شعار قسم ميدان

يوم تحرير المونديال..هل يستفيد العالم من خروج ميسي ورونالدو؟

ميدان - ميسي ورومالدو

هل يكفي ميسي تمريرتان حاسمتان وهدف في المونديال؟ ما هو الحد الأدنى المقبول من الأهداف والتمريرات الحاسمة حتى تكون جنسيته هي ما ظلمه لا العكس؟ كريستيانو سجل 4 أهداف كاملة، بالإضافة لأن إحدى تمريرات ميسي الحاسمة لم تكن مقصودة بل تسديدة ضعيفة تغير اتجاهها على قدم ميركادو فاعتبرت مواقع الإحصاء أن ميسي قد صنع الهدف لأنها لم تجد توصيفًا آخر للحالة، وهذا يذكرنا بتمريرة أخرى حاسمة لرونالدو في اليورو تم احتسابها بطريقة مشابهة، ثم أن أهداف رونالدو الأربعة شابها خطأين كارثيين لأفضل حارس مرمى في العالم في الموسم المنصرم، وهدف آخر  كان من المفترض أن يُلغى لارتكاب بيبي مخالفة في منطقة جزاء المغرب، لذا فالحقيقة أن رونالدو لم يسجل إلا هدفا واحدا، وهذا الهدف أتى من ركلة جزاء. كل هذا الضجيج لأجل ركلة جزاء! بينالدو كالعادة! (1) (2)

    

قبل أن تسخر من ركلة الجزاء عليك أن تخبرنا ماذا فعل ميسي بركلة الجزاء الوحيدة التي سددها في المونديال. الأمر ليس بهذه السهولة لأن رونالدو يمتلك شخصية أقوى وأقدر على تحمل الضغوط، أما ميسي فيختار المدرب واللاعبين والتشكيلة والخطة والتغييرات ورئيس الاتحاد والحكم وموعد المباراة ونسبة الرطوبة ودرجة الحرارة ثم لا يكف أنصاره عن اختراع الأعذار. لماذا لا يخبرونا متى كانت آخر مرة سجل فيها في كأس العالم بعد دور المجموعات؟ لماذا لا يصنع المعجزات مثلما يفعل في برشلونة؟ لماذا لا يسجل مثلما يسجل رونالدو؟ يقولون أنها 10 خشبات ولكن الحقيقة أنها 11 خشبة، والتاريخ لن يتذكر إلا ما حدث أمام المرمى. التاريخ لا يتذكر إلا الأهداف ومن أحرزوها. (3)

  

الجاثوم

لحسن الحظ لم تعد مضطرًا للإجابة عن كل تلك الأسئلة الوجودية. كأس عالم بدون ميسي ورونالدو؟ الأمر ليس بجديد. في الواقع كان نفس السؤال مطروحًا منذ عدة أشهر عندما كانت البرتغال والأرجنتين تعانيان في التصفيات بدرجات متفاوتة؛ هل يمكن أن ينجح كأس عالم بدون ميسي ورونالدو؟ (4) (5) (6)

    

   

السيناريو الأفضل قد حدث، تأهل الثنائي وحلّ كأس العالم ليحوله أنصارهما إلى ساحة حرب حقيقية تحاول استغلال كل لقطة لفرض قناعات معلبة سابقة التجهيز. كل قواعد المنطق تم نسفها اعتمادًا على صوت الأغلبية عقب كل مباراة، حتى بدأت أصوات الململة والتذمر تعلو من باقي مشجعي اللعبة، الذين شعروا أنهم صاروا مجبرين على مشاهدة المونديال من ثقب الباب.

     

لماذا هو السيناريو الأفضل؟ لأن الأوروغواي أطاحت بالبرتغال بعد أداء أسطوري، وفرنسا أخرجت الأرجنتين رغمًا عن ديشان وتغييراته العجيبة، وكل ذلك قد حدث في أولى أيام دور الـ16. أي احتمال آخر كان سيعني انقلاب الإنترنت رأسًا على عقب؛ لو تأهلت الأرجنتين ولم تتأهل البرتغال لكنا نتحدث الآن عن بينالدو الفاشل الذي لم يستطع قيادة بلاده في معركة متكافئة، ولو حدث العكس لكنا ننقل مطالبات الشعب الأرجنتيني لميسي بالاعتزال وعدم العودة للأرجنتين إلى الأبد، ولو وقع الاحتمال الثالث لكنا نستعد لأم المعارك في أولى مباريات ربع النهائي، الحرب التي لن يخوضها الجنرالات لأنهم سيكونوا أبعد ما يمكن عن بعضهما البعض في الملعب، ولكن الويل لك إن حاولت أن تخبر جلادي السوشيال ميديا بعدها أن منع أيهما من التسجيل هو وظيفة المدافعين لا وظيفة الآخر، والويل لك إن تحدثت عن أن هناك طرقًا أخرى لمساعدة الفريق غير التسجيل. هذه تفاصيل منطقية وموضوعية ومهمة، وأول ما يفعله أي "ترولر" أو صانع "كوميكس" يحترم نفسه هو أن يتجاهلها. (7)

          

  

ربما تكون معركة ميسي ورونالدو هي أعظم المعارك الفردية في تاريخ اللعبة، ولكنها تحولت مع الوقت، وبفعل جمهور الثنائي وفعلنا، إلى جاثوم يرقد على صدر الباقين، ومثلما تحول برشلونة إلى ميسي وريال مدريد إلى رونالدو، ثم تحولت الليغا كلها إلى ميسي ورونالدو، ثم تبعها دوري الأبطال واليورو والكوبا، كان من المنطقي أن يكون كأس العالم هو الخطوة التالية، ربما كان الشيء الوحيد الذي أجّل ذلك هو خروج البرتغال من دور المجموعات في النسخة السابقة.

    

حرية

الأمر لا يتعلق بـ"باقي مشجعي اللعبة" وحسب، إن جاز أصلًا أن نسميهم كذلك، بل بجمهور ميسي ورونالدو نفسه، وهذا التعبير ليس سُبة في حد ذاته كما يُصر المشجعون القدامى أو المخضرمين، لأن الثنائي من أعظم ما أنجبت اللعبة ومن الطبيعي أن يكون لهما جمهور واسع يغلب على قطاعاته التطرف كما هو الحال مع أي كيان ناجح بما فيها الكيانات التي ينحاز لها نفس المخضرمون والقدامى.

  

بفضل فرديات فرنسا الرائعة وجماعية الأوروغواي المبهرة صار بإمكان جمهور ميسي ورونالدو نفسه أن يشاهد المونديال بشكل مختلف. يمكنه أن يشاهد أي مباراة دون أن يخشى تألق أحدهما على حساب الآخر، دون أن يتمنى لو أخطأت كل تمريرات ميسي ومراوغاته أو أهدر رونالدو كل فرص التسجيل المتاحة، دون أن يضطر لإرتكاب مغالطات منطقية مخزية لتلخيص فريق كامل ومن خلفه جيش من المدربين والموظفين وسنين من التطوير والتخطيط السيئ أو الجيد في لاعب واحد، بل في تسديدة واحدة أحيانًا، وأحيانًا أخرى في بضع سنتيمترات كانت كفيلة بتغيير النتيجة، أو حتى إضافة هدف أو تمريرة حاسمة في سجلات التاريخ والإحصائيات.

       

    

نحن لا نتذكر آخر حدث كروي بهذه الضخامة لم يكن ميسي أو رونالدو أو كليهما طرفًا فيه، لذا فهي فرصة حقيقية لا تتكرر كثيرًا، فرصة لإبداء الإعجاب بلاعبين آخرين، وفرصة للعودة إلى تقدير كل دور يؤديه كل لاعب في الملعب، وفرصة لكي يتحمل المدافعون أو الحراس أو لاعبي الوسط أو المدرب مسؤوليتهم في بعض الهزائم أو ينالوا الإشادات في بعض الانتصارات، وفرصة لتحليل ما سيحدث بشكل واقعي دون أن ترعبنا مقصلة السوشيال ميديا.

 

تخيل أن تخرج بعد مباراة المكسيك والبرازيل لتقول أن تشيتشاريتو لم يكن سيئًا بل إن خط وسط وأجنحة المكسيك لم تصنع له ما يكفي من الفرص ليسجل، ودون أن يتهمك أحد بالتبرير لمهاجم ليفركوزن أو مجاملته على حساب ماركوس بيرغ مهاجم السويد مثلًا. تخيل أنه سيمكنك الإشادة بإيريكسين أو مودريتش في مباراة الدنمارك وكرواتيا دون أن يعتبرك الجميع مخرفًا لأنك أثنيت على لاعب لم يسجل هدفًا. تخيل أنه أصبح من الممكن أن يفوز فريق بكأس عالم، فريق كامل مثل بلجيكا أو إسبانيا أو كرواتيا دون أي ذكر للأخشاب أو سدد يا إيدير. تخيل الحرية!

  

الحرب – أي حرب – هي عبء نفسي وعصبي هائل قبل أن تكون أي شيء آخر، فقط المرضى يستمتعون بالصراع ويسعون له، والباقون يتورطون فيه دون أن يشعروا مدفوعين بالذاتية والرغبة في الانتصار للآراء ووجهات النظر. تلك هي الحقيقة التي ننساها أحيانًا وينساها أنصار الثنائي دائمًا وينساها جمهور الكرة عمومًا، والآن منحنا القدر هدنة إجبارية مدتها 14 مباراة متبقية في المونديال قبل أن يُعلَن البطل ويعود الجميع لاستئناف المعركة مع الموسم الجديد.