شعار قسم ميدان

عودة مورينيو.. الانتقام على طريقة كلوف وريهاغل

ميدان - مورينيو

"هؤلاء الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بإعادته"

(خورخي سانتيانا)

  

عليك الوقوف أمام هذه الكلمات إذا كنت ممّن يمتلكون حاضرا أقل بريقا من ماضيه، وإذا كان الماضي نفسه يتأرجح ما بين النجاح والفشل. ماذا إن حمل التاريخ قصصا مشابهة لما حدث معك؟ حسنا، الآن يمكننا أن نبدأ.

  

ليست النهاية

نحن لسنا بصدد الحديث عن أشياء مكررة، نعم هناك الآلاف من المحاضرات التي تخبرك بأن الفشل ليس النهاية، وأن التعلم منه كافٍ لإعادتك إلى قمة النجاح من جديد، هكذا هي الحياة، وإن لم يشبه حاضر البعض هذه القوانين فهذا لا يعني بالضرورة عدم قابليتها للتطبيق، الأمر يتوقف فقط على كيفية الفشل، وماذا فعلت لكي تتجنّب تكرار ذلك.

 

السيد جوزيه مورينيو لا يمكن أن يبتعد عن كرة القدم لأكثر من ذلك، المشهد يفتقده بالطبع، وعودته هي مسألة وقت لا أكثر، السؤال فقط حول كيف ستكون؟ لا نحتاج إلى أن نتحدّث طويلا حول ضرورة التغيير وتجديد الأفكار وعدم تكرار ما لم يُجدِ نفعا، هذه أشياء بديهية في حالة المدرب البرتغالي وغيره من أبطال القصص المشابهة.

 

اسم مورينيو يعود من جديد ليرتبط بتجربة مستقبلية غير منتظرة، بوروسيا دورتموند يفكر جديا في أن يكون السيد جوزيه رجلا للمرحلة المقبلة، بعد أشهر من إعلان بداية تعلمه للغة الألمانية والتي ربطته ببايرن ميونيخ، ولكن على ما يبدو فإن الأمور لن تسير وفقا للمتوقع. الرجل قرر أخذ استراحة محارب ليعود بعدها خطوة للوراء، تحديدا إلى النقطة التي يحبها، إلى تلك التحديات التي يرفع فيها سقف الطموحات ويحقق فيها نجاحات أكبر من المتوقع حدوثها. (1) (2)

    

جوزيه مورينيو (رويترز)
جوزيه مورينيو (رويترز)

   

دورتموند؟ خطوة للوراء بالطبع بالنظر إلى آخر تجربتين لمورينيو، ولكن في حال حدوثها فلن تكون قصة جديدة، فالتاريخ يُعيد نفسه في تلك الحالة، هناك العشرات من القصص التي شهدت نهاية مأساوية وانحدارا بلا رجعة، ولكن هناك أيضا مَن عادوا للوراء خطوة من أجل التحرك للأمام خطوات، واليوم، نحن نمتلك قصتين مُشابهتين، كلتاهما يحملان درسا لجوزيه إذا أراد نفض غبار الماضي والعودة إلى بريقه المعتاد من جديد.

   

المجنون كلوف

برايان كلوف، اسم لا يحتاج إلى تعريف، مجرد ذكره يشهد على واحدة من أغرب قصص كرة القدم وأكثرها تفرّدا، تلك التي حملت في طياتها لحظات صعود وهبوط، وكان فيها الرجل مستعدا لمواجهة الفشل والعودة إلى نقطة الصفر ليخلق منها انطلاقة جديدة يتجاوز فيها كل ما حققه في الماضي.

   

برايان كلوف (رويترز)
برايان كلوف (رويترز)

   

مع ديربي كاونتي القابع في دوري الدرجة الأولى حينها، وفي الفترة من 1967 إلى 1973 كانت أولى حِقَبه الباهرة، والتي قدمت أوراق اعتماده بعد تجربة هارتبولز يونايتد التي لم تشهد جديدا، ليُنهي موسمه الأول في المركز الحادي عشر، ويُقرِّر بعدها إحداث ثورة جنونية داخل النادي بالتخلص من 11 لاعبا والإبقاء على 4 فقط من الحرس القديم. الثورة لم تكن على اللاعبين فقط، بل إنه تخلّص كذلك من كشاف اللاعبين وعامل الأرضية، واثنتين من الموظفات فقط لأنه شاهدهما ضاحكتين عقب إحدى خسارات الفريق. (3)

    

النتيجة؟ صعود للدوري الممتاز في موسمه الثاني، بعدها الحصول على المركز الرابع في الموسم الذي يليه، ثم التتويج بلقب الدوري في أولى معجزاته بعد منافسة شرسة مع ليفربول وليدز يونايتد، وهو حدث كان يكفي لإصابة كلوف نفسه بالجنون، الرجل بعدها بدا أكثر غرورا وبدأ في التعاقد مع لاعبين دون مشورة الإدارة، ثم شن هجوما متكررا على الجماهير بسبب بعض تصرفاتهم التي لا تعجبه، ووضع العديد من الشروط الغريبة، كان أبرزها مثلا رغبته في اصطحاب عائلته معه إلى معسكر الفريق في ألمانيا، الأمر الذي رفضته الإدارة لتبدأ الفجوة بينهم وبينه، خاصة بعدما أضاع معجزة أوروبية لرفضه إراحة الأساسيين قبل مواجهة نصف نهائي دوري الأبطال أمام يوفنتوس، والنتيجة إصابات عديدة وتوديع للبطولة بعدما اضطر للعب بقوام أغلبه من الاحتياطيين. (4)

  

النتيجة؟ إقالة متوقعة، ثم الذهاب إلى تجربة جديدة مع برايتون في الدرجة الثالثة بحثا عن معجزة جديدة، ولكن النتائج الكارثية والتي كان آخرها الخسارة بثمانية أهداف لهدفين أمام بريستول روفرز عجّلت بنهاية رحلته قبل بدايتها، لتبدأ قصة الانحدار. الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، بل إن الحسابات الشخصية زادتها سوءا بعدما خلف دون ريفي في تدريب ليدز يونايتد، الصدام بينه وبين ريفي كان كبيرا في هذه الحقبة وطالما هاجمه كلوف أمام وسائل الإعلام، يكفي أنه أمر لاعبي ليدز بإلقاء ميدالياتهم التي حققوها معه في القمامة لأنها جاءت بطرق غير شرعية. (5)

    

  

"مناظرة برايان كلوف ودون ريفي"

 

رغبته في الانتقام من ريفي غلبت رغبته في خوض تجربة ناجحة، لتنتهي رحلته مع ليدز بعد 44 يوما فقط انشغل فيها بمعاداة لاعبيه والتصريحات القاسية في حق الجميع، ليواجه كلوف الفشل للمرة الثانية، ويدرك أن هناك شيئا ما يسير بشكل خاطئ.

 

عام 1975 قرر مسؤولو نوتنغهام فوريست وضع الثقة في كلوف، الفريق يلعب في دوري الدرجة الأولى الذي يحب البداية منه، هنا تخلّص الرجل من تركة الماضي وقرر أن يبدأ من جديد، ليُنهي موسمه الأول في المركز الثامن، ويقرر في الموسم الثاني الاستعانة من جديد بصديقه ورفيق نجاحه بيتر تايلور كمساعد مرة أخرى، الرجل الذي لم يخض معه رحلة ليدز القصيرة نظرا للعداوة بينه وبين النادي. (6)

  

رحلة الصعود بدأت من هنا، الموسم الثاني شهد الترقي للدوري الممتاز، تخلّى كلوف عن غروره وقرر الاستماع لنصائح تايلور الذي تقمّص دور البطولة في مشاهد عِدّة، والنتيجة؟ تتويج بثنائية الدوري وكأس الرابطة، ليصبح كلوف ثاني مدرب يحقق لقب الدوري في إنجلترا مع فريقين مختلفين بعد شابمان.

  

النجاحات لم تتوقف هنا، بل وصلت إلى ذروتها في موسمَيْ 1979 و1980، حين حقق معجزة جديدة بالتتويج بدوري أبطال أوروبا لعامين متتاليين، وحقق رقما قياسيا خالدا حتى اليوم بعدم الخسارة في 49 مباراة متتالية في الدوري الإنجليزي كأطول سلسلة لا هزيمة في تاريخ المسابقة. كيف تحقق ذلك؟ بالتخلص من الغرور ونسيان الحسابات الشخصية والرغبة في تجاوز نجاحات الماضي، هذا ما يمكن وضعه في خانة الدروس المستفادة. (7)

   

أوتو ريهاغل ومعجزات أخرى
ميدان - أوتو ريهاغل (رويترز)
ميدان – أوتو ريهاغل (رويترز)

  

البداية هنا مشابهة لقصة كلوف، والنهاية كذلك، ولكن دعنا منها الآن لكي لا نستبق الأحداث، مسيرة تدريبية تبدأ مع عدة أندية متواضعة، ونجاح أول بتحقيق لقب كأس ألمانيا في 1980 مع دوسلدورف الذي كان مغمورا وقتها، ليبدأ رحلة جديدة مع فيردر بريمن استمرت لـ 14 عاما، وهي حقبة تحوّل فيها الفريق من نادٍ يقع في منتصف الجدول إلى بطل الدوري مرتين وحاصل على لقبَيْ الكأس والسوبر ثلاث مرات ولقب كأس الكؤوس الأوروبية. (8)

  

في 1995 انتهت رحلة بريمن الشائقة وانتقل الرجل إلى النادي الأكبر في ألمانيا؛ بايرن ميونيخ الذي خسر لقب الدوري ويبحث عن مدرب يعيد إليه اللقب، لينتظر الجميع نجاحات ساحقة للرجل الذي فعل كل ذلك مع الأندية المتوسطة، فما بالك بالعملاق البافاري؟ تساؤل كفيل برفع سقف الطموحات إلى ما لا نهاية.

 

موسم واحد كان كفيلا بالعديد من الصدامات مع نجوم الفريق، تلك التي يبدأ معها الانحدار دائما، صحيح أن بايرن وصل حينها إلى نهائي كأس الكؤوس الأوروبية، ولكن تلك الصدامات التي وصلت إلى هجوم لاعبيه عليه أمام الصحافة علنا كتبت نهاية مأسوية للتجربة، لتقرر إدارة البايرن إقالته قبل نهائي كأس الكؤوس بأربعة أيام فقط، والسبب الذي أعلنته للصحافة كان مهينا إلى أبعد الحدود، فقد وصفوه بأنه رجل جاء من مجتمع ريفي، لذلك لم يستطع التعامل مع نجوم الفريق في المجتمع البافاري المتحضر. (9)

      

  

في 1996 تقرر إدارة كايزرسلاوترن القابع في الدرجة الثانية حينها الاستعانة بخدمات ريهاغل، الرجل الذي قرر خوض التحدي والعودة إلى نقطة الصفر، الفريق كان قد هبط للتو وتخلّص من أبرز نجومه، ريهاغل يقرر الاعتماد على أكاديمية النادي وتصعيد عدد من النجوم كان أبرزهم مايكل بالاك، ليفوز بدوري الدرجة الثانية في موسمه الأول وبفارق 10 نقاط كاملة عن أقرب الملاحقين.

 

يبدأ كايزرسلاوترن رحلته في البوندسليغا موسم 1998، ولأن الحياة تعطي الفرصة للانتقام يبدأ النادي الموسم بمواجهة بايرن ميونيخ على ملعبه في الأسبوع الأول، ريهاغل لم يتحدث عن أي شيء حول تجربته مع الفريق البافاري ولا عن رغبته بالانتقام، ولكنه فعل كل شيء في الغرف المغلقة واستعد جيدا للانتقام دون أن يفتح فمه.

  

تبدأ المباراة والكاميرات تلاحق ريهاغل مع كل تحرُّك وردة فعل، الرجل بدا عصبيا، يضرب رأسه مع كل فرصة ضائعة ويتحرك كثيرا خارج الخط. المباراة كانت متكافئة إلى حدٍّ كبير، حتى تحقَّقت المفاجأة في النهاية بفوز كايزرسلاوترن بهدف للا شيء، وبالوصول إلى الجولة الرابعة تصدَّر الفريق جدول الترتيب، وكان الحدث هنا أن الرجل ظل محتفظا بالصدارة حتى النهاية، مجددا فوزه على بايرن ميونيخ في الدور الثاني، ومحققا معجزة بالتتويج بلقب الدوري في الموسم الذي صعد فيه من الدرجة الثانية، في سابقة لم تحدث في تاريخ كرة القدم سوى 6 مرات فقط. (10)

    

  

بعد 6 سنوات من تلك المعجزة يجدد ريهاغل الموعد مع معجزة أخرى، في 2004 يتولى تدريب منتخب اليونان قبل اليورو التي لم يكن من المرشحين للتأهل إليها أصلا، يقع في مجموعة واحدة مع منتخب البرتغال المستضيف للبطولة ويتغلب عليه بهدفين لهدف في الافتتاح، قبل أن يسير بخطوات ثابتة حتى النهائي، ويجدد الفوز على البرتغال مرة أخرى في المباراة النهائية بهدف خاريستياس الشهير، ليتوج بكأس الأمم الأوروبية في واحدة من أبرز معجزات كرة القدم الحديثة. (11)

  

هنا نعود إلى خانة الدروس المستفادة، تجربة فاشلة؟ لا بأس، تخلص من الصراعات مع لاعبيك وعُدْ خطوة إلى الخلف ثم انتقم ممّن لم يعطوك قدرك، وتذكَّر دائما أن هذا يتم دون أن تفتح فمك، في الملعب فقط، هكذا يكون الانتقام الحقيقي.

       

يجب أن يعي جوزيه أن المعركة الحقيقية تكون في الملعب لا في المؤتمرات الصحفية، وأن تجاوز خيبات الماضي لا يحدث إلا حين تكف عن الشكوى من كواليسها
يجب أن يعي جوزيه أن المعركة الحقيقية تكون في الملعب لا في المؤتمرات الصحفية، وأن تجاوز خيبات الماضي لا يحدث إلا حين تكف عن الشكوى من كواليسها

    

إلى السيد جوزيه

ربما كانت المفارقة في قصتَيْ كلوف وريهاغل هو تشابه شخصيتهما مع مورينيو، الصرامة والصدام مع اللاعبين، وحب المغامرة والصعود من نقطة الصفر، ولكن تذكَّر دائما أن هناك خانة للدروس المستفادة تُوضع في نهاية كل قصة نجاح أو فشل، تلك التي يحتاج السيد جوزيه إلى الوقوف عندها قبل خوض أي تجربة جديدة.

  

كلوف اضطر للتخلي عن الغرور قليلا، وإلى نسيان دوافعه الانتقامية وصراعاته مع الآخرين، ومن هنا عاد إلى قمة المجد، ريهاغل لم يشكُ الظلم الذي تعرّض له في بايرن ميونيخ، ولكنه تحلّى بالصبر لكي يُقدِّم طبق الانتقام باردا، وهي الطريقة المُثلى لتقديمه، من هنا بدأ كل شيء، ومن هنا يجب أن يبدأ مورينيو إذا أراد إثبات أن قصته لم تنتهِ بعد، وأنه ما زال يمتلك في جعبته ما يُقدِّمه.

  

في بوروسيا دورتموند أم في مكان آخر؟ لا يهم أين ستكون التجربة، السؤال هنا يجب أن يكون "كيف؟"، كيف ستتخلص من الآثار السلبية لتجربتَيْ تشيلسي ومانشستر يونايتد الأخيرتين؟ كيف ستُقدِّم طبق الانتقام؟ في تلك اللحظة ستدرك أن العمل يكون في الغرف المغلقة، وأن المعركة الحقيقية تكون في الملعب لا في المؤتمرات الصحفية، وأن تجاوز خيبات الماضي لا يحدث إلا حين تكف عن الشكوى من كواليسها. نهاية، إلى السيد جوزيه، قبل أن تبدأ، تذكّر دائما أن هؤلاء الذين لا يتذكّرون الماضي محكوم عليهم بإعادته.

المصدر : الجزيرة