شعار قسم ميدان

ليفربول وريال مدريد.. أزرار زيدان وكلوب السحرية

midan - football

كل شيء في مدريد يوحي بأن الريال يخطو نحو مذبحة في النهائي؛ حالة الرضا المنطقية بعد الوصول لثالث نهائي على التوالي، وتصريحات نجومه السابقين وتوقعاتهم لنتيجة المباراة، وتحليلات الصحفيين المحسوبين على معسكره، والخلط الساذج بين قوة ليفربول كأفراد وقوتهم كفريق، والأهم على الإطلاق، أداء الريال نفسه في الفترة الأخيرة بما فيها آخر ثلاث مواجهات من دوري الأبطال، وبالطبع ثقة رئيسه ولاعبيه التي لا تتناسب مع هذا الأداء. (1) (2)

  

كل شيء في مدريد يوحي بأن الريال يخطو نحو مذبحة في النهائي، فقط لو لم يكن خصمه ليفربول، الفريق الذى عانى بشدة في الدقائق الأخيرة كلما واجه خصمًا منظمًا يمتلك اللياقة الكافية، والفريق الذي يمتلك أخطاءً دفاعية قاتلة وحتى بعد التدعيم بفان دايك. الشاهد أن الفريقان يمتلكان زرًا يقلب الأوضاع رأسًا على عقب، يُحول الريدز من فريق لا يكف عن الركض والضغط والتسجيل الهيستيري إلى مجموعة من فاقدي التركيز المنهارين بدنيًا الذين لا يستطيعون الدفاع عن مرماهم حتى وهم مكدسون في منطقة جزائهم، ويحول ريال مدريد من فريق مُنتهك في كافة الخطوط إلى خصم يصعب التسجيل في مرماه أو إيقاف هجومه.

       

الزر السحري

فقط هناك نقطة واحدة مهمة قد تشكل الفارق في هذا الصدد، أن زر ليفربول السحري هو زر ينضغط رغمًا عنهم. هو أحد عيوبهم التي قُتلت بحثًا هذا الموسم وأحد أهم النقاط التي سيسعى كلوب لتداركها في كييف، وهو ما لا يبدو الميرينغي قادرًا عليه بالمثل، بل إن المباريات الأخيرة، خاصة مواجهتي بايرن ميونيخ، تثبت أن الزر في يقع تحت سيطرة خصومه أكثر مما يقع تحت سيطرته، وأنه منذ مباراة يوفنتوس الأولى قد اكتفى بانتظار هدايا القدر والمنافسين على حد السواء، بل في الواقع فإن السبب المنطقي الوحيد للتفاؤل في مدريد، إلى جانب الخبرة الهائلة للفريق الحالي في النهائيات، هو أن الريال قد وصل للنهائي بالفعل، وبقوة الأمر الواقع، أي تطرق للتفاصيل سينتقص من تلك الحقيقة.

     

   

النقطة الثانية بالطبع هي أن كلوب سيلعب مباراة واحدة بلا ذهاب أو إياب في الأنفيلد حيث يمكنه استغلال الأجواء الأسطورية في سحق خصومه مبكرًا مع أول خطأ يرتكبه دفاعهم، ولعله الأمر الوحيد الذي أصابت فيه الصحافة المدريدية في الفترة الماضية، أن الميرينغي يدخل المباراة بأفضلية نفسية. بالطبع كان ذلك قبل أن يتسبب الإعلام المدريدي في إثارة الغضب والحماس الأحمر في ليفربول لأعلى مستوياتهم بدون داعي حقيقي سوى استعراض العضلات، ورغم محاولات زيدان ومارسيلو لتدارك الأمر من خلال إشادات كبيرة بكلوب كمدرب وليفربول كفريق، ناسين أو متناسين أن أفضلية المباراة الواحدة لريال زيزو قد تنقلب ضده إن نجح الريدز في اكتساحه مبكرًا كما حدث أمام كل خصومهم من قبله، لأنه في هذه الحالة لن تكون هناك مباراة عودة للتعويض.

    

تعبير الفوضى يعود حقوقه لجوناثان ويلسون الذي كتب في الغارديان عن أن نقاط ضعف وقوة الفريقين تؤكد أن توقع الناتج مستحيل، وعلى الرغم من الفارق الضخم بين الأفراد هنا وهناك، وهي النقطة التي أخطأت فيها صحافة مدريد بشكل لا يغتفر، لأن مهما كانت الفوارق فهناك أمر وحيد أكيد لدى جميع المتابعين في العالم، هو أن ليفربول قادر على التسبب بأكبر كم ممكن من الفوضى في دفاعاتهم بهجوم كسر الرقم القياسي لعدد الأهداف المسجلة في نسخة واحدة من البطولة، وتوقع النتيجة النهائية للفوضى هو أمر مستحيل عمليًا، ناهيك عن أن يكون هذا التوقع هو اكتساح الميرينغي بأربعة أهداف كما صرح ديل بوسكي. (3) (1)

  

قائمة لادسون

وسط كل ذلك كان تحليل دييغو توريس من El Pais ثاقبًا إلى حد بعيد؛ كلوب لا يملك خيارًا سوى الهجوم بجنون لأن فريقه لا يمكنه الدفاع عن أي تقدم في النتيجة حتى ولو كان بفارق خمس أهداف، لكن الرؤية الأكثر منطقية أتت من ليفربول، على يد مات لادسون صحفي This is Anfield. (2) (4)

  

لادسون يرى أن هناك خمسة أسباب تجبر ريال مدريد على التحسب لليفربول؛ أولها هو ثنائية صلاح ومارسيلو  بطبيعة الحال والتي يمكن البناء عليها لاستنتاج القطع الباقية. نحن نتحدث عن مواجهة بين مهاجم وجناح لا مهاجم وظهير وهذا هو مكمن الأزمة. الثنائي مهم للغاية في الثلث الأخير للفريقين وزيدان لا يملك خيارًا سوى حجز أحد لاعبي الوسط لملاصقة المصري كظله، بل ولا يملك خيارًا سوى أن يكون هذا اللاعب هو كازيميرو تحديدًا. أي حل آخر سيعني التضحية بالمباراة برمتها لأن حتى مع نجاح البرازيلي في إيقاف صلاح سيتبقى لزيدان صداعًا آخر في القلب هو فيرمينو، السبب الرابع في قائمة لادسون.

     

    

بالتبعية، هذا يعني أن ريال زيزو مجبر على اللعب بخط وسط ثلاثي حتى مع التسليم بأن وسط ليفربول ليس أفضل خطوطه، وبالتبعية أيضًا، هذا يعني أنه بغض النظر عن لحاق كارفاخال بالمباراة من عدمه فإن المشاركة بفاسكيز وأسينسيو على الأطراف للضغط على أظهرة ليفربول مبكرًا ليس خيارًا مطروحًا، ما يترك زيزو أمام خياره المفضل الثاني، أي إيسكو وثنائي هجومي من رونالدو وبنزيما أو بيل المتألق في الأسابيع الأخيرة.

  

صدام المنطق

يمكن وضع النقاط الثلاثة التي أوردها لادسون في قائمته تحت عنوان عريض هو نقطة الالتقاء بين منحنى هبوط الميرينغي منذ نهائي 2017 وبالعكس منحنى صعود الريدز في 2018، وهو أفضل تعبير ممكن عن المتناقضات التي يجمعها النهائي هذا العالم. (4)

  

ريال زيزو يمتلك خبرة أكبر وهذا يجعله مرشحًا للفوز، هذا زعم منطقي تمامًا، ولكن ليفربول يمتلك تشكيلة أصغر سنًا وهذا يجعله أكثر قدرة على مباغتة تشكيل الريال المُسن ومن ثم الفوز، هذا أيضًا زعم منطقي بدوره. رسم زيزو التكتيكي سيضم راموس 32 عامًا، ومارسيلو 30، ومودريتش 32، ورونالدو 33، وغالبًا بنزيما 30. هناك اثنان على الأقل من 11 الريال لن يقوما بأية أدوار دفاعية تُذكر، ولاعب إضافي لا يملك السرعة الكافية للارتداد ولا الكفاءة الدفاعية اللازمة لاستخلاص الكرة إن فعل هو إيسكو، أمام 11 انتحاري لن يكفوا عن الركض طيلة الساعة الأولى ستكون الأمور صعبة فعلًا. ريال مدريد يفوز بخبرته في كثير من الأحيان حتى ولو لم يجد أثناء المباراة، لكن لادسون يرى أن هذه المزية لا يمكن أن تستمر للأبد، لابد من لحظة ينقلب فيها الأمر وتتحول الخبرة إلى عبء أمام الفرق اليافعة.

      

    

ريال زيزو يمتلك ثقة أكبر تجعله أكثر هدوءًا وتركيزًا واستفادة من أخطاء خصمه، ولكن الأجواء التي وصفها توريس في تقريره تقطع الشعرة مع الغرور. الرجل يؤكد أن الجميع في ريال مدريد من أصغر لاعب إلى رئيس نادي على يقين من أن هذا هو أسهل نهائي خاضوه في السنوات الأخيرة، وهو ما يمنح كلوب وجنوده ما يحتاجونه بالضبط؛ النظرة الفوقية التي التهموا أصحابها في طريقهم للنهائي.

     

حتى أفضلية خوض النهائي الثالث على التوالي قد تنقلب ضد الميرينغي إن لم يحسن استغلالها، وهو ما أسماه لادسون بـ"قيمة الفرصة"، أي أن دوافع زيدان وفريقه لتحقيق اللقب الثالث على التوالي والابتعاد عن أقرب منافسيهم بستة ألقاب كاملة، ليس حافزًا أكبر من رغبة الريدز في العودة للواجهة واستغلال تعثر غريمهم المحلي في السنوات الأخيرة وتذكيره بالفارق الأوروبي الذي لم يستطيعوا تجاوزه أو حتى معادلته في حقبة فيرغسون العظيمة.

  

التاريخ يعلمنا أن التعالي قبل المواجهات المشابهة، وحتى بالمنطق البراغماتي البحت، هو حرب خاسرة، على الأقل إعلاميًا وجماهيريًا. هو ضغط لا يحتاجه الفريق وهو في أفضل حالاته، ناهيك عن فريق نجى من الخروج في آخر دورين بمعجزة، ولم يجد مدربه بعد الزر السحري الذي يحول أداءه المحلي المحبط إلى آخر أوروبي مبهر، أو حتى قادر على الإقناع.

 

لكنها طبيعة البشر ببساطة، ومثلما كانت هناك لحظة حتمية ستتحول فيها خبرة ريال زيزو إلى عبء في مواجهة أي خصم شاب، بالمثل ستأتي لحظة حتمية تتحول فيها الثقة إلى غرور بلا أساس. ما إذا كانت تلك الحظة هي نهائي كييف أم لا، فهذا ما سيحدده كلا الفريقين، فقط أن نجح مدربيهما في إيجاد الأزرار.