شعار قسم ميدان

أسطورة الهدف الخارجي.. هل يحق لغوارديولا أن يضرب يورينتي؟!

ميدان - غوارديولا ويورينتي

الزمان: الأربعاء 17 أبريل 2019. المكان: ملعب الاتحاد – مانشستر. الحدث: إياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا بين مانشستر سيتي وتوتنهام هوتسبر. الذهاب انتهى بفوز الأخير 1-0، 73 دقيقة أسفرت عن النتيجة النهائية للقاء الإياب (4-3)، ومنذ تلك الدقيقة التي سجل بها فيرناندو يورينتي ثالث أهداف السبرز، زادت استماتة الضيوف في الدفاع على نحو كبير. الوقت بدل الضائع على وشك النهاية ورحيم سترلينغ يسجل خامس أهداف سيتي، ولكن تقنية الفيديو تخسف الأرض بأحلام الجميع، وبين احتفال بيب غوارديولا المهول وسقوطه المسرحي، الكثير من الأمور قد تغيرت في ثوانٍ معدودة.

  

الأمر لا علاقة له بتقنية الفيديو، لأنها ببساطة أرست العدالة التي نريد رؤيتها في الملاعب، صحيح أنها كانت قاسية للغاية على مشاعر مشجعي سيتي، ولكنه كان دورهم تلك المرة، وسيأتي الدور على غيرهم ما دام هناك ما نعود إليه للتثبت من صحة القرارات التحكيمية.. ماذا كان ليحدث بدون "الفار"؟ لا شيء، مانشستر سيتي يمر ثم تكتشف منصات التحليل وجود التسلل، لتحتكر تلك الجدالات كل المساحة الممكنة حتى تنتهي البطولة، ولو توج بها أزرق مانشستر في نهاية المطاف فلن تنقطع تلك الأحاديث أبداً، ولكن كل الشكر للتكنولوجيا، بات لدينا أمر مغاير لنتحدث عنه.

    

  

لماذا؟

هل سألت نفسك لماذا يهاجم سيتي بضراوة ويدافع توتنهام باستماتة في حين أن النتيجة تشير إلى تعادل الفريقين بمجموع المباراتين 4-4؟ سؤال ساذج أليس كذلك؟ أي طفل قادر على إجابته، السماوي لم يسجل في ملعب السبرز، العكس هو ما حدث، وبالتالي قاعدة الهدف الخارجي ستقوده للتأهل، ولكن ليس هذا ما سألنا عنه، أبعد القاعدة جانباً ولنجرب مجدداً، لماذا يهاجم أحد الفرق ويدافع الآخر حال تساويهما في عدد الأهداف المسجلة؟ ألا يبدو الأمر ظالماً بشكل أو بآخر؟

   

لماذا يعتبر أصلاً التسجيل خارج الأرض ميزة تمنحك التأهل؟ ما هو الفارق بين ملعبك وغيره في عملية التسجيل؟ هل المرمى هناك أضيق؟ يمكنك أن تراوغ لاعبي الخصم وزملائك أيضاً ثم تسجل هدفاً خرافياً فيُحتسب كهدف، ويمكنك أن تُطلق تسديدة طائشة لا علاقة لها بالمنطق فينتهي بها الأمر مصطدمة بأربعة لاعبين في الطريق ثم تستقر في الشباك أثناء قضاء الحارس لحاجته خلف المرمى، هذا سيُحتسب كهدف واحد والآخر نفس الشيء، هذا مفهوم، مجرد اجتياز الكرة بأي طريقة من أي وضعية قانونية كانت هو التعريف الحرفي لكلمة "هدف" في كرة القدم، ولكن ما علاقة الأرض التي تسجل عليها بالأمر أصلاً؟

   

يويفا بدأ يفكر في الأمر بالفعل في فبراير الماضي، لأنه على حد قول جورجيو ماركيتي مدير المسابقات فإن "التسجيل خارج الأرض لم يعد بنفس صعوبته في الماضي". لا نعلم ما الذي سيحدث بالطبع في ظل ثورة التعديلات المتتالية في عالم الكرة، ولكن للأمر جانب كبير من المنطق هنا. في السابق ربما كان السفر مرهقاً، ربما كان هناك بعض الملاعب المزعجة دائما، لا يزال منها البعض بالطبع ولكن بدرجات أقل، ولكن لنأخذ ليونيل ميسي في المباراة المرتقبة ضد ليفربول كمثال، من سيقدر على إيقافه؟ أفكار يورغن كلوب وتنظيم فريقه أم أرضية أنفيلد؟!(1) 

    

فيرناندو يورينتي (رويترز)
فيرناندو يورينتي (رويترز)

     

هذا ما وجدنا عليه آباءنا

قاعدة عمرها 55 عاماً، وكما يقولون فهي مكافأة للفريق الذي ينجح في الأصعب، والتسجيل خارج الأرض هو الأصعب، ولكن هنا قد تكمن المشكلة، كوننا نتعامل مع تلك المسألة باعتبارها من المسلمات، وبالتالي لم نلتفت إلى مدى سخافتها. الهدف الخارجي ما هو إلا نتاج التفكير في طريقة لحسم المباريات بشكل أسرع لوقف مسألة المباريات الفاصلة حال التعادل، ونظراً لمدى ضيق الجداول الأوروبية خاصةً لدى الكبار في الوقت الحالي، ومع الاقتحام المتكرر للتوقفات الدولية تصبح العودة إلى المباراة الفاصلة من المستحيلات، ما الذي سيحدث أصلاً إن انتهت المباراة الفاصلة بالتعادل؟

   

كتسلسل منطقي قادت تلك الأمور لظهور الوقت الإضافي والهدف الذهبي وما إلى ذلك وصولاً بالطبع إلى واحدة من أسخف القواعد على الإطلاق "ركلات الترجيح"، تخيل جهد 210 دقيقة ذهاباً وإياباً وبالوقت الإضافي ينتهي به الأمر معلقاً بـ5 ركلات لعينة تعتمد على التوقع والتوفيق دون أي دخل للحسابات التكتيكية؟ ولكن إن نظرت للجانب الآخر فهي الحل الوحيد الذي يمنع استمرار اللعب إلى قيام الساعة لذلك ستظل مبررة بشكل أو بآخر، هي تطور كبير لفكرة "القُرعة" الأكثر سخافة في الماضي، والوصول إليها بحد ذاته يعتبر اعترافاً بتكافؤ الفريقين الكامل على صعيد النتيجة، بكلمات أخرى: تركناكم تلعبون طوال ذلك الوقت فلم تخرجوا لنا فائزاً، حظاً موفقاً.

   

تلك هي ركلات الترجيح التي لا نصل لها في أغلب الأدوار الإقصائية لدوري أبطال أوروبا عدا النهائي، لماذا؟ لأن أحدهم سجل هدفاً أكثر في ملعب الآخر، هذا بمثابة أن يكون (أ) على خلاف مع (ب)، فيذهب إلى بيته أو الحي الذي يسكنه وسط عائلته وجيرانه ثم يصفعه على وجهه أمام الجميع، في صراعات الشوارع قد يكون هذا انتصاراً كبيراً يدعو للفخر، أو مقياس إما لقوة كبيرة للغاية وإما لجنون منقطع النظير.. المكافأة هنا على قدر الخطر والعواقب، لأنه بالتالي يمكن لعائلة (ب) وجيرانه أن ينهالوا على (أ) باللكمات والطعنات وما إلى ذلك، بالتالي يستحق (أ) ما سيناله من المدح كونه سدد تلك الصفعة وهو على علم أنه قد لا يعود حياً. ولكننا حين تفقدنا الوضع مؤخراً تبيَّن أن الهدف هو مجرد هدف طالما أن جماهير مانشستر سيتي لا يمكنها النزول لضرب لاعبي توتنهام. 

     

     

ماذا لو؟

ما دمنا نتحدث عن الآثار السلبية الواضحة لتلك القاعدة، مقابل إيجابياتها المتعددة مثل توفير مجموع 40 دقيقة إضافية عن كل تعادل في نتيجة المباراتين، فإن لدينا عشرات الأمثلة التي كان من الممكن أن تتغير تماماً لو لم تكُن تلك القاعدة قائمة حتى الآن، أو بكلمات أخرى، عشرات من الأوقات الإضافية التي لم تُلعب لمجرد أن أحدهم قد وجد طريقه لشباك الآخر خارج الديار.. آرسنال مثلاً ظل لقرابة 8 أعوام يبحث عن هدف واحد طوال الوقت، وعلى ذكر آرسنال، هل هناك شخص أفضل من آرسين فينغر ليخبرنا برأيه هنا؟

   

"أعتقد أن الوزن التكتيكي للهدف الخارجي بات كبيراً للغاية. الفرق تحصل على تعادل سلبي في ملاعبها وتخرج سعيدة. بدلاً من أن يكون له أثر إيجابي، لقد ذهب الأمر بعيداً على الصعيد التكتيكي في الكرة الحديثة فبات له أثراً معاكساً لما كان ينبغي أن يكون في البداية. إنه يصب في صالح الدفاع الجيد حين تلعب على أرضك".(2)

   

بالظبط.. المشكلة ليست في كم المباريات التي لم تكتمل، بل في كيفية الوصول إلى هذا الموقف واستغلال بعض الأندية له على الدوام كجزء لا يتجزأ من الاستراتيجية، خاصةً لدى الفرق ذات الطرق الدفاعية. التغيير الذي نتحدث عنه ليس مجرد أن فلانا كان ليتأهل بدون تلك القاعدة، بل تغيير كامل في شكل المباراة والتحضير لها والمقاربة التكتيكية لكلا المدربين. فبدلاً من أن تصبح تلك القاعدة دعماً لمحاولة التسجيل خارج الديار قدر الإمكان، أدارت وجهها الآخر وصارت ذريعة لحماية المرمى داخلها، فباتت نظافة شباك الفرق على ملاعبها هي الأولوية، وحين لا يصبح الهدف الرئيسي هو تسجيل الأهداف بل منع الخصم عن تسجيلها في لعبة قليلة الأهداف –أو النقاط مقارنةً بالألعاب الأخرى – بالفعل، هذا يعني أننا نُدين لتلك القاعدة بعشرات المباريات المملة التي اضطررنا لمتابعتها في الأدوار الإقصائية.

    

أمور مثل عامل الأرض والجمهور والاعتياد هي فجوات وجدت في بعض الأزمان، ولكنها تواصل التقلص في العصر الحالي لكرة القدم مع استمرار عجلة التقدم، لماذا نلعب في 2019 بقوانين السبعينات؟ ما هو جوهر فكرة لعب الإقصائيات ذهاباً وإياباً؟ أن ينال كل فريق فرصة اللعب على ملعبه حرصاً على تكافؤ الفرص، فأي تكافؤ هذا الذي يقلب الطاولة رأساً على عقب لمجرد أن الهدف المُقدَّر لأحد الفرق قد وقع على ملعب الخصم بدلاً من ملعبه أرضه؟ إنها فرصة تاريخية في خضم التحولات الجارية، وما دمنا نجني ثمار بعضها بالفعل مثل الفيديو، فلمَ لا؟

المصدر : الجزيرة