شعار قسم ميدان

أوراق مورينيو وغوارديولا التكتيكية.. عن سر التعليمات المكتوبة للاعبين

midan - Mourinho
أثناء المواجهة الأخيرة بين مانشستر يونايتد وتشيلسي في الدوري الإنجليزي، التي انتهت بفوز الشياطين الحمر بهدفين لهدف وحيد، أرسل جوزيه مورينيو رسالة مكتوبة إلى لاعبه نيمانيا ماتيتش، الذي كان أحد أهم نجوم اللقاء. الغريب أن أمرا لم يتغير خلال ما تبقى من المباراة بعد استلام الصربي هذه الورقة، لا على صعيد التكتيك ولا النتيجة، بمعنى أن الأدوار في الملعب لم تتغير من خلال ما تم تسليمه، وهو ما فسره اللاعب بعد المباراة بساعات حين أعلن عن محتوى هذه الورقة والذي كان وعدا بإجازة لمدة 3 أيام من التدريب، كتقدير من البرتغالي لما قام به اللاعب خلال المباراة.

 

التاريخ يُخبرنا أن هذه الورقة ليست الأولى التي تقتحم ملعب المباراة أثناء أحداثها، وبين كل ورقة وغيرها يظل السؤال قائما: ما الذي يدفع المدربين إلى اتباع نهج الورق المكتوب في إرسال التعليمات إلى لاعبيهم ما داموا يستنزفون حناجرهم من خلف الخطوط طوال 90 دقيقة؟

 

السبب البديهي

بمجرد رؤية أحد اللاعبين يستلم ورقة ما من مدربه يتبادر إلى ذهنك مباشرة التعديل التكتيكي المنتظر حدوثه في أرض الملعب، لا بد أن تكون نتيجته قلب الطاولة أو إحراز هدف حاسم لكي تصبح تلك اللقطة هي الأفضل خلال المباراة والجولة وربما الموسم بأكمله. اللقطة التي طبقت كل هذا بامتياز كانت اللقطة التي جمعت يد بيب غوارديولا ويد فيليب لام وبينهما ورقة صغيرة.

    

undefined   

في ديسمبر/كانون الأول 2015، وبعد مرور ساعة كاملة من لقاء بايرن ميونخ ضد فريق إنغولشتات الألماني، ضمن الجولة الـ16 من الدوري الألماني للدرجة الأولى، كانت تُشير النتيجة إلى تعادل سلبي بين الفريقين، حين ذلك، وأثناء رمية تماس لصالح العملاق البافاري، أعطى بيب ورقة لـ لام، قرأها ومن ثم نقلها إلى خافي مارتينيز.

 

التعديل الواضح الذي ظهر بعد ذلك كان خروج مارتينيز إلى وسط الملعب والنتيجة الإجمالية كانت إحراز هدفين للبايرن، الأول أحرزه ليفاندوفيسكي بعد 5 دقائق فقط من قراءة لام للتعليمات، والثاني أحرزه فيليب لام بنفسه عن طريق تصويبة من داخل منطقة الجزاء بقدمه الضعيفة (اليسرى)، في لقاء بدا صعبا للغاية على متصدر الترتيب.

   

سُئل فيليب عن فحوى الورقة عقب المباراة. أكد أن بيب طلب منه في الورقة أن يُسجل فعلا وبقدمه اليُسرى بالتحديد، وكذلك أوضح أن بالورقة تعليمات لا يمكن الإفصاح عنها علنا من خلال المنابر الإعلامية.(1) في هذه الواقعة نستنتج سببا منطقيا في إرسال التعليمات إلى اللاعبين من خلال الورق، وفي الواقع هو السبب البديهي الذي سيخطر لنا فورا، وهو سرية تلك التعليمات بحيث لا يُمكن الإفصاح عنها صوتيا.

  

وجود فيليب لام داخل منطقة الجزاء في وضعية غير طبيعية قبل هدفه في مباراة إغولشتات
وجود فيليب لام داخل منطقة الجزاء في وضعية غير طبيعية قبل هدفه في مباراة إغولشتات
    

ذلك الهدف كان باكورة أهداف القائد الألماني خلال الموسم، والتحرك الذي سجل منه الهدف يُعد غريبا من نوعه سواء في طريقة التسجيل باليسرى -حسب طلب بيب كما اتضح لاحقا- أو بالتحرك في هذه المنطقة من الملعب بجانب مولر وليفا وفي غياب لاعبي وسط الملعب بالكامل. ذلك الأمر لو كان صرّح به المدرب الإسباني على الملأ كان سيتم مداواته سريعا، بالتالي كانت هناك ضرورة لأن يُكتب في الخفاء ويُعلن عنه فيما بعد ذلك. هنا نصل إلى أول الأسباب.

       

تغيير نسق اللقاء نفسه خلال الشوط الأول من المباراة، فهناك فرصة لتغير التعليمات بسرية داخل غرف الملابس بين شوطي المباراة، لكن إن كان ما يتم في الملعب يحتاج إلى التعديل خلال أحداث الشوط الثاني فلا بد من التدخل بطريقة مختلفة وهو ما يُبرز قيمة الورقة المكتوبة.

   

السيناريوهات السابقة

مورينيو هو صاحب أشهر الوقائع في إرساله تعليمات إلى لاعبيه. بداية من إرساله التعليمات إلى أوزيل عن طريق شميلزر لاعب بوروسيا دورتموند الذي كان خصما في دوري الأبطال،(2) وحتى واقعة ماتيتش الأخيرة. يملك البرتغالي عدة وقائع فيما يخص إرسال الأوراق التكتيكية، أبرزها كان خلال ولايته داخل العاصمة مدريد. تمكن الميرينغي من قلب الطاولة على فريق مايوركا الإسباني في المباراة التي جمعتهما ضمن منافسات الأسبوع الـ19 من الدوري المحلي، واستطاعوا أن ينهوا اللقاء متفوقين بهدفين لهدف وحيد بما يوسع الفارق مع أقرب الملاحقين (برشلونة) إلى 8 نقاط.

 

بعد إحراز الهدف الثاني المتأخر بواسطة كاليخون، لم يهتم جوزيه بالاحتفال مطلقا، بل أخذ يُنادي مواطنه بيبي. وفور وصول الأخير، أخرج مورينيو من معطفه ورقة ما. تحدث عما فيها مع لاعبه ومن ثم انطلق بيبي لينقل ما تلقاه إلى كل عناصر الفريق تقريبا. في المؤتمر الصحفي اعترف "سبيشال وان" بأنه قد أعدّ هذه الورقة سابقا في حال تمكنوا من تسجيل الهدف الثاني، وقد كان.(3)

   

 استخدام جوزيه مورينيو لعدة أوراق خلال أحداث المباراة ضد ريال مايوركا.

       

الحقيقة أن مورينيو اعتمد على عدة أوراق خلال هذه المباراة، وهو شيء يتناسب مع سيناريو اللقاء المتقلب. البداية كانت مع ورقة في يد كاكا أثناء الدفع به إلى أرض الملعب في الدقيقة 59، وحتى ورقة بيبي الأخيرة.

  

جوزيه رجل يعشق السيناريوهات ويُفضل جدا إعدادها سابقا. بعد مواجهته الشهيرة ضد باريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا لعام 2014، تحدث جون تيري عن أن الفريق قد تدرب على عدة أنظمة تعتمد على العناصر الموجودة في أرض الملعب وعلى نتيجة المباراة أثناء كل دقائق اللقاء.(4) ذلك التنظيم يُسهّل المهمة على اللاعبين، فهو يجعلهم يعيشون تجربة مضمونة العواقب، بالتالي هناك فرص أكبر للنجاح.

  

إن كان هناك سيناريو مُعد سابقا فلا بد من كتابة أحداثه حتى يكون هناك تسهيل على كاتب السيناريو نفسه -مورينيو- أو متلقيه -اللاعبين-، وضمانا لعدم ضياع الأحداث كذلك. وهنا نستنبط ثاني الأسباب التي تُبرز قيمة استخدام الورق المكتوب في نقل التعليمات. إن كانت النتيجة 3-0 يتحول الفريق بالشكل الموجود في هذه الورقة، وإن كانت 3-1 فالتحرك يكون كما كُتب في تلك.. إلخ.

    

undefined

  

رسم التكتيك

بجانب الاحتياج إلى السرية في إرسال التعليمات المطلوبة، يستعين أغلب المدربين، إن لم يكن جميعهم، بالرسم التوضيحي لشرح أماكن وجود لاعبيهم فوق أرضية الميدان.

   

في حالة مورينيو السابق ذكرها ضد مايوركا، أوضح البرتغالي خلال المؤتمر الصحفي للمباراة نفسها أنهم كانوا يخاطرون كثيرا على مستوى التكتيك، وعليه كان طلب مورينيو من كريم بنزيما العودة إلى يمين الملعب من جديد من أجل إعادة رسم 4-4-2 الذي كان يمنح للفريق صلابة تكتيكية واضحة.(3)

   

لو لم يكن اللاعبون على علم سابق بكيفية التحول إلى رباعي في منتصف الملعب، كانوا سيحتاجون إلى شرح أوضح بكل تأكيد، وفي غياب خيار الوقت المستقطع الموجود في كافة الألعاب الرياضية الجماعية تقريبا والذي يمنح المديرين الفنيين في الألعاب الأخرى مزية توضيح إستراتيجيتهم مرسومة على أحد الألواح الخاصة بهم، يكون هناك فرصة واحدة فقط لتوضيح التمركز المطلوب في الملعب من خلال كرة القدم: تلك القطعة الصغيرة من الورق.

  

   
فائدة مضاعفة

أحد أبرز الأحاديث التي أثارت جدلا في الأوساط الثقافية مؤخرا هو الذي دار عن أهمية الكتب المسموعة عن المقروءة واقتحام تكنولوجيا الكتب السماعية للوسط الثقافي. اختلاف الجماهير المتلقية في هذا الصدد جعل هناك العديد من الدراسات التي تتحرك حول القراءة والاستماع ومدى الفهم والإدراك من خلال كل منهما.

 

في خلال دراسة خرجت للنور عام 1985 حول نفس موضوع البحث، تبيّن أن هناك ربطا وثيقا بين قراءة الشيء والاستماع إليه، فكلاهما عمليات معرفية يتماثلان بشكل لافت جدا للنظر. حيث أشارت هذه الدراسة إلى أن الذين يقرأون شيئا ما يجدون ذات الفائدة التي يحصلون عليها عند الاستماع إليه، وهو ما يعني فائدة الاستماع مضافة إلى فائدة الرؤية والإدراك البصري.(5)

  

تطبيق هذه الدراسة على كرة القدم يشرح جزءا ليس بالهين من المنطق الذي ينتهجه أولئك المدربون الذين يفضّلون إرسال التعليمات مكتوبة. يمكن للضغط خلال المباراة أن يُفقد اللاعب تركيزه كليا، وبالتالي تحدث حالات من النسيان للتعليمات طبيعية جدا ومعتادة، وهو ما يعبر عن السبب الرئيس الذي يدفع المدربين إلى الوقوف على خط التماس طوال أحداث اللقاء من أجل تذكير اللاعبين بكل المتفق عليه في إستراتيجية اللعب، لحظة بلحظة.

    

  

في حالة وجود تعليمات مكتوبة فإن هذا يجعل أكثر من حاسة تعمل في نفس اللحظة، فما تقع عليه العين لا يُنسى بالسرعة نفسها التي يُنسى بها ما يقع على الأذن، بالتالي الحصول على تركيز مضاعف في نص التعليمات ووجود ضمان بشكل أكبر في الحفاظ عليها لمدة أطول خلال المباراة من تلك التي يحتفظ بها اللاعب عن طريق سماعه لصوت مدربه فقط، حتى إن أغلب اللاعبين يحتفظ بالورقة المرسلة إليه في جوربه أو في سرواله مما يتيح له فرصة العودة لقراءة التعليمات مرة أخرى إن شعر بأنه فقدها من جديد.

   

قبل سنوات قليلة بيعت العلكة الخاصة بالسير أليكس فيرغسون، المدير الفني الأسطوري لمانشستر يونايتد مقابل نحو 400 ألف باوند،(6) فهل تدور الأيام ويقوم أحدهم بشراء ورقة ما كُتبت أثناء أحد اللقاءات المهمة وكان تأثيرها أكبر من كونها تُرمى بعد قراءة فحواها؟ التاريخ يخبرنا أن كل شيء جائز، والواقع يؤكد ذلك.