شعار قسم ميدان

احتلال مهد كرة القدم.. هل سيطر المدربون الأجانب على البريميرليغ؟

ميدان - احتلال مهد كرة القدم.. هل سيطر المدربون الأجانب على البريميرليغ؟

الدوري الأقوى في العالم، جرعات مميتة من الحماس والأدرينالين، هذا هو البريميرليغ وهذا ما اعتدنا سماعه. المركز الأول من حيث المشاهدات، وعقود البث التلفزيوني، لكن متى شاهدت البريميرليغ يقدم لك أفضل لاعب بالعالم؟ حسنا، لا أحد منا يحب جوائز الفيفا. لنجرب شيئا آخر، متى شاهدت فريقا إنجليزيا يكتسح بطولة قارية، ويفتن الجميع بأدائه؟ تشيلسي في دوري الأبطال، ومانشستر يونايتد في الدوري الأوروبي لكن مع كثير من التحفظات.

   

السيرك الأقوى في العالم -عذرا، الدوري- استنفد كل عروضه، فاضطر لإضافة عرض بهلواني جديد. كل من لفت الأنظار في سيرك آخر مرحب به هنا في بلاد الضباب كي يُخرج للناس ما في جعبته. سنجعل الجميع يتنافسون، بمختلف مدارسهم وجنسياتهم. فأخذ البريميرليغ في استقطاب المدربين الأجانب، صغيرهم وكبيرهم، حتى وجدوا أنفسهم اليوم لا يملكون مدربين من بني بلدتهم. هل وقع ذلك الخطأ سهوا؟ أم أن الإنجليز قرروا أخيرا الثورة على مدربي المدرسة القديمة؟

   

    

الفوز الملعون

تبدأ القصة مع "تشارلز ريب" (1)، أحد ضباط سلاح الجو الملكي البريطاني، والذي حوّل اهتمامه لتحليل مباريات كرة القدم بعد تأثره الشديد بمحاضرتين عن أرسنال "تشابمان" العظيم. وفي الفترة بين عامي 1953 و1967 عكف "ريب" على تحليل 578 مباراة، من ضمنها 3 كؤوس عالم، مع منح مباريات الدوري الإنجليزي مزيدا من التركيز، وعاونه في تلك الدراسة "برنارد بنجامين"، رئيس جمعية الإحصاء الملكية.

  

أوضحت الدراسة أن 5% فقط من التحركات شملت 4 تمريرات أو أكثر، والأهم من ذلك أن 80% من الأهداف نتجت عن لعبات مكونة من 3 تمريرات أو أقل. فتوصل "ريب" إلى ما توصل إليه دييغو سيميوني في وقتنا هذا، وهو أن الاستحواذ لا يفيد، وسلسلة التمريرات المتتالية تحتاج إلى كثير من الدقة، والتي في غيابها ستعرِّضك تلك التمريرات للخطر بدلا من خصمك.

  

لم تكن إحصائيات "تشارلز" دقيقة على طول الخط، بل كانت متناقضة في بعض الأحيان، كما أوضح جوناثان ويلسون في كتاب "الهرم المقلوب". لكن ذلك لم يمنعها من التأثير على الكرة الإنجليزية وتحديدا على "تشارلز هيوز" المدير الفني للاتحاد الإنجليزي، والذي وضع نظريات مشابهة في فترة الثمانينيات.

      

 كتاب الهرم المقلوب (مواقع التواصل)
 كتاب الهرم المقلوب (مواقع التواصل)

   

هكذا نشأ أسلوب الكرات الطويلة أو اللعب الإنجليزي، وزاد تسمك الإنجليز به بعد فوز منتخب بلادهم بكأس العالم 1966، بقيادة المدير الفني "ألف رامسي"، (1) والذي كان يؤمن بالتحول السريع من الدفاع إلى الهجوم بأقل عدد من التمريرات، مفضلا 3 تمريرات بحد أقصى. وبسبب هذا الفوز الملعون علق المدربون الإنجليز في تلك الطريقة إلى يومنا هذا.

  

أزمة بطالة

في تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2013، (2) كان البريميرليغ الأقل استخداما للكرات الطويلة (يزيد مداها على 25 مترا) بين الدوريات الخمس الكبرى -إضافة إلى الدوري الهولندي- بنسبة 18% فقط. ولتستمر صدمة الإنجليز لأنفسهم، أثبتت الأرقام أن تمريراتهم للأمام كانت الأقل، ووصلت نسبتها إلى 41%، مما يعني أنهم لم يتخلوا فقط عن الكرات الطويلة، بل عن اللعب المباشر أيضا.

   

فسر التقرير ما حدث على أنه تأثير المدربين واللاعبين الأجانب. (3) لكنّ تقريرا آخر في صحيفة التليغراف أوضح أن عدد المدربين الأجانب من عام 2008 حتى عام 2016 كان 19 مدربا في 92 ناديا من البريميرليغ حتى دوري الدرجة الثالثة. فهل يعقل أن هذا العدد كان السبب وراء التخلي عن الفلسفة الإنجليزية؟

  

يبدو أن الكرة الإنجليزية علقت وسط مرحلة انتقالية، إما العودة للوراء، وإما التقدم للأمام ومواكبة التطور التكتيكي الحاصل من حولهم. ومع تمسك المدربين الإنجليز بمبادئ "تشارلز ريب"، كان لا بد من حدوث التطور على يد المزيد من المدربين الأجانب. فوصل عددهم في الدرجة الأولى فقط -هذا الموسم- إلى 15 مدربا، ولم يتبقَ من الإنجليز سوى روي هودسون – كريستال بالاس، شون دايش – بيرنلي، نيل وارنوك – كارديف سيتي، إيدي هاو – بورنموث، والأخير يمكن اعتباره من المجددين وليس من رواد المدرسة الإنجليزية القديمة.

  

   

ولأول مرة منذ ثلاثة عقود تمر أعياد الميلاد على بلاد الضباب (4) ورواد تلك المدرسة القديمة جالسون في منازلهم، سام ألاردايس، ألان باردو، مارتن أونيل، ستيف بروس، دافيد مويس، هاري ريدناب. على الأقل كان هؤلاء هم الاختيار الأول للأندية التي تقيل مدربيها وسط الموسم، لكن الأمر لم يعد كما كان، والنتائج بدأت في الظهور.

    

جرعات استحواذ زائدة

"إنها نكتة، لقد أصبح الدوري الإنجليزي محرجا"

   
هكذا كان تعليق جيمي كاراغر على مباراة الموسم الماضي بين مانشستر سيتي ونيوكاسل يونايتد على أرض الأخير. (5) بلغت نسبة استحواذ فريق غوارديولا على الكرة 83% في الشوط الأول، وانخفضت إلى 78% لحفظ ماء وجه صاحب الأرض. وصل الحال بجماهير نيوكاسل للاحتفال في المدرجات كلما لمس أحد لاعبي فريقها الكرة في نصف ملعب السيتي.

   

ولأن الطبع يغلب التطبع، لم يقبل كاراغر ما حدث، فهو ما زال يرى أن متعة دوريهم تكمن في أنه مثل كيس الملاكمة "Punch bag" تضربه فيعود إليك، في إشارة إلى رتم الكر والفر المعتاد في إنجلترا، لا أن يحبس أحد الفريقين الآخر ويحرمه من الكرة. هذه هي ضريبة استقطاب البريميرليغ مدربين من مدرسة غوارديولا نفسها. ففي موسم 2003/2004، (5) فقط 63 مباراة بلغ فيها استحواذ أحد الفريقين على الكرة 60% أو أكثر، أما في موسم 2016/2017 فكان عدد المباريات 181 مباراة.

  

لا تحتاج الأرقام إلى توضيح، لأن هذه هي أولى علامات مواكبة الموضة، والتخلص من مدربي المدرسة القديمة. لكن الخوف أن تضطر أندية وسط وأسفل الجدول إلى العودة من جديد إلى الكرات الطويلة، بعد استنفاد جميع الحلول أمام هيمنة أندية القمة، لكن أيًّا كانت الحلول التكتيكية، فإنهم سينتظرونها من جيل جديد من المدربين المحليين، والذي قد يتمكّنون من إنتاجه إذا ما اتبعوا النموذج الألماني على سبيل المثال.

 

التجربة الألمانية
المدربين الألمانيين
المدربين الألمانيين "يورغن كلوب" و "توماس توخل" (وكالة الأنباء الأوروبية)

  

بعكس إنجلترا، فإن الأندية الألمانية توفر للمدربين الشباب المحليين بيئة أفضل للتعلم، وتمنحهم فرصة تسلق السلم. حيث يبدأ المدرب عمله في أكاديمية النادي، (6) والتدرج ضمن الفئات العمرية المختلفة، ومن ثم قد يُمنح فرصة تدريب الفريق الأول، والاختيار من داخل النادي يمنحه مزيدا من الاستقرار، ويساعده على فرض أسلوب لعب موحد بين الفريق الأول والأكاديمية. ومع توافر الميزة الأهم اقتصاديا، التوفير.

   

على الجانب الآخر، استغل المدربون الألمان الفرصة في تطوير أنفسهم على الجانبين الفني والشخصي، ولم يكتفِ معظمهم بخبرته كلاعب أو بالدورات التدريبة فحسب، بل أصبحوا من خريجي العلوم الرياضية، (7) ويجيدون اللغة الإنجليزية. 

    

  

ليس من المرجح أن تُحاكي إنجلترا النموذج الألماني في القريب العاجل؛ لأن ملاك الأندية لن يعبأوا بذلك، وما يشغلهم فقط هو تقديم ما يُفضّل الجمهور رؤيته، واستمرارهم بعيدا عن مناطق الهبوط. وحتى يتغير ذلك، سيظل مدرب نادي بورنموث "إيدي هاو" هو الوحيد القادر على قلب الأمور لصالح المدرب المحلي، إذا تمكّن من قيادة فريق كبير في المستقبل. وإذا ما حدث ذلك، سيتدخل كبرياء الإنجليز من جديد، ويقودهم لإجلاء ذلك الاستعمار.

المصدر : الجزيرة