شعار قسم ميدان

ألليغري وسيميوني..هل ينتقم المدفعجية من أرسين فينغر؟

midan - انفوجراف
غالبًا كان الكوميديان البريطاني ستيفن فراي هو من قال أن لندن بها كل شيء تتخيله، كل التناقضات المتنافرة التي لا تتوقع أن تجتمع في مكان واحد ستجدها في العاصمة الإنجليزية، وغالبًا فقد سمعت نفس العبارة تستخدم لوصف كل عواصم العالم تقريبًا، ولكن هناك شك بأن فراي كان يتوقع أن يصل الأمر إلى فتح باب المفاوضات بين أرسنال وسيميوني وألليغري عندما قال عبارته. (1) (2) (3)

     

خبر مجنون بالطبع، وقد لا يعادله جنونًا سوى خبر آخر يقول إن أبراموفيتش يحاول إستقدام سارّي إلى تشيلسي. المدينة كلها قد جنت فيما يبدو، لم تحتمل كل هذه التناقضات وفقدت عقلها، إما هذا وإما نحن بصدد نهاية العالم كما نعرفه. بالطبع هناك تفسيرًا آخر يخجل الجميع من الاعتراف به وهو أن الإنجليز كانوا يشاهدون الدوري الإيطالي وهم يظنون أن نابولي هو من يرتدي الأبيض والأسود أو العكس. (4)

  

إرث كروي

منذ شهر تقريبًا أعلنت مؤسسة ديلويت المالية عن تصنيفها الخاص لأغنى أندية العالم للموسم الحالي. القائمة ظهرت لأول مرة في 2006 ومستمرة منذ حينها، وفي كل سنة كانت أغلب الأسماء التي تحتل المراكز الأولى متوقعة؛ صراع مستمر بين ريال مدريد ومانشستر يونايتد على المركز الأول لا يتأثر بحالة الشياطين أو مركزهم في الجدول، ثم يليهما برشلونة بفارق ضئيل. لاحظ أننا نتحدث عن الأندية الأكثر تحقيقًا للعوائد والأرباح. (5)

   

منذ صدورها وحتى الآن انعكست تغيرات خريطة اللعبة على القائمة، فاختفت الأندية الإيطالية تمامًا في السنوات الأخيرة باستثناء يوفنتوس في مركز متأخر نسبيًا، وبدأت أسماء جديدة تظهر في المقدمة مثل تشلسي والسيتي وباريس سان جيرمان، ولكن الاسم الوحيد الذي كان ولازال قادرًا على إدهاشك كلما خرجت القائمة هو أرسنال.

      

     

طوال 12 عام لم يخرج أرسنال من المراكز العشر الأولى. في الواقع، لو عدت إلى النسخ المبكرة لوجدت أرسنال يحتل المركز الرابع في عام والخامس في آخر؛ ريال مدريد ومانشستر يونايتد وبرشلونة ويليهما مباشرة أرسنال. أرسنال لا يفوز بالبطولات ويبيع أفضل نجومه ويلعب له سكيلاتشي ودجورو وأندريه سانتوس والشماخ ورغم ذلك هو من أقوى أندية العالم اقتصاديًا.

   

كما تعلم فإن تلك الأرباح تتجمع من عدة روافد، أهمها بالطبع هو عوائد بث المباريات ولكن يمكنك تجاهله لأنه موحد تقريبًا بين أندية البريميرليغ، وثانيها هو حصيلة بيع التذاكر التي يتصدر فيها أرسنال أندية الكوكب بمئة مليون باوند سنويًا، وثالثها أهمية هو كل ما يتعلق بشعبية النادي عالميًا، أي أرباح بيع القمصان والترويج لمنتجات النادي في الخارج.(6)

   

هنا يقع التفسير غالبًا، فعبر رحلة التدهور المستمرة منذ 2006 للحظة لم يتبق لأرسنال من إرثه الكروي إلا عنصر وحيد تقريبًا كان الأكثر استمرارية، هو الكرة الجميلة، وعلى العكس مما يخبرنا به الجميع هذه الأيام فإن الكرة الجميلة ليست عديمة الفائدة تمامًا. أرسنال فقد كل ما كان يميزه ولكنه حافظ على هذا النهج تحت قيادة أرسين فينغر حتى 2013 على الأقل ثم بضع لمحات مضيئة فيما عقبها. أرسنال افتقد للقوة البدنية والاندفاع والرغبة في الفوز والشخصية وكل ما قد يميز أي فريق بطل، ولكن إن كان لفينغر حسنة لم تمحها سنواته الأخيرة فهي موسيقى أرسنال السريعة التي ظلمها تصريح كلوب. (7)

       

  

المربع صفر

الخبر مجنون بالطبع، ولكنه يظل مجرد خبر. تصريحات ألليغري عقب الفوز بالثنائية الرابعة على التوالي تظهر أنه قد يبقى في تورينو، كذلك سيميوني قد يقرر اختبار حظوظه لعام إضافي مع الروخيبلانكوس، وسواء كانت هناك مفاوضات جدية مع هذا أو ذاك أو لا مفاوضات مع الإطلاق، فالمفاجأة أن هذا لن يكون الخبر الأهم. (8)

   

الخبر الأهم هو أن قطاعًا لا بأس به من مسؤولي أرسنال وجماهيره يفضلون التعاقد مع الإيطالي أو الأرجنتيني فعلًا سواء نجحوا في ذلك أو لا. منذ عام تقريبًا أجرى موقع DreamTeamFC استطلاعًا للرأي بين جماهير أرسنال حول مدربهم القادم، والنتيجة أن سيميوني وألليغري تصدراه باكتساح. نفس الأمر تكرر مع استفتاء آخر في HITC، ثم أعيدت الكرة في أكثر من موقع آخر بمجرد أن أعلن فينغر عن رحيله وكانت المفاجأة في تكرار نفس النتائج تقريبًا؛ ألليغري ثم سيميوني، أو سيميوني ثم ألليغري، وبعد ذلك تجد أسماء مثل لوف وتوخيل وفييرا وإنريكي بفوارق ضئيلة. (9) (10) (11)

   

الآن دعنا من السفسطة المعتادة في تعريف المتعة رغم أن الإيطالي نفاها عن نفسه – بنفسه – أكثر من مرة، ودعنا من محاولة تعريف ما هو كرة جميلة وما ليس كذلك رغم أن العالم كله قد أجمع أن أرسنال قدم واحدة من أجمل نسخ اللعبة تحت قيادة فينغر، لأن أيًا كان تقييمك للطريقة فيبدو أن هناك حماسًا كبيرًا لنسفها من الأساس. (12)

     

  

دعنا كذلك من محاولات اختراع العجلة. إن كنا نتحدث عن النتائج فقط فلا الدفاع ولا الهجوم ضامن للفوز أو تحقيق البطولات وكل ما يقال في هذا الصدد هو هراء خام. أرسنال اكتسح إنجلترا من قبل بطريقته الخاصة، والسيتي اكتسحها هذا العام بطريقة مشابهة، وما تغير هو شدة المنافسة وجودة اللاعبين والرغبة في الفوز وأسعار السوق، بل وقدرة فينغر نفسه على التطور ومواكبة الأحداث، وفي النهاية سيتذكر التاريخ إنجازات ألمانيا والبرازيل وأسبانيا وبرشلونة وريال مدريد والسيتي وبايرن ميونيخ مثلما سيتذكر  نجاحات يوفنتوس وإيطاليا واليونان والأتليتي وليستر.

   

غرام وانتقام

الأمر لا علاقة له بتقييم ألليغري كمدرب، بل ربما يبدو الإيطالي للوهلة الأولى كمرشح مثالي؛ هادىء وعقلاني وعبقري في التعامل مع الضغوط. بالطبع هناك عدة مغالطات مستقرة بشأن الرجل، منها على سبيل المثال اعتباره مناسبًا لإدارة كرونكي لأنه قادر على العمل مع أقل الإمكانيات، وهو أمر يختلف تعريفه كثيرًا في إيطاليا عن إنجلترا. ففي الأولى يمكنك التعاقد مع أفضل اللاعبين في الدوري والحصول على أفضل قائمة بفارق كبير بل وتجريد منافسك الأول من أهم لاعبيه دون إنفاق الكثير من الأموال. هذا الأمر مستحيل عمليًا ونظريًا في إنجلترا، حتى على نادي كالسيتي لا قاع لجيوبه.

 

لكن إجمالًا يظل الرجل من الأفضل في العالم، وإن كان يمكن اتهامه بشيء فهو البخل الفني فقط لا غير، وهو قادر فعلًا على منح أرسنال ما ينقصه إن توفرت له الأدوات المناسبة، ولكن تلك ليست المشكلة. المشكلة أنه سيجرده مما يملكه الآن في المقابل.

 

الحقيقة أن الأمر كله يبدو وكأنه محاولة للانتقام من إرث أرسين فينغر بشكل عام، بحلوه ومره، وكأن مشجعي أرسنال يعانون من صعوبة في تخطي تلك الحقبة والتعامل معها، لذا يحاولون نسفها نسفًا وكأنها لم تكن، وكأن المشكلة كانت في طريقة اللعب ذاتها، لا كل ما أحاط بها من ظروف وعناصر.

      

   

يقول متخصصو الطب النفسي بأن هذا الأسلوب بشري تمامًا، يتبعه الكثيرون لتسهيل لحظات الوداع. لحظة وداع فينغر كانت عاطفية للغاية، وهذا لا يعني أن عواطفها كانت إيجابية بالمناسبة، بل إن تلك الاستطلاعات والتصويتات تظهر أن اختيار ألليغري أو سيميوني – رجال "الواقعية" – هو خيار عاطفي تمامًا بدوره، انتقامي بدرجة كبيرة، وليس بالعقلانية التي يتظاهر بها على الإطلاق، لأن أي دراسة واقعية لاحتياجات أرسنال كانت ستقوده إلى كون سارّي خيارًا أنسب، ليس فقط لاعتبارات "الكرة الجميلة" كهوية اختارها أرسنال لنفسه، بل للحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي أتت بها تلك الكرة، والتي جعلت أرسنال مؤهلًا لمنافسة أيًا من كان في سوق الانتقالات، حتى ولو لم يرغب ملاكه في ذلك. (13)

    

من يريد الأرسنال؟

بالطبع يمكنك أن تلوم أرسنال على ذلك، أو فينغر نفسه لأنه أوصل جماهير ناديه لهذه الحالة بعد سنوات من الإصرار والعناد لأجل اللاشيء، ولكن هذا لا يعني أن جماهير أرسنال لا تتحمل قسطًا من اللوم كذلك. عاشوا لسنوات طويلة على ذكرى كرة أرسنال وأجياله المبهرة التي قدمت أفضل عروض في أوروبا، وعندما أتاهم التغيير أخيرًا قرروا البدء بهدم أجمل ما قدمه فينغر لإنجلترا وأرسنال، والمؤسف أن سلاحهم في ذلك كان الكذبة التي طالما رددها خصومهم طيلة السنوات الماضية. كذبة الواقعية والدفاع الذي يجلب البطولات والهجوم الذي يفوز بالمباريات، حجة البليد التي يسير على نهجها كل من عقم عن التجديد والابتكار، كل من يحتقر رغبة الجماهير في الفرجة ويطالبهم بالبحث عن رياضة أخرى ليشاهدونها.

   

ألليغري مدرب رائع جدًا، ناجح جدًا، وكذلك سيميوني، ولأنهم كذلك لا نظن أن إدارة يوفنتوس ستختار غوارديولا مثلًا ليخلف الأول، أو كيكي سيتيان ليستبدل الثاني. الأتليتي ويوفنتوس أنجح من أرسنال في السنوات الأخيرة بالطبع، لكن هذه مغالطة أخرى تفترض أن سبب فشل أرسنال كان طريقة لعبه، وكأننا لا نعيش في نفس العالم الذي فازت فيه ألمانيا بكأس العالم لتوها، أو الذي اكتسحت فيه أسبانيا الكوكب لأربع سنوات متتالية، أو الذي التهم فيه سيتي غوارديولا البريميرليغ، أو الذي أحرج فيه نابولي سارّي ألليغري نفسه بمجموعة من المغمورين.

   

عمومًا هي ليست النهاية، لا شك أن الثنائي يمتلك الكثير مما يحتاجه فريق المدفعجية الحالي، هناك الكثير مما يحتاج للنسف فعلًا في أرسنال، لاعبين وهياكل إدارية ومعايير اختيار الناشئين والإعداد البدني والطبي إلخ، ولكن في خضم تلك الثورة قد يهدمون الشيء الوحيد الذي يحتاج إلى الترميم؛ هوية أرسنال.