس قلقًا بشأن وضع الفريق في الوقت الراهن، قبل أن يُضيف كلماته المُعتادة والمُكررة بأنه يثق في المجموعة الحالية، وأنه لا يحتاج إلى لاعبين جُدد ولن يدخل موسم الانتقالات الجارية. (4)

 

وإذا كان رب البيت بالدف ضاربا، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص، عدوى كوميديا التصريحات انتقلت من المدرب إلى اللاعبين، ليخرج كروس على جماهير ريال مدريد التي تعتبر التتويج ببطولة واحدة في الموسم فشلا ليُحدثهم بأن الهدف من هذا الموسم أصبح المنافسة على مركز مؤهل لدوري أبطال أوربا الموسم المقبل، (5) وكأن الجميع  في مدريد أصبح يتحدث بأن الوضع الحالي ليس كارثيا، ولتضرب الجماهير رأسها في الحائط حال تذمرت من أي شيء مما يحدث.

  

هجومٌ لا يُهاجم

undefined

 

البعض هنا يُفسر أزمة ريال مدريد بضعف دكة البدلاء التي تمتلك كوفاسيتش وإيسكو وأسينسيو وناتشو وفاسكيز وثيو وسيبايوس فقط! ويذهب آخرون إلى إفلاس زيدان تكتيكيا، ويُروج آخرون إلى كون بنزيما هو سرطان مُنتشر، وجوده فقط يُحدث الشلل لأحد عشر لاعبا ببدلائهم والمدرب وربما الجماهير أيضًا! لا يهم أين ذهبت آراؤهم، المهم أنهم اجتمعوا على تنحية المنطق جانبا، ومن ثم السير في الطريق المُعاكس، ليبحث كل منهم عن شماعته الخاصة من أجل تعليق الفشل عليها، لأن البحث وراء السبب الحقيقي إما مُرهق وإما مُعقد قليلا، وإما يُسبب الألم نظرًا لأن تفاصيله لا تكون في اتجاه الهوى.  

 

حين تمر 17 جولة من بطولة الدوري، ويفشل جميع لاعبي الريال في تجاوز حاجز الأربعة أهداف،(6) على الرغم من كون الريال هو ثاني أكثر الفرق صناعةً للفرص في الدوري بعد برشلونة، فالأمر هُنا يتعلق بمشكلة هجومية واضحة تصل إلى حد العقم التام، وإن كانت روح بنزيما الشريرة هي التي تحوم حول اللاعبين فتمنعهم من التسجيل، فقد أُصيب بنزيما وابتعد ولعب الريال بدونه، والنتيجة كانت زيادة في العقم، واستمرارا لغياب النجاعة، ومن هنا ندرك حقيقة أن الأعمى فقط هو من لا يعترف بأن صلاحية هجوم ريال مدريد قد انتهت وحان وقت التجديد، لأنه من العار أن يكون هداف الفريق الملكي طوال الدور الأول يمتلك في جعبته أربعة أهداف فقط!

 

الجوع كافر ولكن الشبع أكثر كفرًا

"للأزمات وجوهٌ كثيرة"، خاصة حين يتعلق الأمر بقضايا كبرى، فإن اختزال كل المعطيات في سطرٍ واحد من التفسيرات من أجل إراحة العقل من الغوص في بحور المنطق يكون شيئا من الظلم، المُعطيات هُنا لا تُشير إلى عُقمٍ هجومي فقط، بل إلى أن الرغبة في الفوز نفسها قد انطفأت تماما، لا لا، بل أن توالي الأيام أثبت أن ما انطفأ هو الرغبة في لعب كرة القدم من الأساس.

 

 البعض سيسأل هنا: "وهل للرغبة مقاييس يُعرف بها مدى صلاحيتها"؟! حينها سيُجيب العقل في الحال بأن السلوك يُفسر الرغبة وراءه؛ طفلٌ يبكي ويصرخ فهو جائع، وآخر رُسمت على وجهه ابتسامة بلهاء فهو بالتأكيد راض عن حاله، كلاهما لم ينطق ولم يتفوه بكملة واحدة وافتقد حتى القدرة على ذلك، ولكن سلوكا واحدا قام به أبرز تفاصيلا عديدة حتى وإن أخفاها الصمت.

  undefined

 

لامسنا الرغبة بداخل لاعبي الريال في الموسم الماضي حينما وجدنا أرقام اللاعب البديل تفوق أرقام الأساسي، وحينما تتبدل الأدوار ويعود ذلك الأساسي إلى مركزه فإن أرقامه تتحسن عن ذي قبل، المنافسة وُلدت داخل الفريق فانتقلت إلى خارجه على كافة الجبهات، لذلك كانت الصحوة بعد الاهتزاز مُبررة، ولذلك أصبح ريال مدريد مرعبا للقارة العجوز بكامل أبنائها، لأن الرغبة تصنع المستحيل، هكذا تقول الأسطورة.

 

العند يورث الندم

جميل أن تأتي بوجهة نظرٍ يُعارضها الكل، ثم تثبت أنت صحتها في النهاية، ثم تنظر إليهم بابتسامة المنتصر، وتُجبرهم على التصفيق رغما عن إرادتهم، ولكن ما ليس جميلا على الإطلاق أن تُنشئ من الحالات الفردية قاعدة ثابتة، وتضع فرضا ـ بلا منطق ـ بأنك حين تأخذ قرارًا تُخالف فيه العامة ستكون دوما على حق وهم على خطأ، أما في حالة أن تعلم بأنك على خطأ والآخرين على صواب، وترفض الاعتراف بذلك من باب المكابرة، فأنت تطرق بابا للعند سيفتح لك أبوابا أخرى من الندم.

 

الرهان على أسينسيو في الوقت الذي طالب فيه الجميع برحيله على سبيل الإعارة من أجل كسب المزيد من الخبرة، الرهان على وضع رونالدو كرأس حربة في رسمٍ تكتيكي يُشير لغياب الأجنحة، ويعترف بوجود أربعة لاعبين في وسط الملعب، (7) وأخيرا الرهان على عملية المداورة من أجل أن يلعب الجميع وبالتالي تخف حدة الضغط والإنهاك البدني عليهم. (8)

 

العناد لن يُفيدك ولن يكون مبررا لك حين تجد نفسك بيد فارغة والأخرى لا شيء فيها تضطر أن تُعلن فشلك للجميع وترحل من الباب الضيق
العناد لن يُفيدك ولن يكون مبررا لك حين تجد نفسك بيد فارغة والأخرى لا شيء فيها تضطر أن تُعلن فشلك للجميع وترحل من الباب الضيق
  

كلها كانت رهانات ناجحة لزيدان في الوقت الذي وقفت فيه الغالبية في صف المعارضين لكل ذلك، نعم الجميع لامس نجاح ذلك ولكن لحظة، من أين أتى زيدان بفرضٍ يقول بأن كل لاعبٍ ناشئ لم يسبق له خوض تجربة اللعب مع الفريق الأول يستطيع أن يكون أسينسيو؟ وضع زيدان تلك الفرضية فتخيل أن حكيمي ومايورال يستطيعان تمثيل الفريق الأول بكل سهولة، فكانت النتيجة هي احتراقٌ لتلك المواهب التي حُكم عليها بالفشل مبكرا، على الرغم من كونها غير ذلك تماما، أيضا الـ 4/4/2 كانت ناجحة تكتيكيا في وقت احتجت فيه إلى كسب معركة وسط الملعب، ففي الوقت الذي ستحتاج فيه إلى تسريع إيقاع اللعب وفي نفس التوقيت يكون لديك انخفاض مُفاجئ في مستوى لاعبي الوسط، فإن العودة إلى الـ 4/3/3 ليست عيبا.

 

الجميع يعلم وقبلهم زيدان نفسه أن سلاحه الأول في عالم التدريب كان المرونة وليس التكتيك، مرونة زيدان في السير وفق ما يُشير الطريق لا ما يعتقده هو قد تغلبت كثيرا على قلة خبرته في النواحي التكتيكية، وأصبحت سلاحا يواجه به خصومه الذين يفوقونه خبرة وثقلا، ومن الحماقة أن تُقرر فجأة رمي سلاحك أرضا ثم تذهب إلى خصمك أعزل.

  

بارقة الأمل تحتاج لمن ينظر إليها

علمتنا الحياة أن لكل عثرة ألف حل، بشرط أن تتخلى عن كل الثوابت الوهمية لديك وتنظر إلى الأمور مجردة من العواطف والأهواء، باختصار شديد، حين تشتد عليك أزمة أحد حلولها أن تتعاقد مع مهاجم جديد أو خط هجومٍ جديد لو أردنا أن نصيب الدقة، ويتزامن ذلك مع موسم الانتقالات الشتوية التي تعج برحيل الأسماء الكُبرى هنا وهناك(9) فأنت رجلٌ محظوظ لأن الداء وُجد بجانب الدواء، أما أن تخرج لتنفي المرض وترفض الاستشفاء منه،  فإن الندم لن يُفيد في تلك الحالات، أيضا حينما تلمس أن هُناك مشكلة نفسية وتُزيد من تفاقُمها بأن تخلق حالة من الانقسام بين جنودك، فهنا أنت تضرب الحائط المشروخ في مركزه حتى يتهشم تماما. العناد لن يُفيدك ولن يكون مبررا لك حين تجد نفسك بيد فارغة والأخرى لا شيء فيها تضطر أن تُعلن فشلك للجميع وترحل من الباب الضيق الذي كان واسعا قبل أن تُضيقه بيديك.

 

حل الأزمات يتلخص في دراسة المعطيات ومن ثم الوصول إلى استنتاجات منطقية. العُقم الهجومي أزمة تتطلب تجديد خط الهجوم كاملا لا تعليق الفشل على فرد واحد منه فقط لأن مواقع التواصل الاجتماعي تُحبذ ذلك، الشبع أزمة لها حل بأن تزرع التحديات داخل المنظومة، سواء بالاعتماد على أسماء جديدة أو بزرع الطموح بداخل القديمة كما فعلت منذ شهورٍ قليلة. العناد أزمةٌ أخرى تحتاج إلى مواجهة الواقع من منظوره الحقيقي فقط، لا من منظوراتٍ وهمية صنعتها الأهواء وخصال النفس الإنسانية من عند وغرور وما شابه، من هُنا يحدثنا المنطق بأن أزمة ريال مدريد ليست معقدة، أو أنها في الأصل لم تكن معقدة، وإنما خُلقت وبدأت وتشكلت وزاد تعقيدها على يد المُكلفين بالحل أنفسهم، لأنهم أداروا ظهورهم للمنطق، وساروا خلف كل ما تم سرده سلفا.