شعار قسم ميدان

الإنجليز في روسيا.. لأن ثلاثة أسود لا تكفي

الإنجليز - ميدان
يمثل منتخب إنجلترا معضلة كُبرى في المحافل العالمية، فهو دائما هذا الفريق الذي وُضع قسرا في مصاف الكبار، دائما ما يملك لاعبين مبشرين إن لم تكن أجيالا تاريخية، ورغم ذلك لا يحقق شيئا في نهاية المطاف، فالحصيلة هي لقب كأس العالم عام 1966 على فرض نزاهته. آخر إنجاز حققه كبير المملكة المتحدة كان نصف نهائي مونديال 1990، أما آخر إنجاز في بطولة الأمم الأوروبية كان نصف النهائي أيضا عام 1996، وهو بالمناسبة أفضل ما وصل إليه الإنجليز في تاريخهم مع اليورو.

   

يقع الأسود الثلاثة في المجموعة السابعة مع بلجيكا وتونس وبنما، وبينما يبدو وكأنه يملك 6 نقاط مضمونة، لا أمان لمن يُودّع ثُمن نهائي اليورو على يد "جزيرة صغيرة متجمدة حارس مرماها مخرج أفلام ومدربها المساعد طبيب أسنان" كما وصفها إريك كانتونا(1)، بعد عامين من خروجه بنقطة واحدة في مجموعة تصدرها المنتخب الكوستاريكي. بلجيكا بالتأكيد هي الخطر الأكبر بنجومها المعروفين جيدا للإنجليز في دوريهم، بينما لا يعرفون عن تونس سوى وهبي خزري جناح سندرلاند وفقا لتلخيص تيليغراف(2)، وأخيرا منتخب بنما -مشكورا- موجود هنا للمرة الأولى في التاريخ، ولا يفترض به أن يُقدم أكثر من ذلك.

       

      

بين سطور القائمة

تضم القائمة أغلبية كاسحة للمدافعين بـ10 لاعبين في هذا الخط، بينهم 3 كانوا ينتمون إلى خط الوسط في السابق، هم آشلي يونغ ظهير أيسر مانشستر يونايتد، وترينت أليكساندر أرنولد ظهير أيمن ليفربول، وفابيان ديلف ظهير أيسر مانشستر سيتي. بالإضافة إلى هؤلاء يوجد 4 قلوب دفاع و3 أظهرة. قد يبدو خيارا غريبا أو مُبالغا لوهلة، ولكن هؤلاء العشرة بجانب قدرتهم على دعم خط الوسط كبدائل مُحتملة، فهم هنا لشغل 5 مراكز أساسية هي ثلاثي قلب الدفاع وظهيري الجناح (Wing-backs).

   

منتخب إنجلترا لم يخسر أي مباراة في آخر 9، وتحديدا منذ هزيمته الودية على يد فرنسا في يونيو/حزيران 2017، بواقع 4 انتصارات في التصفيات ضد مالطا وسلوفاكيا وسلوفينيا وليتوانيا، و5 مباريات ودية ضد ألمانيا والبرازيل وإيطاليا وهولندا ونيجيريا، فاز على آخر اثنين وتعادل مع البقية. باستثناء مباريات مالطا وسلوفاكيا وسلوفينيا، انتهج غاريث ساوثغيت المدير الفني للأسود الثلاثة طرقا ثلاثية الدفاع، تراوحت بين 3-5-2 (أو 3-1-4-2) و5-3-2، وبالتالي لم يكن بحاجة إلى الكثير من لاعبي الارتكاز، لتقتصر خياراته على إريك داير وجوردان هندرسون، ومفاجأته روبن لوفتس تشيك كلاعب قادر على شغل جميع مراكز الوسط وإن تفاوتت كفاءته بينهم.

  

كان ساوثغيت يعلق آمالا كبيرة على أليكس أوكسليد تشامبرلين، لاعب ليفربول المنتقل إليه في الشتاء من أرسنال، حيث سبق له تجربته كلاعب في الوسط أمام فرنسا، وبعد أن حوله يورغن كلوب مدرب ليفربول إلى لاعب وسط بشكل نهائي، زاد رهان مدرب إنجلترا عليه في 3-1-4-2 ضد هولندا وإيطاليا في تجارب مارس/آذار الودية، وعليه كان تعرضه للإصابة ضربة مؤلمة لكلا الرجلين، الألماني والإنجليزي.

   

بدا الرجل مخلصا لفكرة تقسيم مثلث الوسط إلى ارتكاز دفاعي بحت (إريك داير) وثنائي بنزعة هجومية مع القدرة على أداء المساندة الدفاعية اللازمة، وهو ما جعله يُشرك جيسي لينغارد إلى جوار تشامبرلين في هاتين المباراتين، الأمر الذي دفعه إلى تعويض غياب الأخير بصانع ألعاب توتنهام ديلي ألي في مواجهة نيجيريا. وما زال جوردان هندرسون في الصورة بطبيعة الحال، قبل خوض التجربة الأخيرة ضد كوستاريكا في السابع من الشهر الجاري.

      

       

على صعيد الجانب الدفاعي، يبدو تقسيم اللاعبين العشرة عادلا للغاية مقارنة بالمراكز، صحيح أنهم 6 أظهرة و4 قلوب دفاع، لكنهم في حقيقة الأمر 4 أظهرة و5 قلوب دفاع ولاعب وسط، فمبدئيا ديلف خارج حسابات الدفاع إلا في أحلك لحظات الضرورة، أما كايل ووكر نجم رواق مانشستر سيتي الأيمن فهو قلب دفاع ثالث في خطة ساوثغيت وفقا لآخر 3 مباريات، حيث يحتل كيران تريبيير الجانب الأيمن وأرنولد بديلا له، بينما يتقاتل آشلي يونغ وداني روز على الطرف الأيسر.

   

الثابت بجوار ووكر هو زميله السيتيزين جون ستونز، بينما تناوب الثنائي المُستبعد جون ستونز وجيمس تاركوفسكي على المقعد الثالث في مباراتي هولندا وإيطاليا، بينما عاد غاري كاهيل للوجود ضد نيجيريا في المباراة الأخيرة. يبقى هاري مغواير ظاهرة دفاع ليستر سيتي منافسا شرسا له، بينما يتذيل فيل جونز هذا السباق. لا تزال حراسة المرمى معلَّقة بين جوردان بيكفورد وجاك بوتلاند وإن مال إلى صالح الأول، بينما يبدو موقف الهجوم محسوما لصالح هاري كين ورحيم سترلينغ، مع بعض المناوشات من جانب جيمي فاردي.

   

لمَ الأمل الآن؟

كان تسليط الضوء على التاريخ الحديث المخزي ضرورة حتمية، لإبراز الفارق الشاسع بين إنجلترا روي هودغسون الكارثية، وإنجلترا ساوثغيت التي بات لها شكل حقيقي قادر على تهديد الخصوم، في منظومة بسيطة تعمل بلا اختراعات استثنائية لاستخلاص المردود الأفضل من مجموع الأفراد، بأن يقوم كل منهم بدور يستطيع أداءه، بداية بوجود هاري كين عند نقطة انتهاء الكرات الثابتة، وليس بدايتها!

   

نال الإنجليز وقتا كافيا للتأقلم على الطريقة الجديدة والتي تُعتبر الخيار الأنسب للقائمة الحالية، فاللعب بثنائي دفاعي مكون من ستونز وكاهيل بمنزلة انتحار علني لا نجاة منه، خصوصا في ظل تصادف ضعف الأول في الثنائيات مع كونه الخيار الأفضل بين المُتاح. كما أثبتت الطريقة قدرتها على السيطرة أمام الفرق الأضعف من جانب، والتضييق الدفاعي أمام الفرق الأقوى من الجانب الآخر مثل ألمانيا والبرازيل.

      

       

يُضاف إلى أسلحة ساوثغيت هدية من ماوريسيو بوكيتينو مدرب توتنهام، هي الرابط القوي الذي أسسه بين تريبيير وكين. أما عن الطرف الأيسر ومع كامل الاحترام لما يقدمه آشلي يونغ، فإنه لو لم يكن داني روز مُحاصرا بأزمة الإصابات واللياقة لما كان هناك مجال للحديث عن الأفضلية هنا. بالانتقال إلى الوسط، ليس الاختيار بين داير وهندرسون كلاعبين في حد ذاتهما بتلك السهولة، ولكن في ظل فشل لعبهما بجوار بعضهما البعض، فإن أفضلية واجبات هذا المركز في تشكيل ساوثغيت تميل بوضوح ناحية لاعب توتنهام.

   

وصولا في نهاية المطاف إلى واحدة من أقوى قصص الصعود الكروي لهذا الموسم متمثلة في شخص جيسي لينغارد، الذي بات لاعبا مهما في ناديه ومنتخب بلاده بسرعة قياسية، في أهم إنجازات جوزيه مورينيو مدرب مانشستر يونايتد، أو إنجازه الوحيد تقريبا، بإكسابه المزيد من الالتزام والوعي المركزي. لا شكوك حول جدوى شراطة الوسط بينه وبين ديلي ألي من الناحية الهجومية، ولكن تبقى المخاوف مشروعة حيال نجاحها من الناحية الدفاعية، أو بكلمات أخرى ما يحدث حين يفقد الإنجليز الكرة، وهو ما يرشح هندرسون للعودة واحتلال موقع أحدهما في المواجهات ذات الطابع الدفاعي.

   

ترتكز الآمال على النجاعة الهجومية (الجانب المظلم لرحيم سترلينغ) من جانب، وعلى الصلابة الدفاعية من جانب آخر، فتلك المنظومة ستكون قادرة على خلق الوازن الدفاعي ضد الهجوم البلجيكي الكاسح كمثال، كما لن يسهل اختراقها بالمرتدات من قِبَل الأطراف الأضعف، بقي فقط أن تُثبت كفاءتها أمام تونس وبنما كمثال آخر، بين مجابهة الدفاعات المنظمة والفرق التي تتخذ من الجُهد البدني رأس مالها.