شعار قسم ميدان

"الهوليغانيزم".. تعرف على أعنف مشجعي الدوري الإنجليزي

ميدان - مشجعي ستوك سيتي صورة

العنف يتولد من الهزيمة، والشعور بالعجز يعبر عن نفسه بالكراهية. ولذلك فإن الرغبة في القتال والإيذاء أكثر شيوعًا في المجتمعات التي يغيب عنها النصر. هذه الحقيقة التي تؤكد نفسها في مواقف كثيرة عبر التاريخ تتجلى أيضًا في رحلة البحث حول روابط الهوليغانز، والتي بدأناها في تقرير[1] عن هوليغانز لندن. وتستمر في تقرير آخر عن بقية إنجلترا. وفي هذه الرحلة نجد علاقة عكسية بعد نجاح الأندية وبين مستوى العنف في مشجعيها؛ فهوليغانز ليفربول ومانشستر يونايتد وأرسنال ليسوا الأعنف في إنجلترا. ولقب الأعنف يذهب إلى مشجعي أندية أقل نجاحًا ربما لا تتبادر إلى الذهن أسماؤها.

 

الفرقة الانتحارية لبيرنلي

يُعتبر بيرنلي واحدًا من أقدم الأندية الإنجليزية، وكان واحدًا من الأندية المؤسسة للدوري الإنجليزي عام 1888. ويمتلك النادي واحدًا من أشهر روابط الهوليغانز في البلاد وهم «Suicide Squad». ظهرت هذه الرابطة[2] في أوائل ثمانينات القرن العشرين، واشتهرت باسم الفرقة الانتحارية بسبب اندفاع أعضائها للقتال في عقر دار الخصوم، حتى وإن كانوا أقل عددًا بوضوح، حتى وإن كانت فرص تفوق هؤلاء الخصوم أكبر. وهو ما اعتبره أعضاء الرابطة سلوكًا انتحاريًا يستحق الفخر، وأطلقوا على أنفسهم ذلك الاسم.

 

تزامن صعود رابطة بيرنلي مع فترة عصيبة في تاريخ النادي الإنجليزي العريق. إذ سقط من دوري الدرجة الأولى إلى الثانية وقبل أن يعي أحد ما يحدث، وجد الفريق نفسه في الدرجة الرابعة ومهددًا بالخروج من بين الأندية المحترفة؛ إذ أن دوري الدرجة الخامسة هو درجة بين الهواة والمحترفين. هنا، تحول عنف مشجعي الرابطة إلى طريقة أخرى يحاولون بها استعادة بعض الاحترام الضائع!

مواجهة بين الشرطة وبعض أعضاء هوليغانز (رويترز)
مواجهة بين الشرطة وبعض أعضاء هوليغانز (رويترز)

        

في موسم 2003 وعقب مباراة بيرنلي ضد نوتنغهام فورست قُتل صبي في السابعة عشرة من عمره في شجار وقع بعد المباراة، وأُدين[3] فيه أحد أعضاء هوليغانز بيرنلي واسمه أندرو ماكني وهو صبي آخر في التاسعة عشرة من العمر!. وفي المحاكمة قال القاضي نصًا أن حادثة القتل لم يكن لها أي سبب سوى أن القاتل والضحية ينتميان إلى ناديي كرة قدم مختلفين! وحُكم على ماكني بالسجن 7 سنوات وبالمنع من دخول ملاعب كرة القدم لمدة 10 سنوات. ولكن بعد 3 أسابيع فقط من إطلاق سراحه قام بخرق هذا المنع، ثم كررها مرة أخرى في مباراة للفريق ضد بولتون. ربما لأن تشجيع كرة القدم هو بمثابة العقيدة الدينية عند الهوليغانز، وقرار المنع من دخول الملاعب كان أشبه بحرمان مؤمن من دخول معبده، فلم يستطع التحمل وخالف القرار رغم إدراكه للعواقب.

 

كتاب
كتاب "الفرقة الانتحارية" (مواقع التواصل)

  

أما في عام 2009 فقد وقعت أحداث شغب وصفتها الشرطة حينها بأنها تشبه معارك فيلم Braveheart . وألقي فيها القبض على 12 من «الفرقة الانتحارية» بعد ديربي بيرنلي وبلاكبيرن. وحُكم عليهم بمجموع أحكام بلغ 32 سنة. وتقرر منعهم من دخول ملاعب كرة القدم. وكان أهم هؤلاء أندرو بورتر، والذي حُكم عليه بالسجن 5 سنوات. إلا أنه خرج بعدها ليكتب حكاية الرابطة في كتاب[4] اسمه «Suicide Squad: The Inside Story of a Football Firm».

  

بعد حادثة 2009 تقرر حل الرابطة وتجريم وجودها قانونيًا، خاصة وأنها قد اشتهرت بنزعة عنصرية بين أعضائها وصلت لرفع التحية النازية في بعض المباريات!

 

أشباح نيوكاسل

أشباح نيوكاسل أو الـ «Gremlins» هو اسم رابطة الهوليغانز التي تشجع ذلك النادي القديم، في المدينة المشهورة بعدائها لمدينة سندرلاند. وبالتالي فإن أعداءهم الطبيعيين هم هوليغانز « Seaburn Casuals » الذين ينتمون إلى سندرلاند. وهذا العداء يتمثل في ديربي تاين-وير[5] الشهير بين الناديين العريقين، والذي تعود جذوره إلى الحرب الأهلية بين البرلمانيين والملكيين في إنجلترا والتي استمرت عقودًا طويلة في القرن السابع عشر. ورغم نهاية الحرب منذ زمن طويل إلا أن العداء لايزال كامنًا في الديربي.

   

  

العنف في الحرب القديمة والديربي وجد تجليًا آخر في العداء بين جماعتي الهوليغانز، وأصبح من العادة أن يتفق قادتهما على ترتيب عراك يتبع المباراة التي يتواجه فيها نيوكاسل وسندرلاند!. ففي عام 2002 مثلاً تدخلت الشرطة[6] لفض معركة من ذلك النوع، وألقي القبض على 28 من أعضاء الجماعتين. ومن المثير للتأمل هو أن الشرطة استطاعت إيجاد رسائل متبادلة بين قائديّ الرابطتين يرتبان فيها تفاصيل المعركة، ويتفقان على الموعد والمكان. وكانت هذه الرسائل هي دليل الإدانة الذي اعتمدت عليه المحكمة في إرسال الرجلين للسجن لمدة 4 سنوات.

 

ورغم شيوع مسألة العراك بين الهوليغانز، إلا أنهم اعتادوا على الاتحاد أثناء تشجيع المنتخب الإنجليزي خارج الديار، واعتادوا على مواجهة جماهير المنتخبات الأخرى تحت راية إنجلترا لا راية الأندية. ولذلك فإن ما حدث في اسطنبول عام 2003 كان استثنائيًا؛ إذ اتجهت الشرطة نحو ملعب مباراة إنجلترا وتركيا في تصفيات يورو 2004، وكان التصور حينئذ أن قتالاً يدور بين الهوليغانز الإنجليز وبين الهوليغانز الأتراك. ولكن ما وجدته الشرطة حينها كان قتالاً[7] إنجليزيًا أهليًا بين نيوكاسل وسندرلاند! 

  

 الشرطة تتدخل في الكثير من أحداث الشغب عقب مباريات نيوكسل (مواقع التواصل)
 الشرطة تتدخل في الكثير من أحداث الشغب عقب مباريات نيوكسل (مواقع التواصل)

   

أما الخصم الثاني عند رابطة هوليغانز Gremlins فهم مشجعو كوفنتري سيتي. ففي عام 2005 فشل قادة هوليغانز نيوكاسل في ترتيب عراك بينهم وبين كوفنتري بعد مباراة جمعت الفريقين في كأس الاتحاد، فاتجهوا بعد اللقاء[8] إلى أحد الحانات المعروفة بأنها مكان جلوس مشجعي الفريق الخصم، وبدأوا القتال على أية حال!شش

 

طاقم ليدز يونايتد

تُعد Leeds United Service Crew واحدة من أسوأ روابط الهوليغانز في أوروبا كلها. وكان تواجدها عاملاً سلبيًا دومًا في رحلة النادي الذي يشجعه أعضاؤها. بدأت هذه الرابطة[9] في وسط السبعينات في القرن العشرين، واستمدت اسمها من اسم القطار الذي كان يستقله المشجعون في طريقهم إلى ملاعب الفرق المنافسة الأخرى. وكان ظهورهم يعني ضرورة أن تكون الشرطة على أهبة الاستعداد.

      undefined

  

في فترة التواجد الأوروبي لليدز شهد ملعب «ساحة الأمراء» واحدة من الحوادث التشجيعية التي أدت إلى منع النادي الإنجليزي من المشاركة الأوروبية. وهذا عندما رأت جماهير الفريق أنها تتعرض لظلم تحكيمي في مباراتها أمام بايرن ميونخ بنهائي دوري الأبطال، أدّى لخسارتهم. فما كان من أعضاء الرابطة إلا أن اجتاحوا الملعب بعد أن قاموا بتكسير المقاعد في المدرجات. وامتد الأمر إلى مواجهات مع الشرطة الفرنسية في الشوارع. وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى منع مشاركة ليدز في البطولات القارية لأربعة مواسم، وخُفضت الفترة لاحقًا إلى موسمين فقط. وهو ما دفع إدارة النادي إلى التبرئ علنًا من أفعال هذه الرابطة ومن على شاكلتها من جماهير ليدز.

 

في موسم 1985 ذهب ليدز للقاء نوتنغهام فورست، وتقدم أصحاب الأرض بهدف، وبدأت حينها مشادات بين أعضاء هوليغانز ليدز وبين الشرطة. وأدى ذلك إلى تدافع جماهير ليدز نحو الجدار الفاصل بينهم وبين جماهير نوتنغهام، فانهار الجدار. وهنا بدأت أحداث عنف بين المشجعين انخرط فيها 1000 شخص تقريبًا. وأدت إلى إصابة 96 من الشرطة المحلية. ولكن الأسوأ على الإطلاق كان وفاة صبيًا في الرابعة عشرة من عمره بين جماهير نوتنغهام.

 

من مباراة ليدز ونوتنغهام فورست 1985 (مواقع التواصل)
من مباراة ليدز ونوتنغهام فورست 1985 (مواقع التواصل)

    

تكررت أحداث العنف خلال تلك الحقبة وكان هوليغانز ليدز مشاركين أساسيين فيها. ولكن الغريب هو تورطهم في واحدة من أحداث[10] اقتحام أرض الملعب أثناء مباراة ضد نادي إيبسويتش في تشامبيونشيب 2007. عندما خسروا المباراة وتأكد هبوط الفريق لدوري الدرجة الثالثة، فاقتحم 100 من أعضاء الألتراس أرض المباراة، وهجموا على جماهير الخصم في الناحية المقابلة من المدرجات.  حوادث اقتحام الملاعب ليست واحدة من الصور الشائعة في الكرة الإنجليزية. فمنذ حادثة هيلزبروه، وقرار الاتحاد الإنجليزي برفع الحواجز من حول المدرجات في الملاعب، وهناك اتفاق غير مكتوب بين الجماهير والشرطة حول مسألة عدم النزول لأرض الملعب كنوع من العقد الاجتماعي. وخرق ذلك الاتفاق وقع في مرات قليلة وفي تلك الحادثة كان هوليغانز ليدز هم البطل!

 

وآخرون

تتشابه الأمثلة الثلاثة الواردة في أنها تمثل قطاعات من جماهير لها شعبية كبيرة، وأنها عرفت التتويج في مرحلة من التاريخ ثم غاب هذا التتويج لاحقًا. وحلّت الهزيمة بدلاً منه وحل تقلب المستوى. وجماهير الفرق الفائزة تخرج للاحتفال بعد المباريات، أما جماهير المهزومين فتخرج للقتال.

  

 أحد أعضاء هوليغانز بورنموث يؤدي التحية النازية (مواقع التواصل)
 أحد أعضاء هوليغانز بورنموث يؤدي التحية النازية (مواقع التواصل)

  

من جماعات الهوليغانز التي تتشابه في تلك الحالة أيضًا، هوليغانز بورتسموث[11]. وتُعرف هذه الرابطة بـ 6.57 وهو موعد خروج القطار التي كانت تستقله هذه الجماهير في طريقها لحضور مباريات الفريق ضد الخصوم. وعُرفت هذه المجموعة بولاء أعضائها الشديد لبعضهم البعض. ويظهر عنفهم ضد الخصم التقليدي في المدينة ساوثهامبتون. حتى أنه في أحد مباريات الديربي وقعت أحداث عنف تسببت في القبض على 93 منهم، وصدر قرار بمنع 54 من هؤلاء من دخول ملعب الفريق مدى الحياة. ومن بين المقبوض عليهم كان هناك طفل[12] في العاشرة من عمره صد ضده قرار إدانة من المحكمة!

 

صورة قديمة لبعض أعضاء هوليغانز شيفلد يونايتد  (مواقع التواصل)
صورة قديمة لبعض أعضاء هوليغانز شيفلد يونايتد  (مواقع التواصل)

   

هناك أيضًا هوليغانز شيفلد يونايتد Blades Business Crew والذين اشتهروا بعنفهم حتى أن أحد قادتهم تورط[13] في الاعتداء على حكم الخط في أحد مباريات الفريق! وقد حصلوا على اسمهم «السكاكين Blades» من لقب الفريق وهو أيضًا The Blades.

  

هوليغانز ستوك سيتي (مواقع التواصل)
هوليغانز ستوك سيتي (مواقع التواصل)

   

وفي نهاية التقرير فهناك هوليغانز نادي ستوك سيتي. فالبوترز هم أحد أقدم أندية كرة القدم في تاريخ اللعبة، وأقدمها في التاريخ الإنجليزي كله. ولديهم رابطة هوليغانز شهيرة تسمى Naughty Forty. وارتبط هؤلاء بالعنف خلال فترة نهاية التسعينات. ففي موسم 1998 الذي هبط فيه الفريق إلى دوري الدرجة الثانية، وفي مباراة انهزم فيها أمام برمنغهام 7-0، قام أعضاء الرابطة بخلع كراسي المدرجات، واقتحموا الملعب!. وفي موسم 2002 استعدت الشرطة بألف فرد من أجل مباراة ستوك ضد كارديف سيتي لأن الفريقين كلاهما يمتلك رابطة هوليغانز عنيفة وتكره الأخرى. 

المصدر : الجزيرة