شعار قسم ميدان

رينيه ماريتش.. مُحلل كرة القدم الذي يفهم أكثر من المدربين!

ميدان - رينيه ماريتش.. مُحلل كرة القدم الذي يفهم أكثر من المدربين!

كثيرا ما نشعر بالانبهار عند سماعنا قصص نجاح المستضعفين أو القادمين من بعيد، أيّا كان الوصف المناسب لهم، لكن الشيء الأكيد أن الانبهار والتعاطف دائما ما يكون لهما مكان في هذا الصدد، خاصة في عصر الإنترنت الذي زاد العالم عولمة على عولمته، وأصبح كوكب الأرض عمليا عبارة عن قرية صغيرة كما كانوا يُلقِّنوننا في المدارس. 

 

ننبهر عندما نقرأ قصة ذلك الطفل القادم من خبايا روزاريو الذي أصبح أعظم لاعبي الكرة، أو ذاك الملاكم المضطهد مجتمعيا بسبب لونه، الأمر الذي دفعه للانتفاض وإخضاع الجميع، شرارة الحماسة نفسها التي شعرنا بها جميعا حينما سمعنا قصة مايكل جوردان وكيف قيل له في صغره إنه ليس جيدا بما يكفي ليصبح لاعبا محترفا. مزيج من مشاعر الأمل والتحدي والرغبة في تغيير الأوضاع تنتابنا عند سماع تلك القصص، ولأننا لن نتوقف أبدا عن قراءة وسماع القصص، لدينا اليوم قصة جديدة.

 

يستيقظ صباحا في كل يوم، ومثلنا جميعا قد يبدأ في تفقُّد حاسوبه حتى قبل تناول فطوره، ماذا هنالك؟ كم تعليقا هنا؟ مَن رأى آخر تحليل؟ وكيف كانت مباراة مان سيتي مع تشيلسي؟! ذلك هو روتين المدعو رينيه ماريتش، اللاعب الهاوي الذي أنهت الإصابة آخر آماله في تحقيق حلمه باحتراف كرة القدم، فمع تمزّق أربطة الركبة، وقطع في أحد الغضاريف، علاوة على كسر في الحوض، تصبح فكرة الركض مستحيلة! لحسن الحظ لم يكن المراهق النمساوي مُعدما جاهلا، وإلا لكان مصيره النسيان، بل كان مُتعلِّما -حصل فيما بعد على درجة في علم النفس-، ومولعا بكل ما يخص كرة القدم، لذلك قرر ماريتش الاستمرار داخل المستطيل الأخضر لكن هذه المرة على خط التماس، حيث كان مدربا لأطفال بلدته الصغيرة هاندنبرغ، التي تبعد 30 ميلا شمالا عن سالزبرغ، بعمر 17 عاما.

    

رينيه ماريتش (غيتي)
رينيه ماريتش (غيتي)

   

أثناء تلك الرحلة، قرأ ماريتش العديد من الكتب، خاصة كتب المدربين الكبار؛ إرنست هابل، وبيب غوارديولا، ويوهان كرويف، وقام بتشريح أساليبهم في اللعب وكيفية إدارتهم للأمور. لقد التهم المقابلات واحدة تلو الأخرى، والتقارير الصحف والتحليلات التكتيكية إلى أن ترقى إلى الفريق الأول بنادي هاندنبرغ. ارتقى بدافع الفضول، باحثا عن إجابة للسؤال الذي لطالما راوده؛ "أرى الأمور تسير على ما يرام في المستوى الاحترافي، فهل يُمكننا محاكاة ذلك مع الهواة أيضا؟". (1)

  

بعد فترة طالت أو قصرت، أدرك ماريتش أنه لا يحظى بكثير من الحظ حيث يوجد، فأراد رينيه وضع حدٍّ لتلك التجربة بما لها وعليها، إذ رأى نفسه غريبا في بلدته، لا أحد يشبهه، لا أحد يفهم كرة القدم بالطريقة التي يفهمها هو، لا يستطيع فتح نافذة نقاش مع أحدهم، لا نُقاد ولا فلاسفة. كان ذلك بمنزلة الموت البطيء بالنسبة له، فقرر الانتقال من الملعب إلى شاشة حاسوبه، الشاشة التي وجد من خلالها كل الحظ، حيث وجد أُناسا يشبهونه، مجتمعا كبيرا من المدونين، النُّقاد، الفلاسفة، الجمهور، الأمر أشبه بسوق كبير، كل شيء جاهز، كل ما عليك فقط هو عرض بضاعتك، ومن هنا أنشأ رينيه ماريتش مدونته الخاصة مع 4 من رفقائه الجُدد، وكانت ضربة البداية عام 2011 عندما ظهرت "Spielvrlagerung" إلى النور. (2)

      

Startseite

Zwischen angepassten Mittelfeldrollen geht Liverpool früh in Führung und sichert diesen Vorsprung geschickt. Die kleine Asymmetrie im Pressing funktioniert. Nach längerem Leerlauf werden Citys Dribblingeinleitungen am Ende doch wieder gefährlich, aber eine letzte Umstellung hält den Sieg des Tabellenführers fest.

    

عالم سمسم

شرع ماريتش وزملاؤه في العمل، وعرض أفكارهم، استوطنوا أنفسهم في تلك المدونة، واستطاعوا تفريغ شغفهم تجاه اللعبة والفِرَق والتكتيك والمدربين، طارحين عشرات التقارير التحليلية، والنظريات التكتيكية، كل ذلك بدون أي مقابل مادي، كان الأمر عبارة عن بعض المهووسين الذين يقضون أياما وأياما في تحضير تقرير أو تحليل أو إثبات نظرية، فقط بدافع إشباع الشغف، مبادلة المعرفة، تلقّي نقد أو إشادة. نحن لا نبالغ هنا، نتحدث حقا عن مهووسين لا يعرفون معنى لكلمات مثل الاختصار أو الإيجاز، للدرجة التي دفعت رينيه لتحضير تقرير عن يوب هاينكس احتوى على 66 ألف حرف!

 

"عملت على ذلك التقرير لمدة أسبوع تقريبا، تطلّب الأمر الكثير من الطاقة، لقد كان تقريرا طويلا حقا، لكنه أعطاني وجهة نظر مغايرة تماما عن يوب هاينكس، الأمر الذي أفادني كثيرا"

رينيه ماريتش. (3)
  

كتب رينيه وأقرانه لأجل أنفسهم أولا ولأجل المهووسين أمثالهم، المدربين الهواة أو حتى عشاق التكتيك. ذاع صيت المدونة، خاصة في الأوساط الكروية الألمانية، وسارت الأمور بخُطى ثابتة، حتى وصول تلك الرسالة التي غيّرت كل شيء! تخيّل أن تستقبل رسالة عبر البريد الإلكتروني من أحد مساعدي توماس توخيل -مدرب باريس الحالي- في ماينز، للتواصل معك وبحث إمكانية العمل و التعاون المشترك!

    

"اطلع توماس توخيل على أحد تقاريرنا عن فريقه ماينز في ذلك الوقت، وقد أبدى إعجابا شديدا بدقة ما طرحناه وقتها، ثم دعانا لزيارته في ماينز، للمناقشة وتبادل الآراء حول كيفية رؤيتنا للعبة، ومدى إلمامنا بخصوم فريقه، استمر الاجتماع لمدة ساعتين، ثم انتهى بتوزيع بعض الأدوار والمهام الصغيرة علينا، لرؤية مدى جودة عملنا، ولحسن الحظ عملنا معا لموسم كامل. كان عمري وقتها 19 عاما، شعرت بسعادة غامرة لكون مدرب في ذلك المستوى مهتما بما نقوم به، ولكوني محظوظا بفرصة التواصل والحديث معه حول الكثير من الأمور التي تخص كرة القدم"

رينيه ماريتش. (4)

    

ماركو روزه ورينيه ماريتش (غيتي)
ماركو روزه ورينيه ماريتش (غيتي)

  

لم يكن رينيه قادرا على تدبّر أموره المالية حتى ذلك الوقت، لكن العجلة قد بدأت بالدوران على مستوى الفُرص والعروض، فبعد تلك الفترة، استقبل ماريتش عدة عروض عبر البريد الإلكتروني، إذ كلّفه نادي ميدتيلاند الدنماركي بوضع تصوّر تكتيكي حول أنسب طريقة لمواجهة فريق مانشستر يونايتد في المباراة التي انتهت تباعا بفوز النادي الدنماركي على نظيره الإنجليزي بنتيجة 2-1. بريد آخر من أحدهم طالبا منه تحضير مشروع تطوير لإحدى أكاديميات البراعم، وهكذا سارت الأمور للدرجة التي توسعت نشاطات ذلك المراهق النمساوي على مستوى قارات العالم، حيث عمل خلال تلك السنوات مع شركة تحليل روسية، ومع الاتحاد السعودي لكرة القدم، بالإضافة إلى عدد من الأندية الأميركية، وبعض العملاء في أفريقيا. صنع رينيه اسما لم يكن ليحظى به في دوري الهواة بهاندنبرغ، كمدوّن تكتيكي محنك أصبح صديقنا كاتبا عالميا لجميع أنواع قضايا كرة القدم.

  

كما هو متوقَّع، بدأت الأمور تأخذ منحى آخر على المستوى المهني لرينيه، إذ عاد إليه السيد ماثيو بنهام رئيس ميدتيلاند الدنماركي وبريندفورد الإنجليزي، عارضا عليه عدة أدوار في كلا الناديين، لكن لسوء حظ السيد بنهام، تزامن ذلك مع عرض من ريد بول سالزبرغ، وبسهولة يُمكننا تخيّل أيهما تم قبوله. (5)

 
في ذلك الوقت كان يشرف ماركو روزه -مدرب غلادباخ الحالي- على فريق الشباب بسالزبرغ، ومثل توخيل، أُعجب روزه بدقة وعُمق تقارير رينيه، إذ تقابلا عدة مرات، وتحدثا طويلا حول التكتيك وطُرق التدريب، إلى أن قرر ماريتش أخذ زمام المبادرة وسؤال روزه حول ما إذا كان هناك متسع لفرد جديد في طاقمه الفني، المبادرة التي استقبلها روزه بترحيب شديد، والتي انتهت بتتويج سالزبرغ في نهاية الموسم بدوري أبطال أوروبا للشباب، متفوقين في طريقهم للقب على مانشستر سيتي، وباريس سان جيرمان، وأتليتكو مدريد، وبرشلونة، وبنفيكا، وهو الإنجاز الذي يعتز به رينيه ماريتش كثيرا، إذ تمكّن من حصد اللقب في أولى سنواته في عالم الاحتراف. (6)

    

    

بعد الإنجاز، حصل ماركو روزه وطاقمه سريعا على ترقية إلى الفريق الأول بسالزبرغ، واستطاعوا تحقيق لقب الدوري النمساوي مرتين على التوالي في إنجاز كبير، لكن الإنجاز الأكبر بالنسبة لهم هناك كان في الوصول لأول مرة في تاريخ النادي إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي، إذ نجحوا في إقصاء كلٍّ من لاتسيو ودورتموند وريال سوسيداد، حتى خسر فريقهم من مارسيليا بهدف قاتل في الدقيقة 117 لتنتهي بذلك آمالهم في الوصول إلى النهائي، بعدما كانوا على بُعد خطوة. (7)

  

بعد سنوات من الجلوس في المنزل أمام شاشة حاسوبه، الآن يجلس رينيه ماريتش على مكتبه في غلادباخ -النادي الذي نجح في إقناع ماركو روزه وطاقمه بتحدي جديد في بروسيا بارك-، وأمامه العديد من الكتب، والحواسيب، وبطاقات التوقيع الخاصة بالجمهور. يقضي هنالك من 70 إلى 100 ساعة أسبوعيا، مستغرقا في تحليل وضعيات الخصوم، وتطوير نماذج التدريب وتجويد أسلوب لعب فريقه، الفريق صاحب المركز الأول في جدول ترتيب الدوري برصيد 34 نقطة، مزاحما لأر بي لايبسيتش على عرش صدارة البوندزليغا.

  

 "يا له من تغيير، من دوري الهواة في هاندنبرغ إلى ذلك المستوى، أشعر أن الأمور أسهل هنا بكل تأكيد، في هاندنبرغ لم نكن نعرف كم لاعبا سيحضر التدريبات.. على مستوى القيمة المضافة، لا أشعر بأي فرق، لا يهم إذا كنت في مستوى احترافي أو في دوري الهواة، إذا كان لديك شعور بأنك قد ساعدت إنسانا آخر في تحسين ما يستمتع به، فلن يكون هناك شيء أجمل من تلك المهمة" – رينيه ماريتش. (8)

      

   

كم كرة ذهبية معك؟

تجعلنا قصة رينيه ماريتش نفكّر كثيرا، ماذا لو قال له أحدهم؛ "كل ما تكتبه مجرد هراء، هل تعتقد أنك تفهم أكثر من المدرب؟"، وهو السؤال الاستنكاري الذي نتعرّض له كثيرا في كل مرة حاولنا طرح وجهة نظر، أو إبداء رأي، أو حتى مجرد التعليق على قرار فني أو تكتيكي، وكأننا غير مسموح لنا بالتعبير وإبداء الآراء وطرح النظريات إلا إذا امتلكنا صك حقوق إبداء الرأي من قِبل المعنيين، أو دكتوراه في علوم التدريب. عندما تفكّر في احتمالات دوافع ذلك الهجوم، تجد أكثر من احتمال؛ على سبيل المثال يبدو أن محاولة التفكير في فهم ما يدور ومحاولة إعمال العقل ونفض الغبار من عليه يستفز بعضهم، أو أن البعض يشعر بالدونية ولا يرى نفسه أهلا لنقد قرار مدرب أو إبداء وجهة نظر، فيُسقط علينا ذلك الشعور ويبدأ بالهجوم، وهو هجوم غير مبرر لأن الشخص الوحيد الذي يملك مشكلة هنا هو ذلك المسكين!

  

رغم أن كل الطرق تؤدي إلى روما، فإن الكثير يرى أنه لا يوجد إلا طريق وحيد للمعرفة، وتلك فكرة مشوّهة، إذ يمكن تحصيل قدر المعرفة نفسه الذي يمكن تلقيه في حالة حضور دورة تدريبية، من أمام شاشة حاسوب إذا كنت شغوفا بالكرة وخباياها، أو قدر أكبر من كل ذلك إذا أعددت جلسة نقاش مع أحد العارفين، أو حتى بدون كل ذلك، يكفي فقط قدر من الاهتمام وبذل المجهود مع بعض المزايا الجينية، ووفقا لمبدأ الفروق الفردية فالأمر ممكن حقا كما يخبرنا النجم المصري محمد أبو تريكة عن أخيه.

 

"كنت أنا وأشقائي جيدين كفاية في كرة القدم، أخي الكبير أحمد كان الأحرف والأمهر بيننا، كان مشهورا جدا في ناهيا وكل القرى المجاورة لها والجميع يعرفه ويعرف مهارته وإمكانياته الكروية، وكان له صيتا واسعا في الساحات الشعبية، دائما ما كنت أذهب مع أخي أحمد لمشاهدته وهو يلعب الكرة في الدورات الرمضانية وأحمل له حقيبة الملابس الخاصة به، وكان له الكثير من الجماهير التي تأتي من القرى المجاورة لمشاهدته في الملعب"

(محمد أبو تريكة. (9))

      

ألهمت قصة رينيه ماريتش العديد من أبناء جيله، فقد حطم أمام أعينهم الكثير من القيود والحواجز ولو بشكل غير متعمّد، إذ فتح لهم باب الأمل، ليدركوا أن المستحيل لا وجود له إلا في الأذهان
ألهمت قصة رينيه ماريتش العديد من أبناء جيله، فقد حطم أمام أعينهم الكثير من القيود والحواجز ولو بشكل غير متعمّد، إذ فتح لهم باب الأمل، ليدركوا أن المستحيل لا وجود له إلا في الأذهان
      

إذا خضعنا لذلك المبدأ، فلا يصح لتشافي هيرنانديز أن يُعلِّق على أداء كرستيانو رونالدو، بحجة أنه لا يملك كرات ذهبية كافية لدعم موقفه، ولا يمكن لفيرجيل فان دايك أن يحمل شارة قيادة المنتخب الهولندي لأنه لم يحظَ يوما بشرف اللعب لأياكس والتدرج في فئاته السنية، ولا يحق لمحمد صلاح أن يفوز بدوري أبطال أوروبا لأنه لاعب مصري!

مبدأ مَعيب بلا شك، فلو حمل الأسوياء تلك المبادئ لما قام للبشر دنيا ولا دين. لأجل ذلك إذا ألقينا نظرة نحو جيل المدربين الحالي في الكرة الألمانية فسنجد أنهم يورغن كلوب، توماس توخيل، جوليان ناغلزمان، وليسوا مايكل بالاك، ميروسلاف كلوزه، أو ينز ليمان، وهو ما يعكس لك القصة كاملة، لا يُشترط أن تكون حصانا إذا أردت أن تكون فارسا. يستحق الجميع فرصة، يجب علينا الإيمان بذلك أولا واحترام الاختلاف، وتشجيع كل ما هو قيم حتى لو بدا غريبا في البداية، لأن كل شيء ممكن إذا وُجد الجد والاجتهاد وتكريس الوقت والطاقة.

   

"في حياتي قابلت العديد من الناس الذين يتهكّمون عليّ بلقب "المُدوّن"، لكنهم لا يعرفون أنني كنت مدربا للبراعم بعمر السابعة عشرة في هاندنبرغ، ثم صعدت للفريق الأول حيث كان أصغر لاعبي فريقي عمره 15 عاما، وأكبر لاعب عمره 44 عاما، وبغض النظر عن المستوى والسياق، تحتاج إلى معرفة كيفية مخاطبة اللاعبين، أحيانا أقابل رجالا من رواد المدرسة القديمة الذين يحملون بعض السخط نحو أبناء جيلي، إذ يطلقون علينا مدربي الحواسيب (Laptop coaches)، يعتقدون أننا نرى كرة القدم فقط من منظور الخطط والأرقام والتكتيك، لكني دائما ما أرفض ذلك، وأعتقد أن كرة القدم تدور حول اللاعبين وليس التكتيك، في النهاية إذا كنت مثلي، وتُخصِّص جزءا كبيرا من وقتك ومجهودك تجاه شيء ما، فصدقني، يمكنك تحقيقه"

رينيه ماريتش. (10) 

  

  

اكتُب حتى أراك

ألهمت قصة رينيه ماريتش العديد من أبناء جيله، فقد حطم أمام أعينهم الكثير من القيود والحواجز ولو بشكل غير متعمّد، إذ فتح لهم باب الأمل، ليدركوا أن المستحيل لا وجود له إلا في الأذهان، يمكن لأحدهم الآن الإيمان أن الأمور ممكنة حتى لو كان مُستلقيا في غرفته الصغيرة أمام حاسوبه العتيق إذا كان حقا مهووسا بحل مشكلة أو قادرا على إجادة شيء ما.

  
ساهمت القصة أيضا في تحفيز أصحاب القرار في اللعبة على البحث والتنقيب عن المهووسين المهرة أمثال ماريتش، الذين يستطيعون حل أشد المسائل تعقيدا بغض النظر عن الاعتبارات العِرقية، والمادية، والوظيفية، والتعليمية. لتنتقل الأسئلة التوظيفية في المستقبل من نوعية؛ "من أين أنت؟ ومَن أرسلك؟ وما هي شهاداتك ومؤهلاتك؟ وأين عملت من قبل؟ وكيف ترى نفسك بعد 10 سنوات؟"، إلى؛ "ما هي مهاراتك، وماذا تُجيد؟".

  

في النهاية، يمكننا بسهولة استنتاج نقطة التحول في تلك القصة، كانت الأمور تسير بنمط رتيب واعتيادي، إلى أن أنشأ رينيه وزملاؤه تلك المدونة، التي كانت نافذتهم إلى العالم، وذلك يدفعنا للأسئلة التالية؛ ماذا لو لم يُنشئوا تلك المدونة؟ ماذا لو لم يفرغوا كل ما في عقولهم في صورة حروف وأرقام وكلمات؟ ماذا لو لم يكن لديهم شجاعة عرض وجهة نظرهم؟ ماذا لو كانوا غير مستعدين للنقد والإشادة، للاختلاف والاتفاق؟ ماذا لو استسلم رينيه للأمر الواقع واستمر مدربا بفريق هاندنبرغ للهواة؟

  

    

"أين كان سينتهى بك الأمر بدون إطلاق مدونتك التكتيكية؟ أعتقد أنه كان من المفترض أن ينتهي الأمر بي طبيبا نفسيا يعمل بدوام جزئي كمدرب لفِرَق الهواة بهاندنبرغ".

رينيه ماريتش (11)

المصدر : الجزيرة