شعار قسم ميدان

مانشستر يونايتد.. هل رحل السير أليكس فيرغسون؟

MIDAN - مانشستر يونايتد
نشبت الحرب العالمية الثانية في نهاية الإسكتلنديالثلاثينيات وانتهت في منتصف الأربعينيات بالضبط، بعدها مباشرة تم إعفاء الإسكتلندي "مات بسبي" من الخدمة العسكرية في جيش المملكة البريطانية، وتسنى له العمل بدوام كامل كمدير فني لفريق مانشستر يونايتد الإنجليزي، تحديدا في تشرين الأول/أكتوبر 1945، ليصبح اللاعب السابق للغريمين الأبرز؛ مانشستر سيتي وليفربول، أول مدير فني للشياطين الحمر بعد الحرب مباشرة. (1)

 

لا يمكن أن نؤكد أن هناك حربا قد اندلعت في الفترة ما قبل تولي السير "أليكس فيرغسون" زمام الأمور في أولد ترافورد، أي قبل السادس من تشرين الثاني/نوفمبر 1986، (2) لكن الربط بين الأسطورتين لا يرجع لذاك السبب في الأصل، بل لأن الإنجاز الذي حققه كل منهما قد يكون متطابقا تماما، وكذلك الفترة التي تمكنا من قيادة الفريق فيها تكاد تكون بنفس الطول تقريبا (25 عاما لبسبي و27 لفيرغسون)، ولأن الفريق عانى الويلات من بعدهما ومن قبلهما أيضا. لكن ماذا لو كان التشابه بينهما يفوق ذلك الحد؟

 

آفة الاستقرار

خلفت الحروب مشاكل عدة لليونايتد. استلم "بسبي" المقاليد الفنية في مانشستر واستلم معها ملعبا مدمرا تماما كإحدى هدايا هتلر العظيمة؛ قنبلة سببت تلفا كبيرا بأرضية الميدان، وتسلم كذلك إدارة ناد تعاني من الإنفاق دون احتياطات نقدية؛ أي إنها تصرف على المكشوف -إذا جاز التعبير- ناهيك عن الآثار النفسية السيئة للاعبيه أو بالأحرى العدد المتبقي منهم بعد خصم ضحايا الحرب والجرحى والذين قرروا اعتزال العالم بعد ما شاهدوه خلال تلك الفترة.

  

مدرب مانشستر يونايتد مات بسبي (رويترز)
مدرب مانشستر يونايتد مات بسبي (رويترز)

  

ركز الإسكتلندي في البداية على رفيق الدرب؛ حيث استطاع إقناع "جيمي ميرفي" أن يصبح مساعده الأول في إدارة الفريق خلال تلك المرحلة الصعبة، ووضعا سويا خطة المضي قُدما بسفينة النادي خلال بحور الدم والخراب التي وضع فيها العالم رغما عنه، وتمكنا من إنشاء أول فريق ما بعد الحرب بُني على القدرات الدفاعية لـ"جون كاري" و"جون أستون" و"ألينبي شيلتون"، وكذلك الذكاء الهجومي لـ"تشارلي ميتن" و"جاك رولي" و"ستان بيرسون"، وقد تمكن بهذه الكوكبة الجديدة من الظفر بلقب كأس الاتحاد الإنجليزي في موسم (48/1947) والذي كان أول لقب تُفتح له خزائن أولد ترافورد منذ 1911 حين حصل الفريق على لقب الدوري المحلي. (3)

 

مع بداية الخمسينيات، كانت رؤية "ميرفي" و"بسبي" للمستقبل أبعد من البقية؛ اتخذا مسؤولية بناء فريق شاب جديد يختلط دمه بالفريق الأول، حتى يتسنى لليونايتد الاستمرار في قوة قوامه لمُدد أطول، وقد كتبا بأيديهما شهادات ميلاد للاعبين عدة على رأسهم: "جيف وايتفوت" و"جاكي بلانشفلاور" و"روجر بيرن". وبحلول عام 1953، انضم الجيل الجديد للفريق الأول من "بيل فولكس" و"مارك جونز" و"ديفيد بيغ" و"ليام ويلان". (3)  نظام الكشافة المتطور الذي صنعه الإسكتلندي ومساعده كان يؤتي ثماره أسرع من أي توقع، وجاء الظفر بلقب الدوري الغائب منذ عقود كأفضل هدية يقدمها "أبناء بسبي" (Busby Babies) إلى والدهم الروحي، كان ذلك في موسم (55/56) و(56/57). (4)

 

(الأسطورة التي لا تنسى؛ السير "مات بسبي")

  

خلال محاولة فرض هيمنة الشياطين الحمر داخل المملكة وبداية انتشارها خارج الحدود في المنافسات الأوروبية، كانت حادثة ميونخ هي الفارقة في تاريخ النادي. عام 1958، قُدر لليونايتد المشاركة في البطولة الأوروبية بعدما كان حاملا للقب الدوري ووصيفا لكأس الاتحاد الإنجليزي، وبعد لعب الدور الثاني من منافسات ربع نهائي البطولة، تحطمت طائرة الفريق العائدة من بلغراد (عاصمة صربيا) فوق الأجواء الألمانية بعد الإقلاع من مدينة ميونخ، وكانت وفاة ثمانية لاعبين وإنهاء الحياة الكروية لاثنين آخرين النتيجة المؤسفة لهذا الحادث، بل وصل الأمر لإصابات طالت المدير الفني نفسه واضطر لمداومة زيارة المشفى بعد ذلك حتى تم الشفاء. (3)

 

العودة نفسيا من حادثة مثل هذه لم تكن سهلة إطلاقا، لكن الغريب أنها لم تقتل حلم الجندي السابق بالجيش البريطاني؛ فبعد التعافي من إصاباته عمل على فريق جديد من الشباب، وطور إمكانياتهم جميعا حتى يتسنى لهم تكملة المجد الذي بدأه سابقوهم، وتضمنت القائمة "دينيس لو" و"جورج بيست" وكذلك "بوبي تشارلتون" الشيطان الذي لم يُؤثر حطام الطائرة فيه. (5) جيل جديد من "بسبي بيبيز" يخطو نحو المجد، جميعهم عرفوا الكرة ومعانيها على أيدي الإسكتلندي، لذلك كان لقبهم لا يعود فقط لكونهم بدأوا صغارا في السن، لكن لأن "بسبي" يُعد والدهم الحقيقي أيضا.

 

بعد عشر سنوات بالضبط من الحادثة المشؤومة، تمكنوا من هزيمة بنفيكا في النهائي الأوروبي، ودخل اللقب الأغلى إلى خزائن مسرح الأحلام ليكون اللقب الأول والوحيد في المسمى القديم لبطولة دوري أبطال أوروبا، بعد عقد كامل من العمل الدؤوب من "مات بسبي" وكل رجاله في التدريب وفي طاقم العمل الفني للنادي.

   

(في عام 1968 أعلن "مات بسبي" استقالته من تدريب مانشستر يونايتد. الأسطورة الإسكتلندي كان أول من قاد الشياطين الحمر للقب دوري أبطال أوروبا في عام 68 وبعد 10 سنوات من الحادثة الجوية المؤلمة لطائرة ميونخ والتي فقد فيها العديد من "أبناء بسبي" حياتهم.)

 

أعلن الأب الروحي للجيل الأعظم في اليونايتد اعتزاله في 14 حزيران/يونيو 1969، (5) وتم إعلان "ويلف ماكغوينس" مديرا فنيا لمدة 18 شهرا تقريبا، عاد بعدها "بسبي" لقيادة الفريق لمدة قصيرة، لكن كعادة الأمور في أولد ترافورد، كان قد تم تكريم أسطوريته بتعيينه مديرا عاما لشؤون النادي، وهو الأمر الذي استمر سنوات طويلة مسببا العديد من المشكلات للفريق وبين اللاعبين.

 

خلال فترة "بسبي" تمكن اليونايتد من الظفر بخمس بطولات للدوري وخمسة دروع للسوبر، وتمكنوا من رفع كأس الاتحاد الإنجليزي مرتين، إلى جانب الإنجاز الضخم؛ الفوز بأول بطولة أوروبية في إنجلترا. كل ذلك بدأ في الضياع بعد رحيله، العديد يرمي ذلك التراجع الكبير الذي ضرب الشياطين إلى وجود "مات" نفسه كمدير عام للنادي. لفترات طويلة كان الجميع لا يدرك من هو مدربهم الحقيقي، هل هو "مات بسبي" كما اعتادوا طوال حياتهم، أم أن الأمر تحول للمرة الأولى في عمرهم تقريبا وبات "ماكغوينس" هو من يتولى زمام الأمور؟ (6) 

ألا يبدو ذلك الحديث مألوفا بالنسبة لك؟

  

تعددت الأعراض والداء واحد

يعتبر الكثيرون "أليكس فيرغسون" أفضل مدرب في تاريخ اللعبة، وقد قدم السير رفقة اليونايتد كل عوامل النجاح التي يمكن أن تتخطى مرحلة كرة القدم. منذ حوالي 3 أعوام، ناقش العاملون في شبكة "بي بي سي" الأسباب التي دفعت جامعة كبرى مثل "هارفرد" لدراسة أسرار النجاح الخاصة بالمدير الفني الإسكتلندي -الأمر هنا لا يخص نقاط تكتيكية ولا حتى قدراته على اكتشاف اللاعبين الصغار- النقاش يدور كله حول المدير والقائد "فيرغسون"، لا المدرب الرياضي المعروف. (7)

 

يحكي قائد ثورة اليونايتد بداية من الثمانينيات في كتابه "سيرتي الذاتية" أن قرار اعتزاله الأول صدر في عام 2001، وقتها تراجع بعد حديث عائلي بينه وبين زوجته "كاثي" وأبنائه، لكنه يعود بالسبب حول التفكير في الاعتزال إلى خوفه من المصير الذي ترك فيه "بسبي" الفريق حين كان مديرا عاما للنادي، وما دفعه للتفكير في ذلك هو رد قاله "مارتن إدواردز" عندما سئل عما إذا كان سيحصل السير "أليكساندر" على وظيفة في النادي بعد مغادرته التدريب، فقال: "لا نريد قضية مماثلة لقضية مات بسبي". (6)

  

أليكس فيرغسون يحتفل بكأس الدوري الإنجليزي 1993 (رويترز)
أليكس فيرغسون يحتفل بكأس الدوري الإنجليزي 1993 (رويترز)

  

نفى "أليكس" في نفس الصفحات نواياه لاتخاذ أي منصب يخص الكرة بعد قرار اعتزاله وقتما يصدر، مؤكدا أن عصره مختلف تماما عن عصر الإسكتلندي السابق؛ الظروف الكروية الحالية بها تعقيدات وكلاء الأعمال والإعلام والعقود والأموال، الأمور من وجهة نظر السير تختلف كليا في كل من العصرين، لكن ذلك لم ينف -بأي شكل- الربط الدائم بين السير "مات بسبي" وبين السير "أليكساندر فيرغسون".

 

في الحقيقة، كل الشواهد تشير إلى تشابهات بين "بسبي" و"فيرغسون"؛ كلاهما لم يكن مجرد مدير فني داخل الملعب أو داخل مقر التدريبات، بُنيت كل المواطن في النادي على كاهلي هذين الرجلين. في فيلم "بي بي سي" حول أسرار نجاح السير، (7) الجميع كان يتحدث عن أنه يعرف كل العاملين بالنادي بالاسم، يتذكر حتى مشاكل كل منهم الشخصية، عاملي الكافيترتيا والمطعم، المدلكين وجامعي الكرات، يستطيع التحدث في الشأن الداخلي لكل منهم بشكل يثير الدهشة، يتذكر أسماء زوجاتهم وأبناءهم كافة، كل هذا يعد غير طبيعي ولا يتكرر كثيرا في كل الفرق.

 

بعد قرار الاعتزال الذي كان قاب قوسين أو أدني في (01/2000)، بدأ اللاعبون في الشعور بالتكاسل، وصلهم الظن المُفضي إلى اعتزال رب هذا البيت العظيم، وحاول وقتها السير وأد ذلك الإحساس بكل الطرق الممكنة، لكنه أدرك حينذاك أن الفريق قد اعتاد عليه بشكل مبالغ فيه، وبدأ التأكد بأن المستقبل أصبح معتما. (6) الغريب أن اليونايتد فقد كل البطولات التي نافس عليها في هذا الموسم، وأنهى الدوري في المركز الثالث بعدما كان حاملا للقب في ثلاث نسخ متتالية. فقط إشاعة الاعتزال ضربت استقرار الفريق بالكامل، حقيقة يمكن التعويل عليها فيما هو أبعد من ذلك.

 

بعد ذلك بحوالي 15 عاما، وجد "فيرغسون" أن الوقت بات مناسبا للاعتزال -بشكل نهائي- في موسم (2013/2012). تمنى فقط أن ينتهي هذا الموسم ببطولة كبرى حتى تكون مسك الختام رفقة الفريق، وقد كان برفع لقب الدوري الأخير لليونايتد حتى كتابة هذه السطور. بالطبع تم تعيين السير ضمن مجلس إدارة النادي، كنوع من أنواع التكريم في الأساس، لكن الاستفادة من كامل خبراته كانت أحد أهم العوامل كذلك. لطالما حاول أن ينفي نواياه باتخاذ منصب بعد الاعتزال، لكن بحلول منتصف 2013، لم يعد النفي مجديا.

  undefined

 

المقولة التي تؤكد بأن المناصب تغير الأشخاص تتأكد يوما بعد يوم. لم يكد يلبث "فيرغسون" حتى أعاد قضية "مات بسبي" من جديد؛ نصح بتعيين مواطنه "ديفيد مويس" الذي حقق أسوأ سجل مباريات على أرض اليونايتد خلال موسم (2013/2014). العديد يُصنفون هذا الموسم كأسوء موسم لليونايتد طوال التاريخ، (8) ولم يُعف "فيرغسون" من اللوم لأن اختياره لـ"مويس" ظل راسخا في عقل كافة الجماهير. (9)

 

استمرت إضافاته السيئة في اختيار خلفائه بدوام دعمه لأحد أبنائه المُخلصين؛ "جيجز"، في منصب المدير الفني للشياطين دون النظر لنتائج الفريق تحت قيادته أو حتى طموحات النادي التي أخذت في الانخفاض بشكل واضح، تلك الطموحات التي بنيت في الأصل على التاريخ الذي شارك السير في صنع جزء كبير جدا منه، بجانب الأخبار التي تبدأ في الظهور عند كل بحث جديد عن قائد للجهاز الفني في اليونايتد والتي تشير إلى رفض السير تعيين هذا أو ذاك دون إبداء للأسباب، فقط تفضيل من قبله يتم بناء الافتراضات على أساسه، بل وكذلك تتم التعيينات على نفس الأساس. (9)

 

كل العوامل والشواهد تؤكد أن "فيرغسون" لم يخرج كليا من الصورة، وإن كنا نظن أن ذلك لا يعد مؤثرا بشكل مباشر على لاعبي الفريق كما كان الحال في قضية "بسبي"، لكن تأثير هذا الوجود الخفي يبدو أنه أقوى من سابقه.

 

متلازمة السير أليكس فيرغسون

ما خلفه "بسبي" كان مجموعة من اللاعبين المتعلقين به وبأسلوب تدريبه وقيادته للأمور داخل أروقة الفريق، في حين ترك "فيرغسون" مجموعة لاعبين وعاملين بالنادي ومساعدين كثرا مرتبطين به داخل جنبات النادي، لكن المشكلة الكبرى كانت تكمن في أن "فيرغسون بيبيز" كانوا جماهيرا وليسوا لاعبين. ربى "أليكس" أجيالا من متابعي مانشستر، وخلق للشياطين شعبية كبيرة جدا تعد هي الأكبر بين كل فرق العالم، جميعهم مصابون بمتلازمة السير، لا يتخيلون الأمور تُدار إلا على طريقته وبالشكل الذي عودهم عليه.

  undefined

 

كل المدربين فشلة إذا لم يطبقوا الأسلوب الذي اعتادوا رؤيته، وكل اللاعبين سيئون وتجب مقارنتهم بأفضل تشكيلة صنعها السير قبل إصدار الأحكام عليهم، وكل الإنجازات واهية ما دامت لم تصل بعد إلى ما قد وصل إليه الإسكتلندي، ذلك الجانب من الضغط يوضع على كاهل "مويس" و"فان خال" و"جيجز" وحتى "جوزيه مورينيو" ومن سيخلفه. كمدير فني للـ"ريد ديفلز"، فأنت ترث تركة عظيمة صنعها شخص واحد فقط وليس سلسلة من الأشخاص كل منهم له ما له وعليه ما عليه، بل هو شخص واحد مُقدس جدا بالنسبة للجماهير هناك.

 

كل ما يرتبط بتلك الفترة الذهبية لا يزال عالقا بأذهان مشجعي اليونايتد الحاليين، عدد الذين يعرفون اسم المدير الفني الذي سبق "أليكس" في قيادة الفريق ضئيل جدا لحد الانعدام، فتجد أنه من المنطقي جدا أن يحول هؤلاء السير ومن عاصروه -ولو لمدة 6 أشهر فقط- إلى أساطير خالدة تملك حق المدح والذم في أي شيء أو حدث أو لاعب، وفي أي وقت، وتجدهم كذلك يضعون عودة "فيرغسون" للتدريب من جديد محل نقاش في كل مرة يسقط فيها الفريق.

 

نهاية العام المنصرم (2017)، خرج "سكولز" أسطورة وسط الملعب في اليونايتد، وأحد أذرع السير "أليكس فيرغسون" الأساسية، بتصريحات تهكمت على مستوى متوسط الميدان الحالي للفريق "بول بوجبا"؛ المحلل بقناة "بي تي سبورت" انتقد المستوى البدني للفرنسي الشاب، وأكد أنه لن يستطيع أن يجعل اليونايتد يفوز باللقاءات ما دام بهذا الأداء، مشيرا إلى أن سعره العالي غير ملائم لما يقدمه (بوجبا) بالمرة. (10)

 

بغض النظر عن أن "بوجبا" لا يزال مظلوما في تكتيك "سبيشال وان" الدفاعي، لكن انتقادا لاذعا مثل الذي قدمه "سكولز" يمكن أن يمر مرور الكرام  لو كان من أي محلل عادي، وليس أسطورة سابقة في الفريق. "سكولز" وبجانبه "جاري نيفل" وأخرون من قدامى اليونايتد يحاولون دائما فرض معايير الصواب والخطأ على كل الأجيال الجديدة، دون مراعاة لما قد ذكره معلمهم الأول "فيرغسون" من متغيرات بين كل عصر وما يليه.

  undefined

 

مع الوقت، تتحول أساطير الفريق لنقمة على الفريق وليس نعمة؛ تصريحات تضرب عمق الفريق، ونقد دائم في القنوات كافة، وكل المنابر تتهافت من أجل تصريح من أحد أساطير الفريق السابقين كما لو كان هو الدستور الذي يجب أن تسير عليه الأمور، لا يهم إذا كان رأيهم سليما أم لا، مبنيا على أساس سليم أم لا، الأهم أنه من أحد لاعبي الفريق السابقين، بلا أدنى فرصة للجماهير للتعايش مع الوضع الجديد غير الموجود به أي من إنجازات الماضي سوى بعض الألقاب في خزائن البطولات، لكن لا الأفكار التي بنت المجد القديم يمكن تطبيقها في الواقع الحالي، ولا حتى رجال السير الذين نفذوا تلك الأفكار ممكن أن يعودوا من جديد، فقط مجرد رؤى سطحية يتم تناولها في الغرف المغلقة واحتمالات تطبيقها تكاد تكون معدومة.

 

"فيرغسون" وفترته لم يولوا بعد، أو بالأحرى رحلوا بالجانب الإيجابي وتركوا الجوانب السلبية فقط. التأثير السلبي لوجوده المعنوي في أذهان المشجعين ربما لا سبيل لعلاجه، لكن وجوده المادي في منصب هام بالنادي، والتواجد الدائم لكل رجالاته في المواضع الصحفية، يمثل صخرة ضخمة في المياه غير الهادئة إطلاقا؛ والتي ستدمر "تايتنك" اليونايتد أكثر وأكثر إذا ما استمر الوضع هكذا.

 

على السير أن يقطع كل الشكوك ويطلب الرحيل تماما من الصورة، وأن يترك النادي يمضي قدما بعيدا عنه وعن أسطوريته وعن أسطورية لاعبيه، أن يترك الجماهير لتتعايش مع الواقع الجديد الذي لا يملك أيا من طموحات الماضي، واقع لم يعشه السير، ولن، ولا يراه لاعبوه بالشكل السليم حتى الآن.