شعار قسم ميدان

ليت كل "الفقاعات" مثل هاري كين!

midan - sport

التضخيم، آفة كما آفات كثيرة في كرة القدم، وهي حالة تتكرر كلما توالت السنوات، فبمجرد تألق أحد الأسماء الصغيرة التي بدأت للتو البحث عن طريقها في عالم المستديرة والظهور بمستوى مميز في بضع مباريات، ينهال عليه المديح من كل حدب وصوب، وتبدأ المقارنات والتنبؤات من الجميع، هذا "هنري" الجديد، وذاك خليفة "سكولز"، والآخر أرى فيه "لامبارد"، الأمر برمته يشبه "الفقاعة"، فقط عليك بالاستمرار في "النفخ" حتى تختفي إلى الأبد، وهو ما يجيده الإنجليز أكثر من أى شئ آخر بالتأكيد!

         

كثيرة هي الأمثلة في كرة القدم الإنجليزية وتحديدًا منذ بداية الألفية، فالأمر مثلًا ينطبق على "ثيو والكوت" لاعب أرسنال والذي تنبأ له الكثيرون وأولهم مدربه أرسين فينجر بأنه ناشئ واعد وخليفة "تيري هنري" (1)، إلا أن -الناشئ- البالغ من العمر 28 عامًا حاليًا لم يُظهر ما كان متوقعًا بعد أن قضى نصف مسيرته يعاني الويلات من الإصابات والنصف الآخر على مقاعد البدلاء بعد تدهور مستواه.

               

ظل الجميع في انتظار لمجهول، لا يعلم أحد من هو، إلا أنهم في انتظار من يأتي ويُبطل تلك النظرية المعروفة عن الإنجليز. وبالفعل، جاء هاري، الذي قرر أن يغرد خارج السِرب. فوجئ الجميع بظهوره، شاب صغير بدأ للتو في عامه الحادي والعشرون، يتنبأ له الكثيرون بمستقبل مذهل. وفي موسمه الأول كأساسي في "البريميرليغ" مع توتنهام أحدث تغيرًا شاملًا في ترتيب الهدافين، بعد تسجيله 21 هدفًا (2) ليبعث برسالة إلى أغويرو وكوستا وآخرين مفادها" "هاري كين قادم".  

            

           

ارفعوا أيديكم عن هاري!
منذ مشاركته تحت قيادة المدرب ماوريسيو بوتشيتينو للمرة الأولى، والذي كان له دور في تطور المهاجم الشاب، بدا للجميع أن الكرة الإنجليزية أمام مهاجم قناص بالمعنى الحرفي للكلمة. ومع عدة تخوفات أن يكون هاري إحدى الفقاعات الجديدة في إنجلترا، كان الأمر واضحًا تمام الوضوح بالنسبة إلى المدرب الأرجنتيني، فهو يعلم متى سوف يُشرك هاري مع الفريق، وفي أي لحظة سيحصل على مركز أساسي لقيادة هجوم "السبيرز". وبالتأكيد، لدية الثقة الكاملة في اللاعب، وخاصة بعد أن أوقف انتقاله إلى ساوثهامبتون في صفقة تبادلية مع غاي رودريغيز وتصريحه حينها "ارفعوا أيديكم عن هاري"! (3)

       

"إنه إنجليزي ولاعب صغير، بجانب أنه من أكاديمية توتنهام، لذلك من الطبيعي أن تكون هناك ضغوط، أتفهم أنه لاعب خاص للأنصار، ولكن قراراتي دائمًا تأتي بناءً على تحليلاتي من التدريبات، وأيضًا لإعطاء التوازن للفريق". بوتشيتينو عن مطالبات الجماهير بمشاركة هاري كين كأساسي موسم 2014 -2015 (4)

     

 على الرغم من مطالبات جماهير الفريق الإنجليزي المستمرة بمنح اللاعب شرف قيادة هجوم توتنهام في الدوري، وخاصة بعد تسجيله تسعة أهداف في الدوري الأوروبي وكأس الرابطة الإنجليزية، وتفوقه على إيمانويل أديبايور والإسباني روبيرتو سولدادو، فإن بوتشيتينو لن يتأثر بضغوط الجماهير بشأن المهاجم الواعد (4) ليشارك كين أمام أستون فيلا بديلًا ويسجل هدف الفوز في آخر دقائق المباراة ويحتفظ بمركزه للمباراة التالية بمشاركته أساسيًا للمرة الأولى أمام ستوك سيتي، ما أهله بالفعل لقيادة هجوم الفريق منذ ذلك الحين، ليُظهر كين أداءً استثنائيًا ويتمكن من حسم جائزة أفضل لاعب صاعد بعدما أنهى موسمه الأول مسجلًا 31 هدفا في جميع المسابقات. (5)

       

الاستمرارية.. صقل الهوية التهديفية
undefined
       
تواترت التساؤلات من الجميع: هل يواصل الفتى الإنجليزي مستواه المبهر في المواسم التالية، أم هى مجرد "طفرة" وينتهي به المطاف كمن سبقوه، ليبدأ بعده ذلك خفوت نجمه بعد موسم واحد؟ غير أن هاري كان عازمًا على إبطال تلك النظرية، ليستمر في التسجيل بتجاوزه حاجز العشرون هدفًا في الموسم الثالث على التوالي، وبتحقيقه لقب هداف "البريميرليغ" لموسمين متتاليين! (6) (7)

      

يعد كين نموذجًا حقيقيًا للمهاجم "رقم 9" بتحركاته المتواصلة خلف المدافعين والضغط المُرهِق على الخصوم في حال فقدان الكرة. إذا كنت تريد مهاجمًا يسجل بكلتا القدمين وبالرأس ومن كرات عرضية ويطلق قذائف بعيدة المدى فهو هاري بالتأكيد. مهاجم قادر على إيجاد المساحة ووضع نفسه في أفضل الوضعيات للتسجيل. يجيد سحب المدافعين خارج منطقة الجزاء، ناهيك عن أنه بارع في استلام وترويض الكرة تحت الضغط. ومع الوقت صارت تلك الأمور اعتيادية للمهاجم الانجليزي، الذي يعد محظوظًا وجوده في منظومة بوتشيتينو رفقة الثنائي الآخر إيريكسين وآلي.

       

بالتالي، يبدو أن غياب كين عن التسجيل في بداية الموسم الحالي لم يكن إلا للاسترخاء فقط كي يتمكن من المواصلة على الوتيرة المعتادة نفسها في المواسم الأخيرة، و لكي يبرهن على استمراريته المذهلة مع كتيبة "السبيرز" بعدما تصدر ترتيب هدافي "البريميرليغ" هذا الموسم برصيد 18 هدفًا رغم سيطرة محمد صلاح، نجم ليفربول، على الصدارة لعدة أسابيع. ويبدو أن الصراع سيظل محتدمًا حتى الأسابيع الأخيرة. (8)

     

ولأن الأرقام وجدت لتُحطَّم..
نحو مزيد  من الاستمرارية، كان هاري كين أمام مفترق طرق في هذا الموسم ما بين الاستمرار على الوتيرة نفسها وتحطيم أرقام قياسية عدة بفضل أهدافه، أو الاكتفاء بثلاثة مواسم في مستوى مذهل على المستوى الفردي فقط، إذ لم يشفع له ما قدمه للتتويج بلقب مع توتنهام حتى الآن، وهو الأمر الذي سيكون المهاجم صاحب الـ24 عامًا مطالبًا به رفقة "كتيبة" بوتشيتينو المدججة بالأسماء الرائعة، والتي بإمكانها الفوز بأحد الألقاب.

         

مايكل أوين سجل 12 "هاتريك" خلال مسيرته، هاري كين لديه نصف هذا الرقم خلال الأشهر التسعة الماضية

            

إذا كنت قد قلت إن هناك شخصًا آخر بإمكانه أن يكسر هيمنة الثنائي الفضائي ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو فربما ستُتهم حينها بالجنون، سنوات متتالية يتصارع الثنائي على كل الألقاب الفردية. حتى على مستوى الأكثر تسجيلًا في عام واحد، فشل الجميع في مجاراة البرتغالي والأرجنتيني منذ 2009،  إلا أن كين كان عازمًا على كسر الهيمنة أخيرًا بعد سنوات من الملل سيطر فيها الروتين، ليصبح الإنجليزي أكثر اللاعبين تسجيلًا للأهداف في 2017 بعد تسجيله الهدف رقم 56 هذا العام (9) ناهيك عن تسجيل "الهاتريك" السادس في العام نفسه (10) وإزاحته رقم ألان شيرار، مهاجم نيوكاسل السابق، بعد تسجيله 39 هدًفا، ليصبح أكثر اللاعبين تسجيلًا للأهداف في موسم واحد في "البريميرليغ". (11)

            

          

المهاجم الإنجليزي لا يدع مجالًا للصدفة ولا يكتفي بتسجيله الأهداف فحسب، بل يريد الاستمرار في التطور يومًا بعد يوم. فحينما سُئل عن أسباب تطوره المذهل أكد أنه يقوم بتحليل مستواه بنفسه رفقة أحد محللي الأداء في الفريق (12) بجانب اعترافه بأن تطور لياقته البدنية أحد أهم أسباب ظهوره بمستواه الحالي، فعلى الرغم من أنه حين ظهر في أول مواسمه لم يكن بهذه القوة التي يمتلكها الآن، فإن كين عمل على تطوير لياقته من خلال التدريب في الصالة الرياضية. (12)

        

لا يُقدر بثمن
"هاري كين ليس له سعر محدد، من المستحيل وضع سعر له، قيمته خارج هذا السوق" (13)

(ماوريسيو بوتشيتينو)

           

عند سماعك الأرقام الخرافية في سوق الانتقالات الحالية قد يدور ببالك تساؤل: إذا كانت قيمة مدافع أو لاعب يصنف بالكاد بأنه جيد لا تقل عن 60 مليون إسترليني، فكم ستكون قيمة بيع نجم توتنهام إن حدثت يومًا ما، خاصة بعدما بلغت الحاسة التهديفية لكين حد التميز حاليًا، إذ أظهر للجميع أن المستوى الذي ظهر به منذ بداياته مع "السبيرز" لم يكن وليد الصدفة، بل إن تسجيل الأهداف يبدو وكأنه موهبته الفطرية.

                      

وبالطبع، فإن ما قدمه مهاجم المنتخب الإنجليزي الأول منذ ظهوره وحتى كتابة تلك السطور جعله هدفًا رئيسيًا للانتقال إلى أكبر أندية العالم، وعلى رأسها ريال مدريد، الذي يرغب في تدعيم خط هجومه (14) ما يؤكد أن الفريق الإنجليزي سيجد صعوبة في الاحتفاظ بنجمه الأول لفترة طويلة. ولكن رحيله عن "لندن" لن يكون أمرًا سهلًا، وتحديدًا في وجود دانيال ليفي، رئيس النادي، والذي تشير الشائعات إلى أنه لن يوافق على رحيل مهاجمه بأقل من 200 مليون يورو (15). ويبدو أن كل الطرق تشير إلى أن انتقال هاري كين من توتنهام -إن حدث عاجلًا أم آجلًا- سيحقق رقمًا قياسيًا جديدًا في عالم المستديرة.

المصدر : الجزيرة