شعار قسم ميدان

كلوب هو مَن ألهمني.. اسمي ماركو روزه وفريقي تصدر البوندزليغا

ميدان - كلوب هو مَن ألهمني.. اسمي ماركو روزه وفريقي تصدر البوندزليغا

بات من الصعب في السنوات الأخيرة أن تمر عينك على شيء مميز حقا، أحدهم أفنى عمره بحثا عن التميز والجمال، والكلام هنا عن العاشق المتيم إدواردو غاليانو، الرجل الذي رحل في أبريل/نيسان من عام 2015، وتحديدا مع غروب شمس لمحات التميز في كرة القدم الأوروبية. هناك تيار متفق على انخفاض دسامة ما نتذوقه في كرة القدم حاليا، لسوء الحظ قائمة الطعام لم تَعُدْ مثيرة مثل ذي قبل، القائمة إما يشوبها الملل أو النقص، لدرجة توجيه أصابع الاتهام تجاه جميع أبطال البطولات المجمعة مؤخرا.

  

حسنا، ريال مدريد فريق عظيم، لكن لا أحد يعلم كيف يفوز ولا كيف يخسر، هنالك شيء من الغموض، أبطال العالم في روسيا لديهم قائمة تضم أفضل لاعبي العالم، لكن لا يوجد مُنتج مريح للعين، في ميلوود يقبع أقوى فِرَق العالم، تشعر معهم بأحاسيس عدة، لكنك قطعا لا تنبهر، في المقابل التجربة الوحيدة التي أبهرت الجميع في السنوات الأخيرة وأعادت الحياة لملعب يوهان كرويف لم تفز.

  
توشك أن تشعر بالخيبة، لكن في بروسيا بارك هناك شيء جديد، هناك شعور قوي هذه المرة، يُحقّق بروسيا مونشينغلادباخ أقوى بداية له في الدوري الألماني منذ 1987، فمنذ أيام استطاع التغلب على "بايرن" وتوسيع الفارق معه إلى 7 نقاط كاملة متصدرا جدول الترتيب قبل أن يتقلّص الفارق إلى 4 نقاط في الجولة الماضية، صاحب المركز الثاني في جدول الترتيب حاليا برصيد 31 نقطة بعد 15 جولة، بفارق نقطتين عن "أر بي لايبسيتش"، قبل جولة واحدة، نجح غلادباخ في تصدر الدوري الذي يضم بايرن، دورتموند، فرانكفورت، شالكة، ليفركوزن، لايبسيتش! (1)

  

يُعَدُّ كل ذلك إنجازا عظيما، لكن ما يُضفي طابعا خاصا على كل ذلك هو أن كل هذه النتائج أتت مع كرة قدم ممتعة وواضحة المعالم، المعادلة التي أصبحت على درجة كبيرة من الصعوبة على الساحة الرياضية. أما على المستوى الاقتصادي، فالإدارة منتعشة بحصيلة بيع التذاكر، المدرجات ممتلئة، الجمهور راضٍ، والنادي يعيش حالة فريدة يبدو من خلالها الكل سعيدا ومستمتعا ومتطلِّعا للمباراة المقبلة. ما الذي يقوم به ماركو روزه هناك؟ عفوا، نسينا أن نعرفكم عليه أولا! حسنا، لنبدأ.

      

ماركو روزه (رويترز)
ماركو روزه (رويترز)

   

يساري من لايبسيتش

بوجه طويل نسبيا، وبلحية يغلب عليها ملامح الشيخوخة المبكرة، يُطِلُّ علينا الرجل الذي لو رأيته للوهلة الأولى فلن تستطيع أن تُفرِّق بينه وبين روود فان نستلروي؛ ماركو روزه (42) "المدرب الأكثر إثارة للضجة" كما وصفه يورغن كلوب. وُلد روزه في لايبتسيتش، وهو حفيد الدولي الألماني السابق "والتر روزه". بدأ مسيرته الكروية في الدرجة الثانية في ألمانيا وتحديدا مع نادي لوكوموتيف لايبتسيتش مدافعا وظهيرا أيسر، قضى معهم 5 سنوات إلى أن أفلس النادي، الأمر الذي اضطره إلى إفراغ خزانته وخوض تحدٍّ جديد مع ماينز، النادي الذي كان يدرّبه وقتها "يورغن كلوب"، كان ذلك عام 2002. (2) (3)

   

المشترك في تجربة ماينز بالنسبة لروزه وكلوب هو أنها احتلت مكانة عظيمة بداخل كلٍّ منهما، إذ استطاع الفريق وقتها بقيادة كلوبو الصعود من الدرجة الثانية إلى الـ "بوندزليغا" حيث الأضواء والشهرة، الإنجاز الذي صنَّفه المدرب الفائز مؤخرا بدوري أبطال أوروبا بأنه أعظم إنجازاته التدريبية على الإطلاق!

   

"لقد قلتها مرات عديدة، يا لها من تجربة رائعة.. كُنا عبارة عن مجموعة من الإخوة، وقد حققنا شيئا مميزا بالفعل في ماينز، لا أعتقد أن الكثير من الناس تخيلوا أن ماينز في دوري الدرجة الثانية آنذاك سيصل إلى الدوري الألماني، منذ ذلك الحين اختلفت التوقعات، لأن البقاء والمنافسة في الدرجة الأولى أصبح طبيعيا لماينز، لكن ما يُسعدني أننا أصبحنا نموذجا ملهما، سار على دربه أندية مثل "يونيون بيرلين"، "بادربورن"، وغيرهم، أندية صغيرة حققت هدفا ساميا عن طريق فعل ما فعلناه". 

ماركو روزه (4)

       

مارك روزه ويورغن كلوب (غيتي إيميجز)
مارك روزه ويورغن كلوب (غيتي إيميجز)

   

قضى مارك روزه وكلوب 6 سنوات معا، إذ رحل المدرب الشاب وقتها لتدريب عملاق فيستيفاليا عام 2008، فيما استمر المدافع المخضرم رفقة ماينز حتى عام 2010 مشاركا معهم في 150 مباراة خلال ثماني سنوات، ثم علَّق حذاءه واكتفى بذلك الحد من مسيرته. روزه يعتبر يورغن كلوب حدثا في حياته وليس مجرد شخص، 6 سنوات معا كانت مليئة بكثير من الإلهام للمدافع الذي يصف نفسه بأنه كان شخصية صعبة المراس كلاعب، لكن مع مدرب يستطيع إذابة الجليد، ليس الأمر بالشيء الكبير.

     

"لقد قضيت وقتا طويلا رفقة كلوب، لقد نجح في تشكيلنا جميعا، ونجحنا في التقاط الكثير من أمور كرة القدم منه، لكن أكثر ما كان يُلهمني هي الطريقة التي كان يُعامل بها الأفراد.. بالفعل هناك الكثير من التشابه بيننا، لكني وجدت أسلوبي الخاص، حيث كنت محظوظا بـ "يواكيم ستيفنز" في لايبسيتش، الرجل الذي شكّل فلسفتي ونظرتي تجاه كرة القدم" 

ماركو روزه (5)
  

  

ضربة البداية

من المثير للاهتمام في معظم قصص النجاح القادمة من الغرب قاعدة "لا يوجد اختصارات للنجاح!". ويمكننا لمس تلك القاعدة في حياة كثير من مدربي النخبة في الوقت الحالي، والحال نفسه مع ماركو روزه، لا شذوذ لدينا هنا. بدأت مسيرة روزه التدريبية في دور اللاعب/المدرب في آخر موسم له رفقة ماينز، كان مساعدا لـ "توماس توخيل"، لكن لم يستمر الأمر طويلا، إذ استغرق 15 يوما فقط في الوظيفة، ثم انتهت الشراكة لأسباب غير معروفة، وبعد 11 شهرا عاد ماركو لفريق الشباب بماينز، لكن تلك المرة عاد مساعدا لمارتن شميدت وقضى موسمين هناك، تلاهما موسم في نادي شبابه "لوكوموتيف لايبسيتش"، ثم شد الرحال إلى النمسا حيث تلقّى عرضا من "ريد بُل سالزبرغ" يكون بموجبه الرجل الأول لإحدى الفئات السنية بالإضافة إلى تكفّلهم بعملية تعليمه وتطويره كمدرب. 

 

لم يستغرق الألماني الكثير لإظهار جودته؛ خلال 5 سنوات أشرف على تدريب 3 فئات سنية، حقق معدل 2.25 نقطة/المباراة الواحدة رفقة "سالزبرغ 16" من واقع 40 مباراة، 2.50 نقطة/المباراة من 44 مباراة مع "سالزبرغ 18″، ثم 3 نقاط/المباراة مع "سالزبرغ 19" متوِّجا إنجازاته بلقب دوري أبطال أوروبا للشباب عام 2017 متفوِّقا في طريقه إلى اللقب على مانشستر سيتي، باريس سان جيرمان، برشلونة، أتليتكو مدريد. (6)

   

حسنا، دعنا نُخمِّن… ألماني، فاز بالدوري في كل مواسمه في الفئات العمرية، فتّاك في أوروبا. الآن لا نحتاج إلى دليل؛ جينات كلوب واضحة، ومع كل تلك النجاحات لم ترَ إدارة سالزبرغ مدربا أفضل من ماركو روزه لخلافة "أوسكار جارسيا" في مقعد مدرب الفريق الأول حينها، وبالفعل، صدّق روزه سريعا على تلك الثقة، إذ كسر أكبر سلسلة انتصارات في الدوري حينها، محققا الدوري النمساوي مرتين على التوالي، ومواصلا صولاته الأوروبية، حيث نجح في إقصاء كلٍّ من لاتسيو ودورتموند وريال سوسيداد، واضعا قدما في نصف النهائي -للمرة الأولى في تاريخ النادي-، حيث خسر فريقه من مارسيليا بهدف قاتل في الدقيقة 117، محققا بذلك إنجازا سيظل صامدا في تاريخ النادي النمساوي لسنوات وسنوات. (7)

   

عالم أكبر
يبدأ ماركو بالتعامل مع الإنسان بداخل كل لاعب، معتقدا أن الأشياء العظيمة تبدأ دائما من الداخل، من المستحيل أن تكون عظيما إذا كنت لا تؤمن داخلك بذلك
يبدأ ماركو بالتعامل مع الإنسان بداخل كل لاعب، معتقدا أن الأشياء العظيمة تبدأ دائما من الداخل، من المستحيل أن تكون عظيما إذا كنت لا تؤمن داخلك بذلك
   

بعد البدايات العظيمة في النمسا، بدا بقاء ماركو روزه هناك مستحيلا، اهتمامات من عديد الأندية والكل متلهّف، في النمسا لديهم إيمان أن ثمة شيئا كبيرا مر من هنا، لدرجة أن السؤال هناك لم يكن "هل يبدو ماركو جاهزا للتحدي المقبل؟"، بل كان "ما مدى جاهزية النادي الذي سيدرّبه روزه لما سيصل إليه؟!". غلادباخ كان الإجابة، الفريق كان يحتاج إلى تغيير، المركز الخامس في الدوري لم يكن كافيا بالنسبة للإدارة للإبقاء على مدربهم السابق ديتر هيكينغ، الأداء لم يكن مقنعا للجمهور، من بين كل المزايا التي قد لاحظها مشجعو الفريق خلال فترة هيكينغ لم تكن السرعة واحدة منهم، وأينما تغيب السرعة يحضر الملل!

  

"رأينا أننا نحتاج إلى تغيير، أردنا شيئا مختلفا.. في سالزبرغ قام ماركو روزه بعمل استثنائي، لذا يُسرّنا أن نعلن أنه سيكون معنا الموسم المقبل". كانت تلك الكلمات التي أعلن بها المدير الرياضي لغلادباخ "ماكس إيبرل" عن توصّلهم لاتفاق مع روزه بشأن تولّي مسؤولية الفريق بداية من موسم 19/20. (8) "لم يكن لديّ عرض واحد، بل كان هناك العديد من العروض، في النهاية قررت خوض تحدٍّ جديد في البوندزليغا، هو أمر أتطلع إليه حقا، غلادباخ نادٍ كبير لديه طموحات كبيرة وثقافة جماهيرية كبيرة. هذان أمران يُثيرانني". هكذا فسّر ماركو سبب اختياره لغلادباخ تحديدا دونا عن غيره من الأندية. (9)

    

قبل الحديث عن الأمور التكتيكية، الرجل يظن أن هنالك ما هو أهم، لذا من الأولى أن نبدأ به، يصب ماركو روزه كثيرا من طاقته واهتمامه على الجانب الذهني والنفسي، مصطلحات مثل السلوك والقيادة والمجموعة لا تُمس بالنسبة له، في الوقت نفسه هو أبعد ما يكون عن نموذجَيْ الحدة والصرامة، وبالنسبة لشخص قضى 6 سنوات مع يورغن كلوب، فالأمر يبدو منطقيا. في مقابلة له بعنوان "11 مبدأ لقيادة فريق جيد"، كشف ماركو روزه عن العديد من مبادئه ومعتقداته في القيادة، والتي تعلّمها وعمل بها خلال مسيرته كمدرب. أكثر ما يثير الانتباه هو مبدأ "الاهتمام منبع التواصل"، وهو المبدأ الذي يتبعه معظم مدربي المدرسة الحديثة أمثال غوارديولا، وكلوب، وبوتشيتينو، وتين هاخ.

   

"عندما تعمل مع أشخاص، فأنت لا تريدهم فقط أن يعملوا، بل تريد أيضا فهم كيفية عملهم. ماذا تضيف لهم؟ لقد عشت كلاعب مبادر. كنت أساعد اللاعبين الجدد، كنت أبادر نحوهم وأسعى للتعرف عليهم، كنت آخذهم في جولة للتعرف على المدينة وآخذهم لتناول الطعام معا. أدركت أنهم إذا عملوا بشكل جيد واندمجوا بسرعة مع الفريق فسنكون ناجحين. وهو الأمر الذي سيعود بالفائدة على الجميع وأنا منهم. يأتي اللاعبون من ثقافات مختلفة، ولكن هناك قيم مشتركة واضحة مثل المنزل أو الأسرة. عندما تنشأ المشكلات، هذه هي الأولوية، هذه هي عقيدتنا، هذا الاحترام المتبادل يجب أن يكون موجودا بيننا. تلك أساسيات كلاسيكية لبناء الفِرَق، لكننا لم نعد نهتم ببذل الوقت المناسب لمثل هذه الأشياء. ومع ذلك أنا أؤمن بها وأشعر بفعالياتها، مجرد أننا نرتدي القميص نفسه لا يعني شيئا، يجب علينا ملؤه بالحياة"

ماركو روزه (10)

     

كان روزة مدركا أنه سيبدأ من الأسفل، وبالأسفل لا توجد الإمكانيات التي تساعده على جلب أفضل اللاعبين وبدء المنافسة، لذلك صرف معظم طاقته على الاهتمام بالعنصر البشري
كان روزة مدركا أنه سيبدأ من الأسفل، وبالأسفل لا توجد الإمكانيات التي تساعده على جلب أفضل اللاعبين وبدء المنافسة، لذلك صرف معظم طاقته على الاهتمام بالعنصر البشري
   

كما يبدو، يبدأ ماركو بالتعامل مع الإنسان بداخل كل لاعب، معتقدا أن الأشياء العظيمة تبدأ دائما من الداخل، من المستحيل أن تكون عظيما إذا كنت لا تؤمن داخلك بذلك. الموضوع في غاية البساطة، عليك أن تؤمن أولا، على سبيل المثال إذا كنت ترى نفسك ذكيا وتؤمن بذلك، فستتصرّف من خلال تلك النظرة وذلك الإيمان، ووقتها سيراك العالم كله كذلك! الأمر بسيط، لكنه ليس سهلا.

  

"نرى دائما فِرَقا بدرجات عالية من الصلابة الذهنية تهزم فِرَقا أكبر منها، وهذا ما يُضفي الكثير من الجمال والخصوصية على كرة القدم، هذا يحدّ من متلازمة "المفضل ضد المستضعف"، لأن الجميع حاليا يعرف نقاط قوته ويستغلها، خاصة إذا وُجدت الرغبة في النجاح كمجموعة"

ماركو روزه (11)

  

تلك هي عقيدة روزه، وبما أنه لم يكن لاعبا كبيرا، ما يعني أنه لن يحظى بوظيفة كبيرة فور اعتزاله، كان مدركا أنه سيبدأ من الأسفل، وبالأسفل لا توجد الإمكانيات التي تساعده على جلب أفضل اللاعبين وبدء المنافسة، لذلك صرف معظم طاقته على الاهتمام بالعنصر البشري وتطويره ليجعل فكرة المنافسة مُمكنة.

  

الثلاثيات ومجموعات الصيد

تكتيكيا، يلعب ماركو روزه بنظام 4-3-1-2 أو 4-1-2-1-2، وهو رسم الماسة الذي انتهجه أياكس في حملته المحلية والأوروبية بالموسم الماضي، وهو رسم مشتق من نظام 4-3-3 الأيقوني؛ رباعي دفاعي، مع ارتكاز وحيد يعاونه ثنائي في دور لاعب الوسط المساعد أمامهما لاعب وسط هجومي بالإضافة إلى مهاجمين اثنين بقدرات كبيرة على المراوغة والتوغل، ليسا مهاجمين فعليا ولكن كل واحد منهم عبارة عن "نصف مهاجم/نصف جناح" وذلك لتوفير العمق والاتساع بغرض إضافة المرونة والمباغتة.

   

السبب؟ من أجل الكثافة والتقارب والعمل كوحدة واحدة في جميع أرجاء الملعب دفاعا وهجوما.

    

تشكيلة وتمركز فريق غلادباخ أمام بايرن ميونيخ - المصدر statsbomb (مواقع التواصل)
تشكيلة وتمركز فريق غلادباخ أمام بايرن ميونيخ – المصدر statsbomb (مواقع التواصل)

     

"الأفكار الأساسية وراء فلسفتي في اللعب هي العاطفة، الجوع والمبادرة"، يوضح روزه. "نريد أن نكون نشطين للغاية في العمل بدون الكرة عندما نفقد الحيازة، نريد أن نركض بكثافة، نريد أن نستخلص الكرة في أعلى مكان ممكن بالملعب حيث نكون على بُعد خطوات من مرمى المنافس. كما نريد أن نلعب كرة قدم جيدة عندما نملك الاستحواذ، لا نحب إرسال الكرات الطويلة، بدلا من ذلك أُفضِّل أن نكون سريعين وأكثر ديناميكية في التقدم". تلك كانت أفكار روزه الأساسية باختصار يُحسد عليه.

  

هجوميا، يلعب روزه كرة عمودية مباشرة تمتاز بالكثير من التنوع، كل شيء فيها مبنيّ على الثلاثيات، يؤمن روزه بمبدأ التدرج بالكرة والبناء من الخلف، يستخدم 3 لاعبين دائما لأداء تلك المهمة، متغيرين لكنهم دائما 3، عندما يتسنّى لهم اللعب من العمق يقوم قلبا الدفاع ولاعب الارتكاز بتلك العملية، أما إذا تم دفعهم للعب على الأطراف فيتولّى تلك المهمة قلب الدفاع، رفقة الظهير ولاعب الوسط المساند.

 

تعكس الصورة طريقة استخدام غلادباخ للثلاثيات في عملية بناء اللعب (مواقع التواصل)
تعكس الصورة طريقة استخدام غلادباخ للثلاثيات في عملية بناء اللعب (مواقع التواصل)

    

تتم تلك العملية بين ثلاثة لاعبين، لتنتقل الكرة من مرحلة البناء إلى مرحلة التدرج في النصف الثاني من الملعب عبر 3 لاعبين آخرين، كل ثلاثية تسلم الثلاثية التي تليها، والكل ملتزم باللعب من لمسة واحدة لضمان تحقق مبدأيْ السرعة والمباغتة، وفي حالة استحالة بناء اللعب، يبحث عن ثلاثية أخرى عبر الكرات الطولية الممنهجة لأحد المهاجمين، والذي يجيد اللعب في أرجاء الملعب كافة كما ذكرنا سلفا، ليتحرك خطوات للخلف لعمل "Lay-off Pass" أو تمريرة تمهيدية للقادم من الخلف، ومن هنا تبدأ غارة جديدة، ميزة هذه اللعبة أنها تضرب أكبر عدد ممكن من لاعبي الخصم في أقل وقت ممكن، وهو التحوّل الذي يبحث عنه ماركو دائما. (13)

    

لا يحب روزه إرسال وابل من العرضيات نحو منطقة جزاء الخصم مثل مواطنه كلوب، لكن بدلا من ذلك يُفضِّل أن تُلعَب العرضيات على حدود المنطقة أو أن يتوغل مُرسل العرضية لأبعد نقطة في الملعب حتى تكون العرضية عكس حركة المدافعين للقادمين من الخلف أو ما يُعرف بالـ "Cut Back Cross".

  

توضّح الصورة فكرة ماركو روزه في لعب العرضيات للقادمين من الخلف (مواقع التواصل)
توضّح الصورة فكرة ماركو روزه في لعب العرضيات للقادمين من الخلف (مواقع التواصل)

     

مثله مثل الرجل المتورط هُناك في مانشستر سيتي، يؤمن روزه بأنه مُلزَم بوضع فريقه في وضعيات صريحة للتسجيل، أنصاف الفُرص لا تُقنعه، نحن نشاهد مان سيتي ونلاحظ أن معظم أهداف الفريق تأتي من داخل منطقة الجزاء، وأحيانا من على خط المرمى! روزه يملك الهوس نفسه، منذ توليه زادت نسبة صناعة الفرص في فريقه بنسبة 100% عن الموسم الماضي، مُسجلا 29 هدفا من 199 تسديدة، النسبة الأكبر منهم من داخل منطقة جزاء الخصوم. (14)

   

إحصائية تسديد فريق غلادباخ في الدوري وأماكن توزيعها - المصدر statsbomb (مواقع التواصل)
إحصائية تسديد فريق غلادباخ في الدوري وأماكن توزيعها – المصدر statsbomb (مواقع التواصل)

     

دفاعيا، يُشكِّل ماركو روزه فريقه بحسب الخصم الذي سيواجهه، لا يدخل بنمط ثابت دائما. على سبيل المثال، عندما واجه لاتسيو الموسم الماضي في اليوروباليج، دخل برسم 4-3-2-1 ليحدّ من عملية تدوير الكرة التي تقوم بها فرقة إنزاغي ببراعة شديدة، في البطولة نفسها ضد دورتموند، دخل برسم 4-4-2 لإغلاق الأطراف على كتيبة فافر. لذا بدا أن كل قرار تكتيكي يكون بهدف الحدّ من مزايا الخصم قبل أي شيء.

  

بجانب أغراض الديناميكية والشراسة، هناك غرض إضافي يهدف له روزه من فكرة اللعب بخط وسط متقارب على شكل الماسة، وهو أن ذلك التقارب يسمح له بفرض الضغط المضاد أو "Gegen Pressing" في مناطق الخصم، إذ يقوم ضغطه المضاد على الحد من عدد تمريرات الخصم مقابل كل تدخل دفاعي، إذ تُظهِر إحصاءات الموسم الماضي أن سالزبرغ لم يكن يسمح بأكثر من 6.6 تمريرة -كمتوسط- للخصم قبل أي تدخل دفاعي، وهو الرقم الأعلى في أوروبا متفوقا بذلك على ليفربول ومانشستر سيتي!

  

على مستوى الضغط، يُشكِّل ماركو فِرَقه بشكل أشبه بمجموعات الصيد، ومثلما الأمر في الجانب الهجومي فإن الجانب الدفاعي لا يخلو من "الثلاثيات". في غلادباخ لا يضغط لاعب واحد على حامل الكرة ولكن ثلاثة لاعبين دفعة واحدة، وذلك لعزل حامل الكرة عن المجموعة وإجباره على ارتكاب الأخطاء أو على الأقل دفعه لقرارات غير مرغوب فيها.

  

  

إذا ما عُدنا إلى لغة الأرقام، فسنجد أن غلادباخ الموسم الماضي كان أقل فِرَق الدوري الألماني قياما بالصراعات بمختلف أنواعها، بينما الوضع مختلف الآن، مونشنغلادباخ هو أعلى فِرَق الدوري الألماني على مستوى القيام بالالتحامات هذا الموسم، مع زيادة بنسبة 20% في نسبة فوزهم بالثنائيات عن الموسم الماضي، نحن نتحدث هنا عن أكثر من 700 صراع في أول 12 جولة من عُمر الدوري. طفرة غير عادية تعطينا فكرة عن حجم العمل الذي يُبذل هناك في بروسيا بارك!

  

  

أخيرا، تُوجد الكثير من الإثارة هناك في غلادباخ، الشيء الذي جذب العديد من الأنظار تجاه بروسيا بارك، لا نشير هنا إلى أنظار الجمهور والمحللين، لكن إلى أنظار أصحاب القرار أيضا، إذ يذهب أسبوعيا إلى هناك العديد من أصحاب البذلات السوداء للرصد والدراسة، يمكن أن نتخيل بسهولة أندية مثل بايرن ودورتموند وأرسنال تنظر تجاه فريق ماركو روزه بالكثير من التقدير والإعجاب، الأمر الذي لن يقف بالتأكيد عند هذا الحد، خاصة مع نُدرة الأسماء المميزة على الساحة في الوقت الحالي.

المصدر : الجزيرة