شعار قسم ميدان

ثلاثية مورينيو..البحث عن مانشستر يونايتد في ميانمار

midan - Jose Mourinho

حتى الهدف الأول، قدم مورينيو أفضل مبارياته منذ قرون، أو أفضل أشواطه للدقة. من فضلك لا تصدق التحليلات التي ستخبرك بأن المنظومة كانت مفككة، وأن اللاعبين لم يظهروا الرغبة في الفوز، وأن التغييرات العديدة في الخطة والتشكيل قد طمست معالم الفريق، لأنها نفس التحليلات التي أخبرتك من قبل أن معالم الفريق مطموسة منذ زمن، وأن منظومته مفككة طيلة الوقت، وأن يونايتد مورينيو بلا هوية ولا شخصية ولا قائد في الملعب، وإن كانت مُحقة سابقًا، وهي كذلك على الأغلب، فلا يمكن أن تكون محقة الآن.

  

2-2-2-2 إلخ

للوهلة الأولى، بدت خطة مورينيو الجديدة هي ذاتها التي دمر بها تشيلسي كونتي قبل فوزه باللقب بأسابيع؛ ثنائي قلب في الدفاع، ويتقدمه على الأطراف ثنائي آخر  من دارميان وهيريرا وظيفته إغلاق الطريق أمام الثنائي العكسي في هجوم البلوز – هازار وبيدرو – ومنعهم من التوغلات القطرية جهة المرمى، ثم تتكرر نفس العملية في الوسط بثنائي ثالث في المحور مهمته تقديم العون، ويتقدمه ثنائي رابع على الأطراف هدفه الضغط الدائم على أظهرة كونتي الطائرة موزيس وألونسو، وفي المقدمة ثنائي خامس يطارد كانتي وماتيتش لاستخلاص الكرة في نصف ملعبهم، محاولًا خلق أكبر كم ممكن من التحولات السريعة المباشرة تجاه مرمى كورتوا.

     

    

بعد دقائق اتضح الأمر، مورينيو لم يبدأ بالخطة التي أدار بها أنجح مبارياته في حقبة اليونايتد، ولكنه لجأ لخطة أخرى جربها مرارًا في فترة التحضير الصيفية، أقرب إلى 3-5-1-1، واسمح لنا بإزعاجك بالتفاصيل الرقمية مؤقتًا حتى نصل للعناوين الساخنة التي أنتجتها هذه الليلة.

   

أغراض متشابهة ولكن خطة مختلفة؛ ثلاثي دفاعي يتموقع فيه هيريرا على اليمين رفقة سمولينغ وجونز لإطلاق سراح شو وفالنسيا على الأطراف، في محاولة منطقية لتحجيم تريبييه وروز وإضفاء قدر من التكافؤ على معركة الوسط الثلاثية من الجانبين، أملًا في تفوق فنيات ماتيتش وبوغبا وفريد على تلك التي يمتلكها إيريكسين وديمبيليه وديير، خاصة مع الحالة الباهتة التي ظهر عليها السبيرز من بداية الموسم، وأجواء التشاؤم التي تحيط بالنادي اللندني بعد فشله في إتمام أية تعاقدات خلال الصيف.

  


متوسط التمركز للاعبي الفريقين – هو سكورد
متوسط التمركز للاعبي الفريقين – هو سكورد

        

النتيجة؛ شوط مثالي لشياطين مورينيو، وكأن كل ما رأيناه من تخاذل وتفكك وقلة حيلة أمام برايتون لم يكن. حينما يلعب السبيرز ولا تشعر بوجود إيريكسين ومورا وآلي وكين وتريبييه وروز فلا يمكن تفسير ذلك بأي شيء سوى تفوق المدرب أولًا، وكفاءة لاعبيه في فرض المنظومة ثانيًا، وهي النقطة التي رفضت الأغلبية الكاسحة الاعتراف بها بعد المباراة؛ أن تصريح مورينيو عن كونه لم يخسر المباراة تكتيكيًا، والذي لقي أكبر قدر من السخرية، لم يكن خاطئًا 100%. (1)

         

شيطان التفاصيل

مورينيو بنى مسيرته ومجده على تجاهل التفاصيل حين لا تعنيه، ولكن هذا لا يقلل من أهميتها قيد أنملة، لأن لوكاكو أضاع فرصة محققة للتسجيل من خطأ لا يغتفر لروز، وبعدها كاد جونز أن يتسبب في ركلة جزاء بتدخل متهور على مورا، ثم أكمل جونز مباراته البشعة بخطأ آخر منح كين هدف التقدم، ومن أول ركلة ثابتة يحظى بها السبيرز في المباراة، وكلها تفاصيل يلجأ لها مورينيو عادة عندما يعتقد أنها تفيده، والعكس بالعكس.

  

من دفع بجونز؟ مورينيو طبعًا. لماذا؟ لأن بايي ولينديلوف قدموا عرضًا أبشع أمام برايتون. من أتى ببايي ولينديلوف؟ مورينيو طبعًا. من أتى بمورينيو إذن؟ فيرغسون ووودوورد وبوبي تشارلتون. كل ما سبق يبدو منطقيًا للوهلة الأولى، إلا أن الاستمرار في هذه المتوالية قد يوصلنا لكون السبب في الهزيمة هو رئيس وزراء ميانمار.

   

لا بأس إذن، الأخطاء الفردية واردة خاصة عندما تجري ستة تعديلات على التشكيل دفعة واحدة، ولكن هدف كين، وبرغم كونه واحدة من أهم اللحظات المفصلية في المباراة، إلا أنه لم يقطع الأمل في العودة. ما قطعها فعلًا كان الجريمة التي ارتكبها هيريرا في لقطة الهدف الثاني، والتي بدأت بكسر خط التسلل بأميال، ثم إطلاق تريبييه لتمريرته المفتاحية الأولى والأخيرة في المباراة مستغلًا هذه الأميال، ثم استلام إيريكسين الكرة بحرية في نفس الأميال، ثم صناعة الهدف بتمريرة خلفية لمورا الذي قرر استغلال هذه الأميال.

     


لاحظ تمركز هيريرا على خط مخالف لباقي المدافعين وكسر مصيدة التسلل – مواقع التواصل
لاحظ تمركز هيريرا على خط مخالف لباقي المدافعين وكسر مصيدة التسلل – مواقع التواصل

       

هل يُلام هيريرا؟ هذا سؤال لمورينيو الذي دفع به في هذا المركز لأول مرة. صحيح أن الرجل أظهر كفاءة استثنائية في كل ما أوكل إليه من مهام سابقًا، وصحيح أن مهاراته الدفاعية شهدت تطورًا هائلًا تحت قيادة البرتغالي، إلا أنها كانت المرة الأولى التي يُطالب فيها بضبط مصيدة التسلل، والمرة الأولى التي يلعب فيها اليونايتد بخط دفاع متقدم – اختيارًا لا إجبارًا – في هذا الموسم، وأمام خصم يجيد المرتدات ربما أكثر مما يجيدها مورينيو نفسه.

  

الآن وهنا

كل ذلك لم يكن ليحدث لو لم يخطىء جونز في رقابة كين قبل الهدف، لو لم يمنح رجال بوتشيتينو الأفضلية النفسية والذهنية والتكتيكية بعد شوط كامل من اللاشيء. هذا صحيح تمامًا، ولكن خطأ جونز لم يكتف بهذا وحسب، بل أظهر ثغرتين رئيستين في تحضير مورينيو للمباراة؛ الأولى أنه على الرغم من كفاءة منظومة الضغط لدرجة إجبار إيريكسين على التقهقر للمساهمة في إخراج الكرة، ومن ثم عزل ثلاثي الهجوم عن الوسط، إلا أن ترك مورا بلا رقابة كان له أثر كارثي بعد الهدف الأول، والاعتماد على التفوق العددي للمدافعين كان مخاطرة غير محسوبة العواقب، لأن الكثرة لا تغلب السرعة بالضرورة، وبمجرد توافر المساحات لن يكون هناك فارق كبير بين أن يركض مورا وخلفه سمولينغ، أو أن يركض وخلفه الفريق بأكمله، لذا فتصريح مورينيو عن كونه لم يخسر المباراة تكتيكيًا ليس صحيحًا 100% كذلك.

    

الثغرة الثانية هي ليست ثغرة في الواقع، بل ثقب أسود يبتلع النادي بأكمله منذ وقع الاختيار على مورينيو، فالعدل صار يستوجب أن يتم استبعاد هيريرا وجونز من مباراة بيرنلي القادمة بسبب أخطائهم، ولكنه يعني اللجوء لبايي ولينديلوف في ذات الوقت، ورغم أن الأول كان أفضل مدافعيه منذ أتى من فياريال والثاني كان أسوأهم منذ أتى من بنفيكا، إلا أن هذا لم يمنع أن يتلقيا نفس المعاملة بعد هزيمة برايتون، وعلى الرغم من أن الجميع لاحظ الانقلاب في حال شو بعد منحه قليلًا من الثقة، ولكن الحلقة المفرغة قد أُغلقت الآن، ومورينيو – كالعادة – قد حرق الأرض من تحته حتى لم يعد هناك ما يقف عليه، وما توقعه بول ويلسون بعد شهرين فقط من توليه المسؤولية قد وقع بحذافيره، مورينيو تصرف بالضبط مثلما قال نقاده أنه سيتصرف. (2)

        

من المنطقي أن كل هذا، على أهميته، قد لا يهم جمهور مانشستر يونايتد، إن جاز أن نعتبره كيانًا موحدًا أصلًا، ومن المنطقي كذلك أن يتركز الضوء على ما يحدث الآن وهنا، وهي حلقة أخرى مفرغة أغلقها مورينيو على نفسه، عندما ظل يغذي تلك الثقافة طيلة العقد الأخير، ثقافة "الفائزون يدخلون الجنة وفلتذهب التفاصيل إلى الجحيم". فلتذهب الفرص والأداء والعروض إلى الجحيم، ولتصطحب معها المتعة والكبرياء وحق الجماهير في الحصول على مقابل مُرضي لآلاف الباوندات التي ينفقونها سنويًا على التذاكر.

        

   

في هذه اللحظات، يصبح البحث عن المنطق في تصريحات الرجل أشبه بالبحث عن دب قطبي في عاصفة ثلجية. مورينيو جلس في المؤتمر الصحفي ليوجه سؤالًا مهمًا للغاية؛ ما الأهم؟ أن أقدم مباراة جيدة بأداء جيد أم أن أفوز بالمباراة؟ عندما كنت أفوز بأداء سييء من قبل كنتم تقولون أن المتعة هي الأهم، والآن عندما خسرت بأداء جيد أصبحت النتيجة هي الأهم. (3)

  

سؤال منطقي فعلًا، عيبه الوحيد أنه قد أجاب عنه ألف مرة من قبل. تلك هي مشكلة مورينيو الأزلية، أنه يطالب الجميع بتوحيد معاييرهم والالتزام بمبادئهم ويعفي نفسه من هذا التكليف، وبمجرد أن يتخلص من الضغط يعود ويخرج لهم لسانه قائلًا أن هناك طريقة واحدة للحكم على الأمور هي طريقته، حتى صار بإمكاننا أن نجد تصريحًا سابقًا مضادًا لكل تصريح جديد. قصة الفتى الكذاب الذي ظل يستنجد بالناس من الغرق ثم يضحك عليهم تعيد نفسها، والآن مورينيو يغرق ولكن بأكثر الطرق استفزازًا إن جاز التعبير، لأنه في أثناء ذلك، يجد في نفسه الوقاحة ليعظ الناس عن مساوىء الكذب.

  

البحث في ميانمار

لا عدالة شعرية هنا، مجرد حالة تقليدية من قاعدة "يحدث للآخرين فقط". مورينيو لن يغرق لأنه مورينيو، والناس ستنجده كل مرة لأنه السبشيال وان، وسيعود في أقرب فرصة ليخبرهم أن الشعراء لا يفوزون في كرة القدم، وأن عقده لم ينص على تحقيق نسبة معينة من الاستحواذ أو الفرص أو التسديدات على المرمى، وأن المعترضين على أسلوبه عليهم أن يفوزوا بربع ألقابه لكي يولي حديثهم اهتمامًا، وسيصدقونه مجددًا فقط لأنه مورينيو.

    

هذا هو البائس في الأمر، مورينيو حاول لعب الكرة التي طالبه الجميع بتقديمها منذ أصبح مدربًا لمانشستر يونايتد، ولكنه خسر. تخيل لو كان بذل في تطويرها نفس الجهد الذي بذله في انتقاد لاعبيه أو شن الحروب على خصومه أو الشكوى من كل شيء وأي شيء، تخيل نفس الشكل الذي ظهر عليه اليونايتد في أول شوط ولكن مع تشكيلة ثابتة ولاعبين مستقرين ذهنيًا ونفسيًا ومشاكل وحروب إعلامية أقل وثقة أكبر فيما يملكه الفريق من إمكانيات. فقط تخيل. أو من الأفضل ألا تتخيل لأنك تعلم مثلما نعلم أن مورينيو لم يلعب بهذه الطريقة إلا في محاولة يائسة لكسب المزيد من الوقت، محاولة عادت من حيث أتت بمجرد إطلاق الصافرة وبداية المؤتمر الصحفي.

   

"ثلاثة إلى صفر لا تعني فقط نتيجة المباراة، ولكن أيضًا تشير إلى تحقيقي ثلاثة ألقاب للدوري مقابل لقبين لكل مدربي البريميرليغ الحاليين مجتمعين..أنا..ثلاثة..لوحدي..كل الـ19 الباقين مجتمعين..اثنين..تحلوا ببعض الاحترام".

   

   

الرجل عبارة عن ماكينة عناوين ساخنة لا تتوقف، ربما لا ينافسه في ذلك على الساحة سوى ترامب، ولكنك تحتاج أن تكون عديم الحس لكي لا تدرك أن هذه العبارة مُعدة مسبقًا، وتحتاج أن تكون عديم الذاكرة لكي لا تقفز في ذهنك عشرات العبارات الساخرة التي أطلقها في شبابه تجاه مدربين كانوا يفوقونه حجمًا وألقابًا، لم يكن أولها ولا آخرها استهزاؤه الدائم بفينغر الذي كان يملك عددًا مماثلًا من ألقاب البريميرليغ عندما أتى هو إلى إنجلترا.

   

طبعًا كل ذلك لا يقترب مما صرح به عندما سألته مراسلة بي بي سي عن "الوضع الصعب" في مانشستر يونايتد الآن، فكانت إجابة مورينيو إنها لو كانت قد قامت بما قام به قبل المباراة، وهو مشاهدة الأخبار، لعلمَت بما يجري في ميانمار – نعم ما قرأته صحيح – ولأدركَت أن مصطلح "الوضع الصعب" أنسب لوصف ما يحدث هناك منه لوصف الهزيمة في مباراتي كرة قدم، لأنه فيما يبدو، فإن رئيس وزراء ميانمار يتحمل جزءًا من المسئولية رغم كل شيء. (4)