شعار قسم ميدان

ريال مدريد وباريس.. لأنها ليست لعبة بلاي ستيشن

midan - مدريد

اقترب الموعد الذي تصدّر عناوين الصحف، بل الذي تصدر جميع الأحاديث الكروية حول العالم طيلة شهرين ونصف، وتحديدا منذُ منتصف ديسمبر الماضي، حين أعلنت قرعة الدور ثمن النهائي من دوري أبطال أوروبا عن صدام بين ريال مدريد وباريس سان جيرمان (1)

  

يومها كان الملكي على حافة موسم كارثي في الوقت الذي استمر فيه نسق باريس في التصاعد، كان هذا سببا لانطلاق الأحاديث حول فضيحة تنتظر ريال مدريد، وانتشرت تلك الأحاديث بشكل مبالغ فيه حين سقط الميرينغي من حافة الهاوية إلى قاعها، فأصبح الموسم الكارثي واقعا محليا، في انتظار خبايا أوروبا التي يغلب عليها طابع التشاؤم، بل إن البعض قد حسم تأهل باريس إلى ربع النهائي إكلينيكيا.

  

تفوق منطقي ولكن

واقعيا ومنطقيا، وبالنظر إلى كافة المُعطيات فلن يختلف اثنان على ترجيح كفة باريس سان جيرمان، فريق يفوز ويقدم أداء متميزا(2) أمام فريق متذبذب على كافة المستويات، أرقام إيجابية هنا وسلبية هناك، نجوم في أفضل حالاتهم وآخرون على بعد خطوات من نسيان كرة القدم، مؤشرات تجعل العقل يميل لصاحب كل تلك الأفضليات أمام فريق لم يُعطِ موسمه أية مؤشرات لما هو إيجابي.

  undefined

  

رُبما لو كانت لعبة "بلايستيشن" لكان كل ذلك منطقي، ولكن كرة القدم أكثر تعقيدا من أن تُختزل نتائجها في مستوى الفريقين فقط، أو في أن نُقارن هذا اللاعب بذاك وهذا المدرب بذاك لنرى من الأفضل، وبالتالي نستخلص من ذلك اسم الفائز، ولو كانت مباريات كرة القدم تُحسم للأفضل فقط فإنه من الأولى إلقاء نظرة على الورق والمعطيات وإعلان اسم الفائز بناء على ذلك، بدلا من تضييع 90 دقيقة في لعب مباراة يعرف الجميع اسم المنتصر فيها مُسبقا.

  

قانون خروج المغلوب
تخضع  دوما مباريات خروج المغلوب للكثير من العوامل، هي بالتأكيد ليست كغيرها من مباريات الدوري أو مباريات جمع النقاط، فكرة أن تلعب 180 دقيقة نصفها في ملعبك والنصف الآخر في ملعب الخصم، من يتفوق خلالها سيعبر ويُقصى الآخر دون النظر إلى من الأقوى ومن الأفضل بالتأكيد فكرة تستحق التوقف قليلا، لأن الأمر هُنا يشير إلى أن كل التفاصيل الدقيقة أصبحت تُختصر في مبارتين فقط، وما دونهما لا يعني أي شيء.

 

العوامل التي تخضع لها مباريات خروج المغلوب تتركز حول شخصية الفريق، وكذلك نقاط القوة والضعف لدى الفريقين، وإمكانية استغلال كل فريق لتلك النقاط، ولكي يكون هذا مُفسرا، فإننا سنجد أن هُناك فرقا تُشكل عقدة لفرق أُخرى تاريخيا كعقدة إيطاليا لألمانيا على سبيل المثال (3)، وعلى الرغم من تغير أسماء القائمين على الفريق ومرور عشرات السنوات عن تلك الحقبة التي شكل فيها أحد الفرق عقدة لآخر إلا أن العقدة تستمر بفعل الاسم والشخصية اللذين أثبتا عبر التاريخ أنهما مؤثران مهما حاول البعض نفي ذلك بحجة أن كرة القدم لا تعترف إلا بأرض الملعب فقط.

   undefined

 

أما بخصوص نقاط القوة والضعف، فهُناك ما يُفسر ذلك، فريق يمارس ضغطا عاليا أمام فريق يحب اللعب في مساحات مفتوحة، كلاهما لن يجد الراحة ولن يستطيع فرض أسلوبه، في المقابل لو لعب الفريق الأول أمام فريق دفاعي سيستطيع تدوير الكرة بأريحية، أما في حال لعب الثاني أمام فريق مُندفع هجوميا يترك له مساحات في الخلف فهُنا ستكمن أريحيته، إذا الأمر يتعلق بالملاءمة قبل القوة، هذا في قانون خروج المغلوب.

   

حوار بين الفرديات والمنظومة
فاز باريس سان جيرمان على برشلونة منذ عام برباعية نظيفة، قبل أن يسقط بسدادسية كوميدية بعدها بثلاثة أسابيع فقط،(4) مؤشر يتحدث بأن المزاجية تسيطر على هذا الفريق، تلك التي تنبعث من غياب المنظومة، ومن اعتماد شبه كلي على الفرديات.

 

 ما بين مواجهة برشلونة العام الماضي ومواجهة الريال هذا العام انضم نيمار ومبابي وداني ألفيش(5)، فتغير باريس سان جيرمان من فريق يعتمد على فرديات عادية إلى فريق يعتمد على فرديات مرعبة، بينما المنظومة كما هي، إيمري ما زال متحفظا، الثغرات في وسط الملعب كما هي والدفاع ما زال يعاني من مشكلات على مستوى العمق، ومن ذلك نستنتج أن قوة باريس سان جيرمان تساوي مجموع قوة لاعبيه بلا زيادة أو نقصان.

    

خطة باريس سان جيرمان مُعلنة منذ شهرين تقريبا، نيمار وكافاني ومعهما مبابي في حال كان جاهزا
خطة باريس سان جيرمان مُعلنة منذ شهرين تقريبا، نيمار وكافاني ومعهما مبابي في حال كان جاهزا
   

على الناحية الأخرى، وبتراجع رونالدو وحضور ثانوي لبيل ووجود كالعدم لبنزيما فإن فرديات الريال لا تبدو مُخيفة، بل وبنظرة عامة إلى ريال مدريد عبر تاريخه الحديث فإنه لم يكن هذا الفريق الذي يعتمد على الفرديات باستثناء كرستيانو رونالدو، بل إن قوة المنظومة تتفوق غالبا على قوة الفرديات، وبالتالي فإن ريال مدريد في حال نجح في عزل ثلاثي المقدمة الباريسي فإنه سيُفقده حوالي 70% من قوته، بينما تعطيل مفاتيح لعب ريال مدريد سيكون مُعقدا لكون المفاتيح نفسها مُتشعبة، ليس لكونها أكثر قوة من نظيرتها.

  

التشكيل الأنسب 

واستكمالا لما بدأناه، فإن الطريق إلى عزل ثلاثي باريس الهجومي سيبدأ من الاعتماد على غلق الأطراف دون التنازل عن العمق، بمعنى أن زيدان مُطالب هنا بالتضحية بأحد أفراد المثلث الهجومي والأقرب هو بنزيما، وفي حال اللعب بـ4/4/2 سيلعب أسينسيو تحت بيل ورونالدو في الحالة الهجومية، بينما سيعود ليغطي الجبهة اليُسرى في الحالة الدفاعية، الخيار الثاني هو اللعب بـ4/3/3 بوجود أسينسيو على اليسار وبيل على اليمين، وبينهما رونالدو كرأس حربة صريح، كُلها احتمالات تركها زيدان غامضة، في الوقت الذي ذهبت فيه أغلب الترشيحات إلى 4/3/3 تقليدية بوجود بيل وبنزيما وكرستيانو.

 

على الجانب الآخر، فخطة باريس سان جيرمان مُعلنة منذ شهرين تقريبا، نيمار وكافاني ومعهما مبابي في حال كان جاهزا أو دي ماريا في حال منعت الإصابة مبابي من المشاركة، خلفهما فيراتي وموتا ورابيو، ودفاع مُكون من كورزاوا وألفيش وتياجو سيلفا وماركينيوس، احتمال وحيد لا ثاني له لدى إيمري.

  

ماذا يكره الفريقان؟

حين نلقي نظرة على السنوات العشر الأخيرة لريال مدريد، سنجد أنه نجح في إيقاف الفرق التي تعتمد على المنظومة واللعب الجماعي هجوميا، ولكنه في نفس الوقت يجد صعوبة في اللعب أمام الفرق التي تعتمد على المهارات الفردية، ونجد دائما أن ريال مدريد يواجه صعوبة أمام برشلونة أكثر من تلك التي يواجهها أمام بايرن ميونيخ مثلا(6) حتى لو كان بايرن ميونيخ أكثر قوة في هذا الوقت، ولكن اعتماده على مفاتيح لعب متعددة يُتيح لريال مدريد الفرصة من أجل غلق الملعب أمام تلك المفاتيح، عكس الفرديات التي اعتادت بعثرة أوراقه بمختلف مدربيه.

  

 

على الناحية الأخرى، يكره باريس سان جيرمان عزل الثلاثي الأمامي نيمار وكافاني ومبابي، العملية الهجومية لباريس لا تعتمد على الإمداد الهجومي من الخلف دوما، بل إن نيمار ومبابي هما من يكون عليهما العودة من أجل الانطلاق بالكرة من وسط الملعب، فقط فيراتي هو العنصر الذي يمكنه المساعدة في عمليات الإمداد الهجومي، وكلما نجح الريال في قطع الإمدادات بين فيراتي وبين الخط الأمامي كلما نجح في الحد من خطورة ثلاثي الرعب، وكلما نجح في تضييق المساحات على نيمار ومبابي كلما نجح في تعطيل محركات الفريق الباريسي بشكل تام.

 

 أما الكراهية الأكبر فستكون مشتركة بين الطرفين، كراهية الخسارة وتوديع المسابقة من ثمن النهائي، أموال دُفعت في باريس من أجل الظفر بذات الأذنين، أرباح مطلوبة من أجل تجنب قوانين اللعب المالي النظيف، ولكي لا يضطر للاستغناء عن واحد من نجومه، ومجد أوروبي أصبح مطلوبا وبشدة بعد مرور سبع سنوات على انطلاق المشروع القطري.(7) على الجانب الآخر، موسم محلي أعلن فشله ومدرب على المحك، ضربة أوروبية ستكون قاضية لزيدان، رُبما تكون مباراته الأخيرة في حال ودع البطولة، الخسارة ممنوعة على الطرفين، فهي سهم قاتل لزيدان، ولدغة سامة لمشروع الخليفي.