شعار قسم ميدان

برشلونة وريال مدريد.. شجاعة سولاري ضد "منطق" فالفيردي

midan - رئيسية رياضة ض

إليكم بعض الدروس المستفادة من هذا الكلاسيكو: مستويات اللاعبين هي أمور مؤقتة تختلف تماماً عن جودتهم العامة وتتأثر بحالتهم البدنية والذهنية إلى نحو كبير، وكذلك مستويات الفرق كمجموع. سانتياغو سولاري ليس من أفضل 39 مدرباً على الساحة، ولكنه شجاع وحاسم ويلعب على أفضل ما يملك، سواء على صعيد جاهزية اللاعبين أو على أفكاره الشخصية. وأخيراً.. فالفيردي لا يزال فالفيردي. برشلونة يتعادل على ملعبه مع غريمه الأزلي ريال مدريد بهدف لمثله، ليتأجل الحسم إلى ليلة السابع والعشرين من الشهر الجاري في سانتياغو بيرنابيو.

   

تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين  (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين  (هوسكورد)

    

ثنائية الجودة والمستوى

تجنب فالفيردي تحطيم إطاره بشكل أو بآخر في 9 اختيارات من أصل 11، الكل نجح في توقع 3 عناصر من الدفاع بشكل صحيح بالإضافة إلى ثلاثية الوسط التي قادت ليلة إشبيلية الأخيرة، وباستبعاد ديمبيليه من القائمة قبل المباراة مباشرةً، كُتب عليكم كوتينيو وهو كره لكم. للمرة الأولى، يمكنك أن تجزم أن مدرب برشلونة قد نجح حقاً بمشاهدة المباراة الأخيرة للفريق ضد فالنسيا، صحيح أن تصرفه الشهير بين شوطيها لم يعكس ذلك على الإطلاق، إلا أنه بشكل أو بآخر، ورغم استمراره في تعذيب سيميدو نفسياً، نما إلى علمه أخيراً أنه الخيار الأفضل في مواجهة سرعة وعنفوان فينيشيوس جونيور.

 

مالكوم؟ هذا سؤال كبير.. علينا أن نتفق أولاً بأن المشكلة ليست مشاركته بحد ذاتها، أو كونه لاعباً يفتقر للإمكانات أو ما إلى ذلك، فالكل يعلم جيداً أن فالفيردي لم يكُن يريده ولم يُبدي أي نية حقيقية للاعتماد عليه من قبل، صحيح أننا لا نعلم من هم اللاعبين الذين كان يريدهم بشكل قطعي، أو بالأحرى لا نعلم منذ متى كان له رأي في الصفقات أصلاً، إلا أنه من الواضح أن البرازيلي لم يبدأ تلك المباراة سوى لعدم جاهزية ميسي بنسبة 100%، الأمر الذي ظهر بوضوح عقب نزوله في الشوط الثاني.

 

ببساطة لا يمكنك حرمان لاعب من كل أشكال الثقة والدعم النفسي، ثم إقحامه فجأة في الكلاسيكو ومطالبته بحمل كل شيء على كتفيه، لذلك فإن أي قرار معيب أو تصرف مفتقر للدقة لا يمكن إلقاء تبعاته على اللاعب وحده، كونه نتيجة طبيعية لتراكمات الأحداث من البداية. ولكن على النقيض تماماً أشعل مالكوم جبهة برشلونة الوحيدة الفاعلة حتى خروجه، استفادةً من معاونة سيميدو الهجومية وإغلاقه لتلك الجبهة على فينيسيوس كثير الإمكانات وقليل الخبرة بدوره، إلا أن الأخير على الأقل يشعر بثقة مدربه.

 

لم يكن هذا هو الشيء الوحيد الذي استفاد منه مالكوم، بل من خطأ سولاري الوحيد في التشكيل، غريب أن نقول ذلك على مارسيلو بالفعل، ولكنه أُكل بشتى الطرق والوسائل الممكنة طوال المباراة، لم يكن جاهزاً بوضوح في ظل استمرار مشاركة ريغيلون بالآونة الأخيرة، حتى إن كان الأخير صغيراً إلا أنه كان الأنسب لتلك المباراة في ظل نفس الظروف والتراكمات الحالية، لأنها ليست "فيفا"، أنت لا تستيقظ صباحاً فتختار أعلى الإمكانات لديك وانتهى الأمر على ذلك، هؤلاء اللاعبين ليسوا آلات.

  

مباراة الجبهة الواحدة: 37% من محاولات برشلونة أتت من اليمين مقابل 44% ليسار مدريد  (هوسكورد)
مباراة الجبهة الواحدة: 37% من محاولات برشلونة أتت من اليمين مقابل 44% ليسار مدريد  (هوسكورد)

  

هذا تحديداً كان نهج سولاري في كل خياراته عدا مارسيلو ونافاس كون الكوستاريكي يلعب مباريات الكأس باتفاق ضمني، لذلك ستجد يورينتي على حساب كاسيميرو، والذي أدار مباراته بذكاء حتى وإن كان اختار عدم الخطأ على حسب الإبداع، هذا خيار طبيعي للاعب يخوض الكلاسيكو الأول له. أيضاً ستجد فاسكيز الذي تتحدث الصحف المدريدية عن أهميته لدى سولاري باستمرار، وأخيراً محرك ريال مدريد الأول في واحدة من أعظم مبارياته بالآونة الأخيرة: كريم بنزيما.

  

ما وراء الضغط

25 دقيقة يمكنك الجزم من خلالها أن ريال مدريد كان بمقدوره إنهاء الشوط الأول متقدماً بثلاثية على الأقل، ضغط منظم وممنهج على ثلاثي وسط برشلونة خصوصاً بوسكيتس وراكيتيتش، أجبر أرتور بدوره على بذل جهد أكبر ليس من خصائص أسلوب لعبه في المقام الأول. وسط ريال مدريد ابتلع وسط الخصم تماماً طوال تلك الفترة، فأجبره على نسق سريع يقتضي إرسال الطوليات السريعة إلى الأطراف وخصوصاً كوتينيو، ربما اعتقد فالفيردي أن الأمر ذاته سيحدث مع تلك الكرة التي وصلت ألبا في بداية الكلاسيكو الأخير، ولكن لسوء حظه لم يكن هناك ناتشو على الظهير ليتمركز داخل المنطقة انتظاراً للقضاء المحتوم.

 

كان هذا أول مكاسب الميرينغي من هذا النسق، الثاني كان إجبار وسط البارسا على أخطاء هزلية بأتم معاني الكلمة، فمهما كان فالفيردي يهمل قيمة التمرير التاريخية بالنسبة للكتلان، إلا أنه لا يمكننا القول بأن هؤلاء اللاعبين نسوا كيف يمرروا، بل حتى كيف يتحركوا بدون الكرة، هذا الكلام لا يخص كوتينيو إطلاقاً لأننا نتحدث هنا فقط عمن شاركوا بتلك المباراة. وصولاً إلى المكسب الثالث بهدف مبكر للغاية سُرق خلاله ألبا ولونغليه بفوارق هامشية ولكن قاتلة، انتقالاً إلى الرابع: دفاعات مستباحة وأميال شاسعة من المرتدات جراء الهدف، لم ينقذ البلوغرانا منها سوى رعونة أقرب إلى الحماقة من هجوم الملكي في تلك الفترة.

 

تطلب الأمر 25 دقيقة كاملة حتى يصل برشلونة إلى المباراة ويقف على قدميه مجدداً، ليبدأ عرض الاستحواذ السلبي متنكراً في زي السيطرة على مجريات الأمور، وهنا بدأ الجانب البدني يخذل "أفضل لاعب في العالم" إلى نحو كبير، فبات يكيل الركلات للاعب تلو الآخر ثم ينظر للحكم ببراءة الأطفال، هذا ليس وجهاً تشهر أمامه إنذاراً على ما يبدو. هنا ظهرت قيمة أرتور كلاعب وحيد في الوسط يساعد على نقل الكرة وإبقائها تحت أقدام الفريق، قبل أن يستفيق بوسكيتس في الشوط الثاني.

    undefined

   

أرتور نجح بـ6 اعتراضات طوال المباراة، وتعرض للمراوغة في محاولتين فقط من أصل 5 للتدخل، وعلى ذكر الأرقام، قدَّم سيرجيو راموس كلاسيكو مميز بتعرضه للمراوغة مرة واحدة فقط طوال المباراة ونجاحه في 4 اعتراضات، فيما نجح فاران في محاولتيه للتدخل و3 صراعات هوائية، ليكلل ثنائي دفاع ريال مدريد جُهده المساعد على تعقيم هجوم الكتلان في الشوط الأول خصوصاً. في الوقت ذاته نجح وسط الملكي بالإفادة من الحياء الشديد لضغط برشلونة طوال الشوط ذاته، لتتم عملية صعود الكرة البادئة للتحولات بشكل سلس للغاية.

  

شيء ما يحدث.. أليس كذلك؟

بعد أن نجح بيكيه -ويا للمفاجأة- بتأمين الأرض والهواء (5 انتصارات هوائية من أصل 7 صراعات) قدر استطاعته في عرض رائع يتنافى مع أخطائه الأخيرة، وبعد أن تصدر سيميدو التدخلات الصحيحة (5 من 5) والمراوغات الصحيحة أيضاً (6 من 7)، وإضافة للعرض الدفاعي الهزلي من جانب مارسيلو وكروس (تعرض كل منهما للمراوغة 5 مرات من أصل 8 محاولات)، بدأ برشلونة الشوط الثاني بروح أفضل وثقة أكبر وضغط أشرس، أو بالأحرى ضغط حقيقي.

 

كل ذلك في غياب واضح للمساندة على هذا الطرف من راكيتيتش في واحدة من أسوأ مبارياته، وفي ظل فقر مدقع لجبهة جوردي ألبا التي وُضع عليها الكثير من الرهانات، ولكن لحسن الحظ كان كل ما يتطلبه الأمر هو واحدة صحيحة: لونغليه يرسل طولية رائعة إلى ألبا لينفرد بنافاس الذي ينقذها بالكاد، يتابعها سواريز في القائم لترتد إلى مالكوم، فيفعل الأخير ما يجيده بإرسال الكرة إلى الزاوية الأقرب إليه من المرمى.. أين كان مارسيلو حين حدث كل ذلك؟ في الفيديو التالي.

   

      

تساوت الرؤوس، ولحسن الحظ لم ينتظر فالفيردي أكثر من 6 دقائق بعد الهدف حتى لا ينتفض الميرينغي مبكراً، وفي سابقة تاريخية أقصى فتاه المدلل راكيتيتش رفقة كوتينيو، ليحل الثنائي أرتورو فيدال وليونيل ميسي، على الطرف الآخر اضطر سولاري لإقحام كاسيميرو عقب إصابة يورينتي في الوقت ذاته، تلاه بيل على حساب فينيسيوس بعد انتهاء مخزون البرازيلي، وجائزة مالية لمن يعثر على الويلزي فيما عدا فرصته الوحيدة التي سددها بما لا يليق.

  

الطريق إلى بينيتو فيامارين

وجود ميسي غيَّر المعادلة على صعيد المرواغات (5 من 7)، وهو نفس ما حققه مالكوم بهذا الصدد بالإضافة لتمريراته المفتاحية الثلاث، ولكن عدم جاهزية ميسي البدنية أثرت بدورها على جانبه الذهني، فتخلى التوفيق عن قرارات الأرجنتيني في لحظات كان بمقدوره خلالها أن يقتنص الفوز لفريقه. فالفيردي أجرى تبديلين صحيحين دفعة واحدة، خذوا حذركم!، في الدقيقة 76 وبعد اشتباه بالإصابة إثر جهد بدني كبير وركلات حمل كرواتيا الوديع، ترك مالكوم موقعه، ونظراً لغياب الأجنحة فكر فالفيردي في ملء الوسط، لسبب ما حين يواجه فالفيردي فريقاً يدافع أمامه ويحتاج ضده لتوسيع رقعة الملعب لا يفكر داخل الصندوق أو خارجه، بل يحطمه تماماً وينساق طواعيةً إلى ما يريده خصمه.

 

إلى هنا لا بأس على الإطلاق، من لدينا الآن؟ روبرتو أليس كذلك؟ إنه فتاه المدلل الآخر أيضاً.. لا، حل كارلس ألينيا وكأن فالفيردي لم يتعلم شيئاً على الإطلاق من شوط مالكوم الأول، ليزج بلاعب عديم الخبرة على حسابه. للتنويه: قسماً بعزة الله وجلاله، روبرتو لاعب في خط الوسط من الأساس. وإن كنت الآن لا تجد جناحاً على دكة بدلائك، فلماذا أشركته كجناح في مأساة روما الشهيرة؟ محاولة إيجاد منطق لما يفعله فالفيردي في كل مرة هو أصعب ما في تلك الوظيفة حقاً!

 

انتهى اللقاء بتعادل منطقي إلى حد كبير، والأوراق تُخبرنا أن ريال مدريد يمتلك أفضلية الأرض والهدف الخارجي بالفعل، إلا أن برشلونة (إن لم تحدث متغيرات كبرى) سيخوض المباراة المقبلة بجاهزية كاملة لميسي وديمبيليه، أيضاً ريال مدريد اكتسب دفعة معنوية هامة من فترته الأخيرة ومن المتوقع أن يستمر بهذا التصاعد، مباراة مثيرة تنتظرنا في البيرنابيو لتحديد الطرف الأول الذي سيذهب إلى ملعب بينيتو فيامارين الخاص بريال بيتيس والمستضيف لنهائي كأس الملك.

المصدر : الجزيرة