شعار قسم ميدان

زيدان يعود لريال مدريد.. بين آراء المشجعين وعلم النفس وأشياء أخرى

Soccer Football - Real Madrid Press Conference - Santiago Bernabeu, Madrid, Spain - March 11, 2019 New Real Madrid coach Zinedine Zidane after the press conference REUTERS/Susana Vera

زيدان مدربًا لريال مدريد، (1) نحن هنا نقرأ هذا الخبر للمرة الثانية، بعد 3 سنوات من قراءته في المرة الأولى، وقبل الخوض في أية تفاصيل علينا الوقوف أمام الفارق بين المرتين، وبين الدوافع والتوقعات التي بنيت بمجرد قراءة الخبر، خاصة وأن زيدان هذا ليس رجلًا يشق طريقه في عالم التدريب للتو، بل هو قادم من أنجح حقبة في تاريخ ريال مدريد الحديث، وتم الاستعانة به في وقت توفرت فيه أسماء أخرى أكثر خبرة، لم يأتِ كرجل طوارئ كما جاء في السابق.

  

وعلى ذلك سننتقل إلى نقطة أخرى، تلك التي سنضطر لمواجهتها لأن زيدان كان بعيدًا عن الأضواء لمدة 9 أشهر، فترة انتهى فيها الصراع الأزلي ما بين التمجيد والخسف. كلاهما كان مبالغًا فيه بحكم أنه أتى في ذروة نجاحات زيدان نفسها، أما الآن فالتجربة الأولى أصبحت جزءًا من الماضي، ومن الممكن أن تخضع للتقييم بعيدًا عن المعركة المحتدمة، تقييمًا منطقيًا سيقع في المنطقة الرمادية التي يكرهها المشجعون، خليط بين هذا الأبيض وذاك الأسود.

    undefined

  

تبرير عاطفي

في علم النفس هناك ما يسمى بالتبرير العاطفي أو التفسير العاطفي " Emotional Reasoning"وهو ببساطة اعتقاد شيء ما بناء على تجربة سابقة، أي أنه انطباع عاطفي يجبرك على تفسيره بالمنطق، فمثلًا إذا تعرضت للخيانة في علاقة عاطفية ما، من الممكن أن تتوقعها من شخص جديد في علاقة جديدة، حتى وإن لم يقم بأي شيء يشير إلى ذلك، وفيما يتعلق بزيدان فالرجل ترك صورة ذهنية عنه كلاعب بأنه من العظماء، وبناء على ذلك كلما ذكر اسمه اقترن بالعظمة، لذا فكل ما سينجزه كمدرب سيكون عظيمًا بالتبعية، دون النظر إلى تفاصيله وكيفية إنجازه.(2)

  

وبناء على ذلك سيطرت هذه النظرية على حقبة زيدان الأولى، فعلى مدار السنتين ونصف التي قضاها مع ريال مدريد كانت الأمور تسير في اتجاهين؛ إما كونه أفضل مدرب في العالم بناء على الصورة الذهنية التي تركها كلاعب، أو الأصوات المضادة التي وضعته في خانة الأسوأ. لماذا؟ لأنها بنيت على صراع بين مشجعي ريال مدريد -الطرف المستفيد من نجاحاته- وكارهي ريال مدريد -الطرف المتضرر من نجاحاته- وعلى هذا فسر الطرف الأول إنجازات الرجل شعوريًا بشيء من المبالغة غير المسنودة على أسس منطقية، وفسر الطرف الثاني الأمور شعوريًا أيضًا بشيء من المبالغة المضادة، وكالعادة بعيدًا عن الأسس المنطقية.

  

   

وبالعودة إلى النظرية، فإن أفضل وقت للحكم المنطقي على علاقة عاطفية هو عقب انتهائها، بعد أن يخمد الصراع وتهدأ المشاعر، حينها يمكن تقييم الأمور بعقلانية وبأسس منطقية بعيدًا عن التفسير العاطفي، وهو ما يقودنا إلى المرحلة الحالية التي يقبل عليها زيدان.

  

الرجل بعيد عن الصورة منذ موسم إلا شهرين، والجدل حول كونه قد فاز بالحظ أو بحنكته أصبح جزءًا من الماضي، وحقبته مع ريال مدريد أضحت بعيدة عن المعركة بين مع وضد، لذا فالنظر إليها من هذه الزاوية سيكون من وجهة نظر مشجعي ريال مدريد أنفسهم، بعد أن انحسر أدرينالين البطولات المتتالية، وبعد أن تمكنوا من استرجاع الإيجابيات والسلبيات بعين محايدة، هل يشعرون بأنهم بالغوا في تقدير حقبة زيدان الأولى مع فريقهم أيًا كان الدافع لذلك حينها؟

  

حوار مع صديقي المدريدي

وبسؤال بعض مشجعي ريال مدريد تباينت الآراء حول تقييم تجربة زيدان الأولى، إلا أنها تمحورت جميعًا حول نقطة واحدة وهي أن هناك عاملًا غير تكتيكي ساعد الرجل في تحقيق ما أنجزه، ومن خلال ذلك يمكننا الانطلاق نحو ولايته الثانية التي بدأت لتوها.

     

undefined

  

محمد يسري الصحفي بموقع فيلغول والمشجع المدريدي يرى أن المبالغة -لو وجدت- من بعض الجماهير فهي منطقية. زيدان قاد ريال مدريد لـ 3 بطولات دوري أبطال؛ إنجاز لم يحدث ولا يعتقد إنه سيتكرر في المستقبل القريب، إلا أن سر نجاح زيدان يتمثل في مرونته كمدرب؛ يضع للاعبين خطوط عريضة يعملون من خلالها دون تكليفهم بمهام فنية معقدة، وعلى ذلك فالمبالغة كانت موجودة في أحيان قليلة، ولكنها كانت "مبررة نسبيًا".

   

بينما أجاب أحمد توفيق الكاتب بموقع ميدان وأحد المنتمين للملكي أيضًا: "الأزمة كانت في أن زيدان يتم مدحه على أمور لم ينجزها، فعلى سبيل المثال الرجل قدم فريقًا مرعبًا على المستوى البدني في 2017 خاصة، عبر استقدامه المعد البدني بينتوس والذي أشرف على تدريبه في يوفنتوس حين كان لاعبًا،(4) أيضًا لاعبون مثل راموس ومارسيلو إيسكو ظهروا في أفضل نسخهم تحت قيادته، كما أجاد في خلق الدوافع لفترة طويلة، والحفاظ عليها على الرغم من تكرار الإنجازات، تلك الإنجازات احتوت على تفاصيل أخرى، تلك التي بالغت الجماهير المضادة لريال مدريد في الحديث عنها، وجعلها المسبب الرئيسي لكل ما تحقق بهدف تهميش دور زيدان واللاعبين، كما بالغت جماهير ريال مدريد في نفيها تمامًا، والتأكيد على أن كل ما تحقق كان بعمل اللاعبين والمدرب داخل الملعب فقط، أما على المستوى التكتيكي فهو لم يخترع شيئًا جديدًا ولعب بالخطط المعتادة، ولم يقم بتغيير محوري في مركز لاعب أو اختراع مركز جديد، وهذا لا يعيبه، لأنه ليس ضروريًا أن يلجأ المدرب الناجح لابتكارات جديدة طالما أن الأمور تسير على ما يرام، ومن هنا كانت المبالغة فقط في محاولة إظهار زيدان غولًا على المستوى التكتيكي ليس إلا".

  

   

أما المشجع المدريدي والصحفي بموقع كورة 11  أحمد يحيي فقال: "لا توجد أي مبالغة في تقدير زيدان كمدرب، لأن عوامل النجاح في ريال مدريد تحتاج إلى أمور أخرى إلى جانب التكتيك والخطط، فمثلًا لوبيتيغي مدرب أفضل من زيدان تكتيكيًا، ولكنه لم يستطع التكيف مع هذه المنظومة، لذا فزيدان استحق كل هذه الإشادات نظرًا لأنه أنجز كل ذلك بفريق منهار بعد رافا بينتينز، وصعوبة ما حققه زيدان تكمن في عدم قدرة أي مدرب آخر على تحقيقه أيًا كان اسمه وقدراته"

   

ما الضمان؟

هنا لا نستطيع الجزم بأي شيء، سوى أنه -منطقيًا- لا يمكن اعتبار أن زيدان قد تطور تكتيكيًا في 9 أشهر قضاها في منزله، لذا فالعامل الرئيسي والذي سيعول عليه سيكون خلق الحافز والإعداد النفسي وعلاقته باللاعبين، أي نفس ما اعتمد عليه بشكل رئيسي في رحلته السابقة، مع قليل من التفاصيل الخططية التي يمكن أن يمتلكها أي مدرب أعلى من المتوسط بقليل.

 

في 2016 مثلًا، تولى زيدان القيادة مع لاعبين فازوا بدوري أبطال أوروبا مرة واحدة، كان الجوع مسيطرًا عليهم بعد عاشرة أنشيلوتي التي ظلت هاجسًا، حينها كان الحافز موجودًا للتتويج والفوز بالألقاب، وكان العامل النفسي يدور حول الرغبة أولًا وأخيرًا، أما الآن، وبعد 4 بطولات دوري أبطال في 5 سنوات، منها 3 مع زيدان نفسه، لا تبدو الدوافع قادرة على صناعة نفس التأثير، ولا يبدو راموس أو مودريتش في حاجة للفوز بدوري أبطال أوروبا لمرة خامسة، أو لنكن أكثر دقة؛ لا يبدو الأمر مستحقًا للقتال كما كان عليه في الماضي.

 

قبل 9 أشهر قال زيدان إنه سيرحل نظرًا لشعوره بفقدان القدرة على تحفيز المجموعة من جديد. (5) بالطبع لم يستعدها في 9 أشهر، ولكن تغير الظروف من بطل أوروبا إلى فريق يخرج من دور الستة عشر بفضيحة أمام مجموعة من شبان أياكس قد يكون كفيلًا بإعادة فاعليتها ولو جزئيًا، وبالتعامل مع ذلك كحقيقة، فإن السؤال الذي سيبقى بلا إجابة هو ما الضمان حول استجابة اللاعبين لتأثير زيدان بنفس الكيفية التي حدث فيها ذلك في الحقبة الأولى. في الحقيقة لا اللاعبين ولا زيدان ولا نحن ولا أي شخص نعرفه يمتلك إجابة قطعية، لا مجال لتقديم الضمانات هنا.

   

     

خيار أنسب أم أسهل؟

ومع استعراض الفارق بين تولي زيدان في 2016 وتوليه الآن، يبقى سؤالًا أخيرًا، بما أن ريال مدريد قد احتاج زيدان بعد بينيتيز من أجل العامل النفسي وما إلى ذلك، فهل هو بحاجة لنفس الأمر في الوقت الحالي؟ الأمور تبدو متطابقة نظرًا لتشابه مرحلة سولاري، ولوبيتيغي من قبله، مع مرحلة بينيتيز، إلا أن الملكي قد مر بفترة الفراغ ذاتها مع زيدان على الرغم من تتويجه بدوري الأبطال، ونظرًا لقرب انتهاء صلاحية الجيل الحالي، فإن الميرينغي يحتاج إلى مشروع من أجل المستقبل، فهل زين الدين زيدان هو الرجل الأنسب لهذا المشروع؟

 

في الوقت الحالي تبرز العديد من الأسماء التي ستجلب لريال مدريد ما يحتاجه بالفعل، ففي حال كان يريد مشروعًا يعتمد فيه على ذخيرته الحالية من اللاعبين الشباب فماوريسيو بوتشيتينو رجل يستطيع القيام بذلك، وفي حال احتاج إلى ضمان السيطرة المحلية فماسيمليانو أليغري يجيد إدارة المنافسات الطويلة، مواطنه كونتي كذلك يستطيع القيام بالعمل ذاته، مع تشابهه مع بوتشيتينو في مسألة التعامل مع المواهب اليافعة ولو بصورة أقل نسبيًا. في الحقيقة، إن أردنا الإجابة على السؤال عما يحتاجه ريال مدريد، فإن زيزو لا يبدو الرجل المناسب بالنظر للمعطيات السابقة.

       

  
إذًا لماذا لجأ بيريز إلى المدرب الفرنسي؟ الإجابة بسيطة، الرجل الآن يريد إعفاء نفسه من مسؤولية القرارات الكارثية التي اتخذها مؤخرًا، ووجود زيدان سيحقق له ما أراد، ففي حال نجاح زيدان ستُمحى كل سلبيات الموسم الحالي، وفي حال فشله فإن اللوم سيوجه للمدرب الفرنسي نظرًا لأنه عائد بشروطه، (3) ولأن الجميع سيكون مشغولًا بإثبات نظريات الماضي ومقارنة تلك الحقبة بالسابقة، (6) وهذا كله يضعنا أمام اختيار عاطفي آخر، اختيار مبني على التمني أولًا، ثم التعامل مع الأمنيات على أنها حتمية الحدوث ثانيًا، وهذا يشبه الإدراك العاطفي قليلًا، فكما تم التعامل مع زيدان كمدرب عظيم بناء على مسيرته كلاعب، سيتم التعامل مع حقبته الجديدة كحقبة ناجحة بناء على تجربته السابقة، والجدير بالذكر أن نتائج تلك المعادلات لا تنجح في كل مرة، وأن فشلها في هذه المرة لن يكون قاصرًا عليها فقط، بل إنه سيخدش الصورة الجميلة التي تركها زيدان قبل رحيله، وسيفقد الحقبة السابقة بريقها على الرغم من أنه لن يسلب منها كأسًا واحدة.
المصدر : الجزيرة