شعار قسم ميدان

من جنوب السودان.. أحلام كرة القدم لا تقتلها الحروب الأهلية

ميدان - من جنوب السودان.. أحلام كرة القدم لا تقتلها الحروب الأهلية

في إحدى محطات مترو أنفاق القاهرة، جلس على أرضية المحطة، بعيدا عن أماكن انتظار الركاب، رجل كبير يبدو من هيئته انتماؤه لإحدى محافظات الصعيد بمصر. أحاط به مجموعة من الأطفال، على الأغلب هم أحفاده، في زيٍّ رياضي يخص واحدا من أندية الشركات المعروفة بالعاصمة، ٣ أولاد، لا يلمع الحلم في أعينهم بالقدر الذي يتلألأ به في عينَيْ ذلك الرجل الجالس على الأرض، الحلم الذي قاده في رحلة طويلة من جنوب المحروسة، إلى عاصمتها المُكتظة برُفات أحلام متشابهة.

  

تنشأ في اللحظة الأولى من رؤية المشهد مُعضلة فكرية بحتة، وهي البحث عما سيكون أهون: أن يموت الحلم في نفس الجد وأحفاده، لفشلهم في الصعود الصعب إلى قمة خريطة مصر الاجتماعية -وذلك لظروف السفر والمعيشة والطباع وغيرها-، أم السفر بفرص شحيحة، ستنتهي في الغالب بالفشل المُحقق، ودفن الحلم جانب جثث الأحلام الأخرى من النوع نفسه؟

  

على الجانب الآخر من المشهد، كان يقف "أحمد"، أحد الذين جاءوا إلى مصر من السودان طلبا لفرصة أفضل في التعليم. كان يرتدي قميصا لأحد المنتخبات الأفريقية، مستغلا المساحة الخالية بظهر القميص لتدوين اسمه والرقم 7، وبدون حاجة إلى سؤاله، يسهل أن تكتشف أن أحمد قد أخفى بين طيات كتبه، وأثناء رحلته إلى مصر، حلم لعب كرة القدم. ولم تتسنَّ له فرصة مزاولة الحلم حتى اللحظة، لكن بعد سؤاله، تتأكد أنه لم يستسلم بعد، أو على الأقل ما زال يحلم.

  

عاش أحمد علاقة مختلفة كليا مع جنوب بلاده، حيث انفصل السودان إلى جزأين مستقلين، وذلك تبعا لمناوشات عسكرية وغير عسكرية استمرت لسنوات بين النصف الشمالي والنصف الجنوبي للبلاد، وتم الانفصال بعد الاستفتاء الشعبي الذي أُجري في الجنوب، وانتهى بنتيجة 99% كنسبة موافقة على أن تُصبح جنوب السودان الدولة المستقلة الأحدث في العالم، في عام 2011. (1)

    

أكاديمية
أكاديمية "أعالي النيل" الرياضية بجنوب السودان (الموقع الرسمي للأكاديمية)

   

يعيش الجنوب نفسه حالة مختلفة تماما مع الحلم عن تلك التي يحياها "أحمد"، الموجود حاليا بالقاهرة. يحكي السيد "لات تونغوار"، مؤسس أكاديمية "أعالي النيل" أو "Upper Nile"، الأكاديمية الأولى من نوعها في جنوب السودان، والمختصة في تأسيس نشء مُحب لكرة القدم، والمُوجودة في مدينة "ربكونا" الشمالية، أنه حين كان موجودا بمصر ذات مرة، لزيارة أندية القمة هناك، وجد أشياء تبدو بديهية لدى الفِرق هناك في المحروسة، لكنها بالنسبة له ولأبنائه في الأكاديمية بجنوب السودان تُعَدُّ من المستحيلات.

    

عام ثمين بعد 5 عجاف

بعد أكثر من 20 عاما من حروب العصابات بين القبائل والجماعات السودانية، والتي أودت بحياة أكثر من مليون شخص، وفرار 4 ملايين آخرين نحو بلدان مجاورة، (2) لم يجد شعب الجنوب مفرا من الاستقلال، لكن بعد ثلاثة أعوام من الانفصال، تبدّدت أحلامهم، أو استحالت من حلم تكوين دولة صغيرة ناضجة إلى حلم النجاة أحياء فقط، حيث دخلت دولتهم الناشئة حديثا في حلقة جديدة من سلسلة طويلة من الحروب الأهلية، وذلك على إثر مشكلات سياسية قبَلية، نشأت بين "سلفا كير"، الرئيس الأول لدولة جنوب السودان و"ريك مشار" الذي كان نائبه، وتعصب قبائل كلٍّ منهما وانجرافهم للصراع العسكري.

  

وصل مستوى الدمار في ذلك الصراع إلى حد الإبادة الجماعية. ذلك ما أكّده "إيفان سيمونوفيتش"، مبعوث الأمم المتحدة الذي سافر بنفسه إلى الدولة الأفريقية في عام 2014، من أجل كتابة تقرير لشبكة "بي بي سي" عن الحياة عقب ذلك الانفصال. (4) عاد "لات" من رحلاته في مصر وكينيا إلى مدينة "ربكونا"، والتي شهدت قتالا عنيفا تسبّب في تدميرها بالكامل خلال عام 2014. (4) وبعد عودته، كان قد قرّر أن يبدأ رحلته الطويلة نحو هدفه، لا نحو أمنيات شخصية، بل طموحه في زراعة بذور الأحلام في قلوب وعقول الشباب من شعبه، ومن ثم حمايته من الحروب والدمار اللذين قد طالا كل شبر في بلده. كانت وسيلته الأفضل هي الشيء الذي عشقه وآمن به؛ كرة القدم.

      

مجموعة من أطفال إقليم الوحدة بجنوب السودان، والذين يسعون للانضمام لأكاديمية
مجموعة من أطفال إقليم الوحدة بجنوب السودان، والذين يسعون للانضمام لأكاديمية "أعالي النيل"  ( الموقع الرسمي للأكاديمية)

      

بحلول عام 2016، كانت المرة الأولى التي يدور فيها صراع يُهلّل له أهالي المدينة فرحا. استيقظت "ربكونا" ذات يوم على خبر إقامة مسابقة لكرة القدم، يتم منها اختيار أفضل العناصر من الأطفال دون الـ18، من أجل بناء الهيكل الأولي لأكاديمية ترمي أساس كرة القدم في الشباب السوداني صغير السن، ثانيا، وتزرع فيهم روح الحب والوئام أولا.

  

بدون أية إمكانيات، بدأت أكاديميته "أعالي النيل" في إقليم "الوحدة"، قُسِّم الأطفال الفائزون في المسابقة، ولأول مرة، وفقا لأعمارهم السنية بعيدا عما يخص قبائلهم أو انتماءاتهم، حيث تم إدراج بعض منهم في فئة الأطفال أقل من 12 عاما، ثم ما هم دون الـ14 عاما، وأخيرا الشباب أقل من 16 عاما، مع عدد قليل في عمر الـ18 يُشاركون في الفريق الأكبر سِنًّا، بما يجمع رقما كبيرا بالنظر لصعوبة التجربة، وهو 240 طفلا وشابا ينتمون فقط لجنوب السودان وللحلم.

  

"حينما تبدأ أي رحلة في الحياة، فإنك تبدؤها لسبب ما، كل ما سعينا له ببداية تلك الفكرة، كانت أن نجمع هؤلاء الأطفال ككيان واحد لأول مرة، أن نزرع فيهم روح التعاون ولو من أجل لعبة".

 "لات تونغوار" في حوار خاص لـ"ميدان"

    

بعيدا عن العاصمة

بعيدا عن الهجمات التي طالت مدينة ربكونا وولاية "بانتيو" في عام 2014، فلا تُعَدُّ الولاية المعروفة باسم الوحدة ضمن الولايات الأكثر اشتعالا بنار الحرب الأهلية، ولذلك، فإن أغلب أطفال هذه المدينة قد جاءوا نازحين من مناطق أخرى طمعا في مأوى آمن وطعام مضمون بعض الشيء. (6) يعيش في تلك الولاية جماعات متفرقة من قبائل النوير وقبائل الدنكا، اللتين هما أساس الصراع الأهلي، وكذلك بعض من القبائل العربية الموجودة على أطراف الولاية الشمالية، (4) لكن أغلبهم من المدنيين الذين لم يُشاركوا في الحرب، أو على الأقل المتضررين الأكثر منها، (6) في حين يعيش في العاصمة مدنيون أقل تضررا من الحروب الأهلية.

    undefined

  

حيث استقر المجتمع الدولي على أن تكون "جوبا" أرضا محايدة في الصراع على السلطة بين الرئيس سلفا كير ونائبه المخلوع ريك ماشار. (5) وفي العام نفسه الذي بدأت فيه رحلة "تونغوار" مع الشباب الصغار، 2016، كان مجموعة أخرى من الشباب في العاصمة قد قرروا تدشين حملة "أنا تعبان"، والتي تستهدف نشر رسومات جدارية بكل أنحاء العاصمة من أجل تنبيه الشباب لخطورة الانجراف إلى تلك النزاعات القبلية. (7) كانت مهمة مؤسس أكاديمية "أعالي النيل" (Upper Nile) أكثر صعوبة من هؤلاء المبدعين على الجدار. أطلق "تونغوار" على أكاديميته اسم "دروغبا جنوب السودان"، بما يُعيد إلى الأذهان قصة الإيفواري "ديديه دروجبا"، اللاعب الشهير في الملاعب الأوروبية، والذي تمكّن من إطفاء نيران الحرب الأهلية في بلاده باستغلال كرة القدم. (8)

   

تمكّن لاعب تشيلسي السابق من جمع كبار القبائل المتنازعة في بلاده، ساحل العاج، من أجل إيجاد طريقة لإيقاف إطلاق النار، والجلوس على طاولة التفاوض والتي انتهى بها المطاف لتدشين مستقبل جديد لكوت دي فوار. أما في جنوب السودان، فإن "تونغوار" لا يملك الشعبية الكافية من أجل طلب مقابلة الرئيس "كير" أو حتى نائبه أو قائد أيٍّ من الجيوش المتنازعة، في حين يمكنه إخماد تلك النيران من منشئها، وهو ما قد شرع به. 

 

التي كانت هي الداءُ

سار "لات" في الشوارع بين أهل بلده ليخبرهم أن كرة القدم هي السبيل الوحيد للسلام، السبيل الوحيد للحفاظ على أطفالهم من الوقوع ضحايا في تلك الحرب غير المعروف نهايتها. كانت الحرب الأهلية في عامها الخامس حينما بدأت رحلة السيد "تونغوار"، وكلّما تقدمت السنون، استعرت نار الحرب أكثر، وطال لهيبها بيوتا أكثر فأكثر.

   

في السنين الأولى من الحرب، ضاع الشباب فوق 30 عاما كضحايا للدمار، حيث كانوا النواة الأساسية للجماعات المسلحة المتعصبة، ومع ضياع فرص العمل كافة وتوقّف عجلة الإنتاج وزيادة معدلات التضخم، لم يجد أرباب الأُسر مفرا من الانضمام إلى تلك الجماعات على أمل ضمان المأكل والمأوى لهم ولذويهم. بحلول عام 2019 بات متوسط الأعمار هو 18.6 عاما، وبات الشباب في أعمار من 0-24 عاما يكوّنون نسبة 61.5% من إجمالي الشعب السوداني الجنوبي. (3)

        

الهدف المعني بوجود مدرسة في أي إقليم جنوب سوداني هو أن يشعر الأطفال بوجود شيء آخر يستدعي القتال من أجله دون حاجة إلى الرصاص والدماء
الهدف المعني بوجود مدرسة في أي إقليم جنوب سوداني هو أن يشعر الأطفال بوجود شيء آخر يستدعي القتال من أجله دون حاجة إلى الرصاص والدماء
     

في أرض مختلفة من المدينة ذاتها التي ينمو عليها حلم أكاديمية "أعالي النيل"، حكى الطفل "كاي تاب" معاناته داخل أحد المستنقعات التي قضى فيها أياما لا يقدر على حسابها، هربا من نيران القوات المتصارعة. كان "كاي" سعيد الحظ أن وجده أحد مراسلي شبكة الأنباء البريطانية لكي يُخلّد قصته وينقلها للعالم. ترك الطفل منزله وعائلته التي لا يعلم ما إذا كانوا قد نجوا من الهجمة الأخيرة عليهم أم لا. (5)

     

"اعتدنا أن نركض إلى المستنقع ونختبئ برؤوسنا فوق الماء، هربا من رصاص القبائل العسكرية".

شكوى أحد الأطفال النازحين إلى إقليم الوحدة (5)

    

مغمض العينين، يُمكنك توقّع مصير "كاي" ما لم يتمكّن من الفرار إلى إقليم أكثر أمنا كإقليم "بانتيو"، كان سيكون العضو الجديد في إحدى القبائل المسلحة، أو أن يستمر حظه السعيد ويجد أسفل قدمه كرة تتأرجح على بساط الحُلم، الذي سيقوده خارج ذلك الخراب نحو مستقبل جديد.

    

في تلك الفترة بالتحديد، كان مُعدل التعليم الابتدائي في دولة جنوب السودان يساوي 29% من إجمالي الأطفال الذين يملكون أحقية مطلقة في التعليم. (4) في تجارب كتلك التي تجري في ربكونا والمدن المحيطة بها، يكون التعليم نفسه هو أقل الفوائد التي قد يحصل عليها الطفل بذهابه إلى المدرسة، لكن التنمية العقلية وبناء الأفكار السليمة النقية هما الغرض الأسمى من أن ينتمي هؤلاء الأطفال لكيان مختلف تماما عن الكيانات المشتتة. أن يشعروا بوجود شيء آخر يستدعي القتال من أجله دون حاجة إلى الرصاص والدماء هو الهدف المعني بوجود مدرسة في أي إقليم جنوب سوداني.

     

مؤسس أكاديمية
مؤسس أكاديمية "أعالي النيل" في إحدى محاضراته مع الشباب المتدربين  (الموقع الرسمي للأكاديمية)

        

يحوي مقر أكاديمية "أعالي النيل" عدد 240 لاعب كرة قدم شابا، بعقلية متفتحة بالدرجة التي تمحو الفوارق العِرقية، جاعلة كرة القدم والإطار الأخضر لِملعبها ساحة القتال الوحيدة، القتال النزيه الذي لا ينتهي بدماء سودانية جنوبية جديدة. ما زالت الرحلة مستمرة بين أفراد تلك المدينة وخارجها، من أجل ضم آخرين للكيان نفسه للاحتماء بالأفكار نفسها من أهوال الحرب الأهلية.

    

لكن بالرغم من الاسم الذي أطلقه "تونغوار" على تجربته، فإنه لا يملك الشعبية التي تدفع الجميع لسماع كلماته، أو تدفع الكاميرات لتسجيل حواراته مع شبابه، وهو يحفزهم ويُمنّي أنفسهم بأمل ما قادم من حيث لا يدرون ليُنقذهم، مستخدما مواهبهم في كرة القدم، بانيا لهم مصيرا جديدا، في الواقع، وحسب ما أخبرنا به "لات" في حوار خاص لـ "ميدان"، فإنه لا يملك حتى كاميرا شخصية لتسجيل أي شيء يحدث داخل مقر أكاديميته، وهُنا تكمن المُشكلة.

    

أحلام تعيش تحت الأرض

مع حلول كل شمس جديدة على هؤلاء الشباب، تتجدد المعاناة؛ محاولات للتدريب دون أدنى إمكانيات طبيعية، ومحاولة التدريب دون أي أمل طبيعي في المستقبل. لا خطوط واضحة سوى تلك الكلمات التي يبثها "تونغوار" في عقولهم باستمرار.

    

محاولات للتدريب دون أدنى إمكانيات طبيعية (الموقع الرسمي للأكاديمية)
محاولات للتدريب دون أدنى إمكانيات طبيعية (الموقع الرسمي للأكاديمية)

   

حاول صاحب فكرة تأسيس أكاديمية لكرة القدم في النصف الشمالي من جنوب السودان أن يتواصل مع الأندية التي تلعب في الدرجة الأولى من الدوري المحلي ببلاده، والتي توجد أغلبها في العاصمة "جوبا" وفي ولاية "واو" الموجودتين في جنوب بلاده، لكن الردود جاءت سلبية للغاية. أولا، لكونهم واقعين تحت المشكلات المادية نفسها والتي تمنعهم من تزويده بأي تمويل ممكن، وثانيا لكونهم عاجزين عن الوصول إلى تلك المدينة التي تقع في ولاية شبه معزولة عن كل ما يُحيط بها.

   

ما يدفع المواطنين للنزوح إلى ولاية "بانتيو" هو كونها تعتبر بعيدة عن مقر الصراع في وسط وجنوب وشرق الدولة. وحسب تأكيد شبكة الإذاعة البريطانية، فإن الحل الوحيد لِوصول المؤن والإمدادات ووقود السيارات إلى مقرات اللاجئين والنازحين داخل مدينة ربكونا وغيرها من مُدن تلك الولاية هو الطائرات، وهو ما يضاعف تكلفة المساعدة أضعاف. يُمثِّل ذلك صعوبة بالغة، لكنه كذلك يُحقِّق أمانا لسكان تلك المنطقة قد لا يوجد في منطقة أخرى خارجه. (6)

   

يملك الشباب هناك حلّين لا ثالث لهما، إما النجاة بأرواحهم ومواهبهم، والتي لا تقل عن أي موهبة في القارة السمراء، أو أن يعم السلام في بلادهم من أجل تحقيق مستقبل أفضل فوق الأرض نفسها. يؤكد مسؤولو الأندية في جنوب السودان أن هناك استحالة في عملية الوصول لمتابعة تدريبات هؤلاء الشباب الصغار، فما بالك بما قد تجده الأندية الأخرى خارج تلك الدولة!

        

السيد
السيد "لات تونغوار" أثناء متابعته لسير إحدى المباريات المحلية التي يخوضها لاعبو أكاديميته (الموقع الرسمي للأكاديمية)

       

تتعارض أرقام الضحايا الحقيقية بين مصدر وآخر، حيث أكّدت وكالة "رويترز" ذات مرة أن تقرير الأمم المتحدة الذي يشير إلى مقتل 50 ألف مواطن في الصراع القبلي حتى عام 2016 لا يُعبِّر عن الحقيقة الكاملة، حيث أجرى مجموعة من الباحثين في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي دراسات تُشير إلى تخطي عدد الضحايا 300 ألف ضحية. (10) يعود ذلك التضارب في الأرقام الصادرة عن الوكالات والجهات الرسمية إلى وجود بعض المناطق صعبة الوصول داخل جنوب السودان، وهو ما يُعتَبر -ظاهريا- نقطة في صالح أكاديمية "أعالي النيل"، لكن واقعيا، فإن تلك الحقيقة تشير إلى عزلهم عن العالم بالكامل.

     

يعتمد مؤسس الأكاديمية على الجوانب المعنوية في تحفيز شباب الأكاديمية، حيث أكّد في حواره مع "ميدان" أنه يرسم في عقولهم صورة عن شخص ما سيأتي في يوم ما، الأكيد أنهم لا يعلمونه، لكنه سيأتي لينتشلهم من ذلك الضياع، علّ أرحام الأمهات قد خلَّفت شخصية تُعيد أمجاد المدرب الفرنسي "أرسين فينغر" داخل تلك القارة السمراء.

     

لا يملك "تونغوار" الرفاهية التي يملكها جد الأحفاد الذي جلس في محطة المترو بالقاهرة، منتشيا بلذة مذاق الحُلم في أيامه الأُوَل، ولا حتى يستطيع العيش كأحمد في سلام مقررا تأخير حلمه لحين أوانه، بل لا يملك سوى ركوب جواد حلمه ليطير به نحو آفاق أوسع، ربما تصبح الآفاق واقعا ذات يوم، أو يكون الحلم وجواده وآفاقه سرابا يقتل الحلم ويدفنه جانب الجثث الأخرى، لكنها ليست جثث أحلام في جنوب السودان، بل جثث حقيقية.

المصدر : الجزيرة