شعار قسم ميدان

مانشستر يونايتد.. هل يحاول سولشاير إقناعك بأنه فيرغسون؟

ميدان - سولشاير وفيرغسون

نعرف جميعا بشأن المشاريع التي تتطلب بعض الوقت حتى تؤتي ثمارها، تاريخ مانشستر يونايتد يخبرنا الكثير عن الفارق الزمني بين تعيين سير أليكس فيرغسون عام 1986 وبين أول ألقاب الدوري والذي حققه عام 1993، ولكن هنا لا يمكنك الرهان بالطريقة نفسها لسببين: الأول هو المرشح نفسه، من هو أولي غونار سولشاير كمدرب حتى نمنحه ثقة مشابهة؟ والثاني هو تلك الإدارة بلا شك، ما الذي يدفعك أصلا للثقة بأيٍّ من خطواتها؟

بداية التحركات لم تكُن بالجودة الكافية التي توفر تلك الثقة من الأساس، فأي شخص على درجة كافية من الإلمام بما يدور في عالم الكرة يحق له أن يستغرب تفضيل مدرب قليل الخبرة على مرشح بحجم ماوريسيو بوتشيتينو لمجرد كونه لاعبا سابقا في النادي، هذه واحدة، فكلما أعدت الشريط للوراء رأيت المزيد والمزيد.

شريط الفوضى
undefined

قرر فيرغسون الاعتزال في صيف 2013، بعد ما يفوق ربع قرن على عرش قلعة أولد ترافورد يحق للرجل السبعيني أن ينال بعض الراحة، في النهاية هو لن يعيش للأبد. قبل رحيله أوصى بمرشح معين، مواطن اسكتلندي آخر في عمر مقارب لعمره حين بدأ رحلته التاريخية مع الشياطين الحمر، ولكن هل يمكن استنساخ التجارب بتلك السهولة حقا؟

في النهاية هذا ما يحدث حين تشغر لديك وظيفتان دفعة واحدة فتملأ فراغ واحدة بشخص أقل كفاءة وتترك الثانية شاغرة حتى اليوم. فيرغسون لم يكن مجرد مدرب، بل مدرب ومدير رياضي في آنٍ واحد ناهيك ببقية الأدوار التي كان يمارسها كلما لزم الأمر، الرجل لم يكن يملك هذا النفوذ الطاغي في النادي، بل وخارجه أحيانا، من فراغ. كنتيجة حتمية، حطم مانشستر يونايتد دفعة كبيرة من الأرقام السلبية تحت قيادة شخص ما يُدعى ديفيد مويس.

في نهايات الموسم الأول سقط المدرب الأول وتلاه لويس فان خال، نعم ها قد بدأنا نتحدث، مدرب صنع جيلا تاريخيا لأياكس فاز من خلاله بدوري أبطال أوروبا عام 1995، تاريخ طويل في العديد من كبار الأندية، آخر إنجازاته كانت المركز الثالث في كأس العالم 2014 على حساب البلد المضيف البرازيل، وبعد خسارة نصف النهائي أمام الأرجنتين بركلات الترجيح، إضافة إلى ذلك يملك فان خال فكرا كرويا واضحا، الآن ننتظر تطبيقه.

لويس فان خال، مدرب مانشستر يونايتد الأسبق
لويس فان خال، مدرب مانشستر يونايتد الأسبق
 

حسنا نحن لن نروي لك عاميه بالتفصيل كي لا تنام مثلنا في تلك الحقبة، يمكنك سؤال مشجع لأيٍّ من الأندية الأخرى، فالغالبية العظمى من جماهير يونايتد كانوا يشاطروننا السبات في تلك الأيام المملة، بطبيعة الحال هناك صعوبات دائمة في التحول من اللعب المباشر إلى فلسفة الاستحواذ، بيب غوارديولا نفسه عانى في عامه الأول، ولكن فان خال قدم واحدة من أسوأ نسخ الاستحواذ بفريق غير مجهز 100% لممارسته من الأصل، كونه كان يفضل اللعب المباشر طوال الحقبة الماضية، وكونه لم يكن يلعب أي كرة من أي نوع في العام السابق بأي حال.

انتهت تلك التجربة بالتزامن مع وصول غوارديولا إلى الجار مانشستر سيتي، الآن يجب أن يكون هناك تحرك جاد، أليس كذلك؟ نعم، حان وقت استدعاء "الكريبتونايت" جوزيه مورينيو. جاء هذا نظرا لفشل فان خال في تحقيق الهدف "الاقتصادي" بالوصول لدوري الأبطال في موسمه الأخير وبفارق بسيط للغاية، ليس لأي شيء مما كنا نشكوه أعلاه، الإدارة نفسها لا تُشاهد مباريات الفريق تقريبا، وبالتالي هي لم تنتبه أنها قد تعاقدت للتو مع النقيض الكامل لما حاول فان خال إرساءه على مر العامين السابقين.

لموسمين حصل مورينيو على حريته المعتادة في إجراء الانتقالات، لم يتم التعاقد مع كل أهدافه بالطبع، ولكن الإدارة لا تتعاقد مع لاعب لم يطلبه، في نهاية الموسمين قررت الإدارة أن مورينيو -وهذا أمر واضح بالطبع- لم يحقق المرجو بكل ما أنفقه، فقررت تجفيف المنابع والتحرك في أضيق الحدود المادية، من جانبه، وكأيّ طفل حُرم من لُعبته المفضلة كي ُيذاكر، قرر مورينيو ألا يُذاكر. أي متابع كان على أتم العلم أن مورينيو سيدمر المعبد فوق رأس الجميع، الأمر كان واضحا للغاية في تصريحاته منذ بداية الموسم وحتى أيام قليلة قبل إقالته، ولكن الإدارة على الأرجح لا تقرأ المشهد، أو لا تقرأ الصحف أصلا حتى تقرأ المشهد.(1)


"تجعلني سعيدا حين تكون السماوات رمادية" 

تماما كنص الأغنية الجماهيرية التي كُتبت لأجله حين كان لاعبا، جاء النرويجي وجعل الجميع سعداء في زمن قياسي بمجرد البديهيات، مثل الهجوم ضد صغار الفرق، واعتمادا على تجدد الرغبة والشغف لدى اللاعبين لإثبات أن البرتغالي الموتور كان على خطأ، تكلّلت تلك الفترة الذهبية بانتصار تاريخي ضد باريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا، 2017 و2018 كانا خير دليل، مهما كان موسمك سيئا، يظل التعامل مع باريس مشكلة صغيرة للغاية.
  

ولكن رمادية السماوات زادت، وهنا لم يكن لسولشاير يد في سعادة أي شخص على الإطلاق، ساءت النتائج وسقط يونايتد في صراع "تهادوا تحابوا" على بطاقات دوري الأبطال، ولكن كان هذا متأخرا للغاية، فالإدارة منحت المدرب عقدا مدته 3 سنوات بالفعل، هذه القرارات تؤخذ بسرعة قياسية، مقارنة بسنوات الصبر والتردد قبل اتخاذ قرارات الإقالة مهما بدا الوضع مظلما.(2)

الآن لدينا العديد من المشكلات يضطر هذا الرجل للتعامل معها بلا صلاحيات إدارية واضحة، ورغم ذلك لا تسمع كلمة "تعيين مدير رياضي" إلا في بعض التقارير الصحفية على استحياء. يخبرك مينو رايولا وكيل اللاعبين أنه يعمل على الانتقال بنجم الفريق بول بوغبا إلى خارج أسوار أولد ترافورد، يتبقى عام واحد في عقد ديفيد دي خيا السبب الرئيسي في عدم هبوط هذا النادي إلى النصف الأدنى من الجدول حتى الآن، أندير هيريرا رحل بالفعل إلى باريس سان جيرمان بنهاية عقده، روميلو لوكاكو أيضا في طريقه إلى إنتر بالمناسبة.(3) (4) (5)

من أين بدأت فوضى العقود؟ من معركة إثبات الذات المادية ضد مانشستر سيتي لأجل أليكسيس سانشيز، إد وودوارد الحاكم الحالي للنادي لم يكن يملك ميزة رياضية، ميزته الرئيسية أنه رجل اقتصادي بارع، وكأي اقتصادي بارع، هو يعرف جيدا أن خرق سقف الرواتب إلى الضعف سيُثير حالة من المطالبات المادية غير القابلة للسيطرة، أنت تدفع نصف مليون جنيه إسترليني أسبوعيا للاعب لم يمنحك سوى لقطة على البيانو، فلماذا لا تدفع لي مثله؟ أبجديات، ولكن الرجل اتخذ هذا القرار دون حسابات مستقبلية.(6)

والآن على سولشاير المسكين أن يحدد نواقص الفريق التي رفضت الإدارة نفسها المجيء بها لأجل مورينيو في موسمه الأخير، عليه أن يحافظ على أكبر عدد ممكن من الركائز التي يحتاج إليها، وفي ظل الثورة الرأسمالية التشيلية، بات ماركوس راشفورد مثلا يتقاضى ربع مليون جنيه إسترليني أسبوعيا، وبات المدرب النرويجي نفسه بحاجة إلى إيجاد استخدام ما لسانشيز في الفريق، نظرا لأن التخلص من لاعب يملك عقدا بهذا الحجم ليس بالأمر الهين على الإطلاق.(7)

 

الإغراق في التشبه

undefined

الكثير من المشاهد جعلت العديد من المتابعين على يقين أن سولشاير يتعمد الظهور في صورة السير أليكس فيرغسون المقبل، وكأنه يحاول إقناعنا أنه فيرغسون جديد. محتال؟ ليس بالضبط، هو لا يحاول إقناعك أنه فيرغسون، لأنه شبه مقتنع بالفعل! بخطوات بديهية طال انتظارها، تعاقد مانشستر يونايتد مع ظهير حقيقي هو وان بيساكا، وها هو يفاوض هاري ماغواير مدافع ليستر سيتي، إلى جانب مفاوضات تدعيم الوسط بلاعب نيوكاسل شون لونجستاف، النهج بات أوضح مما يلزم.(8) (9) (10)

بالضبط، سولشاير يحاول بناء الفريق على أساس يُمثّل الإنجليز خاصة الواعدين منهم الجزء الأكبر، فلدينا بيساكا يبلغ من العمر 21 عاما مثل لونجستاف أيضا، فيما اجتاز ماغواير عامه السادس والعشرين، ولكن في الوقت ذاته هو لا يمانع اللعب بمفردات السوق الحالية، فلا بأس إن جعل مدافع ليستر أغلى حتى من فيرجيل فان دايك، وهو ما سيحدث في الأيام المقبلة على الأرجح، بعد أن فضله على بدائل أقل سعرا وأكثر خبرة، نظرا لتقدم أعمارهم مثل توبي ألديرفايرلد أو جيروم بواتينغ.

السير أليكس فتح الباب أمام بوغبا ليغادر حين أراد، كان لاعبا لا يُذكر بعد، ولكن حين تعلّق الأمر بنجم مثل كريستيانو رونالدو، كان لفيرغسون تدخل شهير حين أقنعه بالبقاء لعام إضافي مع وعد يكفل رحيله في نهاية الموسم إلى ريال مدريد، ليس فقط لحاجة الفريق الواضحة إليه، بل لأنه لم يرد بيعه للميرينغي خلال رئاسة رامون كالديرون.(11)

بالقطع سولشاير لا يملك مشكلة معينة مع فلورنتينو بيريز، ولكن التقارير الصحفية تزعم أنه يحاول فعل الشيء ذاته، يقنعه بالبقاء لعام إضافي ثم يرحل إذا أراد، 4 أيام بعد هذا التقرير ويخرج سولشاير بنفسه ملوحا باعتبار بوغبا مرشحا لحمل شارة القيادة. حتى الآن وللإنصاف، يمكن القول إن سولشاير يعمل بشكل جيد على تنظيف الفوضى السابقة، ولكن التحدي الحقيقي هو نقل كل ذلك إلى أرض الملعب، فتلك المرحلة هي الفاصلة قطعا في تحديد ما إذا كان هناك مشروع حقيقي جديد قائم على أسس محددة، أو مجرد عملية احتيال باسم الاسكتلندي التاريخي.(12) (13)

المصدر : الجزيرة