شعار قسم ميدان

توقعات دوري أبطال أوروبا.. العراف يحكم!

ميدان - كأس دوري أبطال أوروبا

"متكلمينيش عن الفنيات.. كلميني عن العفاريت والجن"

مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك المصري مبررا الخسارة أمام سموحة (أكتوبر/تشرين الأول 2017)

  

في الحلقة السابقة تحدّثنا عن توقعات "بي تي سبورت" لموسم البريميرليغ الجديد 2019-2020، حاولنا قياس درجة دقتها على نتائج الجولة الأولى من المسابقة، فنجحت في توقع النتيجة الصحيحة (بدون أهداف) بنسبة 50%، فيما فشلت في توقع عدد الأهداف المسجلة بدقة في جميع المباريات، حالفه الحظ بعض الشيء في توقع عدد أهداف أحد طرفي المباراة، فمثلا توقع أن يسجل آرسنال هدفا يخسر به أمام نيوكاسل 2-1، ففاز به 1-0. (1)

 

اختصارا، هي تجربة تقوم على اتحاد بين خبراء الإحصائيات من سكواوكا وآلاف أرقام المباريات من أوبتا، ونظام الذكاء الاصطناعي، والسؤال لا يزال قائما: هل يمكن للذكاء الاصطناعي توقع نتائج مباريات كرة القدم؟ في الحلقة السابقة، وصلنا إلى نتيجة استحالة الوصول إلى الكمال في هذا الحقل دون أن تُلعب كرة القدم بواسطة الروبوتات، لكن صدقا، حتى الروبوتات لن تكفي تلك المرة. (2)

  

من يرفع ذات الأذنين؟

اربطوا الأحزمة، فلعل ما سترونه هو نكتة كبيرة لمن شاهد الموسم الماضي والفترة التحضيرية، ولكن دعونا نتفق أن الماضي لا يمكن بالضرورة استنباط الحاضر منه، كم من فِرق لم يبدُ نصف موسمها الأول كنصفه الثاني، ولم يبدُ موسمها السابق كالتالي، ولا أحد يعرف ما سيحدث في فبراير/شباط المقبل، بالضبط، تلك هي المشكلة، لا أحد يعرف ما سيحدث في فبراير/شباط.

    

  undefined

  

في الطريق الموضح أعلاه، يفوز ريال مدريد على مانشستر سيتي 7-5، ويفوز ليفربول على سالزبورج 4-3 فقط، ويثأر برشلونة من ليفربول في ربع النهائي، ويذل الملكي غريمه في نصف النهائي بخماسية، ويتأهل بايرن ميونيخ إلى النهائي ليضيف البطل الأكثر تتويجا على حسابه اللقب الرابع عشر.

  

قياسا على ذلك، سيصبح زين الدين زيدان هو المدرب الوحيد الذي لم يفشل أبدا في الفوز بهذا اللقب كمدرب، إذ سبق له الفوز بالنسخ الثلاث التي خاضها مدربا للفريق نفسه بين 2016 و2018. أيضا سيصبح ليونيل ميسي نجم برشلونة أول لاعب يسجل ثلاثية في 10 مناسبات مختلفة بدوري أبطال أوروبا، ثم سيصل إلى الحادي عشر أيضا. على الناحية الأخرى ستنتهي سلسلة برشلونة الخالية من الهزائم الأوروبية على ملعبه، والتي ستستمر لـ37 مباراة حتى ينهيها ريال مدريد في نصف النهائي بالفوز 3-0 في قلب كامب نو.

  

إضافة إلى ذلك سينجح سيرجيو أغويرو في اجتياز ديدييه دروغبا، حيث سيسجل هدفه رقم 38 في دوري أبطال أوروبا ويصبح الهداف التاريخي للأندية الإنجليزية، فيما سيجد كريستيانو رونالدو 3 خصوم جدد ليسجل بشباكهم في دوري الأبطال، ليصل مجموع الفرق المختلفة التي سجل أمامها إلى 35.

 

مما نراه الآن، ما المشكلة؟ لا مشكلة. سنسلم جدلا أن ريال مدريد سيتمكن بطريقة ما من إنهاء هذا الموسم على قمة أوروبا، وأن حظوظ بايرن قد ارتفعت في بلوغ النهائي بعد صفقة بيريسيتش، وأن إرنستو فالفيردي سيُقدّم لنا عرضا جديدا ليمحو الفضائح الأخيرة، فبدلا من الفوز على ملعبه والخسارة خارجه سيخسر بثلاثية نظيفة في كامب نو ويفوز في سانتياغو بيرنابيو 3-2، ما المشكلة؟ هذه بطولة إقصائية وفي الإقصائيات كل شيء وارد الحدوث، ولكن حان وقت الأسئلة المهمة. (3)

  

كرة القدم الترفيهية

undefined

  

في الحلقة السابقة وضعنا العديد من الافتراضات، أن يصل الطب إلى ما يُلغي الإصابات، أن تتطور أساليب التدريب لوقف الأخطاء الفردية، بل وحتى الأهداف العشوائية، وما زلنا لم نجد إمكانية لتوقع المستقبل بدقة 100% في الدوري الإنجليزي كمثال لأن العوامل البشرية يستحيل وضعها قيد التحكم الكامل، سيكون إنجازا تاريخيا الوصول لنسبة مثل 70%، إن أمكن الوصول لها في يوم ما.

  

ولكن ما هو أمامنا الآن هو محاولة لتوقع "قرعة" دور الـ16، القائمة بالأصل على "قرعة" المجموعات، المجموعات التي لم يكتمل عدد المشاركين بها حتى الآن لأن الملحق لم يصل إلى نهايته بعد، فبالتالي نحن هنا أمام مهمة توقع المتأهلين من الملحق، ثم توقع المجموعات، ثم توقع نتائجها والمتأهّلين منها وصولا إلى توقع "قرعة" دور الـ16، وعلى أساس النتائج المتوقعة يتم توقع "قرعة" دور الثمانية، ثم الطريق الجديد المحدد لنصف النهائي والنهائي بنتائجه، سؤال واحد: إذا وصلنا لطريقة تُمكّننا من توقع نتائج المباريات بواسطة الذكاء الاصطناعي، فأي نوع من الإحصائيات يُمكنه توقع "قرعة"؟

  

في البريميرليغ على الأقل كان هناك جدول ثابت يمكن القياس عليه، نقاط قوة ونقاط ضعف يمكن على أساسها احتساب النقاط الهجومية والدفاعية كما فعلت "بي تي سبورت"، رغم أن تلك النقاط لا تفرض حتما نتيجة المباراة لأنها لا تقود سير المباراة الذي لا يمكن توقعه أصلا بشكل كامل مهما بلغ التطور العلمي والإحصائي، ولكن على الأقل هناك أساس ما لنعمل عليه هنا؛ جدول ثابت، مباريات محددة بين جميع الفرق، أمور لن تضربها قرعة "يويفا" في مقتل، أبسط الأمثلة أن يقع 3 من أطراف دور الـ16 المتوقع في دور المجموعات أصلا، ما يجعل خروج أحدهم من المسابقة ضرورة حتمية.

  

كذلك لو سايرنا الأمر إلى اللحظات الأخيرة وسلمنا بوصول جميع تلك الأسماء إلى دور الـ16، ستأتي قرعة يويفا وتفسد الأمر، اللهم إلا إذا كان الحظ حليفا لتلك الدرجة، أو نجح يويفا بطريقة ما في تسريب قرعة دور الـ16 في شهر أغسطس/آب. نحن هنا لا نتحدث عن مدى تصديق الجماهير للتوقعات من واقع علمها بوضع فريقها الحالي، بل عن إمكانية معرفة أن ريال مدريد سيواجه مانشستر سيتي وتشيلسي وبرشلونة وبايرن ميونيخ تباعا في الإقصائيات قبل أن نعرف ما مجموعة ريال مدريد أصلا.

  undefined

  

متطلبات تحقّق الدقة في سيناريو البريميرليغ كانت خرافية بالفعل، ولكن متطلبات الدقة هنا تفوق الخرافة، الرياضة الوحيدة التي يمكن التكهن بنتائجها بشكل كامل هي المصارعة الترفيهية التي يتزعمها "WWE"، لماذا؟ لأنها عبارة عن سيناريوهات معدة سلفا، لأنها ليست رياضة تنافسية حقيقية في نهاية المطاف، صحيح أنها تتطلب رياضيين على مستوى مرتفع من اللياقة والمرونة، إلا أن هذا لا يجعلها رياضة مثل أقرانها.

  

ربما واجهت الاتحادات الكروية سواء القارية أو العالمية آلاف الاتهامات بالفساد والتلاعب في نتائج المباريات، كأس العالم 1978 كان فضيحة متكاملة الأركان والشواهد واضحة: تهديد يوهان كرويف في منزله على يد مسلحين حتى لا يسافر مع هولندا، دخول الأرجنتين مباراتها الفاصلة في التأهل ضد بيرو في الجولة الأخيرة للمجموعات وهي تعلم النتيجة التي تحتاج إليها، تحقيق الأرجنتين لنتيجة تفوق ما ترجو بسهولة بالغة أمام بيرو، الأمر الذي تم نسبه مرة لصفقة قمح ومرة لاتفاقية تخص تعذيب معتقلين سياسيين، كل ذلك بقيادة نظام عسكري بحت حكم بلاد التانغو في تلك الحقبة بقيادة الجنرال خورخي فيديلا، ولكن هل يمكن أن نرى في 2019 ما رآه العالم في السبعينيات؟ (4) (5)

  

نحن لا نهاجم التجربة بحد ذاتها، الاعتماد على الذكاء الاصطناعي مدججا بعتاولة الإحصائيات في العالم لمحاولة توقع قراءة المستقبل هي تجربة مثيرة للاهتمام، أي بشر هذا الذي لا يصيبه الفضول حيال معرفة ما سيأتي قبل أن يأتي؟ لا يعلم الغيب إلا الله، هذا ليس موضع نقاشنا ولا أي نقاش آخر هنا، ولكن دائما ما يكون هناك علامات لقراءة بعض مما سيلي، فالسماء المغيمة دليل على قرب هطول المطر، وتشكيل مانشستر سيتي دليل على سحقه لوست هام، ولكن مثلما يمكن ألا يهطل المطر، من الممكن لوست هام أن يفوز، هذا هو جوهر تلك اللعبة، وهذا ما حاولت تجربة "بي تي سبورت" الاقتراب منه في البريميرليغ، ولكن في دوري أبطال أوروبا، ما أمامنا ليس إلا محاولة منجّم ما للرجم بالغيب، كون تلك التوقعات لا يمكن أن يصح نصفها إلا في حالتين: مصادفة قدرية مبالغ في توفيقها، أو سيناريو حقيقي لدى يويفا يمكن شراؤه.