شعار قسم ميدان

روما وبرشلونة.. "فمن العجز أن تموت جبانا"

midan - روما وبرشلونة

بينما سُلطت كل الأضواء على ملعب الاتحاد طمعاً في عودة صعبة، خرج فريق إيطالي من العدم ليجرح كبرياء كتالونيا شر جرح. من أقصى باريس سان جيرمان بعد الخسارة برباعية، شرب من الكأس ذاته في العام التالي، الفارق أن هذا هو برشلونة وذاك هو باريس، حتى لو كان الأمر مستحيلاً هو يظل برشلونة، ولكن روما؟ حقاً؟ أي مقارنة بين قائمتي الفريقين ستقودنا إلى حيز الهزل. في ملعب الأولمبيكو روما يكتب أجمل الحكايات، ويُنصِّب إرنستو فالفيردي بطلاً لأقذرها..

   

(تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين - هوسكورد)
(تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين – هوسكورد)

    

على طريق العودة التاريخية

راديا ناينغولان جاهز لتوه، جنكيز أوندير لم تكتمل لياقته وكذلك الحال لدى ستيفان الشعراوي، دييغو بيروتي خارج القائمة.. هكذا وجد أوزبييو دي فرانشسيكو مدرب روما نفسه قبل مواجهة برشلونة، وهو بحاجة إلى ثلاثية نظيفة، أي هدف للبارسا يُدمر خطة مباراته، شيء أدركه الجميع عدا مدرب البلوغرانا نفسه. وعليه اضطر مدرب فريق العاصمة الإيطالية إلى الاعتماد على 3-5-2، بإقحام خوان خيسوس إلى جانب قلبي دفاعه والزج بفلورينزي وكولاروف على الأطراف، وأخيراً مفاجأة اضطرارية لم تؤت أكلها هي اللاعب الشاب باتريك شيك.

 

على الجانب المعاكس وبمنتهى الأريحية احتفظ فالفيردي بنفس تشكيل الذهاب، نيلسون سيميدو أمامه سيرجي روبرتو  في صراع عنيف على لقب الأسوأ مع قلبي الدفاع جيرارد بيكيه وصامويل أومتيتي من جانب، والمهاجم لويس سواريز من جانب آخر، ولكن قبل أن تبدأ الأصابع بالإشارة إلى سوء عرض الأفراد، فتِّش جيداً عن عرض المجموعة وقائدها.

 

كثيرة هي الكوارث التي يمكن أن تتولد من رحم الاستهتار والاستسهال معاً، برشلونة لديه فارق ثلاثة أهداف، وكل هدف يسجله خارج الديار يصب في صالحه، ولكن فالفيردي دائماً ما يجد التراجع والارتكان على حصر المعركة في منتصف ملعبه خياراً أسهل وأكثر أمناً. الكارثة أن الهجوم تلك المرة كان أسهل الخيارات بل والخيار الآمن الوحيد، كل هدف تسجله بعد الهدف الأول سيتعين على الخصم أن يرده باثنين!

   

(الخريطة الحرارية للفريقين. ملحوظة: برشلونة على اليمين! - هوسكورد)
(الخريطة الحرارية للفريقين. ملحوظة: برشلونة على اليمين! – هوسكورد)

 

كل المحاولات المنطقية لتفسير اعتبار الدفاع خياراً آمناً لفريق لا يعرف الدفاع ستذهب هباءاً منثوراً، كل الدروس والعروض السابقة لن تُجدي نفعاً، مباراة إشبيلية ليست بالشيء الكبير، كل مرة ميسي سيتصرف، كل مرة سيُهدر الخصم أطناناً من الفرص المحققة. خطة فالفيردي عملت بنجاح في الذهاب ولكنها فشلت في الإياب فلماذا؟ لأن دي روسي ومانولاس لم يُسجلا في مرماهم، ولأن نفس الأخير لم يهدر الكرة حين أتته، ولأن دزيكو لم يضِع انفراده المبكر، ولأن ميسي لم يتصرف، وكل تلك التفاصيل هي أجزاء أصيلة من الخُطة.

 

هاجم روما لأنه لا يملك خياراً آخر، واعتمد على تركيبة الدفاع الثلاثي في مجابهة الهجوم الثنائي، مستفيداً من حقيقة أن الخصم ينوي التراجع من اللحظة الأولى للأخيرة. انسحق خط وسط البارسا أمام ثلاثية أخرى مكونة من ناينغولان ودي روسي وستروتمان، صار امتلاك البارسا للكرة شيئاً أبشع من الاستحواذ السلبي، فبات غرضه التخلص من الكرة بإلقاء عبئها على أقرب زميل مجاور بدلاً من تدويرها.

   

(متوسط تمركز اللاعبين: في سابقة تُحسب لفالفيردي، 3 لاعبين فقط من برشلونة (باللون الأزرق) تخطى متوسطهم خط نصف الملعب، رأس الحربة لويس سواريز على الدائرة، والفارق واضح بينه وبين متوسط دجيكو كمثال - هوسكورد)
(متوسط تمركز اللاعبين: في سابقة تُحسب لفالفيردي، 3 لاعبين فقط من برشلونة (باللون الأزرق) تخطى متوسطهم خط نصف الملعب، رأس الحربة لويس سواريز على الدائرة، والفارق واضح بينه وبين متوسط دجيكو كمثال – هوسكورد)

     

بين ثنايا التكتيك!

فرصة أولى تضيع من روبرتو بتسديدة سيئة في منتصف المرمى، وهي بالمناسبة تسديدة البارسا الوحيدة على المرمى في الشوط الأول، وأولى الثلاث على المرمى طوال المباراة، من أصل 9 محاولات إجمالاً مقابل 16 لروما الشجاع. طولية يُرسلها دي روسي، يتفوق بها إدين دجيكو على ألبا ثم أومتيتي ويسجل أول الأهداف في الدقيقة السادسة، في أقل تعويض ممكن من القدر على ما فعله بالذئاب ذهاباً.

 

كانت تلك هي البداية لمباراة رائعة من جانب المهاجم البوسني، سيد الهواء بـ5 انتصارات في جميع صراعاته الهجومية. تفوق دجيكو بشكل كامل على دفاع برشلونة تحديداً أومتيتي في أغلب المواقف. الأخير خسر بدوره صراعين هوائيين من أصل 3، نجح في تدخل واحد من أصل 2، بينما كان بيكيه أفضل حالاً على مستوى التدخلات، فكان أكثر من ربحها على أرض الملعب بـ5 من أصل 6.

 

النتيجة 2-0 بعد 58 دقيقة، هدفاً وحيداً يفصل روما عن التأهل، الأطراف تؤكل بشكل كامل، الوسط لا يستطيع إخراج الكرة بالشكل السليم أمام ضغط الخصم، لا وقت أنسب من ذلك ليتحرك فالفيردي، ولكنه لم يتحرك، فواقعيته التي جعلت برشلونة يتلقى هدفين فقط حتى الآن بالتأكيد ستنقذه من الثالث. عبثاً نُحاول التوصل إلى ما كان يدور بذهن الرجل وقتها، ولكن لأن مثل تلك الجبال حين تتمخض لا تلد إلا فئراناً، انتظر السيد إرنستو حتى الدقيقة 81 ليكشف عن تغييره الحاسم: أندريه غوميز بدلاً من أندريس إنييستا.

  

 (بيكيه يطالب فالفيردي بتغيير التكتيك والأخير يرفض لأنه المسؤول هنا)

  

نفس القدر الذي حالف فالفيردي في تفادي العديد من التفاصيل القاتلة لأي من مبارياته السابقة، أخرج له لسانه في في الدقيقة التالية مباشرةً برأس مانولاس، نفس المدافع الذي سجل في مرماه بالخطأ ذهاباً. في الدقائق التالية تظهر محاولات برشلونة الأخيرة، بعد أن اكتفى روما بغنيمته وتراجع منطقياً لتأمينها، كان فالفيردي بحاجة لاستشعار خطر الخروج الحقيقي حتى يتحرك، ولكن ما أفسدته 82 دقيقة لا يُفترض أن تصلحه الثواني الباقية.

 

متأخراً للغاية..

عثمان ديمبيلي بدلاً من سيميدو ثم باكو ألكاسير بدلاً من بوسكيتس، ألقى بهما المدرب وكأنه اكتشف وجودهما فجأة على دكة بدلائه. اقترب برشلونة من التسجيل ولكن لا، لم يكن من العدل أبداً أن يسجل أو يتأهل، لم يكن من العدالة أن يتصرف ميسي مرة أخرى، كانت تلك هي اللحظة التي ينكشف بها هراء مدرب قادته الظروف إلى أكثر مما كان يستحق هذا الموسم.

 

يكفي أن برشلونة قلعة التمرير الأرضي قد أرسل 83 تمريرة طولية مقابل 65 للذئاب، ليس لأنه كان يدافع بل لأنه حتى حين هاجم كانت الكرات الطولية سلاحه الرئيسي! رُبما يرجع ذلك لضيق الوقت، ولكن هنا عليك أن تسأل عمَّن ضيَّقه على نفسه من الأساس.. مات برشلونة فالفيردي جباناً عاجزاً، تماماً كما مات مانشستر مورينيو في الدور السابق، وتماماً كما يجب أن يموت وسيموت كل من يجبن عن مهاجمة الطرف الأضعف بمسافة واضحة، وكما تسقط عنهم كل حجج القائمة والضرورة والواقعية واحدة تلو الأخرى.

 

هذا ليس نصر روما بل انتصار العدالة، انتصار الشجاعة على الجبن، انتصار المنطق على الخزعبلات، انتصار لكرة القدم بأسرها على أكذوبة الواقعية.. الأداء لا يهم، التاريخ لا يتذكر إلا النتائج، كم هو جميل أن تُجرِّد كل مناصر لمثل تلك العبارات من الأداء والنتيجة معاً في ليلة واحدة! عاشت روما وعاشت الكرة، وأيًا كان ما يتذكره التاريخ فبالتأكيد لن يكون الجبناء جزءًا منه.