شعار قسم ميدان

حقبة بوتشيتينو الناجحة.. هل استحق فينغر تقديرا أكبر؟

ميدان - فينغر و بوتشيتينو

"أنا معجب جدًا بـ" ماوريسيو بوتشيتينو"، بطريقة لعبه وطريقة إدارة للفريق، أظن أنه يستطيع أن يصبح نسخة" أرسن فينغر" الخاصة بتوتنهام"

(أحد أفضل رجال أرسن فينغر وأرسنال  "إيمانويل بيتي" (1))

   

وفق شبكة الإذاعة البريطانية BBC فإن متوسط عدد مشاهدي نهائيات كأس الإتحاد الإنجليزي في الفترة ما بين 2006:2015 هي 7.6 مليون مشاهد، تضع تلك الأرقام الهزيلة تفسير منطقي في كون قيمة ما يحصل عليه من يفوز باللقب 7 مليون جنيه إسترليني (بعد حساب كافة المكافآت المادية خلال مشوار البطولة وبِتضمين الزيادة التي تمت في 2019)، وبإضافة تلك القيمة إلى 100 ألف جنيه إسترليني هي إجمالي ما يحصل عليه بطل كأس الرابطة (بدون حساب أرباح التذاكر)، فعلى ما يبدو إن 2 من 3 بطولات محلية إنجليزية لا تستحق العناء فعلًا. (2) (3) (4)

   

يُقسم البرازيليون اللعبة إلى شقين، الشق الأول يهدف إلى المتعة وآخر يبحث عن النتائج فقط، النتائج تلك التي تأتي بالبطولات. ولأن الصراع البرازيلي-الإنجليزي على مفاهيم هذه اللعبة، والذي يعود إلى عشرات العقود تاريخيًا، لم ولن يُحل على ما يبدو، فإن الإنجليز باتوا يملكون مصطلح آخر يعني إهمال البطولات. فلا عجب أن شخص ما لم يستطع الفوز ببطولة واحدة خلال 10 سنوات هي عمره التدريبي، أن يصنف المدرب الأنجح في المملكة بكل الأرقام الممكنة. وهو مصطلح معتاد ويفضل أن ينطق دائمًا بالإنجليزية: "Money Talks" -أو ما يعني بأن الأموال هي المعيار الأهم لكل شيء.

   

سياسة لندن الموحدة
ماوريسيو بوتشيتينو (غيتي)
ماوريسيو بوتشيتينو (غيتي)

  

في الشهور الأولى من عام 2019، خرج الأرجنتيني "ماوريسيو بوتشيتينو" ليؤكد أنه غير نادم إطلاقًا على أن دولابه بالمنزل لا يحوي أية ميداليات، يعرف بالتأكيد أنه عنصر هام جدًا داخل مشروع مازال يجني ثماره الأولى بعد عمل 5 سنوات فقط. ويؤمن كذلك بأن فريق توتنهام على بعد خطوات بسيطة من أن يحصل على الألقاب، سواء تم ذلك في وجوده أو بعد رحيله، (6) (7) وهو تصريح جديد ينضم لسلسلة طويلة من التصريحات المنطقية والهادئة من الأرجنتيني فإذا كان توتنهام بعيدًا عن الفوز بالدوري الإنجليزي في ظل احتدام الصراع على اللقب بين قوى المال مثل ليفربول والسيتي وحتى اليونايتد وتشيلسي وأرسنال، فإن الألقاب المتبقية لا تعدو كونها كؤوس لا قيمة لها. أو بالأحرى، وحسب تعبيره والذي يتفق فيه المدرب الألماني "يورغن كلوب"، فهي لا تخدم مستقبل النادي على أية حال. (6)(12)

   

يدير "دانييل ليفي" زمام الأمور في شمال لندن منذ عام 2001 تقريبًا (هو مدير فقط وليس مالك النادي كما يعتقد البعض)، (8) خلال تلك الفترة تعامل مع 10 مدربين لم يتجاوبوا مع سياساته الفكرية والمالية على حد سواء. أظهرت عدة مواقف أن ليفي يسعى لبناء مؤسسة استثمارية ناجحة في هذا الجانب من العاصمة، بالتالي نجد إنفاق قليل نسبيًا على الصفقات، واستقدام عناصر شابة واعدة ومن ثم جني الكثير من الأموال نظير بيعها بأرقام أكبر في المستقبل. تعاقد مع "غاريث بيل" و"لوكا مودريتش" بـ14.7 مليون يورو، و21 مليون على الترتيب، وقام بِبيعهما بما يزيد عن 4 أضعاف سعر الشراء على الأقل. (10)(11)

  

تلك السياسة تبدو موحدة في الجانب الشمالي الغربي من العاصمة الإنجليزية. يجد البعض تطابق بين سياسة إدارة توتنهام وبين سياسة إدارة أرسنال خاصة بعد أن انتقل الأخير إلى ملعب الإمارات وبدأ فترة التقشف المادية، وبيع النجوم وضياع الألقاب الكبيرة ..إلخ. وبالرغم من كون المقارنات تقتل المتعة أحيانًا؛ لأنها تجبرك على أن تنتقص من قدر أحد الأطراف لإعلاء الطرف الذي يميل له قلبك، لكنها تبدو مفيدة في هذه الحالات، لأنها تعطي مؤشرات تقييم منطقية لفترة قيادة بوتشيتينو لتوتنهام عن طريق مقارنتها بِالحقبة الأخير لِلفرنسي "أرسن فينغر".

    

أرسن فينغر (غيتي)
أرسن فينغر (غيتي)

  

على مستوى الألقاب في المطلق، فإن المقارنة بين قطبي تلك البقعة من مدينة الضباب تُعد ضربًا من الجنون، لكن خلال آخر فترة، فالأمر جائز جدًا. خلال الفترة الأخيرة لولاية القائد التاريخي للـ"غانرز" تشابهت أحوال الفريقين تقريبًا؛ بِابتعادهما عن لقب الدوري الإنجليزي والاهتمام فقط بفرص الدخول في المربع الذهبي وضمان فرصة المشاركة في دوري أبطال أوروبا. والحقيقة أن في ذلك الشأن تتعاظم قيمة سؤال مفاده: طالما أن كلا الفريقين مرا بنفس الظروف التقشفية إقتصاديًا وتقريبًا حققا نفس النتائج باستثناء بعض الكؤوس التي اتفق بوتشيتينو وكلوب في أنها لا تساعد النادي،(6)(12) ومع الوضع في الاعتبار التفوق المباشر للـ"سبيرز" على الغريم خلال وجود "بوتشي" على خط التماس؛ فلماذا لم يحصل "فينغر" على نفس التقدير الذي دائمًا ما يناله الأرجنتيني؟

   

صناعة أسطورة وأطلال أسطورة

بمنتهى البساطة، يمكن إبراز الفارق بين العمل الذي قام به ماوريسيو في لندن وبين العمل الذي قام به نظيره فينغر بأن أحدهم خلق أسطورة من لا شيء، والآخر، في حقبته الأخيرة، قد استعان فقط بأطلال الأسطورة من أجل البقاء على قيد الحياة.

   

وقت أن تولى "بوتشي" القيادة الفنية لتوتنهام في مايو من عام 2014، كانت القيمة التجارية للفريق تساوي 514 مليون دولار حسب مجلة فوربس. أخذت تلك القيمة في الارتفاع خلال فترة قيادته حتى وصلت في عام 2019 إلى 1 مليار و237 مليون دولار. وبفارق حوالي مليار واحد فقط بينه وبين أرسنال، مع العلم أن قيمة أرسنال عام 2014 كانت تساوي مليار و 331 مليون دولار، والأكيد أن قيمة المدفعجية لم تنخفض خلال السنين الماضية طالما كانت تمتلك رجل الأعمال "كرونكي" الذي لم ينفق دولارًا واحدًا من نفقته الشخصية ويعتمد كليًا على إيرادات النادي فقط. مع العلم بأن ما يجنيه أرسنال من ملعب الإمارات سنويًا يساوي 4 أضعاف ما كان يحصل عليه توتنهام من "وايت هارت لين" القديم قبل التجديد، وهو ما يعد مصدر ربح مهم جدًا لأي فريق، ناهيك عن القيمة التسويقية لِقميص أرسنال والتي تعود لِاحتواءه على نجوم كبيرة عبر التاريخ، بجانب القيم التجارية لِلاعبيه التجارية في الوقت الحالي وخلال الفترة المذكورة. (8)(9)(13)

    undefined

  

هؤلاء اللاعبين الذين صنعوا تاريخًا لا ينسى لأرسنال، كانت أهم صفحاته بالتأكيد هي دوري اللاهزيمة الذي يحفظ ماء وجه مشجعي الفريق في مواجهة كل المنافسين، ويجعل لهم الحق في الحديث مع جماهير متصدر الترتيب أيما كان اسمه وفي أي موسم، طالما تلقى هزيمة واحدة فقط لا تجعله يتساوى مع الفريق الذي لم يهزم في الحقبة الذهبية للنادي. لكن سرعان ما بدأ ذلك كله في التلاشي في بداية فترة التقشف، أو هكذا اعتقدنا. والحقيقة أنه مهما حاولنا المقارنة بين ما واجهه عناصر الجيل الذهبي لأرسنال من إغراءات مادية في بداية الألفية، فإنه بالقطع لن يُقارن بنصف ما عُرض وسيُعرض على لاعبي توتنهام في الوقت الحالي أو فيما مضى، بكون لاعبيه هم الأهداف الأولى لأكبر الفرق الأوروبية، لكننا على العكس نجد أن الفريق يحافظ على أكثر من 80% من قوامه الأساسي خلال فترة التطور تلك.

   

"لا يوجد عابرو سبيل في هذا الفريق، الجميع تقريبًا أتى ليبقى، كلهم مؤمنون بالمشروع الجديد ويمكنك رؤية ذلك في الطريقة التي يلعبون بها"

(المدير الفني الأسبق ِلتوتنهام "هاري ريدناب". (1))

   

أفضل مدرب بلا بطولات

يمكن لأصحاب الذاكرة القوية أن يسترجعوا التصريحات الأولى للمدرب الأرجنتيني "ماوريسيو بوتشيتينو" فور توليه القيادة الفنية لتوتنهام، لكنها لا تملك أي شيء مميز في الحقيقة، لم يصف نفسه بالـ"استثنائي" مثلما فعل "مورينيو" وقت أن تولى القيادة الفنية لتشيلسي عام 2004، ولا قرر نفي التصريح نفسه مثلما فعل "كلوب" فور وصوله إلى "ميلوود"، وَبِالقطع لم يسِر على خطى "فيرغسون" وابتعد عن اقتحام الصراع المحتدم مع أرسنال ولم يصرح عن نية إسقاط أرسنال من قمة الأندية اللندنية.

      undefined

  

الحقيقة أن أي تصريح من هذا النوع كان كفيلًا بأن يقصف عدة أقلام انهالت بالمدح على تجربة "بوتشي" مع "سبيرز" والتي بدأت ومازالت تجني الثمار منذ عام 2014. وذلك لأن كل هؤلاء، عدا كلوب، نجحوا في قلب موازين البطولات هناك، فنجح فيرغسون فعلًا في إسقاط ليفربول من قمة الهرم الإنجليزي، وأحدث مورينيو العديد من الاستثناءات، حتى السيئة منها. في حين أن ماوريسيو فشل في أن يلمس أي كأس إنجليزية أو غير إنجليزية منذ أن وصل إنجلترا أو حتى منذ أن بدأ في مسيرته التدريبية.

   

على العكس من ذلك، فإن وفقًا لِدراسة أقرتها مجلة The Economist حول مدى تأثير كل مدرب على حدة، في محاولة لإثبات أهمية المدربين لفرقهم وفقًا أو مقارنة بِإمكانيات لاعبيهم، فإن بوتشيتينو يتفوق على فيرغسون وعلى مورينيو، والأدهى أنه يتفوق على "غوارديولا" و"فينغر" كذلك. (5)

   

معيار الحكم هنا يقع على أساس رصد إمكانيات كل فريق وتوقع ما يمكن أن يقدمه خلال الموسم، وذلك بدراسة إمكانيات لاعبيه (المأخوذة من بيانات أبحاث شركة EA Sports المنتجة للعبة FIFA)، ومن هذا المنطلق يتبين ترتيب برصيد معين من النقاط لكل فريق (هامش خطأ 8 نقاط)، ثم يتم المقارنة بينه وبين النتائج الفعلية عقب كل موسم. تم ذلك خلال 15 موسم، وكانت النتيجة أن بوتشي يساعد في رفع نقاط فريقه بحوالي 2.32 نقطة خلال كل موسم، بينما كان نصيب الإسباني غوارديولا 1.85 نقطة، في حين كان فيرغسون بتأثير 2.02 نقطة عن إجمالي 15 موسم من رحلته مع مانشستر يونايتد. (5) المفاجأة كانت في رصيد فينغر مع أرسنال قبل اعتزاله، والذي كان يؤثر بالسلب على الفريق بمعدل (-0.35) نقطة في كل موسم.

      

بوتشي يتوقف في نهاية كل موسم وهو قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى النجاح، في حين أن فينغر كان ينجو في كل مرة من الفشل بأعجوبة
بوتشي يتوقف في نهاية كل موسم وهو قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى النجاح، في حين أن فينغر كان ينجو في كل مرة من الفشل بأعجوبة
     
في حب البديهيات

تحاول الأرقام دائمًا أن تنهي أي جدل مثار، لكنها في أغلب الأحيان ما تختلق جدل آخر أكبر يدور حول طريقة عرضها وتناولها، وبالرغم من أن هناك تناول بديهي دائمًا يجعل كل الأمور واضحة، كالسؤال عن الفريق الذي كان مسيطرًا على اللقاء ورقم الاستحواذ الذي يظهر عقب كل شوط وكل مباراة، لكن الجدل ما يزال يثار ويزداد معه -بالتوازي- الحب الذي نمنحه للإجابات البديهية.

  

بدون تصريحات لامعة أو رنانة، نجح بوتشيتينو بالفعل في وضع فريقه بالقرب من الكبار الستة، وِبمناطحة تصل للمنافسة على اللقب حتى في الموسم الذي لم يدخل فيه صراع الانتقالات الصيفية ولا الشتوية بالرغم من الإصابات والغيابات وغيره.

  

ولِلمصادفة، فإن السؤال حول الفارق بين ما قدمه بوتشي وبين ما قدمه فينغر في أيامه الأخيرة، طالما كانا يقبعان في نفس المراكز ويُحققان نفس الأرقام تقريبًا كان يحتاج لتناول بديهي جدًا للأرقام حتى نصل لإجابة بديهية أكثر من اللازم، أكثر حتى من أن يدركها فينغر عند سؤاله عن نفس الشيء، وهي أن بوتشي يتوقف في نهاية كل موسم وهو قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى النجاح، في حين أن فينغر كان ينجو في كل مرة من الفشل بأعجوبة.

المصدر : الجزيرة