شعار قسم ميدان

توتنهام وبرشلونة.. لأن فالفيردي لا يخصّب اليورانيوم

ميدان - ميسي

"بيكيه صار أكثر رعونة من أن يلعب كرة القدم ناهيك عن أن يقود خط الدفاع، وهذه مشكلة، وبوسكيتس يزداد بطئًا على بطئه، وهذه مشكلة أخرى، وألبا كان ولازال أقل إبداعًا من أن يحمل جبهة بمفرده، وهذه مشكلة ثالثة، وراكيتيتش ليس تشافي وهذه مشكلته هو، وروبيرتو لن يكون ألفيش وهذه مشكلة ألفيش، والمشكلة السادسة أن هناك شاحنات بضائع تستطيع المراوغة أفضل من لويس سواريز"

(مقدمة التحليل السابق بعنوان "ميسي الكسول وبرشلونة فالفيردي..لأن العالم كله يخطىء أحيانًا"(1))

  

في تحليله المعتاد عقب كل مباراة، طرح الصحفي القريب من برشلونة رافائيل هيرنانديز سؤالًا مهمًا؛ هل يمكنك أن تصدق أن هذا هو نفس الفريق الذي كان يلعب طيلة الشهرين الماضيين؟

    

  

بالطبع لا، لأن بيكيه قدم مباراة جيدة، وبوسكيتس تمكن من قطع 7 كرات أكثر من أي لاعب آخر في الفريقين، وألبا أشعل الجبهة اليسرى نشاطًا، دفاعًا وهجومًا، وحتى سواريز تمكن من إتمام نفس عدد المراواغات الذي أتمه ميسي ولكن – صدق أو لا تصدق – من محاولات أقل، ولكن على الرغم من ذلك كله فإن الفارق الأكبر كان في حالة ميسي نفسه، والسؤال الأوقع هو هل يمكننا أن نصدق أن هذا هو نفس الميسي الذي لعب أمام ليغانيس؟

    

عندما يقف ميسي

قبل المباراة، وبطبيعة الحال، تحدث بوتشيتينو عن ليونيل ميسي قائلًا إن خطته لإيقافه "بسيطة"، ولكنها تتطلب تضحيات كبيرة وتركيز طوال التسعين دقيقة، وهو ما اتفق معه فيه مارتن كيوون الذي أصر على أن السبيل الوحيد لتعطيل الأرجنتيني هو تكديس العمق بأكبر عدد من اللاعبين ليكونوا قريبين منه عندما يتسلم الكرة. (2)

  

بوتشيتينو رجل يغير خططه باستمرار، ومن الصعب التأكد ما إذا كانت الـ4-2-3-1 التي بدأ بها اختيارية، أم اضطرارية لغياب إيريكسين وديمبيليه، لكن المهم أنه لم يمتلك سوى ديير ووانياما ووينكس للمشاركة في الوسط قبل المباراة، ولم يكن من المنطقي أن يدفع بالثلاثة معًا لأنهم لا يقدمون أي تنوع في الحلول.

     

 تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي  (هوسكورد) 
 تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي  (هوسكورد) 

      

بالتالي كان البديل هو العمل بما يملكه بالفعل، واضطر الرجل الذي عانى لسنين طويلة من خلو قائمته من العدد الكافي من الأجنحة، إلى إشراك ثلاثة منهم دفعة واحدة، ثم أوكل لمورا أدوارًا مركبة لم تختلف كثيرًا عما قدمه منذ بداية الموسم؛ الخروج للطرف في الحالة الدفاعية لتوفير الملاذ بمجرد استخلاص الكرة، ثم الانضمام للعمق بمجرد وصول التحضير إلى ثلث برشلونة الدفاعي.

        

خريطة لمسات مورا في الشوط الأول  (هوسكورد)
خريطة لمسات مورا في الشوط الأول  (هوسكورد)

    

بالطبع لم يمنحه ميسي أي فرصة لتقييم خطته لأن الهدف الأول أتى في الدقيقة الثانية بعد تمريرة قُطرية معتادة جهة ألبا، تكفل لوريس بتحويلها من فرصة جيدة إلى هدف محقق بخروج مبكر ترك المرمى شبه خال أمام تسديدة كوتينيو، وحينها لم يتبق لبوتشيتينو طيلة الشوط الأول سوى محاولة الضغط على أطراف برشلونة ومنعها من التقدم، لأن عودة ميسي للوسط ومن ثم الزيادة العددية التي حظي بها البلاوغرانا في عمق الملعب كانت بمثابة الفخ، مجرد حيلة من ميسي لاستدراج محاور السبيرز للخروج لملاقاته، وهو بالضبط ما أكد ريو فرديناند أنه سيفعله قبل المباراة. (3)

  

المشكلة أن ميسي لم يمنحنا أي فرصة لتقييم خليط فالفيردي الجديد بين خطته المفضلة 4-4-2 وخطة برشلونة المفضلة 4-3-3، والتي يبدأ فيها البرازيلي كرابع وسط جهة اليسار ثم يتم ترحيل الثلاثي المتبقي ليؤمّن ظهره عندما يتقدم. هذه هي مشكلة العروض الفردية عندما تكون بهذه القوة، أنها تهدم كل الخطوات المنطقية التي يبنيها المدربين للتعامل مع المباراة، ولهذا وصف بوتشيتينو ميسي عقب المباراة بأنه "لا يُصدق". (4)

  

نهاية الحلقة

undefined

  

أي حلول أخرى من جانب الأرجنتيني كانت شبه مستحيلة في غياب عموده الفقري كاملًا تقريبًا بداية من فيرتونخين في الدفاع ومرورًا بديمبيليه في الوسط حتى آلي في الهجوم، والأهم على الإطلاق كريستيان إيريكسين الذي كان ليجعل مهمة برشلونة في وسط الملعب أصعب بكثير بالتأكيد، ولكن هذا كله لم يعفه من خطأ الضغط على برشلونة في نصف ملعبه، ببساطة لأن هذا ما يريده فالفيردي، والأهم؛ كان هذا ما يريده ميسي الذي قطع المسافة من الدائرة لمنطقة جزاء السبيرز مرتين دون أن يستطيع أحد إيقافه، وفي المرتين ضربت تسديدته القائم.

  

بالطبع كان للغيابات أثرها على السبيرز، ولكن هذا لا يمنع صحة الانطباع الشائع عنهم حاليًا في إنجلترا؛ الشعور بالإحباط لأنهم بصدد نهاية حقبة بوتشيتينو مع الفريق، ولأن الدوافع لم تعد كما كانت، ولأن الفترة الذهبية قد مرت دون أن يتوجها لقب واحد رغم كل الجهد والتعب والتطوير الذي شهده النادي اللندني في الأعوام الأخيرة.

  

لذا وبعد الهدف الأول بدت الهزيمة نفسية أكثر من أي شيء آخر، ببساطة لأن برشلونة الذي كان يواجهه توتنهام هو نفسه برشلونة الهش الضعيف الذي يقدم عروضًا متواضعة منذ بداية الموسم، وحتى وإن حظي بهدف مبكر خارج أرضه، ورغم ذلك لم يبد السبيرز قادرين على العودة حتى نالهم ما نالهم من بوتشيتينو في غرفة خلع الملابس بين الشوطين.

  

في الشوط الثاني بدأ بوتشيتينو العمل؛ فالفيردي كان يمارس هوايته في تعذيب سيميدو على الجبهة اليمنى وكأنه يطلب منه أن يفعل كل شيء بطول الملعب صعودًا وهبوطًا، لدرجة أنه كان يتسلم الكرة في نصف ملعب توتنهام أحيانًا وحوله دائرة قطرها 10 أمتار خالية من أي زميل، ومن هنا أطلق الأرجنتيني كل خيوله على الظهير البرتغالي بعد أن حطم ألبا المحور المعتاد بين تريبييه وكين.

      

مع بداية الشوط الثاني ونجاح كين في التسجيل انتقل مورا للجهة المعاكسة للضغط على سيميدو على عكس موقعه في الشوط الأول (هوسكورد)
مع بداية الشوط الثاني ونجاح كين في التسجيل انتقل مورا للجهة المعاكسة للضغط على سيميدو على عكس موقعه في الشوط الأول (هوسكورد)

   

صاحب ذلك تعليمات واضحة لكين للهبوط لوسط الملعب وتعويض نفس الزيادة العددية التي وفرها ميسي، وهنا عاد الإنجليزي الدولي لدور كان يحبذه كثيرًا في بدايات مسيرته كصانع لعب متقدم لا يكتفي بتسجيل الأهداف بل يصنعها لزملائه، بعدها سجل من واحدة من الكرات القليلة التي تسلمها ووجهه لدفاع برشلونة، ومع استعادته السيطرة وتراجع الكتلان نوعًا ما ظهرت المشكلة الثانية؛ أن هبوط كين فرّغ المنطقة من الرأس الوحيدة القادرة على التعامل مع عرضيات تريبييه الشحيحة، ومن هنا أتى تغيير لاميلا بيورنتي.

  

ليغانيس من جديد

لابد وأنك قد نسيت فالفيردي. حسنًا، لنكن منصفين ونقول إن الرجل لم يحتج لتغيير الكثير طيلة الساعة الأولى باستثناء حقيقة أنه هو نفسه يحتاج إلى تغيير، ولكن حتى عندما تأزمت الأمور وقارب السبيرز على العودة فإن الرجل لم يملك في جعبته سوى تنفيذ طريقة كيوون حرفيًا؛ أي تكديس العمق بأكبر عدد ممكن من لاعبي المحور على أمل تشكيل منطقة ضغط لافتكاك الكرة ومنح ميسي وسواريز المزيد من المرتدات، الفارق الوحيد هنا أن كيوون كان يشرح كيف يمكن إيقاف ميسي، وتوتنهام لا يمتلك ميسي، لأن ميسي يلعب في نفس الفريق الذي يدربه فالفيردي.

    

     

كوتينيو يخرج كما هو متوقع لأنه توقف عن اللعب عمليًا منذ الدقيقة 60 ولأنه لم يلعب 90 دقيقة في حياته بنفس النسق أبدًا، ويتبعه آرثر الذي يعاني من صعوبات بدنية بدوره، وأخيرًا بوسكيتس، ويحل مكانهم رافينيا وفيدال وفيرمايلين على الترتيب. تلك هي المشكلة في الواقع، أن بوتشيتينو قارب على العودة عند النهاية، ورغم أنف الغيابات المؤثرة، ورغم أنف وسط برشلونة الذي قدم أفضل مبارياته منذ زمن، ورغم أنف ألبا الذي صنع ثلاثة أهداف، وأنف لونغليه الذي استخلص 5 كرات من 5 محاولات، وبوسكيتس الذي لم يخطىء تمريرة واحدة من أصل 67 تمريرة.

  

المهم أنه من زاوية فالفيردي، كان هناك عدة فوارق بين هذه المباراة ومباراة ليغانيس؛ أولها أن السبيرز أقوى بمراحل طبعًا، وثانيها أن ألبا لم يشترك في الهدف المبكر أمام ليغانيس، وثالثها وهو الأهم على الإطلاق؛ أن ميسي تراجع بشدة بعد الهدف في مباراة الليغا، والذي سجله كوتينيو أيضًا بالمناسبة، وهو عكس ما حدث بالضبط أمام السبيرز.

  

فن تخصيب اليورانيوم

بعد المواجهة تحدث بوسكيتس عن الأثر الإيجابي الذي يمنحه البرغوث لباقي الفريق حينما يكون في هذه الحالة، كيف يساعد الفريق على الدفاع بشكل أفضل ويؤثر على الحالة النفسية لزملائه، وكأنهم يبدؤون المباراة متقدمين في النتيجة، وهو ما حدث تقريبًا في هذه المباراة.

 

    

بالطبع يبدو من الظلم أن يُنسب الفضل كله للأرجنتيني، ولكن الواقع منذ بداية الموسم يقول إن  وجود ميسي في الملعب ومشاركته في هدف أو تسجيله لواحد لم يعد كافيًا ليفوز فالفيردي بأي مباراة، وحتى لو كانت أمام أكثر الخصوم تواضعًا، وحتى لو نجح كوتينيو أو ديمبيليه في التسجيل من مهارة فردية بدورهم.

  

ما يحتاجه فالفيردي ليفوز بدوري الأبطال ليس أن يكون ميسي في أفضل حالاته دائمًا وحسب، بل أن يستمر في التسجيل وصناعة الفرص والأهداف طوال التسعين دقيقة من كل مباراة يلعبها البرسا، ولا يتوقف حتى يطلق الحكم صافرته وتُعتمد النتيجة من الاتحاد الأوروبي.

  

أي نظرة إلى فالفيردي أثناء المباراة ستشعرك بأن الرجل لا يفكر في مجرد مباراة لكرة القدم، بل ستوحي أمارات الخطورة والحنكة على وجهه بأنه يحاول اختراق النظام الأمني للبنتاغون، أو بصدد محاولة لتخصيب اليورانيوم، ولكن الواقع أخبرنا مرارًا أن الرجل ليس أكثر من مدرب محظوظ بامتلاكه السلاح النووي الوحيد في اللعبة، الفارق الوحيد أنه لا يملك حتى زر الإطلاق.

المصدر : الجزيرة