شعار قسم ميدان

أنطوان غريزمان.. المهاجم الذي يحتاج إلى مهاجم

ميدان - greezman

مساء الخير، أهلا بك في التقرير المعتاد لصفقة برشلونة الموسمية، غالبا هذه ليست أول مرة لك هنا، ولكن إن كانت كذلك فننصح بمراجعة التقرير الماضي قبيل انضمام كوتينيو، فمنذ ذلك الحين وقعت الكثير من الأحداث؛ فضيحتان أوروبيتان أمام روما وليفربول وخسارة في نهائي الكأس أمام فالنسيا، وهذا كله دفع برشلونة إلى إدراك الحقيقة المرعبة؛ لقد مر أكثر من عام منذ أنفق النادي 100 مليون يورو أو أكثر على لاعب لا يحتاج إليه. (1) (2)

كيف بدأ الخلق!

عادة -انتبه شاحنة بديهيات في الطريق- يشعر المدربون بخلل ما في قائمة اللاعبين، أو عجز في التشكيلة، أو الحاجة إلى رفع الجودة بشكل عام، فيستطلعون حجم الموارد المتوفرة للتعاقدات ثم يبدأون في العمل مع الإدارة الرياضية على عدة أسماء يمكنها تحقيق المطلوب، بالطبع إن لم يكن في أكاديمية النادي ما يفي باحتياجاته.

في كتالونيا، يخرج برشلونة من دوري الأبطال بفضيحة مدوية أولا، فلا يتخذ أي إجراء قائم على الاستدلال المنطقي مثل استقالة الإدارة أو إقالة المدرب أو فسخ عقود بعض اللاعبين، بل يقرر الرئيس والمدرب واللاعبون أن يُبقوا على الرئيس والمدرب واللاعبين كما هم بالضبط، ثم يبدأ العمل على تجاوز أثر الفضيحة الإعلامي، حتى لو كان هذا العمل سيتسبب في فضيحة أخرى خلال عام، وطبعا هذا لن يتم إلا بصفقة إعلامية ضخمة تُثبت أن برشلونة ما زال قادرا على اجتذاب النجوم رغم كل شيء.

باقي العمل الفني من تنسيق مع المدرب والوصول إلى توليفة مناسبة متوازنة وإعداد التشكيلة للموسم الجديد يُترك للجماهير . مساحة التخمين هنا أكبر من كتالونيا ذاتها، وهذا يمنح الجماهير كثيرا من البهجة لأنه يداعب حب الامتلاك؛ النشوة المفرطة التي تشعر بها عندما تُدرك أنك تملك أكثر من حاجتك، وأن عدد النجوم في تشكيلة فريقك يكفي لعدة أندية، لذة الاستئثار التي لا يقاومها أحد.

طبعا هذا ليس ذنب الجماهير، على الأقل ليس كليا، ببساطة لأنه ليس دورها أصلا. هذه الحالة مغرية للغاية، ولا أدل على ذلك من فشل أمثال سانتياغو برنابيو وبيرلسكوني وفلورنتينو بيريز في مقاومتها. نحن نتحدث هنا عن أسماء من الأكثر تأثيرا في تاريخ اللعبة، وبداهة، يصعب لوم الهواة أينما فشل المحترفون، أو من كان يُفترض بهم أن يكونوا محترفين. (3) (4) (5)

وداعا سواريز

هذه المرة استغل بارتوميو انشغال فالفيردي بـ"تلميع جوانب دي يونغ التكتيكية" كما يقول خبر منشور في إحدى الصحف المحلية، وقرر إضافة كلٍّ من غريزمان ونيمار لقائمة تعاني من التخمة في هذه المساحات أساسا، ومرة أخرى وجد مشجعو برشلونة أنفسهم في موقع المدير الفني، يحاولون إيجاد طريقة لإقحام كل هؤلاء في تشكيلة واحدة.

النتيجة لكل ذلك أن برشلونة يجد نفسه أمام الأسئلة نفسها كل صيف؛ أين سيلعب كوتينيو؟ ما مركز غريزمان الأصلي؟ هل يمكن إعادة ميسي للطرف؟ أم الأفضل اللعب برباعي في خط الوسط؟ كل هذه الأسئلة عادة ما تُطرح قبل التفكير -مجرد التفكير- في تعاقد جديد، ولكن في كتالونيا هي تُطرح بعد التعاقد مع اللاعب، ليس أي لاعب، بل أغلى ثنائي في تاريخ النادي.

الأهم أن أحدا لم يُدرك المفارقة في كون برشلونة يبحث الآن عن نادي ليشتري أغلى صفقة في تاريخه بعد عام ونصف فقط من ضمه. لم يتوقف أحدهم ويسأل إن كان ما يحدث منطقيا أم يحتاج إلى التمهل والمراجعة، ومع كل صفقة جديدة يزداد تعقد الأمور وتتسع الخسائر الاقتصادية. (6)

بارتوميو أشبه برجل فاحش الثراء يهوى الصيد، ولكن بدلا من ابتياع يخت لرحلاته البحرية يقرر أن يُركّب شراعا ضخما على سيارته الفيراري، وعندما تغرق ينتشلها وينزع الإطارات ويجرب ثانية، ثم يزيل السقف، وهكذا، وكلما أخبره أحدهم أن ما يفعله جنون أجاب بأن كل الأفكار العظيمة وُصفت بالجنون قبل نجاحها.

حالة مستعصية من العناد مع المنطق لا يبدو أن كتالونيا ستُشفى منها قريبا، يكفي أنه منذ رحل نيمار أنفق بارتوميو أكثر من 420 مليون يورو لتعويضه، وهذه المبالغ مرشحة للزيادة قبل انقضاء الصيف. لماذا؟ لأنه يحاول إعادة نيمار طبعا. الآن فلتأخذ بضع دقائق لتحاول أن تتذكر أن هذه المتوالية الجنونية بدأت بمحاولة للتعاقد مع فيراتّي لتعويض تشافي، ثم انتقلت لضم كوتينيو بديلا لإنييستا، وبعد 420 مليون يورو وفضيحتين أوروبيتين عادت مرة أخرى للمربع رقم واحد وصارت عودة نيمار أولوية، والوحيدون الذين كانوا يحتاجون إلى الاستبدال قبل كل هؤلاء ما زالوا قابعين في مقاعدهم. (7)

أصلا تشكيلة برشلونة الحالية لم تكن بحاجة إلى كل هذه المبالغ على الأقل في خط الهجوم، كل ما كان يلزمها هو مهاجم يستطيع إجلاس سواريز على الدكة وآخر إضافي وبضع إضافات بسيطة للطوارئ في باقي الخطوط، ولكن ما تحتاج إليه فعلا هو مدرب يستطيع استغلال كل ذلك على الوجه الأمثل، ولا يشعر معه الجميع أنهم بحاجة إلى الفوز بفارق 10 أهداف أو أكثر إن أرادوا التأهل للدور التالي من دوري الأبطال.


أهلا سواريز

قصة غريزمان مع الأتليتي بسيطة للغاية ولا تحتمل كل هذا الخلط أصلا؛ الرجل شارك في 257 مباراة منها 31 فقط كمهاجم صريح. صدّق الرقم من فضلك لأن هذا هو الرجل الذي يفترض أن بارتوميو تعاقد معه ليستبدل سواريز.


المراكز التي لعب بها غريزمان مع الأتليتي منذ انضمامه في 2014.
المراكز التي لعب بها غريزمان مع الأتليتي منذ انضمامه في 2014.

بالأحرى، هناك 31 مباراة فقط لغريزمان مع الأتليتي لم يكن يجاوره فيها مهاجم 9 تقليدي. بعض المواقع الإحصائية يختلط عليها الأمر عندما يلعب سيميوني بالـ 4-4-2 المقدسة، فتعتبر الفرنسي من ضمن ثنائي هجومي متماثل المراكز والمهام، ولكن الحقيقة أن غريزمان ظل قيمة ثابتة بالأدوار نفسها تقريبا منذ 2014، بل وفي وجوده، أنفق الأتليتي ما يفوق 200 مليون يورو -أكثر مما أنفقه على أي مركز آخر- ليضمن الوجود الدائم لمهاجم تقليدي يستطيع منح سيميوني القدرة على تمديد الملعب طوليا في المرتدات، والشراسة في الصراعات الثنائية، والإزعاج الدائم للمدافعين داخل المنطقة، كلها أمور لا غنى عنها في طريقة لعب التشولو، وكلها مهارات لا يمكن تصنيف الفرنسي من ضمن الأفضل فيها، على عكس ما يقدمه في الثلث الأوسط. (8)

أصلا نسبة كبيرة من هذه المباريات الـ31 هي تلك التي يلعب فيها سيميوني خارج أرضه في دوري الأبطال أو الليغا أمام فرق متوسطة أو قوية، وحينها كان يفضل أن يدفع بفييتو مثلا أو كورّيا أو كارّاسكو إلى جانب غريزمان. بمعنى أوضح؛ في هذه المباريات لم يكن هناك مهاجم صريح في التشكيلة أساسا، ولا حتى غريزمان.

هذه الفكرة تؤكدها الخرائط الحرارية المجمعة لكل موسم؛ للوهلة الأولى يبدو التشابه ضخما بين مناطق الحركة لغريزمان ورفيقه في الهجوم أيًّا كانت هويته، ولكن بقليل من التدقيق تدرك أن الاختلاف يقع في كثافة الوجود داخل منطقة جزاء الخصم، والصراع على كل عرضية وبينية في الثلث الأخير. ثنائي هجومي أحدهما خلف الكرة والآخر أمامها، والاختلاف بينهما واضح لدرجة لا تخطئها العين الهاوية، ناهيك بالمحترفة المتخصصة، إن جاز أن نعتبر إدارة بارتوميو كذلك.

مقارنة بين الخريطة الحرارية لغريزمان وبين خرائط زملائه في هجوم الأتليتي.
مقارنة بين الخريطة الحرارية لغريزمان وبين خرائط زملائه في هجوم الأتليتي.

حتى بالمقارنة مع باقي المهاجمين في أوروبا تلاحظ اختلاف غريزمان من حيث النوعية بغض النظر عن الكم، بمعنى أنه من المفهوم أن يُكلَّف أي لاعب في أتليتي سيميوني بمهام دفاعية وتكتيكية ضخمة خارج منطقة جزاء الخصم مقارنة بليفاندوفسكي أو أغويرو أو سواريز مثلا، بالتالي من المتوقع أن يكون عدد تسديدات وأهداف ولمسات غريزمان أقل من كل هؤلاء، ولكننا نتحدث عن لاعب يسدد من خارج المنطقة أكثر مما يسدد بداخلها، ويحقق نصف معدلات المهاجمين الطبيعيين في الثلث الأخير.

مقارنة بين بعض إحصائيات غريزمان الهجومية وأقرانه في كبار أوروبا
مقارنة بين بعض إحصائيات غريزمان الهجومية وأقرانه في كبار أوروبا

  

البقاء لسواريز

الشاهد من كل ذلك أن غريزمان مهاجم رائع ولكن خارج منطقة الجزاء، ولكي يدخلها ويسجل يحتاج إلى إلهاء المدافعين، الأمر الذي كان منوطا به كلٌّ من ماندزوكيتش وغاميرو وتورّيس وكوستا وكالينيتش وموراتا الذين تناوبوا على مجاورته طيلة سنواته الخمس في مدريد، وحتى جيرو الذي حجز مكانا أساسيا في فرنسا بفضل غريزمان فقط لا غير، وهذه هي المفارقة الأكثر كوميدية في التعاقد معه؛ أن الرجل الذي أتى لاستبدال سواريز قد يكون هو من يضمن بقاءه في الملعب.

مقارنة بين الخريطة الحرارية لغريزمان وبين خريطة أوليفييه جيرو خلال مونديال روسيا
مقارنة بين الخريطة الحرارية لغريزمان وبين خريطة أوليفييه جيرو خلال مونديال روسيا

الحل المنطقي هنا هو أن يعود الكتلان لـ 4-4-2 كرويف الماسية مثلما طبقها غوارديولا؛ ميسي كمهاجم وهمي وغريزمان في مركز ما بين المهاجم والجناح على اليمين مع وجود لاعب بأدوار مشابهة على الجهة المقابلة من بين ديمبيليه ومالكوم وكوتينيو/نيمار حال عودة الأخير، وهذا كله يتطلب خط وسط على مستوى عالٍ من التفاهم والانسجام والقدرة على حصر مهام الثلاثي الهجومي في الأمتار الأخيرة من الملعب، وهذا هو تخصص فالفيردي كما تعلم.

تعديل يسهل إنجازه طبعا، ولا يتطلب من فالفيردي سوى تغيير أفكاره وأسلوب لعبه وخطته واختياراته في التشكيل ومحو كل ما تعلمه سابقا في مسيرته التدريبية، وغالبا سيكون ذلك على رأس أولويات الرجل بمجرد أن يفرغ من تلميع جوانب دي يونغ التكتيكية.

الآن سنودعك على أمل أن نلتقي في تقرير موسمي آخر خلال الصيف القادم. في يناير/كانون الثاني الماضي كنا نتحدث عن إنييستا الجديد الذي يحتاج إلى إنييستا جديد لأنه ليس إنييستا جديدا، والآن سيُباع لأول عابر سبيل وسيحل محله المهاجم الجديد الذي يحتاج إلى مهاجم جديد لأنه، في الواقع، ليس مهاجما جديدا. إلى اللقاء مع تقرير آخر سيكون عنوانه المنطقي الوحيد؛ برشلونة.. النادي الذي يحتاج إلى نادٍ. 

المصدر : الجزيرة