شعار قسم ميدان

عبث في تورينو.. هل أضاع التآمر على إنتر ميلان ميركاتو يوفنتوس؟

ميدان - رونالدو وديبالا

 

مع اقتراب نهاية الميركاتو يبحث يوفنتوس عن التخلص من نجومه أكثر ربما من بحثه عن ضم لاعبين جدد، وبغض النظر عن التفسيرات التي تتحدث عن كون الأسباب فنية أم مالية، نحتاج إلى أن نعرف ما الذي أدّى إلى هذا، لأن وضعا كذلك لا يمكن أن يحدث بين يوم وليلة بالطبع.

   

ولكي تعرف ما الذي أدّى إلى نتيجة ما يجب عليك النظر إلى الصورة كاملة، ذلك لأن التقاط جزء ما من الصورة والتعامل معه منفردا سيصل بك إلى نتائج خاطئة، وهذا ما حدث بالفعل، وبناء عليه بدا الغالبية وكأنهم لا يعرفون شيئا عما يجري في تورينو، أو عما جرى هناك خلال السنوات الماضية.

   

نصف الحقيقة

يحاول أنصار يوفنتوس أو أنصار إدارته بالأحرى فصل الحاضر عن الماضي، لذلك يبدو دفاعهم عن ما يجري في الميركاتو منطقيا، نظرا لأن الإدارة بالفعل مضطرة لهذه التصفية في الصيف الحالي، ولأن الميزانية تجبر أنييلي وباراتيتشي على اتخاذ قرارات رغما عنهما، ما يعود بنا إلى السؤال المحوري هنا؛ ما الذي وصل بهم إلى هذا؟

     

بول بوغبا في يوفينتوس (غيتي)
بول بوغبا في يوفينتوس (غيتي)

   

القصة بدأت في 2016، حين نجح يوفنتوس في لعبته التسويقية من أجل الحصول على أكبر مقابل مادي من بيع بول بوغبا، وبالفعل تعاقد معه مانشستر يونايتد كأغلى صفقة في تاريخ كرة القدم، في وقت باتت فيه ميزانية اليوفي أكثر انتعاشا من ذي قبل، لينتظر الجميع التدعيمات الجديدة بإعادة تدوير العائد الخرافي لبيع بوغبا. (1)

  

وصل العائد إذًا، أين سنستثمره؟ سنضع منه 91 مليون يورو شرطا جزائيا لهيغوايين، وما تبقى سنتعاقد به مع بيانيتش، وستبقى الميزانية كما هي بلا انتعاش، والأهم من ذلك أن وسط الملعب سيفقد بيرلو وبوجبا وفيدال وماركيزيو، وسيعوّضهم ببيانيتش ومعه ماتويدي وبينتانكور وإيمري تشان لاحقا، والسبب أن الإدارة شعرت أن التعاقد مع هيغوايين أكثر أهمية من الاستثمار في وسط الملعب، في وقت يكتظ فيه الكالتشيو بالمواهب في هذا الخط تحديدا. (2)

  

الأمور لم تتوقف هنا، في 2016 كانت البداية فقط، والتعافي من ذلك كان ممكنا لأن صفقة بوغبا ما زالت تُدرّ أموالا للنادي، فقط لن ينتعش يوفنتوس ولكنه لن يسقط كذلك، الطامة الكبرى ستكون في صيف 2018، حين قرر يوفنتوس إجراء صفقة القرن بالتعاقد مع كريستيانو رونالدو من ريال مدريد، في صفقة تبدو بلا سلبيات على الإطلاق، مع التأكيد أنها تبدو كذلك فقط. (3)

  

رونالدو ينضم إلى يوفنتوس مقابل 120 مليون يورو تُدفع على 4 سنوات، بالطبع نحتاج إلى أن نخبرك بأن 90% من الصفقات تتم بهذه الطريقة، ولكن البعض يعتقد أن يوفنتوس وضع الـ 120 مليون يورو في حقيبة وأرسلها إلى فلورنتينو بيريز، تماما كما يحدث في لعبة فيفا. (4)

    

كم سيقتطع رونالدو من ميزانية يوفنتوس السنوية؟ 60 مليون يورو لمدة 4 سنوات كاملة، أي إن الميزانية ستحتاج إلى تعويض هذا المبلغ 
كم سيقتطع رونالدو من ميزانية يوفنتوس السنوية؟ 60 مليون يورو لمدة 4 سنوات كاملة، أي إن الميزانية ستحتاج إلى تعويض هذا المبلغ 
     

بدفع الصفقة على 4 سنوات يصل القسط السنوي الواحد إلى 30 مليون يورو، وهو ما يُعرف بالإهلاك، المفهوم الذي لا يبدو مألوفا للمشجعين نظرا لأنهم لا يهتمون عادة بالبحث فيما يتعلق بالأمور الإدارية، وبشكل مبسط يتم حساب هذا الإهلاك سنويا من أجل تحديد الميزانية السنوية من حيث الأرباح والإنفاقات، الرواتب وقيمة الإهلاك للاعبين هما أكثر ما ينفقه النادي سنويا بالنسبة لميزانيته، ولا حاجة لنا الآن إلى التمحيص أكثر داخل ما يتعلق بميزانيات الأندية، يكفينا فقط إرساء هذه القصة للانتقال إلى النقطة التالية.

  

كم سيتقاضى رونالدو سنويا؟ 30 مليون يورو أخرى، إذًا كم سيقتطع رونالدو من ميزانية يوفنتوس السنوية؟ 60 مليون يورو لمدة 4 سنوات كاملة، أي إن الميزانية ستحتاج إلى تعويض هذا المبلغ من خلال الحصول على قيمة إهلاك سنوية من بيع لاعبين كبار في الفريق والتخلص من رواتبهم من جهة أخرى، هل فهمت الآن لماذا يبحث يوفنتوس عن بيع باولو ديبالا ودوجلاس كوستا ومويس كين وهيغوايين وماندجوكيتش دفعة واحدة؟

  

الجدير بالذكر أن جيوسيبي ماروتا المدير الرياضي السابق ليوفنتوس والحالي لإنتر قد أخبر أنييلي بالتأثير السلبي للتعاقد مع رونالدو، وكيف سيضر ذلك بالميزانية لسنوات قادمة، ولكن الرئيس قرر المكابرة والإطاحة بماروتا نفسه "سوشيال ميديا"، ليلتحق الأخير بإنتر ويبدأ مشروعه معهم، أو يبدأ انتقامه البطيء من أنييلي بالأحرى، ويتركه يعاني مع المدير الرياضي الجديد باراتيتشي من أجل إصلاح ما يمكن من الميزانية مهما كلّف الأمر. (5)

  

هذه هي الصورة الكاملة، يوفنتوس مجبر اليوم لا مخير، يحتاج إلى بيع لاعبيه من أجل إنقاذ الميزانية، وللإجابة عن سؤال ما الذي أوصلهم إلى ذلك يجب أن تُذكر أخطاء الماضي كاملة، تلك التراكمات التي باتت تُمثّل تهديدا ليوفنتوس اليوم بفقدان السيطرة على إيطاليا، خاصة أن ذلك يأتي تزامنا مع صحوة إنتر بقيادة ماروتا وكونتي.

   

     

مؤامرة؟

هو الوصف الأمثل لما حدث ضد إنتر منذ إعلان تولي كونتي قيادة الفريق، الأندية الإيطالية بقيادة يوفنتوس قرروا إفساد الميركاتو على النيراتزوري وإبعاد ماروتا عن كل أهدافه، نعلم أن الأمر يبدو غير مصدق، وأن أعداء نظرية المؤامرة سيأخذون الأمر إلى جانب ساخر، ولكن ذلك ما حدث بالفعل. كيف؟ ستعرف الآن.

  

دييغو غودين؟ سيحاول يوفنتوس الدخول في الصفقة رغم عدم احتياجه إلى مدافع، لماذا؟ لأن إنتر يريده، وهذا ما قاله غودين نفسه. باريلا؟ سيتحالف كالياري مع روما لإبعاده عن النيراتزوي، بل إن كالياري سيوافق على عرض إنتر ثم يذهب ليعرض اللاعب على روما وبعدها على باريس سان جيرمان. لوكاكو؟ سيدخل اليوفي ويعرض صفقة تبادلية باستخدام ورقة ديبالا، في وقت يمتلك فيه رونالدو وهيغواين وماندجوكيتش ومويس كين في مركز المهاجم، وفي وقت توجد فيه الكثير من النواقص في مراكز أخرى، ولكن كل ذلك يسقط في سبيل حرمان المنافس من أهدافه. (6)(7)(8)

  

هل انتهينا؟ لا، هناك قصة أكثر كوميديا، في بداية الميركاتو قام يوفنتوس وروما بصفقة تبادلية بين سبيناتزولا وبيليغريني، يرحل الأول إلى العاصمة والثاني إلى تورينو، الضحك يكمن في تفاصيل الصفقة، حيث تعمد يوفنتوس دفع أموال إضافية لروما من أجل ألا يجعله خاضعا لتهديدات قانون اللعب المالي النظيف، لماذا هذه التضحية؟ من أجل أن يرفع روما المبلغ المطلوب للتخلي عن دجيكو الذي يريده إنتر من 10 ملايين إلى 20 مليون يورو، قبل أن تفشل الصفقة ويجدد اللاعب مع الذئاب، الجدير بالذكر أن يوفنتوس أرسل بيلغريني إلى كالياري على سبيل الإعارة بعدها بثلاثة أسابيع فقط، بمعنى أنه أجرى صفقة تبادلية ودفع أموالا إضافية من أجل لاعب لايحتاج إليه، فقط لتضييق الخناق على إنتر. (9)(10)

  

تلك الألاعيب الذكية مطلوبة في العمل الإداري، ولكن أن تخسر أموالا ولاعبين وكل شيء من أجل إفساد السوق للغريم فقط فهذا أمر غير مفهوم، خاصة بعد أن نجح الغريم في الفوز بكل اللاعبين الذين أرادهم عدا دجيكو الذي سيتم تعويضه بخيار أفضل غالبا، بينما لا يزال يوفنتوس يعاني مع ميزانيته قبل أيام قليلة من إغلاق الميركاتو.

 

أحضان رايولا
السير فيرغسون كان يمنع التعامل مع مينو رايولا أثناء فترة تدريبه لمانشستر يونايتد، والسبب أن الرجل لا يسوّق لاعبيه فقط، بل إنه يفرض نفوذه داخل أي نادٍ يسمح له بذلك
السير فيرغسون كان يمنع التعامل مع مينو رايولا أثناء فترة تدريبه لمانشستر يونايتد، والسبب أن الرجل لا يسوّق لاعبيه فقط، بل إنه يفرض نفوذه داخل أي نادٍ يسمح له بذلك

      

القصة أيضا ليست وليدة اليوم، وبدايتها معروفة للجميع، ولا نعتقد أن هناك مشجعا لكرة القدم يجهل ما فعله مينو رايولا عام 2016 في كواليس انتقال بوغبا من يوفنتوس إلى مانشستر يونايتد، الرجل الذي حصل على 25% من قيمة الصفقة كعمولة فقط، نعم نحو 28 مليون يورو اقتُطعت كعمولة لوكيل أعمال بوغبا، بعد نجاح الفيلم السينمائي الذي نسج خيوطه بمساعدة أديداس. (11)

   

السير فيرغسون كان يمنع التعامل مع مينو رايولا أثناء فترة تدريبه لمانشستر يونايتد، والسبب أن الرجل لا يسوّق لاعبيه فقط، بل إنه يفرض نفوذه داخل أي نادٍ يسمح له بذلك، وهذا ما سمح به يوفنتوس وعانى من ويلاته اليوم، خاصة مع وجود باراتيتشي كمدير رياضي عاش طيلة عمره كظل لماروتا فقط، ولم يكن يوما صاحب النفوذ القادر على مواجهة رجل محنك كرايولا. (12)

  

يوفنتوس تعاقد مع ماتياس دي ليخت بعد سباق وقصة أخرى صنعها رايولا، صفقة كانت نتيجتها إجبارا على بيع مويس كين إلى إيفرتون مقابل 30 مليون يورو، وغالبا سيتعاقد معه يوفنتوس أو أحد الأندية الأخرى بعد سنتين أو ثلاث مقابل ثلاثة أضعاف هذا المبلغ تقريبا حتى يحصل وكيل أعماله على عمولة أكبر. بالطبع لا تحتاج إلى أن نخبرك اسم وكيل مويس كين الآن، وبالطبع أيضا لا تحتاج إلى أن يخبرك أحد أن تسهيل انضمام دي ليخت لا يمكن أن يتم بلا مقابل بالنسبة لرجل كرايولا. (13) (14)

  

سيطرة مينو رايولا على سوق يوفنتوس جعلته يفرّط في إحدى أهم المواهب في إيطاليا على الإطلاق، وجعلته يسمح للرجل بالتدخل في تعاقدات الفريق وأسماء المغادرين، ومنعته من التصرف بحرية فيما تبقى من الميركاتو، ومن المؤسف أن يأتي ذلك بعد 3 سنوات فقط من قصة بوجبا التي أخذت أكبر من حجمها بسبب سيطرة هذا الرجل على المشهد بشكل أو بآخر.

    

    

نتائج العبث

نتيجة لكل ذلك بات يوفنتوس مهددا بالانهيار في أي وقت، ميزانية على المحك مع ارتفاع معدل الأعمار بشكل كبير ووجود مراكز في حاجة إلى إحلال وتجديد، تطورات تجعله مطالبا بالبحث عن الصفقات المجانية والتخلص من أصحاب الرواتب المرتفعة، في خطوة للخلف حتى لو أتت نتيجة للتعاقد مع اسم بحجم رونالدو.

  

يوفنتوس وقع في ذلك تزامنا مع صحوة إنتر ونابولي وبالتدريج ميلان، ووجود مشاريع في فيورنتينا وسامبدوريا وساسولو وأتالانتا، وارتفاع واضح لنسق الدوري الإيطالي الذي باتت مهمة الفوز به تتطلب جهدا أكبر، ولم يصبح الكالتشيو مسابقة محسومة سلفا كما كانت في السنوات الماضية.

  

هي صدمة كبرى، ربما لا تبدو واضحة الآن نظرا لأن يوفنتوس ما زال بطلا للكالتشيو، وما زال مرشحا للفوز بدوري الأبطال على الورق، ولكن أن تُهدد بفقدان السيطرة المحلية في وقت البحث عن السيطرة الأوروبية هو حدث لا يمكن الاستهانة به خاصة مع ظهور مؤشراته، فتجاهل المؤشرات في البداية هو من وصل بالمشروع إلى المحك، ولا أحد يعلم ما الذي سينتجه هذا التجاهل مرة أخرى.

المصدر : الجزيرة