شعار قسم ميدان

الكرة المغربية.. هل على المحترفين اللعب لمنتخبهم الوطني؟

FERRARA, ITALY - OCTOBER 10: Morocco's team pose prior before the international friendly match between Italy U21 and Morocco U21 at Stadio Paolo Mazza on October 10, 2017 in Ferrara, Italy. (Photo by Alessandro Sabattini/Getty Images)
تنطوي علاقة الفرد بوطنه على جوانب ملتبسة، لا تحتمل قراءة واحدة، بل تستوعب وِجهات نظر مختلفة. ثمة من يتبنى "التطرف" في مسألة "الوطنية"، ويختزلها في حتمية التضحية من أجل الجذور ومنبع السلف والأجداد، بينما يبدي آخرون بعض "الليونة" والمرونة، فيلتمسون العذر لكل من اختار مسارا آخر بعيدا عن بلده الأم.

هي قاعدة شاملة لكل المجالات، ويمكن إسقاطها على كافة القضايا والميادين، ما دامت الهجرة تكاد تكون متجذرة في التاريخ الإنساني؛ في الرياضة، كما الاقتصاد، وغيرهما من القطاعات. يجد أبناء المهجر الذين بلغوا مرحلة العطاء والإنتاج أنفسهم مجبرين على الاختيار بين بلد الإقامة من جهة، والوطن الأصلي من جهة أخرى.

في كرة القدم؛ يتجسد هذا السيناريو كثيرا، خاصة في الدول التي تملك قدرا كبيرا من أبنائها في بلدان أخرى، ومن بينها المغرب؛ الذي بات في صراع دائم لاستقطاب اللاعبين الممارسين في القارة الأوروبية خصوصا، ومحاولة إقناعهم بحمل القميص الوطني، ودفعهم لإيثاره على دول القارة العجوز.

نداء "الوطن" و"المهجر"
مشجعو منتخب المغرب في أمستردام يحتفلون بتأهل المغرب لكأس العالم 2018  (الأوروبية)
مشجعو منتخب المغرب في أمستردام يحتفلون بتأهل المغرب لكأس العالم 2018  (الأوروبية)

تبدو مسألة استمالة المنتخب المغربي للاعبيه القاطنين بأوروبا مثل كرة ثلج تأخذ في اكتساب الحجم مع التدحرج؛ إذ بدأ الاتحاد المحلي منذ بداية الألفية الثالثة يؤمن بأن تعزيز المنتخب الأول بأسماء المهجر قرار صائب يحمل في طياته تداعيات إيجابية على الكرة الوطنية.

ومع تعاقب السنوات، أصبحت كتيبة "أسود الأطلس" تكتسي بـ"المنتوج الأوروبي" شيئا فشيئا؛ انطلاقا من سنة 1994 (1) التي لم تعرف سوى القليل من هذه الفئة، مثل مصطفى حجي، الذي هاجر إلى فرنسا في سن العاشرة، ومرورا بسنة 2003 (2)، التي شهدت ما يشبه ثورة على التركيبة البشرية المغربية التي قادها بادو الزاكي باقتناص مواهب شابة من الخارج، ثم وصولا إلى النسخة الحالية التي يتشكل معظمها من لاعبي الدوريات الأوروبية (3).

تنطق الترسانة البشرية للمنتخب الأول بأن الأسماء المحترفة بالخارج تعد عمودا فقريا، وثابتا رئيسيا لهوية "الأسود"، خاصة عقب إنجاز أبناء الزاكي الذين بلغوا نهائي كأس أمم إفريقيا 2004، والذين شكلوا منذئذ مرجعا لأبناء القارة الأوروبية، الذين يشكل حضورهم تداركا لعجز الكرة المغربية على التكوين(4).

لكن، إذا كان المسؤولون المغاربة قد استفادوا من خدمات نجوم مثل مصطفى حجي ومروان الشماخ بكل سلاسة ودون تلكؤ منهما، فإنهم اصطدموا بعدها بمطبات مستعصية في رحلة ضم لاعبين غيرهما، على غرار إبراهيم أفيلاي، الذي فضل المنتخب الهولندي وعادل رامي، الذي قرر تمثيل المنتخب الفرنسي؛ حيث رأى النور وترعرع واكتسب أبجديات المستديرة.

آخر نموذج يعكس المنافسة التي تندلع غالبا بين المغرب والبلدان الأوروبية على المواهب الواعدة وحتى الأسماء التي تتلمس خطى النجومية؛ يتجلى في سفيان أمرابط، متوسط ميدان فينورد الهولندي، الذي أشعل فتيل نزال محموم أثثه منتخبا "الطواحين" و"أسود الأطلس"، آل في النهاية لهذا الأخير، بعدما اختار اللاعب مواصلة المشوار مع وطنه الأم، مكرسا مسلسل التردد الذي يستحوذ على اللاعبين قبل الحسم في مستقبلهم الدولي(5).

مطاردة "المنتوج الأوروبي"

في الوقت الذي تتكئ فيه دول كثيرة على التكوين كمصدر رئيسي لتزويد منتخباتها باللاعبين، توحد مكونات الكرة المغربية جهودها لجذب أبنائها المتواجدين بأوروبا، وحملهم على تمثيل المنتخب الوطني، حتى صار دور "الكشّاف" والمدير الرياضي الذي يتواصل مع مواهب "أوروبا" أكبر من مدربي المنتخبات المغربية الصغرى والشابة في رسم هوية المنتخب الأول.

"كرتنا الوطنية تحاول تدارك عجزها على مستوى تكوين اللاعبين، عبر الاعتماد على الأسماء الممارسة في الخارج؛ فبين لاعب مغربي ولد في أوروبا وآخر كُون في المغرب، هناك سبع أو ثمان سنوات من حيث الجودة كفارق"، يقول "ناصر لارغيط"، رئيس الإدارة التقنية داخل الاتحاد المحلي(6).

ناصر لارغيط - رئيس الإدارة التقنية داخل الاتحاد المحلي (مواقع التواصل)
ناصر لارغيط – رئيس الإدارة التقنية داخل الاتحاد المحلي (مواقع التواصل)

التسلح بنجوم ولاعبين ينشطون في أندية أوروبية كبرى فعل محمود، ويختصر المسافات، ويضفي الكثير من القوة على النخبة حسب العديدين، لكن هناك من يرفض المسوغات التي بسطَها "ناصر لارغيط" حول دواعي هذه الإستراتيجية، ويرى ضرورة إيلاء الأهمية اللازمة للتكوين، وهو ما ينطلق من الإيمان بخريجي المدرسة المغربية، وعدم تجاهلهم لصالح الممارسين بأوروبا.

لا يخلو هذا الموقف من سند منطقي، ووجاهة وفق ما يستشف من آراء المتابعين، بيد أنه يصطدم بمعطيات لا تؤيده. هناك عدة مناسبات تشهد على أن الاعتماد على الاسم المحلي كمكون أساسي للمنتخب لا يؤتي أكله، مثل سنة 2013 حين مني بالخسارة بثلاثة أهداف لواحد أمام تانزانيا، ضمن التصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس العالم 2014، في مباراة أشرك فيها رشيد الطاوسي -الناخب الوطني آنذاك- عدة لاعبين من الدوري المغربي(7).

رأي عام وتيارات منقسمة

بعدما تأكد للكثيرين أن الاستناد على اللاعبين المحترفين بأوروبا له جدوى وفائدة، إثر تأهل المنتخب الأول إلى نهائيات كأس العالم 2018 والوصول إلى ربع نهائي كأس أمم إفريقيا 2017 قبل ذلك، راح السجال حول "المحلي" والمحترف" يتقلص، ليتفجر مكانه جدل جديد تجاه المفاضلة بين بلد الأصول والإقامة.

جاء ذلك عقب عودة قضية منير الحدادي إلى الواجهة؛ وهو الذي مثل المنتخب الإسباني لخمس دقائق، ثم جرى استبعاده بعدها من "لاروخا"، ليطرق أبواب المنتخب المغربي على إثر ذلك (8)، محدثا انقساما حادا في الأوساط الرياضية الوطنية بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة.

أن يختار الفرد تمثيل المنتخب الأول الذي هاجر إليه، أو رأى فيه النور، واكتسب فيه قواعد اللعبة، لهو مرادف لدى البعض للتنكر للأصول و"خيانة" الوطن، ما يفسر حملة الاستنكار الواسعة التي قوبلت بها محاولة الاتحاد المغربي تغيير الجنسية الرياضية لمنير الحدادي والاستفادة من خدماته.

رغم ذلك، توجد فئة أخرى من الرأي العام التي ترى أن تفضيل بلد الإقامة حق مشروع ومنطقي؛ ذلك أن هذا الأخير وفر له الكثير وسهر على تكوينه الجيد، ليُطرح السؤال هنا حول مشروعية اتهامنا للاعبين الذين نشؤوا بالدول الأوروبية باعتبارهم خائنين لموطنهم الأصلي؛ وهو ما يجعل هذين التيارين المختلفين من حيث الرأي والموقف في اصطدام يشتد مع ظهور أي لاعب جديد له الفرصة لتمثيل منتخبين.

حمْل لاعبي المهجر لقميص منتخبهم الوطني الأم ليس اختيارا طبيعيا ولا مباشرا، وإنما يمر بمراحل متعددة، أهمها التردد والاستناد إلى منطق الحسابات والمصلحة؛ وما يثيره ذلك من جدل في الرأي العام، لكن دون أن يعني ذلك غياب لاعبين آخرين يصممون على الدفاع عن ألوان وطنهم الأصلي رغم إغراءات الدول الأوروبية.

هي مسألة متشعبة وذات فروع متعددة، لكنها تكشف في المجمل أن انضمام أسماء الممارسين في القارة الأوروبية إلى منتخبهم الأم لا يمضي دون صخب، ولا يحدث بانسيابية في معظم الأحيان، بل يستلزم من الرأي العام استهلاك الكثير من النقاش، ويستدعي من المسؤولين مجهودات جبارة من أجل إنهاء العجز الذي تعانيه الكرة المحلية في التكوين والتفريغ.