شعار قسم ميدان

من دكة البدلاء إلى تجارة المخدرات.. كيف تنسف أندية كرة القدم أحلام الشباب؟

ميدان - تجارة المخدرات

معقولٌ أن يُبقِي أرسنال على النيجيري أليكس أيوبي، وهو الذي فرط قبل سنوات في نجم بايرن ميونيخ الحالي سيرجي جنابري؟ الأمور بين ساني وغوارديولا ليست على ما يرام، ورياض محرز لم يكن على مستوى التطلعات، أكان على السيتي إبقاء جوردان سانشو والرهان عليه؟ ولا تنسى طبعا ثلاثية مورينيو الشهيرة مع تشيلسي؛ كيفين دي بروينه، محمد صلاح، روميلو لوكاكو. والكثير والكثير من الحالات المشابهة التي يمكنك من خلالها أن تتهم هؤلاء جميعا وبكل ثقة بـ "الغباء".

 

الحقيقة المؤكدة أن كرة القدم أصبحت عالما رقميا، تتوحش تفاصيله يوما بعد يوم. جيش من محللي الأداء يتحصل على ما يشاء من البيانات، وفي النهاية يخطئون في الدفع بالمواهب الشابة، والتي تذهب بعد ذلك للتألق في مكان آخر. من يتحمل الخطأ داخل المنظومة؟ وهل يمكن للأمر أن يؤثر على حياة اللاعبين الصغار خارج كرة القدم؟

       

     

مجرد مصادفة

بالمصادفة، فإن الحالات المذكورة في المقدمة حدثت جميعها في البريميرليغ. وبالاستعانة بالدراسة التي أجرتها "جامعة أنتويرب" البلجيكية حول مأساة المواهب البلجيكية في إنجلترا، فبإمكَاننا أن نثبت أن البريميرليغ يعاني خطبا ما.

   

قُدمت الدراسة بناء على طلب شركة "Stirrs Associates" التي تملك وكالة أعمال عدة لاعبين في بلجيكا؛ من أجل منحهم خيارات أفضل بشأن التنقل بين الأندية (1). وتتبعت الدراسة مسيرة 80 لاعبا، يتراوح عمرهم بين 15 و23، بين عامي 2005 و2018. ولأن الجميع يركز مع الأسماء الكبيرة، ضاع المهمشون في الزحام.

    

قلب الدفاع "ماتياس بوسايرتس" ذو الـ 22 عاما، قضى 4 سنوات ضمن صفوف مانشستر سيتي، واليوم يلعب في دوري الدرجة الثانية بهولندا. الجناح "إيندي بونين" والذي انتقل إلى مانشستر يونايتد قادما من نادي جينك البلجيكي، واليوم يواجه خطر الهبوط في الدوري البلجيكي مع نادي "أوستيند". الجناح "إسماعيل عزاوي" ذو الأصول المغربية، والذي لم ينل فرصته مع نادي توتنهام، انتقل إلى فولفسبورغ الألماني، ومنه خرج معارا إلى نادي "فيليم الهولندي" (1). هؤلاء وغيرهم قدموا إلى إنجلترا على أنهم مواهب سوف تقوم الأندية بالاستثمار فيها، لكن الفشل كان من نصيبهم.

      

   

مزيد من المنطق

يمكنك أن تذهب بعقلك بعيدا، وتستنتج أن الإنجليز يستأثرون بالفرص لصالحهم، لكن الأرقام التي نشرتها جريدة "Financial Times" قد تربكك قليلا. فاللاعبون الإنجليز يشاركون فقط في 34% من دقائق اللعب في بطولتهم (2)، أي إن الأولوية للغرباء. مما اضطر اللاعبين الإنجليز للذهاب خارج إنجلترا بحثا عن الفرصة، حيث وجدوا في ألمانيا مكانا مناسبا لتطوير مواهبهم.

      

   

ما فعله جوردان سانشو (لاعب بروسيا دورتموند) وريس نيلسون (لاعب أرسنال المعار إلى هوفنهايم) يتفق مع نتائج الدراسة البلجيكية، والتي أشارت إلى ضرورة حصول اللاعبين في سن الـ 18 عاما على مزيد من دقائق المشاركة بدلا من الجلوس على دكة الاحتياط بنادٍ كبير. وتطور اللاعب الناتج عن اللعب في فريق تحت 23 عاما بنادٍ إنجليزي لا يماثل أبدا تطوره عند اللعب في الفريق الأول لأندية بدوريات متوسطة كالدوري البلجيكي.

   

ويمكن تأكيد ذلك بالاستدلال بمن نجح من المواهب البلجيكية في الدوري الإنجليزي، فإيدين هازارد مثلا لعب في الفريق الأول بنادي ليل الفرنسي قبل الالتحاق بتشيلسي، وكذلك لوكاكو الذي لعب في الفريق الأول لنادي أندرلخت البلجيكي قبل الانضمام إلى تشيلسي، ومع ذلك عانى الأمرين وخرج في إعارة تلو الأخرى حتى تطور. وكذلك ينطبق الأمر على دي بروينه وصلاح اللذين هربا من دكة تشيلسي، وعادا من جديد إلى البريميرليغ بوجه آخر. ما زلت تسأل من المذنب؟ حسنا، سنحاول أن نصل جميع الخطوط، ونترك لك التقييم.

   

سوء توقيت

يمكن القول إن الدوري الإنجليزي ليس بيئة مناسبة للتطور، فالإيقاع سريع، والمنافسة شرسة لأن الجميع يملكون الأموال. لا تفرقة بين الموهبة المحلية أو الأجنبية، فالكل يبحث عن اللاعب الجاهز كي يستطيع المواصلة. في إسبانيا عندما كان غوارديولا مدربا لبرشلونة، استعان ببيدرو وبوسكيتس وجيفرين وكريستيان تيو وإسحاق كوينكا. وعند مقارنة سانشو بالأسماء الثلاثة الأخيرة، فإن الدولي الإنجليزي كان يستحق الفرصة.

   

كان الوضع في برشلونة أكثر سهولة في الاعتماد على الشباب، لأن أكاديمية النادي تتفق مع الفريق الأول في الأسلوب والفلسفة. فيسهل على المدرب الوثوق بهؤلاء الصغار -بعيدا عن وضع برشلونة الحالي مع المدرب إرنستو فالفيردي- أما في مانشستر سيتي فالأمر ليس كذلك، وفي ظل احتدام المنافسة، لجأ غوارديولا إلى الخيارات المنطقية بدلا من المجازفة. بإمكانك أن تشاهد في التغريدة التالية بداية عمل مشابه في أكاديميات مانشستر سيتي، ففريق تحت 12 عاما، كان يقوم ببناء اللعب من الخلف مرة تلو الأخرى، وهذا بالطبع لم يكن معتادا هناك.

    

    

بتعميم الوضع السابق على بقية مدربي البريميرليغ، فلن تجد للمواهب مكانا مناسبا سوى في الفرق البعيدة عن المنافسة كبورنموث وواتفورد على سبيل المثال، وعلى الستة الكبار مراعاة التوقيت المناسب للتعاقد. وفقا لشركة "21st club" للإحصائيات، فإن المهاجمين يصلون إلى أقصى أداء في الفترة بين 24، و26 عاما (3)، ويعود الأمر لقدرة اللاعب على الارتقاء للمستوى الأعلى من المنافسة. لذا، أصبح على النادي أن يحظى بالموهبة، ويبقيها حتى موعد الانفجار مهما كلف الأمر.

     

سوق وصاحبه غائب

لذلك، ترصد الأندية مبالغ ضخمة لتعيين فريق كبير من الكشافة ومحللي الأداء، لضمان اقتناص المواهب قبل غيرها. ووصل الأمر بأندية كثيرة لمخالفة قواعد التعاقد مع الناشئين، وآخرها نادي تشيلسي الذي تم منعه من إبرام أي تعاقدات خلال فترتي انتقالات، بعد المخالفة التي ارتكبها في صفقة اللاعب البوركيني "بيرتراند تراوري".(5)

   

وبعد مخالفة القواعد، تبدأ عملية التكديس. تشيلسي مثلا يملك جيشا من اللاعبين المعارين، وعلى مدار سنوات، لم يستطع أحد منهم أن يحجز مكانا أساسيا في الفريق بعد عودته، باستثناء تيبو كورتوا، وفيكتور موسيس في حقبة أنطونيو كونتي. كما استعان النادي اللندني بنادي فيتيسه أرنهيم الهولندي، لينال نصيب الأسد من الإعارات، ويلعب دور "تشيلسي ب".

    

   

نادي مانشستر سيتي ليس أفضل حالا، فمُلّاكه يملكون النسبة الأكبر من أسهم نادي جيرونا الإسباني، وسيكررون الأمر. وإن كنت لا تملك ناديا احتياطيا، فذلك لا يمنعك من تكديس المواهب أيضا لكن بكميات أقل. حتى يتحول الأمر في النهاية من تنقيب عن المواهب إلى متاجرة بأحلام مجموعة من الصغار، قد تقودهم الصدمة إلى ما لا يحمد عقباه.

 

الجانب المظلم

في عام 2013، انتحر شاب إنجليزي يبلغ من العمر 16 عاما، بعد أن تم تسريحه من أكاديمية أحد أندية البريميرليغ (4). لم يذكر الكاتب الرياضي بصحيفة الغارديان "دافيد كون" اسم الشاب أو ناديه؛ مراعاة لمشاعر أهله. وفقا للتحقيق، فإن الشاب الصغير كان سعيدا، وموهوبا أيضا. كان يلعب في أحد الأندية بالدرجة الدنيا إلى أن التقطته أعين أحد أندية البريميرليغ في الـ 13 من العمر، حيث أمضى رفقة ناديه الجديد 3 سنوات. وعندما كان الشاب على وشك الحصول على منحة دراسية، والارتباط بنادٍ لمدة عامين آخرين، تم تسريحه. حسب أقوال الطبيب الشرعي، فإن ما حدث أدى إلى مرور الشاب بأزمة نفسية قادته إلى الانتحار، لأن الأساس الذي بنى عليه أحلامه المستقبلية تهاوى فجأة وبدون سابق إنذار.

   

كانت إحدى الحالات المأساوية الأكثر شهرة هي وفاة "ريس ستابلز" (19 عاما) في عام 2009، بعد أشهر قليلة من تخلي نادي نوتنجهام فورست عنه بعد سنوات في أكاديمية النادي. حاول أن يعود مرة أخرى إلى كرة القدم لكنه لم يجد ناديا آخر، حتى انتهى به المطاف تاجرا للمخدرات، وتوفي بطريقة بشعة عندما ابتلع 19 لفافة كوكايين في طريقه عائدا من كوستاريكا. واستكمالا لهذا الجانب المظلم، أخبر الرئيس التنفيذي لمنظمة رعاية لاعبي كرة القدم السابقين (Xpro) "جيف سكوت" صحيفة الغارديان بأنه زار في السنوات الأخيرة 108 لاعب سابق شاب انتهى بهم المطاف في السجن، ومعظمهم تورط في تجارة المخدرات أيضا. (4)

 

بالطبع ليست كل تجربة فاشلة ستنتهي بصاحبها إلى تجارة المخدرات، لكن ذلك الوضع المأساوي يقودنا الآن إلى حتمية مراعاة المنظومة لذلك الجانب الإنساني، وكأننا نحثُّهم على ضرورة اختيار التوقيت والأسلوب المناسبين للتخلي عن لاعبيهم، بعد أن كنا نبحث في البداية عن كيفية اختيارهم لتوقيت التعاقد معهم. الوضع مربك لا مفر، لأن الأندية أصبحت مقسمة إلى درجات، كل درجة تجهز اللاعبين للدرجة الأعلى حتى نصل إلى قمة الهرم؛ حيث أندية القمة وأقصى درجات المنافسة والضغط النفسي. لكن في قاع الهرم يجب أن تراعي المنظومة ذلك الجانب المظلم، لأنه لا يؤدي فقط إلى فشل نادٍ في التتويج بلقب، بل يؤدي إلى إنهاء حياة أحدهم.

المصدر : الجزيرة