شعار قسم ميدان

نبيل فقير.. ليونيل ميسي في فرنسا

ميدان - نبيل فقير
في مطلع نوفمبر/كانون الثاني من العام السابق، كان نادي سانت إتيان يستعد لاستضافة غريمه اللدود أوليمبيك ليون في ديربي يحظى بشعبية كبيرة لدى جمهور الدوري الفرنسي، لكن ليون كان ضيفًا ثقيلًا على أصحاب الأرض الذين كانوا بصدد واحدة من أتعس لياليهم هذا الموسم!(1)

فقد فاز الضيوف بخمسة أهداف نظيفة بعد أن اكتسحوا الملعب طولًا وعرضًا، لكن ما ضاعف من مرارة تلك الهزيمة الثقيلة على جمهور سانت إتيان هو ذلك المشهد الذي أنهى به قائد ليون "نبيل فقير" المباراة. فقُبيل صافرة الحكم، كان "نبيل" يخترق دفاعات إتيان، ثم ينجح بتسجيل هدفه الثاني وهدف فريقه الأخير، قبل أن يهم بخلع قميصه والاحتفال في مواجهة جمهور الخصم على نفس طريقة "ميسي"، و"رونالدو"، كما "إيكاردي"!(2)

undefined

من دون شك، أثار ذلك المشهد حفيظة جمهور سانت إتيان، لكنه في المقابل حمل دلالة أخرى، غير تلك الاستفزازية، والدلالة التي أراد "فقير" أن يؤكد عليها هي أنه أصبح عامل الحسم الأول وصاحب الفاعلية الأقوى داخل أروقة النادي الفرنسي، فهو رجل ليون الأول مثلما "ميسي" في البلوغرانا و"رونالدو" في الميرنغي، حتى وإن كان أقل منهما في درجة ذلك الحسم وتلك الفاعلية بطبيعة الحال.

اللاعب الفرنسي، صاحب الأصول الجزائرية، عاش حالة كبيرة من التوهج خلال هذا الموسم. حالة دفعت باسمه لقائمة هدافي الدوري، وجعلت من لحاقه برفاق "بوغبا" برحلة روسيا أمرًا بديهيًا، وربما يتحوّل "نبيل" هذا الصيف لصفقة بارزة في سوق انتقالات لا يتوقع أن يمر بهدوء.

ليون الجديد

قبل التطرق لتحليل أداء "نبيل" واستعراض أرقامه هذا الموسم، ينبغي الإشارة إلى تلك الظروف التي عاشها ناديه ليون خلال الموسمين الماضيين، حيث أقدمت إدارة النادي الفرنسي على السماح لنجوم الفريق بالرحيل واحدًا تلو الآخر أثناء سوق الانتقالات نظير الحصول على مبالغ مالية كبيرة، وفي المقابل اتجهت لتعويض غياب الراحلين بالاعتماد على أبناء أكاديمية النادي، صاحبة السمعة الجيدة في إنتاج المواهب، بالإضافة إلى التعاقد مع عدد من اللاعبين الشبان الواعدين.

رحل "صامويل أومتيتي"، ثم تبعه كل من "أليكساندر لاكازيت"، "كورنتين توليسو"، "رشيد غزال"، إلى جانب قائد الفريق نفسه "ماكسيم غونالونز" الذي انضم لنادي روما، لتتحول شارة القيادة من "ماكسيم" إلى ابن أكاديميات ليون "نبيل فقير"!(3)

المتأمل في مسيرة
المتأمل في مسيرة "فقير" سيدرك كم كان هذا الموسم فارقًا ومهمًا بالنسبة له، بل ربما كان هو الأهم على الإطلاق
 

كان التحدي الذي اصطدم به صاحب الأربعة والعشرين عام قبل بدء الموسم تحديًا مركبًا. فهو من جانب يعد أحد أفضل لاعبي وسط ليون الذين سيعوّل عليهم المدرب "برونو جينيسيو" في إعادة التوازن بعد رحيل نخبة نجومه، ومن جانب ثاني فإن "نبيل" سيتحمل مهمة قيادة المجموعة الجديدة من الشبان الصاعدين واللاعبين المنضمين حديثًا على أرضية الملعب، وهو الأمر الذي سيضع قوة شخصيته تحت اختبار حتمي، ومن جانب أخير فإن مسيرته كلاعب واعد كانت تنتظر فصلًا جديدًا يدفعه خطوات للأمام، ويكشف مدى استحقاقه بحجز مقعد ضمن الكتيبة الفرنسية المتجهة إلى كأس العالم.

والمتأمل في مسيرة "فقير" سيدرك كم كان هذا الموسم فارقًا ومهمًا بالنسبة له، بل ربما كان هو الأهم على الإطلاق، فبعد حصوله على لقب أفضل لاعب شاب بالدوري الفرنسي موسم 2014/2015 بتسجيله 13 هدفًا وصناعته لتسعة آخرين، (4) ثم عودته من إصابة حرمته من المشاركة أغلب الموسم التالي ليتمكن من استعادة مستواه بموسم 2016/2017، لذا كان عليه بعد كل ذلك أن يسعي إلى تحقيق نقلة فنية بمستواه، إذا ما أراد أن يفرض اسمه بقوة كلاعب كبير على الساحة الأوروبية!(5)

الشاهد أن عدة ظروف دخلت كمعطيات جديدة على معادلة "نبيل فقير"؛ منها ما يتعلق بليون الجديد الذي افتقد لجهود نجومه الراحلين، ومنها ما يتعلق بمسيرته كلاعب موهوب يبحث عن آفاق جديدة، وقائد يخطو خطواته الأولى.

بطاقة تعريف

undefined

يمتلك "نبيل فقير" عدّة مميزات يحتاجها مركز صانع الألعاب؛ فاللاعب الفرنسي سريع، قوي في الالتحامات، يجيد في التحكم بالكرة تحت الضغط، وفي مراوغة الخصوم، كما أنه ممرر رائع لدرجة أن دقة تمريراته لم تقل بأي موسم عن نسبة 84%، وهو ما يعد رقمًا جيدًا للغاية قياسًا بمركزه.(6)

لا يتوقف الأمر عند دقة تمرير "نبيل"، بل إن محاولاته على المرمي هي الأخرى جديرة بلفت الانتباه، فتقول الأرقام أن دقة تسديدات اللاعب الفرنسي بلغت نسبة 59% بموسم 2014/2015، ثم 61% بموسم 2016/2017، أما الآن فقد وصلت لـ67% خلال 24 ظهور بالدوري، وهي النسبة الأعلى بين كل لاعبي هجوم ليون هذا الموسم!(7)

يمتاز "نبيل" أيضًا أنه لاعب جماعي، يؤدي دوره الدفاعي في الضغط على الخصم والعودة لمنتصف الملعب، وقد نجح في استخلاص الكرة عبر 75% من تدخلاته. أما في الحالة الهجومية يصبح المصدر الأول لتمويل زملاءه بالفرص، إذ يقول موقع سكواوكا أن صانع الألعاب قد صنع حتى الآن 49 فرصة بالمسابقة المحلية، أكثر من أي لاعب آخر في كتيبة "جينيسيو".(8)

نبيل فقير بات علامة فارقة في صفوف فريق ليون الفرنسي (رويترز)
نبيل فقير بات علامة فارقة في صفوف فريق ليون الفرنسي (رويترز)

الأمر الأخر الذي يجدر الإشارة إليه هو أن "نبيل" لم يصنع تلك الفرص معتمدًا على جانب واحد من الملعب، بل على العكس توزعت الفرص بنسب متقاربة بين العمق والأجناب، إذ تمكن من صناعة 30% من فرصه على الجانب الأيسر، 32.7% منها من خلال العمق، 22.4% منها على الرواق الأيمن، وهو ما يكشف أن "فقير" تحوّل للاعب أكثر شمولية، ولا يعاني في تأدية أدواره الهجومية في أحد أجزاء الملعب.(9)

بقي أن تعرف أن "فقير" اختار عام 2015، بعد أن قدّم نفسه كموهبة لامعة بسماء أوروبا، تمثيل منتخب الديوك الفرنسية على منتخب الجزائر.(10) وقد شارك بالفعل في بعض المواجهات، إلا أنه خرج من حسابات المدرب الفرنسي "ديديه ديشامب" خلال بطولة يورو 2016 بعد الإصابة، وازدحام مركزه بلاعبين أصحاب خبرة أكبر، لكنه عاد من جديد لتمثيل المنتخب الأوربي بعد تألقه الفترة الماضية.
 

في الميدان

اختار المدرب "برونو جينيسيو" اللعب أغلب فترات هذا الموسم بالرسم التكتيكي 4/2/3/1، يشغل "نبيل" في هذا الأسلوب مركز صانع الألعاب رقم عشرة الذي يتمثل دوره في ربط خطوط الفريق، وقيادة هجمات ليون في وسط الملعب قبل الثلث الهجومي.

يهبط "نبيل" إلى وسط ملعب ليون ليتسلم تمريرات زملاءه، ثم يهم بالدوران والانطلاق داخل مناطق الخصم مستغلًا سرعته وتحكمه بالكرة رغم الضغط، وعند وصوله إلى الثلث الأخير، يبدأ بالتوزيع في العمق أو للأطراف المنطلقة بناء على التمركز الأفضل لزملائه.

لا ينتهي دور "فقير" عند قيادة الهجمة، بل يطلق أحيانًا تسديداته الصاروخية من مسافة بعيدة، أو يتغول داخل منطقة الجزاء هاربًا من الرقابة منتظرًا العرضيات أو الكرات المشتتة، لينقض عليها مسجلًا أهدافه التي وصلت إلى 16 هدف بالدوري هذا الموسم، (11) وأصبح بذلك هداف ليون؛ هكذا يؤكد "نبيل"، من أخلال أرقامه، أنه رجل ليون الأول.

هذا الموسم، نجح "فقير" في اكتساب بعض العوامل المهمة لمسيرته؛ أول تلك العوامل هي الثقة، فليس من السهل على لاعب، أكمل لتوّه عامه الرابع والعشرين قبل الموسم، ولا يمتلك خبرة طويلة، أن يتخذ قراراته في الملعب بتلك الثقة التي يؤدي بها "نبيل"، الأخير بات قائد ليون فنيًا ومعنويًا، ولا يتأخر أبدًا عن تقديم المساندة والظهور لزملائه في كل ركن بالملعب. 

وثانيًا، تطوّر "نبيل" جدًا على مستوى قراءة الملعب، فمنذ بداياته الأولى ظهر أن ناشئ ليون يمتلك وعيًا تكتيكيًا جيدًا في قراراته، لكن هذا الموسم بدا أفضل في استكشاف ثغرات الخصم، والهروب من الرقابة، والتحكم في رتم ليون وفقًا لمعطيات المباراة، لذلك فإنك ستلحظ أن "فقير" ترك بصمته في أغلب انتصارات فريقه الكبرى هذا الموسم أمام باريس سان جيرمان، موناكو، مارسيليا.(12)

نستنتج مما سبق، أن "فقير" نجح في تجاوز كل التحديات التي وقفت أمامه، فقد قدم أفضل مواسمه على الإطلاق، وتمكن من قيادة تشكيل ليون الجديد والانسجام بين خطوطه، وأخيرًا عاد إلى واجهة التمثيل الدولي.

ما بعد روسيا

undefined

استدعى منتخب فرنسا، خلال المعسكرات التحضيرية، اللاعب "نبيل فقير" للانضمام لصفوفه، ويبدو أن قائد ليون قد حسم لنفسه مقعد في قائمة الديوك المتجهة لروسيا. بالتأكيد من الصعب الجزم أن "فقير" سيحظى بمشاركة أساسية، خصوصًا وأن قائمة فرنسا مزدحمة بنجوم الوسط والهجوم، لكن تظل أمامه فرصة النزول كاحتياطي عندما تتعقد حسابات "ديشامب".

من دون شكّ، يعلم "فقير" كم هو ثمين أن يظهر بشكل لافت في المونديال عندما تتاح الفرصة، فهذا الظهور سيرفع من أسهمه عاليا سواء بسوق اللاعبين أو فيما بعد بطولة روسيا.

المشكلة الحقيقية التي ستواجه "نبيل" الأن: هي ضرورة الخروج من الدوري الفرنسي إلى دوري أقوى، ذلك وأن البطولة الفرنسية لا تعد مقياسًا كافيًا لإمكانيات الفرق أو اللاعبين، وبالتالي فإن بقاءه فترة أطول هناك بفرنسا لا يصب بشكل كامل في مصلحة مسيرته، إنما يجب عليه البحث عن الفرصة الأفضل هذا الصيف للرحيل.

وبالنظر إلى تلك الأندية التي أبدت اهتمامًا سابقًا بخدماته سنجد التالي؛ نادي أرسنال الإنجليزي، الذي ربطته أخبار بـ"نبيل فقير" على مدار ثلاثة مواسم، نجح في التجديد لـ"مسعود أوزيل" قبل أن يحصل على خدمات "هنريخ مخيتاريان"، وبالتالي فإن الغانرز لن يسعى لإضافة صانع ألعاب جديد.

نادي يوفنتوس، الذي غازله "نبيل" قبل ذلك برغبته في اللعب بصفوفه،(13) تمكن من إقناع "باولو ديبالا" في البقاء مدة أطول بإيطاليا، وهو ما يضعف من حظوظ "فقير" في تحقيق رغبته.

لكن هناك اختيارين مناسبين للغاية لإمكانيات "نبيل"، أولهما هو اللعب تحت قيادة "دييغو سميوني"، سواء قرر الأرجنتيني البقاء في أتلتيكو مدريد أو التوجه صوب إيطاليا لتولي مسؤولية إنتر ميلان. فالنادي الإسباني فقد جهود لاعب الطرف "يانيك كاراسكو"، وربما يلحق به قريبًا "أنطوان غريزمان"، وهذه فرصة مواتية جدًا لـ"فقير" لشغل أحد تلك المراكز مع مدرب كـ"سميوني" يمتلك تاريخًا جيدًا في الاستفادة من قدرات لاعبيه.

وفي إيطاليا، يعاني الأزرق والأسود منذ مواسم من فقر في مركز صانع الألعاب بعمق الملعب، وقد تلخص اعتماد المدرب "سباليتي" هذا الموسم على العرضيات مستغلًا قدرات "إيكاردي"، لكن لو انتقل "سميوني" إلى هناك فربما يكون لـ"نبيل" دورًا في سد تلك الثغرة.

أما الخيار الثاني، فهو الانتقال لنادي ليفربول الإنجليزي لتعويض غياب الراحل "فيليب كوتينيو"، وذلك لأن "نبيل" يمتلك أغلب ما يريده "يورغن كلوب" من جماعية، وقوة في الالتحام، وسرعة في التحولات بين الحالة الهجومية والدفاعية، والسلاسة في الانتقال من العمق لطرف الملعب. "كلوب" يضع صانع ألعاب موناكو "توماس ليمار" كخياره الأول، لكن ربما يكون "فقير" على لائحة الانتظار خصوصًا إذا استمرت مغالاة نادي الإمارة الفرنسية بسعر "ليمار".