شعار قسم ميدان

لا خيار أمام برشلونة.. هل سينفذ غوارديولا مجزرة حال عودته؟

ميدان - غوارديولا

"من الممكن أن يعود إلى برشلونة، فقط للتدريب. إنه يأخذ قراراته بنفسه منذ مغادرته للمنزل، أنا لم أنصحه أبدا". 

فالنتي غوارديولا والد المدرب الشهير(1)

    

قالها الرجل وجنّ جنون الجميع، نعم هو الحلم المنتظر، عودة صانع حقبة برشلونة إلى ملعب كامب نو. تلك المرة يمكننا القول إنها قد لا تكون مجرد الكلمات الجوفاء المعتادة وقد مرّ على أسماعنا الآلاف منها، أطنان من "نعم أحب هذا النادي ولكن لا أحد يعرف ما يخبئه المستقبل"، ولكن تلك المرة تحديدا لا يبدو الأمر كذلك.

  

ما أمامنا الآن هو تكاتف جماعي للظروف المحيطة، موسم سيئ للغاية في البريميرليغ يُحلّق خلاله ليفربول بفارق 14 نقطة، وصلنا إلى (ديسمبر/كانون الأول) دون بادرة للتحسُّن، ركود أشبه بإعلان نفاد القدرة على إخراج الحلول سواء من المدرب أو اللاعبين، ما يفتح الطريق أمام طلاق محتمل بين الطرفين في نهاية الموسم، وهو ما لم يكن سيتي ليجرؤ عليه طالما يواصل الرجل اكتساح المسابقة المحلية بـ198 نقطة في موسمين.

  

على الناحية الأخرى في كتالونيا، لا يوجد سبب حقيقي يحول دون إتمامها في صيف 2020، عقد فالفيردي سينتهي بالفعل إن لم يتم تفعيل العام الإضافي، أي لن تكون هناك أي حاجة إلى الإقالة مهما كانت الفضيحة المُقبلة في دوري الأبطال، وسيتم تداول السلطة بمنتهى السلمية. ولكن هل تسير الأمور بتلك البساطة حقا؟

     

المدرب
المدرب "بيب غوارديولا"  (رويترز)

     

لماذا علينا أن نُصدِّق؟

لأن إدارة برشلونة علّمتنا أن الأمر أبعد ما يكون عن كرة القدم، بالتالي لا يجب علينا أن نُفكِّر بأن خطوة كتلك ستكون لوجه الله. نعم، تصريحات الرئيس بارتوميو عن "الأبواب المفتوحة في أي وقت" قد تبدو للوهلة الأولى مجرد كلمات خاوية، ولكن فكِّر معنا في الأمر: الانتخابات تحل في 2021، والحاكم بأمره الذي نصّب نفسه نائبا لنفسه لن يمكنه الترشح مرة أخرى، والإدارة الحالية لا تزال تبحث عن مرشحها القادم، ولكن ما الذي يضمن لهذا المرشح النجاح؟ (2)

  

بإعادة الشريط إلى الوراء، بارتوميو هو ابن إدارة ساندرو روسيل، روسيل الذي اضطر للاستقالة إثر فضيحة صفقة نيمار. بارتوميو، تولّى الدفة وقام بتقديم موعد الانتخابات من 2016 إلى 2015، ولحسن حظه تحوّلت الفوضى التي كانت تُنذر بفشل ذريع في الانتخابات إلى موسم تاريخي للنادي ضمن به البقاء في سُدّة الحكم حتى 2021. كان هذا مجرد موسم انقلبت الأمور رأسا على عقب في منتصفه لتبقى الإدارة في مكانها بتأييد شعبي، فما بالك بالإدارة التي أعادت غوارديولا إلى برشلونة بعد 8 سنوات؟ (3)

  

حتى وإن كانت هي الإدارة نفسها في أصلها -روسيل- التي شهدت رحيله، ثم أشرفت على تفكيك بنيانه قطعة تلو الأخرى، يظل بيب ورقة رابحة للغاية في عُرف الانتخابات، وبارتوميو يُدرك ذلك جيدا، مهما كانت مزايا فالفيردي الذي لا يُثير الضجيج، ولا يقف عقبة في وجه صفقات "البروباغاندا" البحتة. لهذا السبب تحديدا يمكن لتصريحات بارتوميو الخروج من خانة المجاملة الروتينية إلى إلقاء جاد للكرة في ملعب غوارديولا.

  

لا يوجد مبالغة في وصف الأمر بالحُلم، خروج غوارديولا في 2012 لم يكن مطلبا لأي أحد، ودعوات عودته تُطلَق منذ وقت بعيد. في الرابع من مايو/أيار 2014، تحديدا في أواخر موسم ثاني خلفائه "تاتا مارتينو"، نشرت "بليتشر ريبورت" تقريرا عن 5 أسباب تجعل عودة غوارديولا مطلبا مصيريا. (4)

     

  

الأسباب الخمسة

ما رآه "ريك شارما" محرر بليتشر في هذا الوقت هو أن برشلونة كان يقف في مفترق طرق مع مارتينو، بالتالي عودة غوارديولا ستجعله يُحدِّد مساره ويستعيده على النهج المُعتاد. مرّت الأعوام، وحاد برشلونة عن هذا النهج بوضوح شديد، جزئيا مع إنريكي وكليا في الحقبة الفالفيردية. السبب الثاني هو إعادة ميسي إلى سابق عهده، واسمح لنا بتذكيرك مجددا أن ما نناقشه هنا يرجع إلى 2014، العام الأسوأ في مسيرة ليونيل. لاحقا أثبت الأرجنتيني أنه ليس بحاجة إلا إلى مَن يستفيد منه، وحتى إن لم يجد، فسيتصرّف هو بشكل أو بآخر. ولكن رومانسية تلك النسخة اليافعة القياسية التي أعادت تعريف الأرقام بين 2009 و2012 وقتها كانت كل ما يُسيطر على الأذهان، لا أحد كان يتخيّل ما نراه الآن. 

  

ثالثا يأتي "تقبُّل إعادة البناء". غوارديولا أعاد بناء فريق ريكارد، وبعد رحيله بعامين ظهرت الحاجة إلى إعادة هذا البناء مرة أخرى، وكان من الواضح أن "تاتا" ليس هذا الرجل. الخوف هنا نبع من ضرورة استبدال بعض الأعمدة الرئيسية مثل تشافي، وهي أمور لا تتقبّلها غرف الملابس بسهولة وأمثلتها تُسفر عن نتائج في غاية الحِدّة، ولكن في حالة بيب، رأى "شارما" أن تقبُّل مثل هذا الأمر سيكون أسهل، كونه رجلا يحبه اللاعبون بالفعل ويثقون به. سنضع خطا كبيرا هنا لأننا سنحتاج إلى تلك النقطة لاحقا. رابعا "تطوير الشباب"، أمر أظهره بيب في بيدرو وبوسكيتس وبيكيه. خامسا والأهم: الإدارة ستثق في حكمه.

  

من هنا يجب أن نبدأ، فالنادي كان يريد التعاقد مع خافي مارتينيز في 2012، لينتهي به الأمر مع أليكس سونغ، والكتالوني العتيد هنا يتذكّر جيدا كيف كان أليكس سونغ مع البلوغرانا. أمر كذلك اعتقد محرر بليتشر أن بيب سيحرص على عدم تكراره. في النهاية رسم الرجل الصورة كما كانت عليه، أو كما كان يتخيلها في ذلك الوقت، وبالفعل كان سونغ هو أفضل الأمثلة لأسوأ تعاقدات تلك الحقبة، لأنه بالتأكيد لم يخطر على باله أو بالنا في 2014 أن النادي نفسه سيُجري تعاقدات تفوق 100 مليون يورو دون أساس أو تخطيط، لم يكن يعتقد وهو يفكِّر في مدى الانحدار من مارتينيز إلى سونغ أنه سيرى باولينيو بقميص برشلونة. "شارما" الذي اعتبر أن سونغ بديلا سيئا لمارتينيز لم يكن قد سمع بأن كوتينيو هو بديل إنييستا.

    

أليكس سونغ (رويترز)
أليكس سونغ (رويترز)

  

نعم، لقد قلنا في البداية إن غوارديولا بالنسبة لبارتوميو سيكون ضمان فوز خليفته بالانتخابات المقبلة، ولكن هل تلك الإدارة على استعداد للتخلّي عن سُلطتها المطلقة على الانتقالات؟ هنا فقط يتفوّق فالفيردي على غوارديولا ومورينيو وساكي وفيرغسون وأي مدرب كبير يجوب اسمه بخاطرك. باولينيو؟ هذا ما أُفضِّله بالفعل. كوتينيو؟ لا أعرف، ولكن لنجرّبه في مراكز الملعب كافة حتى نجد ضالّتنا. غريزمان؟ لا تضغط عليَّ، أنا لا أعرف أين سأُشركه ولكننا سنتصرّف. دي يونغ؟ تعليمات؟!

   

على الناحية الأخرى

لنُخرِج مانشستر سيتي تماما من المعادلة، لأن إدارته كانت واضحة منذ اللحظة الأولى: موسم واحد سيئ لن يعني رحيل غوارديولا، فأولوية المشروع هنا تأتي قبل الألقاب، الأمر الذي يعني أن انتزاع الرجل من براثنهم لن يأتي إلا أن تكون رغبته الشخصية هي العودة إلى كتالونيا، المكان الذي اكتسب فيه سمعة الفيلسوف مجدد الكرة ومطور الشباب، مغادرا إنجلترا التي اكتسب بها سمعة "الرجل الذي لا يعمل بدون مليار يورو".

   

بيب غوارديولا محمولا على أكتاف فريق برشلونة (رويترز)
بيب غوارديولا محمولا على أكتاف فريق برشلونة (رويترز)

   

وسريعا سنُقدِّم لك كل ما يجعل عودة بيب إلى كامب نو حلما ورديا: مارك أندريه تير شتيغن هو نوع الحراس الذي يُفضِّله. مدافعون مثل أومتيتي وحتى لونغليه بمستواه المتراجع في الوقت الحالي هم الأقرب إلى ما يريد أيضا. أرتور ميلو وفرينكي دي يونغ في الوسط سيكون من الممتع مشاهدتهم تحت قيادة بيب، وسنضرب فرضية مفرطة في التفاؤل ونقول إن الرجل الذي اكتشف سيرجيو بوسكيتس سيُعيده مرة أخرى إلى سابق تألُّقه لما تبقى من عمره الكروي. سنواصل الإغراق في التفاؤل ونقول إن ديمبيليه سيتوقف عن التعرُّض لإصابة تلو الأخرى، وبالتالي الرجل الذي نجح مع "رحيم سترلينغ" لن يعجز مع الفرنسي، وأخيرا نحن لسنا بحاجة إلى الحديث عن ميسي أصلا، أليس كذلك؟

  

سنقطع شوطا جديدا ونخبرك أن لاماسيا لا تزال بخير رغم أن هذا لا يبدو واضحا على الإطلاق. سنرجم بالغيب ونقول إن وصول بيب سيُنقذ كارلس ألينيا من مصير سيرجي روبرتو، هل بات كل شيء مجهزا الآن؟ ليس تماما، بمثال بسيط على أحد المراكز؛ بيب اعتاد العمل في برشلونة مع داني ألفيس لديه كايل ووكر وأتى عليه بجواو كانسيلو، ماذا سيفعل إن شاهد سيميدو وروبرتو الآن؟ ربما يكون هناك حل ما سيكشف عنه المستقبل، وربما الكثير من الصفقات الهيستيرية بمجرد وصوله، لا يمكن التنبؤ بشكل كامل هنا مهما حاولنا.

   undefined

  

هل تذكر أين وضعنا الخط قبل قليل؟ عند السبب الثالث في تقرير بليتشر: "تقبُّل إعادة البناء". الكل يعرف أن هناك عناصر بحاجة إلى تجهيز بدائلها من اللحظة الحالية، والكل يعرف أن هناك بعض العناصر التي يجب التخلُّص منها بشكل عاجل وفوري. لويس سواريز يداهمه السن، ولكنه صديق ميسي المقرب. جيرارد بيكيه لم يَعُد يبدو كلاعب كرة قدم، ولكن وجوده لا يزال مُسلَّما به. بوسكيتس نفسه في فرضيتنا المتفائلة قد يستعيد ذاته بعودة المنظومة التي اعتاد التألق بها، ولكن بنهاية الموسم الحالي وحلول التالي لا أحد يمكنه القول بشكل قاطع إلى أي مدى سيأكله صدأ السنوات الماضية.

  

في ظل التصاعد الجاري لنفوذ غرف الملابس بوجه عام وفي برشلونة على وجه التحديد، هل سيملك بيب القدرة على القيام بمجزرة تُضاهي 2008 حين أطاح برونالدينيو وديكو؟ لا ضمانات، ما يمكننا تأكيده هو أنه سيُغيّر وجه الفريق بمجرد وصوله فنيا وفرديا، وسيظل الخيار الأنسب لاستثمار ما تبقّى من ميسي وللتجهيز لما بعد ميسي، ولكن لا ضمان إلا بتحقُّق العامل الخامس أعلاه: الإدارة. ويا لسخرية القدر هنا، حين يتحوَّل السبب الرئيسي لجميع الأزمات الكتالونية الأخيرة إلى الضامن الوحيد لنجاح غوارديولا.

المصدر : الجزيرة