شعار قسم ميدان

ريال مدريد ويوفنتوس.. قلب بوفون وعقل رجل القمامة

midan - يوفينتوس
حتى الدقيقة 93:23 كان بإمكاننا أن نقول أنها واحدة من تلك المباريات التي تتصف بشيء ما يجمعها مع ريمونتادا روما وباريس وديبورتيفو وغيرها. ربما لم نكن لنجد الكثير من التشابه بين تلك المباريات ولكننا كنا سنفتعله أو نُقحمه عمدًا حتى تكتمل المفارقة؛ فريق ناله من النقد ما ناله بعد مباراة الإياب ولكنه عاد وأثبت خطأ الجميع. (1) تلك الحبكة درامية للغاية ولا تفشل أبدًا أيًا كانت طريقة عودته، لأن المفارقة حينها تجبر الجميع على الانصياع للواقع الجديد، ولكن الحقيقة أن الثانية التالية حملت معضلة أكبر لم ينجح أحد في حلها منذ تم تخطيط أول ملعب لكرة القدم.

  

مدى صحة ركلة الجزاء أمر مهم بالطبع، ولكن المعضلة الرئيسة لا تقع فيه، بل في حقيقة أنه بعد مباراة كتلك التي لا تتشابه مع أي من سابقاتها مهما اجتهدنا في البحث عن أوجه التشابه، فإن الأمر الوحيد الذي يتأكد منه الجميع لدرجة اليقين أنها لو كانت خاطئة 100% لما اعترف بذلك لاعبو ريال مدريد ومدربهم، والعكس بالعكس. قد تكون تلك فرصة مواتية للبكاء على أطلال المثاليات ولكنها لم تكن أطلالًا أبدًا، بل واقع تعيشه اللعبة منذ فجرها الأول وحتى اللحظة وستعيشه في مستقبلها وربما بدرجة أكبر من التطرف. لا أحد يكره الفوز مهما كانت طريقة تحقيقه، ولا أحد يحب الخسارة مهما كانت مستحقة.

   

هيستيريا

في لحظات كتلك يصعب أن تتبين أي شيء، المشاعر ملتهبة والجميع على إستعداد للصراخ أيًا كان ما يُقال، والتصريحات بعد المباراة تحكي فيلمًا سينيمائيًا لا مباراة كرة قدم، في الواقع يمكنك أن تستعيض عن المباراة نفسها بمشاهدة لقاءات لاعبي الفريقين بعد الصافرة.

   

يوفنتوس أتم عودة تاريخية فعلًا حتى لو لم تكتمل للنهاية. بحثنا كثيرًا عن لفظة أقل ابتذالًا وتكرارًا من تاريخية ولكننا لم نجد. عندما تلعب على أرض حامل اللقب وصاحب أقوى فريق في البطولة والمرشح الأول لها وتسجل ثلاثة أهداف دون أن تقبل أي هدف فمن حقك أن تحظى بما هو أكثر من "تاريخية".

      undefined

     

بعد مباريات مشابهة يبالغ البعض. هي عادة. هل يمكنك أن تبالغ بعد كل ما قيل؟ بالتأكيد. بمجرد أن تقطع الشعرة بين نشوة المنتصر وانتقام الموتور ستبالغ حتمًا، وحينها ستنتقص من انتصارك دون أن تشعر. ستقول إن يوفنتوس تفوق على ريال مدريد، وهذا صحيح على الأغلب، ولكنك لن تكتفي بذلك، بل ستذهب لأن أصحاب الأرض انسحقوا تمامًا ولم يشكلوا أي خطورة على مرماك وهذا لم يحدث بالطبع. ريال مدريد كان خطيرًا طيلة المباراة على لحظات متفرقة ومنح الجميع الشعور بأن بإمكانه التسجيل في أي وقت تقريبًا، ولكن يوفنتوس صمد، وهذا بالضبط هو ما يجعل عودته تستحق ما هو أكثر من "تاريخية".

 

لا أحد يثبت نفسه بالفوز على خصم ضعيف متهالك، ولكن الجميع يقع في نفس الخطأ كل مرة في فَورة النشوة. المهم أن أغلب أخطاء اليوفي التي شاهدناها في الذهاب قد اختفت تقريبًا، وحينما اختفت ظهر مقابلها كوارث في دفاع الميرينغي لم تكن بهذا الوضوح في دوري الأبطال على الأقل.

 

حاضرون بأرواحهم

undefined

  

بعد ربع ساعة فقط لا غير، اكتشف الجميع أنهم أساؤوا تقدير قوة اليوفي في المباراة الماضية بسبب الغيابات، وأنك إن استبدلت راموس بفاييخو فسيصبح الريال هشًا في الهوائيات، وإذا وضعت بن عطية مكان بارزالي وماندزوكيتش بدلًا من ديبالا واستغنيت عن أسامواه ستجد نفسك أمام يوفي جديد تمامًا. هو أمر مربك في الواقع لأن الإعداد النفسي كان له الدور الأكبر، والحقيقة الأخرى التي لن نختلف عليها هي أن ألليغري ولاعبيه لم يكونوا ليقدموا مباراة كتلك لو لم يبالغ الريال في إذلالهم في تورينو.

 

يمكنك أن تقول المثل عن فريق زيدان؛ الاستغناء عن بنزيما كان خطأ فادحًا، خاصة أنه قرار شابه محاولة ترضية لبيل بعد الاستياء الذي علا وجهه في مباراة الذهاب. (2) رونالدو يفضل بنزيما بطبيعة الحال، وفي الذهاب سجل هدفه الأول بعد أن قرر كيلّيني وبارزالي احتضان الفرنسي وتركه وحيدًا داخل المنطقة. أمر مربك آخر لا تفسير له، رونالدو يجد المساحة كلما حضر بنزيما تقريبًا ومهما تفنن الجميع في السخرية من تلك العبارة، أما بيل فلا يمكنك أن تحصي ثلاث كرات مشتركة بينه وبين البرتغالي خلال 46 دقيقة لعبها.

 

المهم أن ألليغري نجح في الضغط على أطراف الريال أخيرًا، وبالطبع ساعده لجوء زيدان إلى 4-3-1-2 التي بدأ بها الذهاب، بل لعلها السبب خلف أداء اليوفي السيئ في نفس المباراة، لأن ألليغري توقع 4-4-2 المسطحة بفاسكيز وأسينسيو وبنى خطته عليها ففاجأه زيزو بالعكس. توقع أن تأتيه العرضيات من الأطراف فأتاه إيسكو حرًا من الجبهات الثلاثة وصنع الهدف الأول. لذا كانت مباراة مارسيلو وكارفاخال عصيبة للغاية هذه المرة بعد أن اتخذ الإيطالي حذره، ولم يمنحهما كوستا وماندزوكيتش الفرصة للصعود وإمداد رونالدو وبيل بالعرضيات.

   

يوفنتوس (يسارًا) نجح في توزيع لعبه على الأطراف لدرجة الثلثين تقريبًا - هوسكورد
يوفنتوس (يسارًا) نجح في توزيع لعبه على الأطراف لدرجة الثلثين تقريبًا – هوسكورد

  

4-3-1-2 زيدان بوجود إيسكو تعتمد على صعود الظهيرين بالأساس لفتح الملعب، وبتغطية مزدوجة من مودريتش وكروس، ولكن المفاجأة السارة كانت أن كازيميرو قرر تقديم أسوأ مبارياته منذ عامين. يمكننا أن نتحدث كثيرًا عن الأرقام وحقيقة أنه لم يستخلص إلا كرة واحدة حتى خروجه من أصل ثلاث محاولات بالإضافة إلى فشله التام في الاعتراض والثنائيات الهوائية، ولكن الحقيقة الأهم أن تمركزه في أغلب هجمات اليوفي من العمق كان خاطئًا أو متأخرًا، وللأسف لا توجد إحصائية تحدد ما إذا كان لاعب المحور قد أدى دوره في مساندة قلب الدفاع الشاب عديم الخبرة أم لا، تلك أمور لا تقيسها الأرقام.

 

مفاجأة سارة فعلًا، فمن هنا تساقطت القطع الباقية كالدومينو؛ يوفي يشكل الخطورة أينما حل، ومدافعو ريال مدريد ولاعبو وسطه يخسرون الثنائيات بشكل متكرر، ورونالدو وبيل لا يساندان الأطراف دفاعيًا بطبيعة الحال، وأقصى ما يمكنهما تقديمه هو الخروج من المنطقة للأطراف لتوفير زوايا تمرير مناسبة تحت الضغط لكل من كارفاخال ومارسيلو.

   

محاولات ريال مدريد لافتكاك الكرة ومواقعها ونسبة الصحيح منها باللون الأخضر أمام كل لاعب - هوسكورد
محاولات ريال مدريد لافتكاك الكرة ومواقعها ونسبة الصحيح منها باللون الأخضر أمام كل لاعب – هوسكورد

  

فاسكينسيو

هدف ثم الثاني وأطراف الريال مازالت معطلة، في الواقع معطلة ليس اللفظ الأدق، بل منتهكة. كوستا يعيث فسادًا يمينًا ويسارًا ويشكل الخطورة بسرعته التي لم تُستغل بما يكفي في تورينو، وماندزوكيتش لا يكف عن الركض صعودًا وهبوطًا مع كارفاخال وخلفه في المساحات ليثبت أن ألليغري لا ينال الإشادة الكافية على اختراع مركز جديد هو الظهير المهاجم الهداف. الخطوة التالية المنطقية هي العودة إلى قواعد 4-4-2 المسطحة مرة أخرى، ولكن زيدان قرر الذهاب لأمر لا يجيده كثيرًا؛ الابتكار.

    

(ريال مدريد أكمل 5 مراوغات في الشوط الأول..وكذلك دوغلاس كوستا)

  

لماذا تختار بين 4-4-2 بجناحين تقليديين و4-3-1-2 بصانع لعب ما دمت تستطيع الجمع بين الاثنين؟ بيل وكازيميرو إلى الدكة وفاسكيز وأسينسيو للملعب ورونالدو مهاجم وحيد يتحرك إيسكو في ظله، ربما كان السبب في الإبقاء على الأخير هو ما أظهره اليوفي من قدرة على السيطرة على وسط الملعب كلما بادر بالصعود وبدأ تنفيذ إحدى نوبات ضغطه الهجومي.

 

نسينا أن نخبرك أن ألليغري متقدم بهدفين ومحتفظ بتغييراته باستثناء خروج دي تشيليو، القرار الشجاع الذي ساعد اليوفي على إستغلال ثنائية ماندزوكيتش – كارفاخال للمرة الثانية من عرضية ليشتاينر البديل. بالطبع كان ذلك قبل أن نكتشف لاحقًا أنه خطط من البداية لإكمال التسعين دقيقة الأولى دون تغييرات أصلًا ثم الدفع بتبديلاته كاملة في الوقت الإضافي.

 

رغم كل ما يناله ألليغري من انتقادات مستحقة بسبب أسلوب لعبه المتحفظ إلا أنه أفضل مدرب على الساحة في خوض تلك المباريات على مراحل، وبلا مواربة هو الأكفأ في قراءة خط السير النفسي للمواجهة، وعندما تجد نظرية ناجحة تنفيذًا متقنًا فإن كل شيء يكاد يسير بدقة الساعة؛ هدف مباغت في البدايات ثم هدف بنهاية الشوط والدخول إلى غرفة الملابس في أفضل حالة نفسية ممكنة.. نحن أوشكنا على العودة بينما هم يتساءلون ما إذا كانوا يستحقون العبور أم لا، إن كانوا بهذه القوة فعلًا أم لا.

 

رغم ذلك كله نجح زيدان بتغييراته في تحسين الوضع بالشوط الثاني؛ بدأت الأطراف في العمل وظهرت العرضيات المتقنة المعتادة للمرة الأولى منذ صافرة البداية، والحقيقة أن ما ساعده هو تسجيل اليوفي للهدف الثالث في وقت مبكر نسبيًا، وحينها تطلبت خطة ألليغري أن يدافع اليوفي حتى النهاية لكي تكتمل، وهو ما يعتبر الفرصة المثالية لزيدان لإغراق المنطقة بالعرضيات ووضع بن عطية وكيلّيني تحت أصعب اختبار ممكن بوجود رونالدو وصعود فاران، ولا داعي للإكمال لأنك تعلم ما حدث بعدها.

      

(إحصائيات المباراة – سكاوكا)

       

قلب بوفون 

ماذا كنا نقول؟ نعم، ركلة الجزاء. يقول محمد بوت محلل سكاوكا إن ما فعله بن عطية يداعب الشعرة الفاصلة بين ما يمكن اعتباره مخالفة وما يمكن اعتباره قوة مشروعة، وأن المدافع المغربي الذي ترك فاسكيز بلا رقابة كان عليه أن يتوقع أن مايكل أوليفر سيذهب لاعتبارها الأولى، ببساطة لأن المباراة في البيرنابيو. (3)

 

أنت لا تعلم من هو محمد بوت بالطبع ولا يهمك رأيه من الأساس. أنت تريد الحقيقة، والحقيقة أن العقل والمنطق المجردان يخبراننا أنها ركلة جزاء، قد لا تكون واضحة لدرجة القطع بصحتها أو خطئها، ولكن احتسابها لا ينبغي أن يثير مشكلة، على الأقل المشكلة التي تستدعي التعليق عليها بهذه الكثافة من 7 مليارات نسمة يسكنون الكوكب، ولكن نذكرك بأنها ليست واضحة لدرجة القطع بصحتها أو خطئها، ولكن نذكرك أيضًا أن احتسابها لا ينبغي أن يثير مشكلة. كل جملة تستوجب الثانية في متوالية لا نهائية، لدرجة أن هناك صحيفتان مدريديتان قد اختلفتا في تقييمها. (4) (5)

 

خلال دقائق، كانت العناوين تتطاير في كل مكان؛ فاسكيز يصرح أنها ركلة جزاء صحيحة في مفاجأة كبيرة، وبن عطية يرد بأنها احتكاك عادي في مفاجأة أكبر. ألليغري يقول أن لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب ببروده المعهود، واليويفا يؤكد أن تقنية الفيديو ستغيب عن النسخة القادمة من البطولة حتى لو سجلت الجماهير أهدافًا في المباريات المتبقية، وأنييلّي يؤكد أن مايكل أوليفر وأمثاله يحقدون على الكرة الإيطالية ولا يريدون لها النجاح، وبالطبع يلقي الجميع بالورقة الرابحة في النهاية..إنجلترا لن ترسل حكامًا إلى كأس العالم. (6) (7) (8) (9) (10)

    

(تصريحات بوفون عقب المباراة)

 

فقط تصريح واحد لم يكن مبتذلًا أو متوقعًا؛ حارس المرمى الأسطوري ذو الأربعين عامًا وهو يقول أن لا بد أن مايكل أوليفر يمتلك سلة قمامة مكان قلبه ليحتسب ركلة جزاء مشكوك فيها كتلك، وفي هذا الوقت القاتل من المباراة، وبعد هذا الكم من التعب والجهد، وأن بمجرد تعيينه للمباراة كان يتعين عليه أن يشاهد مباراة الذهاب وسيكتشف أن شاكير التركي لم يحتسب كرتين مثيرتين للشكوك كذلك، أما أن يعامل المباراتين وكأنهما منفصلتين عن بعضهما البعض فهذا يعني أنه لا يدرك في أي بطولة هو ولا قيمة الطرفين، وفي تلك الحالة كان من الأفضل أن يشاهدها من المدرجات بصحبة عائلته وبعض المقرمشات. (11)

 

ليست واضحة لدرجة القطع بصحتها من خطئها، ولكن احتسابها لا ينبغي أن يثير مشكلة. كرر هاتين الجملتين للأبد أثناء قراءة تصريح بوفون مرة أخرى. بعض التعديلات قد تمنحك صورة أفضل عما كان يقصده، فقط أزال الجهد والتعب، ليضع مكانهما الأمل و..والأمل أيضًا. هذا هو ما آلم الرجل في الحقيقة؛ الأمل الذي انتُزع قبل ثوان من تحوله إلى حقيقة، لا يمكننا أن نتخيل أن بوفون حزين فعلًا على أنه قدم كل ما يملك في المباراة..هو الأمل ولا شيء غيره.

 

دعك ممن خرجوا عقب المباراة ببرود مصطنع يؤكدون بمنتهى اليقين أنها ركلة جزاء لا جدال فيها، ودعك ممن يعتبرون تلك المواقف فرصة للفوز بكؤوس التميز وإطلاق أكثر النظريات تطرفًا، ودعك من أن تفنيد حالات الذهاب قد يحتاج إلى تقرير إضافي وجدل لن يفضي إلى نتيجة أبدًا. بوفون قد حكم بقلبه وإن لم تكن تستطيع تصديقه فعلى الأقل لا أحد يستطيع أن يلومه، ولكن المشكلة أن لا أحد بإمكانه لوم مايكل أوليفر لأنه حكم بعقله، وحتى لو كان يمتلك سلة قمامة مكان قلبه فعلًا.