شعار قسم ميدان

بوكيتينو يفترس مورينيو.. بين أوركسترا توتنهام ونشاز اليونايتد

ميدان - توتنهام
في مباراة ناسفة لكل الآمال المتصاعدة مؤخرا، سقط مانشستر يونايتد على يد مضيفه توتنهام هوتسبر بهدفين دون رد، معمقا الهوة السحيقة بينه وبين المتصدر مانشستر سيتي إلى 15 نقطة. يمكن وصف تلك الليلة بانقلاب تام في موازين القوى التكتيكية حين المقارنة بين هذه المباراة ومبارة الذهاب التي نجح خلالها البرتغالي جوزيه مورينيو في تحجيم خطورة خصمه قبل أن يخرج لمواجهته في الشوط الثاني، ليشل حركته بشكل شبه كامل، ويلدغه بمرتدة نموذجية. هذه المرة تحولت الأمور إلى حكم كامل من جانب الخصم الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، لأنه ببساطة نجح في تدمير شوط جوزيه الأول وبالتبعية كل المباراة بل وما أمكن أن يدور بذهنه!
 

تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)


والهدف الأول لتوتنهام هوتسبر! عدد لا بأس به من المتابعين قد أدركوا هذا الهدف في الإعادة، فمن كان يتوقع هدفا بمثل هذا التوقيت من قمة بهذا الحجم؟ ولكن كرة الديوك المُبالغ في إتقانها مع الأداء الدفاعي المُبالغ في هزليته للشياطين الحمر هي ظروف مثالية تماما لإنتاج كرة تخترق الشباك أيا كان الوقت. آخر مرة تلقى يونايتد هدفا مبكرا في مباراة أمام الكبار كانت رباعية تشيلسي، وآخر مرة سجل هدفا مبكرا في مرمى أحد الكبار كان حفل تعذيب آرسنال بـ14 تصديا من 33 تسديدة، انقلبت الآية وسلمت الحصون مفاتيحها قبل بداية الحرب..

كم يسهل إلقاء اللائمة بأكملها على الهدف المبكر، هاري كين ينتصر في الهواء، لا مشكلة، يمهد الكرة لديلي ألي الذي يتسلمها بشيء من الأريحية، لا مشكلة هذه الأمور تحدث أيضا، ولكن بين هذا وذاك هل يملك أحد تفسيرا منطقيا لكيفية عبور كريستيان إريكسن عمق الثلث الأخير بأكمله لتسلم تمريرة ألي دون أن يلحظه أحد؟

في النهاية هو هدف وحيد ولديك 89 دقيقة لتعويضه، المشكلة أنه على ما يبدو -وكما هو معتاد- لم يكن احتمال الهجوم أو التعويض ضمن الخطة الأصلية للشوط الأول، وهنا اضطر مورينيو آسفا إلى مرافقتنا على مقاعد المتفرجين لـ45 دقيقة، شاهد خلالها وسط ملعبه وهو يتعرض للالتهام على يد الخصم. هدف مبكر من شأنه إرباك حسابات أي مدرب في العالم، ولكن حين تكون الحصيلة 22 تسديدة مقابل 6 فلديك مشكلة أكبر كثيراً من هذا الهدف.

تلك الأفضلية المبكرة وضعت بوكيتينو في موقع ممتاز لإدارة مباراته ولكنه لم يغير شيئا، لم يقع اختياره سوى على ما جهز له، الضغط العالي المستمر، المثالية في توزيع الأدوار وتبادلها، فقط خط الدفاع ظهر مكشوفا في بادئ الأمر ولم يوفق مهاجمو يونايتد في استغلال هذا الأمر لتضيع الفرصة إلى الأبد، ففي تلك الدقائق الأولى لم تبدُ مرحلة ما بعد اجتياز خط الوسط بتلك الصعوبة، هذا إن اجتزته! لم يكن غريبا في النهاية أن يصبح فارق تواجد الكرة في الثلث الأوسط والثلث الدفاعي للشياطين مجرد 8%.

توزيع الكرة عبر أثلاث الملعب (هوسكورد)
توزيع الكرة عبر أثلاث الملعب (هوسكورد)

واصل توتنهام تفوقه الفردي والجماعي الكاسح على مر الشوط الأول أمام نسخة عاجزة للغاية من يونايتد، فلا الصف الأمامي يضغط كما يجب، ولا وجود للاعبي الوسط باستثناء استمرار نيمانيا ماتيتش في عمله اليومي بقطع الكرات (5 محاولات ناجحة من أصل 6 واعتراض واحدة) دون فائدة في تحويل الكرة للأمام أمام ابتلاع ثنائية ديمبلي-داير لكل الجهود الممكنة، ناهيك عن الدفاع والذي تكفل أحد رجاله بتحويل عرضية تريبييه إلى هدف ثان بالفعل.

الخريطة الحرارية للفريقين: توتنهام يغزو الملعب كاملا مع ميل طفيف لليمين داخل المنطقة – مد مانشستر ينحسر عند حد معين ولا يستمر إلا يسارا (هوسكورد)
الخريطة الحرارية للفريقين: توتنهام يغزو الملعب كاملا مع ميل طفيف لليمين داخل المنطقة – مد مانشستر ينحسر عند حد معين ولا يستمر إلا يسارا (هوسكورد)

استمر المسلسل دون بادرة تغيير حقيقية، فعجز الفريق الأحمر عن مجاراة الانتشار الرائع لخصمه، واستمر كين في التحرك بمنتهى الذكاء لخلق المساحة لأي من الزملاء المنطلقين خاصة سون وألي، مع تحرر متعقل وفعال من جانب الأظهرة لتوسيع الرقعة كلما حاول مورينيو تحجيمها وحصر الأضرار، الفارق بين تحركات أظهرة الفريقين ومدى الأدوار المحددة وجودة تنفيذها كان له عامل كبير في المشهد التكتيكي العام للمباراة، باختصار تلاعب بوكيتينو بكامل الرقعة بينما أصر جوزيه ورجاله على ملاذ وحيد فقط..



الخريطة الحرارية لظهيري توتنهام تريبييه وديفيز يسارا، وظهيري مانشستر فالنسيا ويونغ يمينا (هوسكورد)
الخريطة الحرارية لظهيري توتنهام تريبييه وديفيز يسارا، وظهيري مانشستر فالنسيا ويونغ يمينا (هوسكورد)

أهل اليسار

توزيع الهجمات عبر الأطراف قد يظهر أن أحدا لم يعبأ بشأن جبهة كاملة من الملعب هي يمين مانشستر ويسار توتنهام، وقد كانت لها الأفضلية الدفاعية في تلك النسبة الأقل، حيث افتك منها فالنسيا أربعة تدخلات ناجحة من أصل خمسة ونجح ديفيز في خمسة من أصل ستة، فبينما لجأ توتنهام مرارا وتكرارا لضرب ثغرة يونغ الواضحة تلك الليلة، كان هناك ارتباك واضح في توزيع هجوم يونايتد الذي مال بشدة إلى نفس الجانب.


توزيع المحاولات الهجومية عبر الأطراف: يونايتد يمينا وتوتنهام يسارا (هوسكورد)
توزيع المحاولات الهجومية عبر الأطراف: يونايتد يمينا وتوتنهام يسارا (هوسكورد)


وقع مورينيو في حيرة متبادلة بينه وبين لاعبيه من إلزام مارسيال باليسار مع تحرير سانشيز بين الأطراف والعمق وإمالة لوكاكو إلى اليمين، ثم نقل مارسيال إلى اليمين وتثبيت سانشيز إلى اليسار والعكس، أضف إلى ذلك الدور الهلامي قليل الفاعلية للينغارد في ظل انعدام الربط بين الخطوط المناقض لخطوط السبرز المتماسكة. على الجانب الآخر امتلك الثلاثي إريكسن وألي وسون تناغما يفوق خصومهم بوضوح في تبادل المواقع بعرض الملعب تبعا للموقف، وهو ما يتضح في متوسط تمركزهم الذي يظهرهم كثلاثي متلاصق وراء رأس الحربة.

بينما رشح جونز نفسه بقوة للقب الأسوأ، ووقع اختيار مورينيو على بوغبا ولينغارد كخطوة أولى لمحاولة إنقاذ الحطام، نال أليكسيس سانشيز التقييم الأسوأ في المباراة من هوسكورد، ليس فقط لفشله في إظهار جودته الهجومية والتي لا يلام عليها وحده أبدا، بل لإخفاقه التام في كل الواجبات الدفاعية التي لم يبدو مهيئا لها أيضا، أي تخمين منطقي لهوية اللاعب الأكثر تعرضا للمراوغة قد تقود إلى دفاع أو وسط مانشستر يونايتد، ولكن الحقيقة كان هذا اللاعب هو سانشيز بـأربع محاولات فاشلة للتدخل.. من أصل أربع.

متوسط تمركز اللاعبين: توتنهام يسارا ومانشستر يمينا (هوسكورد)
متوسط تمركز اللاعبين: توتنهام يسارا ومانشستر يمينا (هوسكورد)

بدأ مورينيو يكتشف شيئا فشيئا بواطن الخلل في تشكيله، فأمام اكتساح الديوك الشامل لخط الوسط لم يكن هناك بديل عن 4-3-3 بلاعب وسط حقيقي على حساب لينغارد، إن كان هيريرا هو المفضل لتمكنه من جوانب الدفاع والتمرير والخروج بالكرة، فإنه في مثل تلك الظروف لا بأس بفيلايني حتى. مباراة بوغبا كانت رديئة بلا شك، ولكن بعد الإشادة الجماعية التي نالها لاعب الوسط الفرنسي على أدواره في الثلث الأخير كلما نال الحرية الكافية، يجب علينا أن نتساءل إن كانت المشكلة في مجرد مباراة سيئة من جانبه. الشيء الذي يمكن الجزم به بشكل مبدئي هو أن لينغارد لا مكان له في العمق على الأقل بتلك النوعية من المباريات.

حل خوان ماتا لإضافة ما ينقص يونايتد في عز حاجته للهجوم، ورافقه فيلايني لمجابهة الوسط بقوة أكبر في افتكاك الكرة ومميزات إضافية في الكرات الطولية التي أرسل يونايتد 79 منها دون جدوى (مقابل 52 لتوتنهام)، وبينما هم الرجل بإقحام ماركوس راشفورد كأي مدرب يسعى لإضافة المزيد من الأقدام الهجومية التي يملكها، فوجئ برجله البالغ من الطول مترين يتعرض للإصابة بعدها بـسبع دقائق وكأن الأمر ينقصه! ليضطر للزج بهيريرا بدلا منه. على الناحية الأخرى لم يكن هناك ما يفعله ماوريسيو سوى إحكام القبضة فلم تجتز تغييراته حيز التنشيط في الدقائق العشر الأخيرة أمام خصم متهالك.

رجل المباراة

تقييم هوسكورد رشح يان فيرتونخن واحد من أفضل مدافعي العالم عن جدارة واستحقاق في الوقت الحالي، بـثلاثة تدخلات ناجحة بالعلامة الكاملة وخمسة انتصارات هوائية من أصل ثمانية، لم تكن مهمة لوكاكو (صاحب الـخمسة انتصارات هوائية أمامية من أصل عشرة) هينة في هذا الشق على الإطلاق. خط دفاع السبرز بأكمله يستحق الإشادة بمجموع 12 تدخلا ناجحا من أصل 13، إلى جانب جودة قلبي الدفاع في بناء الكرة من الخلف، ولكن هذا التقييم ربما قد بخس حق الدنماركي كريستيان إريكسن.

دقة تمرير بلغت 92%، كم لاعبا نعرفه بالثلث الأخير يحقق مثل هذا الرقم أمام فريق بحجم مانشستر يونايتد؟ ست تمريرات مفتاحية بفارق الضعف عن زملائه كين وسون وديمبلي، أول ظهور لمانشستر يونايتد على هذه القائمة يتمثل في فالنسيا بتمريرتين. الأمر لا يتوقف على تسجيل إريكسن للهدف المبكر بل هي مباراة لا عيب فيها سوى كونه الأكثر فقدا للاستحواذ بـخمس مرات، يليه سانشيز بأربع.

خريطة تمريرات إريكسن: الصحيحة باللون الأخضر، الخاطئة باللون الأحمر، المفتاحية باللون الأصفر (سكواوكا)
خريطة تمريرات إريكسن: الصحيحة باللون الأخضر، الخاطئة باللون الأحمر، المفتاحية باللون الأصفر (سكواوكا)

أرقام رائعة أخرى تلك التي أتى بها موسى ديمبلي إلى جانب تمريراته المفتاحية الثلاث، دقة تمرير وصلت إلى 95% ونجاح كامل في التدخلات بـثلاث محاولات صحيحة واعتراضين للكرة، كان متوسط الميدان البلجيكي أحد العناصر الفارقة بقوة واضحة، وقادت شراكته مع داير(ثلاثة تدخلات ناجحة من أصل أربعة) لتقويض وسط مانشستر إلى نحو كبير. على الجانب الآخر لم تكن أرقام دفاع يونايتد على مستوى المواجهات الفردية بهذا السوء، حيث نجح الرباعي الخلفي في 13 تدخلا من أصل 15 إجمالا، كل المساوئ تكتلت في التمركز وحسن التصرف وهي أمور غابت عنه في أبرز اللقطات.

كان توتنهام يملك إمكانية زيادة النتيجة، ولو استمرت لثلاثة أيام لما سجل مانشستر يونايتد بهذا الشكل أبدا. ربما من المبكر الحكم على مثل تلك الأمور، ولكن إن كان هناك من استغلال صحيح لصفقة سانشيز فهو ليس هذا على الإطلاق. التشيلي بحاجة ولو للقليل من تلك الحرية التي استأثر بها في آرسنال، والمزيد من مثل تلك المباريات لن تسير إلا في اتجاه واحد، وهو أن مشكلة يونايتد الأساسية ليست بجودة اللاعبين كما زعم جوزيه بل توظيفه لهم.