شعار قسم ميدان

عودة إلى المستقبل.. ماذا لو جرد بايرن ميونيخ دورتموند من أهم أسلحته؟

ميدان - تصميم رئيسية رياضة

بعد الهزيمة المذلة على يد باريس سان جيرمان بثلاثية نظيفة في دوري أبطال أوروبا موسم 2017-2018، خرج "كارل هاينتس رومينيجه"، المدير التنفيذي للنادي البافاري، ليخبر الجميع بأن هذا ليس بايرن ميونيخ الذي نعرفه. وعليه ستتم التضحية برأس الجهاز الفني، الإيطالي "كارلو أنشيلوتي" والاستعانة بالموثوق "يوب هاينكس" لإنقاذ الموسم. في النسخة التالية من البطولة نفسها، تكررت الإهانة من جديد، وهُزم البايرن على يد ليفربول في ملعب الأليانز أرينا دون أي مقاومة. ولأن "هاينكس" لم يعد متاحا، بقي الوضع كما هو عليه، واستمر المدرب الحالي "نيكو كوفاتش" في منصبه.

   

بالنسبة للجماهير الألمانية، يُمثّل بايرن ميونيخ حالة مملة من النجاح الممزوج بالجشع والطمع، قامت على إضعاف منافسيه، أما بالنسبة لمشجعيه، فهو الكبير الذي يحقد الجميع عليه. لكن إمبراطورية الشر تلك أخذت تضعف شيئا فشيئا، حتى بات النادي بلا هوية. ولولا واقعة تشابه الأسماء تلك، لما كنا الآن نتحدث عن كل هذه التوابع.

     

 

تشابه أسماء

بدأت القصة في عام 2008، حينما كان نادي مقاطعة بافاريا يبحث عن مدرب جديد. أحد المرشحين كان مدرب ماينز الشاب، اسمه الأول "يورغن" واسمه الثاني يبدأ بحرف "الكاف"، يتذكره معظم متابعي البونديزليغا في تلك الفترة بلقطاته مع النجم المصري ولاعب ماينز السابق "محمد زيدان". ورغم تركه لماينز في دوري الدرجة الثانية، فإن قدرات المدرب الشاب التدريبية كانت لافتة للأنظار. تواصلت معه إدارة بايرن ميونيخ، وفي الأمتار الأخيرة، وقع الاختيار على مدرب آخر اسمه الأول "يورغن" واسمه الثاني يبدأ بحرف "الكاف" أيضا؛ "يورغن كلينسمان" (1). وكأنها حادثة تشابه أسماء أوقعت إدارة البايرن في فخ ستندم عليه لاحقا.

 

"لقد هنأت أولي هونيس عندما أخبرني، وقلت له إن كلينسمان اختيار جيد". (1)

  

بهذه الكلمات تجاوز كلوب ما حدث ليجد نفسه بعد ذلك مدربا لبروسيا دورتموند حيث سيصبح ثاني مدرب بتاريخ الدوري الألماني يفوز بلقبين متتاليين في نادٍ غير البايرن (بعد أوتمار هيتسفيلد مع دورتموند، موسمي 1994-1995، 1995-1996) (2). وأضاف إلى ذلك هزيمة تاريخية للبافاري في نهائي الكأس في 2012 بنتيجة 5-2 (3)، ليقرر بعدها البايرن كسر أرقام تعاقداته، وتفريغ بروسيا دورتموند من نجومه عاما بعد عام، ثم التعاقد مع بيب غوارديولا، انتقاما من كلوب وفريقه.

     

تخيل لو كانت إدارة البايرن استقرت على اختيار "يورغن كلوب" مدربا للفريق. شخصية كلوب مع قيمة البايرن الاقتصادية كانت كفيلة بصنع حقبة مليئة بالإنجازات، والأهم أنها ستكون أكثر استقرارا. طريقة لعبه التي تميل للضغط العالي ويغلب عليها الطابع البدني واللعب المباشر كانت ستجد طريقها لقلوب الألمان أسهل من فلسفة الاستحواذ التي حاول غوارديولا إقناعهم بها، والأهم من ذلك أن البايرن كان سيسلب دورتموند أهم أسلحته، بدلا من صراع الهوية الذي يعيشه النادي الآن.

     

 يورغن كلوب (رويترز)
 يورغن كلوب (رويترز)

    

كل الطرق تؤدي إلى المتاهة

مهما كانت هوية المدرب فإن النادي البافاري لا يتوقف عن هيمنته المحلية، لأن مداخيله ونفوذه تفوق الجميع بمسافة ليست بالقصيرة. فقط بعض الكبوات العابرة، لم تمنعه من تحقيق الدوري بعدد ألقاب يفوق ثلاثة أضعاف النادي الذي يليه. (4) بعد واقعة تشابه الأسماء تلك، تلا كلينسمان يوب هاينكس حتى نهاية الموسم، ثم تحول النادي من المدرسة الألمانية إلى الهولندية بقيادة مدرب برشلونة السابق لويس فان خال، ومنه إلى يوب هاينكس من جديد، والذي حقق الثلاثية التاريخية في 2013.

   

انتقل بعدها البايرن إلى مرحلة جديدة بتعيين بيب غوارديولا مدربا للفريق. التحول إلى أسلوب غوارديولا الجذاب، والمائل إلى الاستحواذ والسيطرة على الخصوم، كان خيارا جيدا بعد الفوز بالثلاثية. وبعد ثلاثة مواسم اختلف على تقييمها الكثيرون، وصل الفريق إلى مرحلة متقدمة في تطبيق أفكار مدرب مانشستر سيتي الحالي، لكن بيب قرر تغيير الأجواء، وقررت الإدارة تغيير المدرسة والعودة للمربع صفر. (5)

      

    

لا توجد علاقة بين كل مدرب وسابقه، وإن اجتمعوا على بعض من أفكارهم. لا أحد يدري فيما تفكر الإدارة بشأن هوية فريقها، فأصبح الأمر مربكا. وبما أن الفريق ما زال يفوز محليا، فلن يلاحظ أحد تأثير وجود الفريق داخل هذه المتاهة.

 

مراكز القوى الجديدة

تغيُّر الأفكار التكتيكية أضاع هوية الفريق تماما. والأسوأ من ذلك، أن هذا التغير لم يصحبه تغيّر في عناصر الفريق. فوفقا لتقرير موقع "the ringer" فإن متوسط أعمار تشكيلة بايرن ميونيخ بين عامي 2009 و2016 كان 26.3 عاما، وفي المواسم الثلاثة الأخيرة وصل إلى 28 (6). تأخر الفريق كثيرا في عملية الإحلال والتجديد، ويمكنك أن تلاحظ مشاركة 4 لاعبين فقط تحت سن الثلاثين في 70% فأكثر من الدقائق المتاحة، وهم نيكولاس زوليه، وكيميتش، وألابا، وتياغو ألكانتارا.

      

   

افتقد الفريق لشخصية القائد الهادئ، وحوّلت الفوضى عناصر الخبرة إلى مركز جديد للسلطة. اعتادت إدارة النادي البافاري على التدخل في بيع وشراء اللاعبين، والتعليق على أداء الفريق ومدربه، وكانت النتيجة المنطقية منح اللاعبين مزيدا من النفوذ. وبعد أن تذمروا من طريقة لعب غوارديولا، وتدريباته المجهدة، أظهروا ارتياحهم للإيطالي أنشيلوتي.

   

مدرب ميلان السابق معروف بعلاقته الجيدة مع اللاعبين ومنحهم مزيدا من الحرية، الأمر الذي دفع توماس مولر للإشادة بطريقته في معاملتهم ووصف تدريباته بالممتعة (7). ولأن الأيام الوردية لا تدوم طويلا، انقلب اللاعبون الكبار عليه، وفي مقدمتهم مولر. (8) في النهاية قررت الإدارة أن توكل مهمة إصلاح كل ما سبق للمدرب الكرواتي قليل الخبرة "كوفاتش"، حتى يتسنى لهم التدخل في كل صغيرة وكبيرة إلى جانب الاهتمام بأمور "البيزنس" الجديد لأندية القمة.

     

   

الجشع في أبهى صوره

كل ما سبق يوضح سوء التخطيط الإداري والفني، والذي كلّف النادي تراجع مكانته أوروبيا دون وجود أي دلائل على استعادة تلك المكانة قريبا. وحتى تكتمل الصورة، تقدم لنا إدارة البايرن دافعا جديدا للجمهور الألماني لكراهية النادي أكثر مما هو مكروه. وكأن خطف نجوم دورتموند، وواقعة التوقيع مع ماريو جوتزه قبل نهائي دوري الأبطال 2013 لم تكن كافية.

   

وفقا لتسريبات صحيفة "دير شبيجل" الألمانية، فإن بايرن ميونيخ رفقة 10 نوادٍ أخرى (ريال مدريد – برشلونة – باريس سان جيرمان – يوفنتوس – ميلان – قطبا مانشستر – تشيلسي – أرسنال – ليفربول) قرروا تكوين مسابقة جديدة تجمع كبار أوروبا تسمى بـ "European Super League"، والمزمع انطلاقها في 2021 (9). بدأ محامي النادي البافاري بالفعل بالبحث عن الإجراءات القانونية المتبعة إذا ما أراد النادي مغادرة الدوري الألماني، وعن كيفية انضمام لاعبيه إلى منتخباتهم. (10)

     

  

سارعت إدارة البايرن بالنفي (12)، كما فعلت بقية الأندية المعنية. لكن بعد فترة اتضح أن الأمر لم يكن خيالا من وحي التسريبات، حيث أقرت رابطة الأندية الأوروبية (ECA) في آخر اجتماعاتها ببدء المحادثات حول تغيير منتظر في نظام دوري أبطال أوروبا في 2024؛ ارضاء للكبار. (11)

   

لو أصر الجميع على وضع التسريبات في إطار الإشاعات، فإن الأمر لا ينفي نية الجشع المتزايد لدى الأندية الكبيرة، وعلى رأسها بايرن ميونيخ، الذي انتقل من مرحلة تفريغ مواهب ألمانيا والسيطرة المحلية إلى مشروع متراجع فنيا يبحث عن مزيد من الأموال. الفريق في طريقه ليصبح باريس سان جيرمان جديدا، أسد في بلاده ونعامة خارجها. وبما أن القواعد في ألمانيا تضع 51% من أسهم النادي في يد الجمعية العمومية من الجماهير، فإن جماهير البافاري لن تقبل بذلك، وستتمنى لو كانت الإدارة قد اختارت "يورغن" الصحيح بدلا من كل ذلك.

المصدر : الجزيرة