شعار قسم ميدان

أزمة تشيلسي سارّي.. أين سيذهب كانتي؟

ميدان - ساري وكانتي

لدينا أفضل لاعب وسط دفاعي في العالم، ولدينا مدرب إيطالي عنيد لن يغير رأيه، وطبعا ما جمع الثنائي معا في فريق واحد هي إدارة لم تدرس الأمر جيدا قبل جلب الرجل إلى لندن، أو ربما درسته وقررت أنها مستعدة للتخلي عن أفضل لاعب وسط دفاعي في العالم لإرضاء المدرب الإيطالي العنيد الذي لن يغير رأيه.

  

طبعا لا يمكنك أن تلوم أفضل لاعب وسط دفاعي في العالم على كونه أفضل لاعب وسط دفاعي في العالم، ولكن يمكنك أن تلوم المدرب الإيطالي العنيد الذي لا يغير رأيه على كونه لا يغير رأيه. هنا ستجابهك أول مشكلة، أن رأيه هنا يقع في صميم فلسفته الكروية، وفلسفته الكروية هي ما أتى به إلى تشيلسي في المقام الأول. هنا تتحول المشكلة إلى دائرة مفرغة تحبس الجميع بداخلها.

  

الطيب والشرير

في الموسم الماضي قام كانتي بلمس الكرة 19 مرة في منطقة جزاء الخصوم خلال 34 مباراة في البريميرليغ. في الموسم الحالي سجل كانتي 25 لمسة في أول 15 مباراة فقط. في الموسم الماضي كان كانتي ثالث لاعبي البريميرليغ في عدد مرات الافتكاك والأول في الاعتراض والمتصدر إن جمعت الرقمين معا، هذا الموسم هو يحتل المركز الـ40 والـ44 والـ40 على الترتيب في الإحصائيات الثلاثة. على الجهة الأخرى، شارك كانتي مع تشيلسي في 4 أهداف بين الصناعة والتسجيل عبر الموسمين الماضيين، هذا العام ساهم كانتي بـ5 قبل انتصاف الموسم. (1) (2)

    undefined

     

undefined

    

هناك أزمة في تشيلسي، أزمة من التي تجعلك تلعن الخطط والتكتيك واليوم الذي ظهرت فيه مصطلحات مثل الريجيستا والـ"Deep Lying Playmaker". بالطبع لاحظ الجميع الاختلاف في أدوار كانتي منذ بداية الموسم، وحقيقة أن سارّي قام بنقله ليمين الملعب بجوار باقي المنبوذين ويليان وأزبيليكويتا ليفسح المجال لصفقته الجديدة الوحيدة تقريبا جورجينيو، ولكن الأزمة أصبحت رسمية عندما قام سارّي بانتقاده علنا عقب مباراة توتنهام، المباراة التي صعد فيها هجوميا بشكل مبالغ فيه ولم يحسن التحرك على حد تعبير الإيطالي. (3)

  

في المباراة التالية مباشرة أمام فولهام كان كانتي يقود هجمة الهدف الثاني ويطلق تمريرته الحاسمة الثانية هذا الموسم، ثم سجل أمام السيتي ليمنح سارّي انتصاره الأول على الإطلاق في مواجهة غوارديولا. هذه مشكلة أخرى؛ كانتي يجيد استخلاص الكرة واعتراضها، ووظيفته في الملعب قائمة على الصراع أساسا، ولكن يستحيل تخيله في معركة حقيقية، يصعب التصور بأنه سيكون سببا في مشكلة من أي نوع، لذا فعندما يتعرض لانتقاد غير لائق -علنا على الأقل- من مدربه فغالبا سيكون رده هو مزيدا من الاجتهاد والمحاولات للتحسن.

  

هذا هو ما يمنح المشكلة حجما مضاعفا، هناك أزمة في تشيلسي، وكون كانتي أحد أطراف هذه الأزمة هو أزمة أخرى مستقلة بذاتها، خاصة عندما يكون الطرف الآخر هو المدرب، لأن كل ذلك سيفرض على الجمهور اختيارا واضحا عند أول مفترق طرق هو التضحية بسارّي، وحتى لو كان تشيلسي يعيش أفضل انطلاقة له في تاريخ البريميرليغ تحت قيادته. ببساطة لأنه كانتي، الرجل الذي -على العكس من سارّي- يجسد فلسفة النادي الكروية في العقد الأخير، والذي أتى من ليستر ليعيد إحياء أسطورة أخرى جسدت فلسفة النادي الكروية هي ماكيليلي، والذي اختار تشيلسي دونا عن باقي الأندية لأن مثله الأعلى هو أسطورة ثالثة جسدت فلسفة النادي الكروية أيضا هي دروغبا. هذا كم كبير من الأساطير كما ترى، ولن يكون جمهور البلوز مستعدا للتخلي عنه من أجل تفصيلة ثانوية كجورجينيو، أو حقيقة أن سارّي قادر على تقديم كرة قدم جديدة ومختلفة عما اعتادوا عليه، بل العكس هو الأقرب للحدوث. (4)

  

إلا جورجينيو

طبعا مشاكل تشيلسي الحالية تتجاوز مركز كانتي الجديد؛ الفريق يلعب بلا مهاجم تقريبا ودفاعه يحتاج إلى التدعيم بصفقة واحدة كبيرة على الأقل، بالإضافة إلى كم كبير من البدلاء الذين لا يمكنهم فعلها في ليلة ماطرة بستوك، ولكن كل ذلك يمكن حله بالبيع والشراء. في الواقع، التعاقد مع هيغوايين وبوليسيتش سيكون خطوة مهمة على طريق الحل، ولكن فقط كانتي هو الوحيد الذي لا يخضع لهذه القاعدة. (5) (6)

    

    

عندما أعلن تشيلسي عن التعاقد مع سارّي كان هناك العديد من الإيجابيات التي تعرضنا لها في تقرير سابق؛ مثل وجود ظهير هجومي رائع كألونسو يعوض غلام في خطط الإيطالي، والتشابه الكبير بين أدوار هازار وإنسيني، وقدرة بيدرو على أداء مهام كاييخون نفسها، وحتى كوفاسيتش الذي بدا كنسخة يافعة من هامشيك في بداياته، وإلى جانب كل ذلك نجح الإيطالي في الإتيان بمايسترو وسط ملعبه من نابولي، ولكن مع توالي المباريات ظهرت مشكلة جديدة تبدو مفتعلة. (7)

  

دانييل ستوري من "Four Four Two" اعتبر أحد أسباب أزمة كانتي هي الجمود التكتيكي، ولكنه أكّد أن الأمر طبيعي وكان يجب على الفرنسي توقعه، ببساطة لأنه وقّع لنادٍ يُغيّر مدربيه موسميا تقريبا، وكل منهم يأتي بفلسفته وفكره وقائمة تعاقداته، وكان حتميا أن يقوده حظه عند نقطة ما إلى مدرب لا يعترف بالتخصص في كرة القدم، ويُفضّل لاعبا شاملا متوسط الجودة على لاعب يمتلك الحد الأقصى من مهارة أو اثنتين. (1) (8)

   

   

السؤال هنا؛ هل هي أزمة كانتي فقط؟ قليل من التمعن في الأمر سيوصلك لحقيقة أن كوفاسيتش مر بظروف مشابهة منذ أتى إلى لندن، ومزيد من التدقيق سيؤكد لك أن مستوى باركلي قد تراجع بدوره منذ تم تثبيته في التشكيل الأساسي، لم يعد البديل الرائع الذي يغير الكثير عند نزوله. الخلاصة؛ سارّي يعاني مع كل لاعبي وسطه الأساسيين تقريبا ولأسباب مختلفة، كلهم باستثناء لاعب وحيد هو جورجينيو.

  

المربع صفر

بالطبع لن نخبرك أن الحل في إزالة جورجينيو. كل مدرب له الحق في استقدام من يشاء من اللاعبين إن كان مطالبا بتطبيق أفكاره، ولكننا سنخبرك أن المشكلة في جمود سارّي التكتيكي فعلا، ولكن ليس لأنه يرفض استخدام كانتي في قاعدة الوسط، بل لأن هناك حلا أبسط بكثير من كل ذلك، بسيط لدرجة أننا لا نصدق أنه لم يمر على ذهن سارّي مطلقا، ولو كان قد فكر فيه ولم ينفذه فالأزمة أكبر بكثير.

  

دعنا نبدأ مجددا؛ لدينا جناح تحول إلى صانع ألعاب ويطمح سارّي في بقائه، ولدينا ظهير هجومي يكفل له الحرية بمجرد صعوده على الخط، ولدينا فريق يعاني من فصام حاد بين نصفيه الأيسر والأيمن، أحدهما مزدحم بصناع اللعب والمهاريين، والآخر أقرب لمنفى يضع فيه الإيطالي كل من لا يناسبون فكره، نصف دفاعي للغاية، والآخر هجومي بشدة.

   

    

على اليسار هناك ديفيد لويز بكراته الطولية وقدرته على التمرير، ثم ألونسو بانطلاقاته الدائمة وتوغله داخل منطقة جزاء الخصوم، وأخيرا هازار بـ.. لا داعي للشرح هنا، وعلى اليمين هناك روديجير وأزبيليكويتا وكانتي وويليان وكل من يجيدون الأدوار الدفاعية، وكأن المجموعة الأولى يدربها سارّي والثانية يقودها مورينيو.

  

الهدف طبعا هو محاكاة نموذج نابولي، هذا هو ما ركّز عليه سارّي منذ البداية، ولكن مشكلته أنه لم يركز إلا عليه بالأحرى، ومع الوقت بدأت المشاكل تظهر تباعا؛ ألونسو مرهق بعد ثلاث سنوات من الاستنزاف على الخط بلا بديل حقيقي، وكوفاسيتش معطل لأن هازار يستأثر بمساحات كبيرة من الملعب ويهبط لمناطق متأخرة لاستلام الكرة ليقتصر دور الكرواتي على استرجاع الكرة فقط لا غير، والنتيجة ثغرة دائمة على هذه الجبهة في المساحات التي يخلفها تقدم الثنائي هازار وألونسو من جهة، والتي يعجز عن تغطيتها كوفاسيتش من جهة أخرى، الثغرة نفسها التي استغلها سون في تسجيل الهدف الثالث وقتل المباراة تماما أثناء اندفاع البلوز للتعويض.

    

  

في هذه اللقطة تحديدا تجسّدت أغلب عيوب النظام الحالي؛ لأن التناقض الواضح بين نصفي تشكيلة سارّي يجبره على عملية ترحيل معقدة كلما صعد الفريق للهجوم، بموجبها يضطر جورجينيو إلى دخول سباقات سرعة مع الأجنحة على الخط، الأمر الذي يضعه في مواقف محرجة تتسبب في أهداف لاحقا. لا أدل على ذلك إلا نقل سون في هذه الجبهة أصلا ليستغل هذه الثغرة، وطبعا لا نحتاج إلى أن نخبرك عن اسم لاعب الوسط الوحيد الموجود حاليا في تشيلسي الذي لن تتمكّن الأجنحة من وضعه في مواقف محرجة تتسبب في أهداف لاحقا.

  

في المرآة

بعد المباراة قال سارّي إن كانتي كان بحاجة إلى "البقاء بجانب جورجينيو قدر الإمكان"، وغالبا كان الرجل يفكر في هذه اللقطة عندما قالها، المشكلة هنا أن كانتي يُطلب منه لعب دور الرجل الثالث في الهجوم (Third Man) ليوفر خيارات إضافية للتمرير داخل منطقة جزاء الخصم، وهو تكتيك بسيط أشبه بما كان يحاول كونتي تقديمه مع باكايوكو في العام الماضي، بالتالي حتى يتوصل كانتي لطريقة يستطيع بها أن يكون موجودا في مكانين في آن واحد، ستظل المشكلة قائمة. (3)

  

لنعد الكرّة مرة ثالثة إذًا، لدينا لاعب وسط ذو قدرات دفاعية هائلة يطلب منه مدربه مهام هجومية ليس مؤهلا لأدائها بالشكل المطلوب، ولدينا على الجهة الأخرى كوفاسيتش وباركلي، لاعبان أكثر شمولية ويجيدان اللعب تحت الضغط والتعامل في الثلث الأخير، وفي الوقت نفسه يطلب منهما مدربهما التغطية الدائمة على صعود البلجيكي والإسباني. الحل؟ مرآة ضخمة.

  

انقل كوفاسيتش أو باركلي ليمين جورجينيو، وامنحهما واجبات دفاعية أقل، وسيجدان مساحة كبيرة للعمل دون ضغوط لأن ظهرهما مؤمّن بأزبيليكويتا، ودون أن ينازعهما هازار على كل كرة، بل إنهما سيمثلان المتنفس الهجومي الإضافي الذي يبحث عنه الفريق منذ بداية الموسم بدلا من الاتكالية المبالغ فيها على الرقم 10، وإن أردت استخدام أي منهما كمهاجم إضافي فهم أقدر من كانتي على هذا الدور بلا شك، ثم ضع كانتي إلى يسار جورجينيو ليقيك شر سون وأمثاله كلما صعد هازار وألونسو للهجوم، وفي الوقت نفسه ستمنحه فرصة لمساعدة الفريق بما يجيده دون تعقيد. اضرب كل العصافير بحجر واحد عملاق واستفد من الجميع كل في موضعه المناسب. بهذه البساطة؟ نعم بهذه البساطة.

  

بعض المتشددين من جمهور تشيلسي يطالبون برحيل سارّي بالفعل، وإن كان هناك نقطة واحدة تؤيد منطقهم فستكون عناده وإصراره على نموذج لعب واحد لا يتغير. الثابت أن الجميع يتغير في إنجلترا بما فيهم وجه العملة الآخر غوارديولا، الجميع يريد الفوز والجميع يضطر للتعامل مع الكرات الثانية والاندفاع البدني ويعدل تشكيله وأسلوب لعبه. لا أحد يطالب سارّي بالتخلي عن فلسفته، بل بالعكس، المطلوب هو تأمين ظهرها أثناء التنفيذ فقط لا غير.

  

هناك قرية اسمها فيغانيلّا في شمال إيطاليا تقع عند سفح الجبل، وهذا الجبل كان يحرمها من أشعة الشمس طيلة الشتاء تقريبا. في 2006 اقترح سكان القرية الـ200 نقلها بالكامل للجهة المقابلة، ثم اقترح أحدهم حلا عبقريا؛ إقامة مرآة ضخمة تعكس أشعة الشمس على القرية كلها، ونجح المشروع الذي لم يكلفهم سوى 67 ألف يورو. أحيانا تكون الحلول لأعقد المشكلات هي الأبسط والأسهل في التنفيذ، والمفارقة لا تحتاج إلى شرح. (9)

المصدر : الجزيرة