شعار قسم ميدان

كريستيانو رونالدو.. الممل الذي عجز الجميع عن إيقافه

MADRID, SPAIN - FEBRUARY 20: Cristiano Ronaldo of Juventus warms up before the UEFA Champions League Round of 16 First Leg match between Club Atletico de Madrid and Juventus at Estadio Wanda Metropolitano on February 20, 2019 in Madrid, Spain. (Photo by Gonzalo Arroyo Moreno/Getty Images)

"بعد انتهاء إحدى الحصص التدريبية، دعاني لتناول الغداء في منزله، لكن الأمر لم يكن كما توقعت. عندما وصلت لم أجد سوى قطع الدجاج، وسلطة، وفقط الماء، حتى العصير لم يكن متاحا. انتهينا، فدعاني للخروج إلى حديقة المنزل واللعب بالكرة من لمستين (استلام ثم تمرير). انتهينا، فعرض عليّ أن نسبح قليلا ثم منه إلى الجاكوزي، فقلت له لماذا لم نبقَ في مركز التدريب؟". (1)

 

هذا الموقف الطريف، الذي يصلح لأن يكون مشهدا كوميديا، هو ما حدث مع الفرنسي باتريس إيفرا عندما دعاه زميله كريستيانو رونالدو إلى الغداء أثناء وجودهما في نادي مانشستر يونايتد، وهي قصة مكررة قد تكون سمعت مثلها الكثير في إطار الاحترافية الزائدة عن الحد التي يعيشها رونالدو خارج الملعب.

 

حوّل اللاعب البرتغالي حياته إلى روتين منظم يتكرر دون ملل، والمشكلة ليست هنا، المشكلة تكمن في أن أهداف رونالدو أصبحت تتبع روتينا شبيها. فأنت تشاهد المباراة وأنت تعلم أن رونالدو سيحرز هدفا من ضربة رأسية، سيرتقي إليها قبل المدافع، والمدافع نفسه يعلم ذلك أيضا، لكن يبدو أن لا أحد بإمكانه التصرف حيال ذلك. ما الذي يجعل رونالدو أسبق من الجميع؟ الإجابة تكمن في تفاصيل تحوله من نسخة كواريزما إلى نسخة فيليبو إنزاجي. 

   

   

نعم للتخصص.. لا لـ "روني"

لعلك تتساءل: لماذا واين روني؟ نحن لا نتحدث عن ريكاردو كواريزما الذي حظي بمئات المقارنات مع كريستيانو، فقط على يوتيوب. أما الهداف التاريخي لمانشستر يونايتد فقد حظي بمسيرة رائعة في أوروبا، هو لم يكن سيئا حتى نتجنب مصيره. لذا فالمقارنة هنا ليست بغرض إبراز أفضلية أحدهما على الآخر، بل لتوصيف تفصيلة صغيرة في مسيرة كل منهما جعلت روني بعيدا عن المقارنة برونالدو.

   

بدأ الثنائي مسيرته من النقطة نفسها تقريبا، حيث استعان بهما السير أليكس فيرغسون في مطلع الألفية لتجديد دماء خط هجوم الشياطين الحمر. بدا للبعض أن الفتى الذهبي للإنجليز واعد أكثر من زميله البرتغالي، فقد جاء من إيفرتون محملا بكراهية ليفربول -خصم مانشستر يونايتد التاريخي- وأظهر ما يكفي من القوة البدنية والاندفاع والجدية، بينما اكتفى زميله البرتغالي بالمراوغة والاستعراض.

       

   

عندما وصل روني إلى سن الـ 22، كان في رصيده 59 هدفا في البريميرليغ، بينما اكتفى رونالدو بـ 33 هدفا. مسيرة روني كانت متفجرة في بدايتها، حتى إنه امتلك معدلا تهديفيا أعلى من ليونيل ميسي في خمس السنوات الأولى من مسيرة كل منهما. كل هذه الحقائق ذكرها مقال لصحيفة التليغراف البريطانية عندما أتم واين روني عامه الثلاثين (2)، متسائلين عن سبب انحدار مسيرته مقارنة بتلك البداية الواعدة، ومقارنة أيضا برونالدو. تركزت التكهنات حول الفارق بين أسلوب حياة كلٍّ منهما خارج الملعب، أو الجانب البدني الذي جعل رونالدو أقل عرضة للإصابات، أو أن البقاء مدة طويلة داخل الدوري الإنجليزي قد يستهلك اللاعب بدنيا وذهنيا أسرع من باقي الدوريات.

   

لكن يمكن اختصار ما حدث في أن روني لم يكن فقط مجرد رأس حربة، بل كان يجيد اللعب في كل مراكز الهجوم، ووصل به الأمر للتراجع إلى خط الوسط، لأنه كان جيدا في الدفاع أيضا. يمكن القول إنه لم يتخصص في شيء، فنال تقديرا ما بين "جيد" و"جيد جدا" في عدة مهام. أما بالنسبة إلى رونالدو، كان الحال معكوسا؛ فمن الجناح الصريح وإرسال العرضيات، إلى مهاجم صريح بدرجة "امتياز" في إنهاء الهجمات.

   

الأولويات

عند البحث وراء ذلك التحول في دور رونالدو، فمن المفترض أن نذهب وراء دور مدربيه السابقين، خاصة السير أليكس فيرغسون، وجوزيه مورينيو. لكننا نصطدم بتصريح لكريستيانو في أحد اللقاءات يقول: "بسبب تقدمك في العمر، عليك أن تغير بعض الأشياء. هذا لا يعني أنني لم أعد قادرا على الركض بالكرة والمراوغة "dribbling"، لكنني قبل ست أو سبع سنوات تحديدا أدركت أن الأهم هو الفوز ومساعدة الفريق بإحراز الأهداف؛ لذا قررت تركيز طاقتي على مساعدة الفريق عن طريق التسجيل". (3)

   

قرر رونالدو طواعية أن يقضي على نسخته التي أحبها الجميع؛ لأنه رأى أن المراوغة ستستَهلك طاقته فيما لا يفيد. في موسم 2010/2011 كان كريستيانو يحاول المراوغة بمعدل 5.16 للمباراة، ثم ارتفع الرقم في الموسم الذي يليه إلى 5.27. ويبدو أن الرقم بدأ في الانخفاض عند اللحظة التي شعر فيها كريستيانو بتداخل المهام، فوصل إلى 3.63 محاولة مراوغة للمباراة في موسم 2014/2015، وظل من بعدها محافظا على المعدل نفسه أو أقل. (4)

      

   

كان موسم 2014/2015 هو موسم التحول، عدد لمسات أقل، وأهداف أكثر. ففي هذا الموسم كان يركض بالكرة مسافة 228 ياردة في المباراة الواحدة، بينما في أول مواسمه بالليغا كان الرقم 385 ياردة، وكذلك معدل لمسه للكرة انخفض من 58.01 إلى 47.7 لمسة في المباراة. انتهى هذا الموسم بإحرازه 48 هدفا بالليغا، منها 41 هدفا من لمسة واحدة، ليتحول إلى "إنزاجي" رسميا. (5)

   

كان لاعب سبورتنج لشبونة السابق واضحا في تحديد أولوياته، وبات أكثر تركيزا على الثلث الأخير ومنطقة الـ 18. لمساته بعيدا هي فقط لمساعدة زملائه على تدوير الكرة، في انتظار المساحة أو الكرة العرضية، لهذا كان مرتاحا لوجود كريم بنزيما أكثر من جمهور الريال نفسه. لكن يبقى السر في التكنيك الذي ينتهجه رونالدو لخداع المدافعين في كل مرة.

      undefined

    

undefined

    

undefined

    

الجانب الأعمى

طالما أصبحت مهاجما، فعليك أن تتحرك مثلهم، بل أفضل. بينما يكون المهاجم مُركّزا على إحراز الهدف، يكون المدافع مشغولا بأكثر من ذلك؛ مراقبة الخصم، ومتابعة الكرة، وفي الوقت نفسه إدراك المساحة التي يدافع عنها وكذلك تمركز بقية أفراد الدفاع، ثم يزداد الوضع سوءا عندما يصبح المهاجم خارج نطاق بصره، وهو ما يسمى بالتمركز في الجانب الأعمى (Blind Side).

   

يحاول رونالدو الحصول على الأسبقية دائما بهذه الطريقة؛ التحرك من خلف المدافع، أو لنكن أكثر دقة، فهو لا يجعل نفسه في نفس مجال رؤية المدافع للكرة. لو كان رونالدو أمام المدافع فإن مجال رؤية المدافع سيرصد رونالدو والكرة معا. أما إذا كان رونالدو خلفه، فعلى المدافع توزيع نظراته بين متابعة الكرة ومتابعة اللاعب البرتغالي، الذي يحصل على الأسبقية ولو لأجزاء من الثانية في انتظار العرضية أو التمريرة.

   

حسنا، ستخبرنا الآن أن هنالك العديد من مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب للويس سواريز، وإدينسون كافاني -على سبيل المثال لا الحصر- يتبعون النهج نفسه في التحركات، فما الذي يميز رونالدو؟ لا تنسَ أننا ما زلنا نتحدث عن جناح، حتى لو كان متقاعدا. خفة الحركة، وتغيير الاتجاهات، ذلك الـ "Foot Work" الذي امتاز به مع الكرة، بات يؤديه بدونها وبشكل أكثر بساطة. ومن هنا ننتقل إلى رونالدو "الآلة".

       

   

رونالدو المانيكان

إلى هنا نصل إلى أكثر ما يتباهى به رونالدو؛ جسده. اللاعب الفائز بخمس كرات ذهبية حوّل نفسه إلى آلة، أو "موديل"، أيهما أقرب. تم تحليل الأداء البدني لكريستيانو في فيلم وثائقي عُرِض على قناة الجزيرة الرياضية -سابقا-  (6) بعنوان "The Machine". أوضح الفيلم ما يملكه رونالدو من قوة انفجارية في قدميه، فكانت ردود فعله وسرعة انطلاقته أسرع من الجميع.

    

وآخر بعنوان "Tested to the limit" تم تصويره في عام 2011، حيث تم اختبار قدراته البدنية تحت إشراف مختصين بالعلوم الرياضية (7). قطع نجم يوفنتوس مسافة 25 مترا في 3.61 ثانية، أبطأ بـ 0.3 ثانية من عداء محترف. كما استطاع القفز حتى ارتفاع 78 سم، وهو رقم أعلى من متوسط لاعبي الـ "NBA" 71 سم.

       

View this post on Instagram

The feeling of waking up like this @pestanacr7

A post shared by Cristiano Ronaldo (@cristiano) on

   

وصل رونالدو إلى درجة أقرب إلى الكمال؛ فباتت تُشكّل عضلاته 50% من كتلة جسده، ومع نسبة دهون تصل إلى 7% فقط، أصبح صاحب الثلاثة والثلاثين عاما أقرب إلى أوائل العشرينيات (8).

  

وليصل رونالدو إلى هنا، كان عليه الاهتمام بكل تفاصيل حياته وعدم الاكتفاء بالتدريب الشاق. وبجانب النظام الغذائي الصارم، تعاون مع المدرب "نيك ليتلهاليس" لتعليمه الطريقة المثلى للنوم (9). نعم، ما قرأته صحيح، الرياضي عليه الاستفادة من كل شيء، ولم يكن كريستيانو هو الوحيد الذي تعلم كيف ينام، بل هنالك العديد من الرياضيين فعلوا المثل بالتعاون مع "نيك".

     

لم يترك رونالدو تفصيلة إلا واهتم بها، حتى مسألة الأفضل؛ فهو لا يمل من الإعلان مرارا وتكرارا بأنه الرقم واحد. لهذا شعر البعض منا بالملل؛ الملل لم يأتِ بسبب تلك الاحترافية الزائدة أو بسبب أهدافه المكررة، لكنه أتى من تلك المقارنة. إن كنت تكره رونالدو، فأنت حتما تحترم رحلته. وإن كنت من مشجعيه فحتما عليك أن تتساءل: ألم تكن نسخة رونالدو – مانشستر أحق بالمقارنة مع ميسي؟ أم نسخة "إنزاغي" تلك؟

المصدر : الجزيرة