شعار قسم ميدان

يوفنتوس وتوتنهام.. كرة قدم مع إيقاف التنفيذ

midan - يوفينتوس

أنت تعلم كيف تسير الأمور في هذه المباريات، فرغم دخول العنصر الإنجليزي بقوة هذا الموسم على العكس من المواسم السابقة، منتجا مواجهات جديدة مثيرة بدلا من الثنائيات المحفوظة التي تكررت حتى قتلها الملل، إلا أن عبارات التحليل مُعدة سلفا من قبل انطلاق الصافرة؛ فإن فاز اليوفي فهي الخبرة، وإن فاز توتنهام فهو الشباب.

 

مفهوم الخبرة مطاطي جدا يصعب الإمساك به، ويمكنك أن تطلقه على العديد من الحالات، ولكن تلك المباراة كانت واحدة من أوضح حالاته فعلا، لدرجة أنك لم تكن تحتاج إلى قوالب التحليل المعتادة لتُخبرك بالفارق بين الفريقين في الربع ساعة الأولى؛ فأحدهما كان يعلم ما يتعين عليه فعله بالضبط، والآخر كان لا يزال يستكشف الأجواء ويحاول التغلب على مخاوفه.

 

دروس مجانية

يمكنك اختصار ما حدث قبل اللقاء في أن كلا من المدربين شاهد مباريات خصمه الأخيرة ثم قرر المقامرة مجددا على أهم معطياتها؛ فبدلا من استيعاب الدرس الذي تلقته 4-2-3-1 مورينيو على يد وسط السبيرز الثلاثي منذ أسبوعين، قرر ألليغري محاكاتها بعد إصابة ماتويدي بدلا من استبداله بماركيزيو أو بنتانكور والحفاظ على الـ4-3-3 الناجحة منذ بداية الموسم، والتي لم يعكر صفوها سوى أداء نابولي الاستثنائي.

  

خطة اللعب وتشكيل الفريقين والتقييم الرقمي - هوسكورد (مواقع التواصل)
خطة اللعب وتشكيل الفريقين والتقييم الرقمي – هوسكورد (مواقع التواصل)

  

بالطبع ليست مشكلة ألليغري في ذلك الرسم تحديدا، بل بالعكس كان هو الراعي الرسمي للمباريات الكبيرة في الموسم الماضي، ولكن المشكلة أن فريقه افتقد حساسية تلك الخطة في الموسم الحالي، وأصبح التحول من ثلاثي محور إلى ثنائي أشبه بخسارة العكاز الذي يستند عليه وسط الفريق منذ شهور، وبالتحديد سامي خضيرة الذي بدا تائها حتى خرج، بعد أن افتقد ثالث أضلاع المحور الذي كان يحرره عادة ويؤمن ظهره.

 

كل ذلك لم يكن مهما في الدقائق الأولى لأن بوتشيتينو لم يستفد من دروس المباريات الماضية بدوره، فدفع بديير مرة أخرى على حساب وانياما، رغم كوارثه في المباريات الأخيرة، والتي لم تخل منها مباريات الكبار هذا الموسم بشكل عام، ولجأ للبناء من الخلف منذ انطلاق المباراة رغم بدايات ألليغري المتوقعة؛ ضغط عال سريع في الدقائق الأولى حيث يكون ضرر المخاطرة أقل تأثيرا، فإن نجح في التسجيل فسيقضي أغلب المباراة في وضعيته الدفاعية المحببة، وإن حدث الأسوأ وتلقى هدفا فلديه 80 دقيقة كاملة للتعويض.

 

الأهم أن ألليغري حاول تعويض عجلة الوسط الثالثة بمزيد من المهام الدفاعية للأجنحة وبخاصة كوستا وماندزوكيتش، والهدف الظاهري كان خنق جبهة السبيرز اليمنى التي احتلها أورييه، ولكن الهدف الأصلي كان تحجيم تريبييه الذي توقع الإيطالي أن يبدأ بدلا منه، لأن الظهير الإنجليزي هو أول خطوط إمداد كين وأكثرها غزارة، والتفاهم الرائع بينهما أنتج العديد من الطوليات والبينيات خلف دفاعات الخصوم والتي تحولت لاحقا إلى أهداف. (1)

 

لذا كان اشتراك الإيفواري على حسابه هو الهدية المثلى لألليغري في البدايات، ليس فقط لأنه قطع عن كين تمويل تريبييه المعتاد، بل كذلك لأنه وضع ماندزوكيتش وكوستا في مواجهة ظهير لا يجيد التصرف في مناطقه الدفاعية.

  

نصف هجمات اليوفي تقريبا خرجت من جبهته اليسرى - هوسكورد (مواقع التواصل)
نصف هجمات اليوفي تقريبا خرجت من جبهته اليسرى – هوسكورد (مواقع التواصل)

  

مواقف وطرائف

النتيجة أن الدقائق العشر الأولى أنتجت أغرب إحصائية ممكنة؛ توتنهام يخطئ التمرير في نصف ملعبه أكثر مما يخطئه في نصف ملعب خصمه، وهو ما منح الإحساس في البداية بأن ألليغري ولاعبيه قد خاضوا تلك المباراة من قبل، فبعد التقاط تمريرات السبيرز الضالة يتحول اليوفي سريعا بتحركات متناسقة للرباعي الأمامي، وإذا تعطل بخطأ تكتيكي متوقع يلجأ لتنفيذ واحدة من جمله المتفق عليها في الركلات الثابتة، ومن إحداها سجل هيغوايين، الذي يعيش أفضل حالاته البدنية والذهنية على السواء منذ حل على تورينو، وبتسديدة متقنة وضعت المباراة مبكرا على السرعة القصوى.

  

تمريرات السبيرز الخاطئة في الدقائق العشر الأولى..ثلاثة من أربعة تمريرات في وسط ملعب السبيرز أتت من أورييه منفردًا - سكاوكا (مواقع التواصل)
تمريرات السبيرز الخاطئة في الدقائق العشر الأولى..ثلاثة من أربعة تمريرات في وسط ملعب السبيرز أتت من أورييه منفردًا – سكاوكا (مواقع التواصل)

   

تمريرة خاطئة - مخالفة - ركلة ثابتة - هدف..قصة هدف اليوفي الأول - سكاوكا (مواقع التواصل)
تمريرة خاطئة – مخالفة – ركلة ثابتة – هدف..قصة هدف اليوفي الأول – سكاوكا (مواقع التواصل)

  

رغم ذلك لم يحتج السبيرز أكثر من خمس دقائق لاستعادة توازنهم وبدء متوالية التمرير القصير المتتالي بالكرة والضغط في نصف ملعب اليوفي من دونها، وبسرعة انقلبت الطاولة على أصحاب الأرض وبدأت التمريرات الخاطئة تتوالى في نصف ملعبهم، قبل أن تنقلب مرة أخرى في أول خروج ناجح لليوفي من مناطقه، وبركلة جزاء تسبب فيها ديفيز وأحرزها هيغوايين لتنتج لنا الدقائق العشر الأولى إحصائية ثانية أكثر غرابة من سابقتها، مفادها أن ألليغري صار متقدما على بوتشيتينو بهدفين للاشيء دون أن يكمل فريقه هجمة واحدة منظمة تنتهي بتسديدة على المرمى.

  

تمريرات اليوفي الخاطئة في الدقائق الخمس الثانية في المباراة - سكاوكا (مواقع التواصل)
تمريرات اليوفي الخاطئة في الدقائق الخمس الثانية في المباراة – سكاوكا (مواقع التواصل)

    

اليوفي في أول عشر دقائق..تسديدتين = هدفين - سكاوكا (مواقع التواصل)
اليوفي في أول عشر دقائق..تسديدتين = هدفين – سكاوكا (مواقع التواصل)

    

شوط المدربين

اختيارات بوتشيتينو لم تكن فعليا بالسوء الذي ظهرت عليه في البداية، فالدفع بأورييه منطقي في ظل عجز إيريكسين عن شغل الخط وأهمية آلي في العمق، ولكن المشكلة كانت في تمرير الدقائق الأولى بلا أخطاء وهو ما فشل فيه السبيرز تماما، ونجح في استغلاله ألليغري بكفاءة، وللدهشة كانت تلك هي مشكلة اليوفي أيضا.

 

ما حدث أن كرم دفاع الضيوف قد منح البيانكونيري الفرصة لإنهاء مباراة الذهاب مبكرا واختصار 90 دقيقة في عشر فقط لا غير، وأتت خطة ألليغري بأفضل مما تمناه في أكثر أحلامه جموحا، وبسهولة فائقة صار لديه 80 دقيقة كاملة لشن المرتدات وتعذيب دفاع السبيرز وحسم التأهل في تورينو، وهو بالضبط ما كان يخطط لفعله في ويمبلي، لذا لم ير الإيطالي سببا لتغيير خططه وقام بما يقوم به دائما؛ غَلق الملعب وتأجيل المواجهة حتى إشعار آخر مع محاولات خجولة للخروج من حين لآخر لمنح دفاعه بعض الراحة وكسر إيقاع الضيوف.

 

ربما كانت تلك المقاربة لتنجح لو تأجلت ركلة جزاء بيرنارديسكي حتى بداية الشوط الثاني، ولكن حسم الوضع مبكرا أوصل السبيرز لنقطة الانفجار مبكرا أيضا، ولم يعد لدى بوتشيتينو ما يخسره فعليا، وكما بدأ ألليغري مباراة الإياب في الدقيقة العاشرة بدأ خصمه شوط المدربين في الدقيقة نفسها، وفي حين كان الإيطالي ينتظر مباراة ويمبلي فوجئ بخصمه يحضرها إلى ملعبه في تورينو.

 

سريعا عاد ديير بين قلبي دفاعه لإطلاق لجام ديفيز وأورييه على الأطراف مع تأخير سانشيز على اليمين للتغطية على الإيفواري، وتموقع إيريكسين في المحور رفقة ديمبيليه ليبدأ الحصار تدريجيا بعمل مشترك من كلا المدربين، وخلال دقائق كان إيريكسين يصنع أول فرصة محققة للتسجيل في المباراة لرأس كين، والتي اتضح لاحقا أنها كانت فرصة لبوفون ليثبت أن تصريحاته عن الرغبة في الاستمرار مع النادي والمنتخب لم تكن مجرد أماني.

  

لمسات ديمبيليه وإيريكسين في ما تبقى من الشوط الأول عقب هدفي يوفنتوس - سكاوكا (مواقع التواصل)
لمسات ديمبيليه وإيريكسين في ما تبقى من الشوط الأول عقب هدفي يوفنتوس – سكاوكا (مواقع التواصل)

  

ديمبيليـكسين

4-2-3-1 عادة ما تترك العديد من أنصاف الفراغات شاغرة، ليس لأنها خطة لعب سيئة في المطلق ولكن لأن تغطية تلك الفراغات تكون وظيفة الأجنحة التي نادرا ما تلتزم بهذا الدور طيلة 90 دقيقة، لذا كانت المفاجأة أن ألليغري نجح في غلق الأطراف باستخدام بيرنارديسكي وماندزوكيتش في شغل أنصاف المسافات بينها وبين العمق، ولكنه فشل تماما في مواجهة عمق السبيرز القوي الذي أضيف له كل من آلي ولاميلا كأجنحة عكسية داخلية، وكأن الهدف الأصلي من تواجد أورييه وديفيز الدائم على الخط كان فتح الملعب على مصراعيه ومنح زملائهم تلك المساحة في العمق، ومع صعود ديير وفيرتونخين المستمر تحولت تلك المساحة إلى ملعب ويمبلي مصغر في قلب اليوفي أرينا.

 

 يمكنك تخيل الوضع إذن، خاصة إن علمت أن إيريكسين وديمبيليه كانا أكثر من لمس الكرة على أرضية الملعب من الفريقين، وأكثر من صنع فرصا من السبيرز باثنتين لكل منهما، وكالعادة أكمل ديمبيليه ست مراوغات ناجحة من أصل سبع محاولات كلها بلا استثناء في نصف ملعب اليوفي، وثالث الإحصائيات الغريبة يتمثل في دلالة أرقام الثنائي في التمرير، لأنهما نفذا منفردين ما يقارب 30% من تمريرات السبيرز الإجمالية، و60% مما مرره اليوفي طيلة 90 دقيقة.

 

فرص الفريقين في ما تبقى من الشوط الأول عقب هدفي يوفنتوس - سكاوكا (مواقع التواصل)
فرص الفريقين في ما تبقى من الشوط الأول عقب هدفي يوفنتوس – سكاوكا (مواقع التواصل)

    

مراوغات ديمبيليه - سكاوكا (مواقع التواصل)
مراوغات ديمبيليه – سكاوكا (مواقع التواصل)

  

الأهم من ذلك أن مبالغة ألليغري في التراجع والتحفظ منحت الثنائي أريحية غير مسبوقة، لدرجة أن دفاع اليوفي لم يفتك منهما الكرة سوى مرتين فقط طيلة المباراة، ومع الوقت كشف الضغط الثغرات ولاحت فرصة كين الثانية للانفراد ببوفون، والتي شككت في تصريحات بوفون بعد خروجه من مرماه بلا داعي، بالطبع قبل أن تثبت ركلة إيريكسين الحرة أنها مجرد أماني فعلا، ليخطف الدانماركي لقب رجل المباراة من كين.

 

شوط بوتشيتينو الثاني لم يشهد الكثير، وفي الواقع هو لم يكن بحاجة للمخاطرة أصلا لأن 2-2 خارج أرضك مع يوفنتوس تضعك في موقف مثالي وتضطر الطليان للخروج في العودة، لذا فباستثناء نقل لاميلا للجهة اليمنى والدفع بسون على اليسرى لاحقا، لم يكن الأرجنتيني بحاجة لإضافة المزيد لأن أشواط المدربين واللاعبين قد انتهت والشك قد انتقل إلى خصمه بالفعل.

 

مع إيقاف التنفيذ

عقب المباراة سأل مراسل (Bein Sports) ألليغري عن أسباب التراجع بعد أن ظن الجميع أن اليوفي سيحسم التأهل، فكانت إجابة الإيطالي أن من ظنوا كذلك مخطئون لأنه يواجه فريقا كبيرا، وبرر الأمر بأن فريقه لم يصنع فرصا في الشوط الثاني، (2) والسؤال المنطقي الذي لم يُطرح هنا هو: هل حاول اليوفي صناعة الفرص أصلا أم أنه خشي الهزيمة على أرضه؟

 

الحقيقة أن تبديل خضيرة ببنتانكور كان منطقيا للغاية، بل ربما كان على ألليغري أن يقحم الأوروغواياني منذ البداية أصلا لمساندة خضيرة وبيانيتش أمام وسط السبيرز مفرط القوة، ولكن كيف يمكن أن نصدق أن ألليغري أراد الفوز إذا كان يُخرج ماندزوكيتش وكوستا ويدفع بأسامواه وستورارو؟

 

الحقيقة -كذلك- أن الأمر ليس بجديد على الإيطالي الناجح، ففي كل مرة يتقدم في النتيجة يبدو اليوفي وكأنه ينتظر صافرة الحكم ولا يريد استكمال المباراة، وهو ما حرمه من الاستفادة من حالة بيانيتش المتوهجة الحالية كأحد أفضل لاعبي العالم في مركزه رغم حداثة عهده به، وهو ما يضع ألليغري تحت رحمة خصمه بعد التقدم في هذه المواجهات، ويترك نجاح الخطة برمتها رهنا لقوة شخصية منافسيه وأقدام لاعبيهم، كرة قدم مع إيقاف التنفيذ ونجاح حتى يقرر الخصم أنه نجاح، وهو أسلوب لعب لا بأس به على الإطلاق، بل وينجح في كثير من الأحيان، ولكنه نادرا ما يمنحك البطولة.

 

مفهوم الخبرة مفهوم مطاطي جدا يصعب الإمساك به، حيث يمكن أن تطلقه على العديد من الحالات، ولكن تلك المباراة كانت واحدة من أوضح حالاته فعلا، ليس فقط لأن خبرة اليوفي فتكت بخصمه في عشر دقائق فقط لا غير، ولكن لأنها أوحت بأن الـ 80 دقيقة الباقية لن تنتج سيناريو مغايرا أبدا.