شعار قسم ميدان

كواليس إقالة فالفيردي.."القرموطي" يحكم برشلونة!

ميدان - فالفيردي كواليس إقالته

مساء الخير، منذ أيام جاءنا الخبر التالي، والذي يُفيد إعلان برشلونة إقالة مدربه إرنستو فالفيردي وتعيين كيكي سيتين خلفا له، ليتحوَّل الأمر ما بين احتفال لجماهير الفريق الكتالوني، وما بين قلق من المستقبل مع مدرب لم يخض أي تجربة في هذا الحجم من الضغوطات من قبل. (1)

  

وبعيدا عن أخذ الأمور على محمل السخرية من فالفيردي أو من سيتين أو من كليهما معا، وبعيدا كذلك عن العاطفة التي جعلت جمهور برشلونة ينسى تبعات القرار ذاته أمام الرغبة في الاحتفال بالتخلُّص من المدرب السابق، يبقى هناك سؤال بلا إجابة، والسبب أنه لم يُسأل إلا قليلا.

  

الحديث هنا عن كواليس خروج فالفيردي من برشلونة، من حيث التوقيت والطريقة التي تم بها الأمر، أشياء تبدو غريبة ولكنها سقطت أمام الرغبة في الاحتفال والسخرية، فضلا عن شعور الجماهير بأنها ليست جزءا مما يحدث في الغرف المغلقة، لذا فهي ليست مُطالبة بالسؤال حول متى وأين وكيف ولماذا، المهم أن ما حدث قد حدث بالفعل، جاء هذا اللاعب أو رحل ذاك المدرب، هذه هي العناوين التي تتناولها محركات البحث.

     

رئيس نادي برشلونة
رئيس نادي برشلونة "بارتوميو" ومدرب برشلونة الجديد "كيكي سيتين"

   

احترام؟

هنا سنخوض في صراعات أزلية لن تنتهي أبدا، تلك التي تبدأ بمجرد ذكر أيٍّ من مشتقات الأخلاق أو الإنسانية أو الاحترام، لتحمَّر أعين الفئة الأكبر من متابعي اللعبة وهم يخبرونك أننا لسنا في المدينة الفاضلة، وأن عليك البحث عن هذه المفاهيم في لعبة كالتنس أو الكريكيت، أما هنا فنحن في ساحة حرب ينتصر فيها الأكثر قدرة على التجرُّد من كل ذلك.

  

المشكلة أن هذه الأزمة تتفاقم بمجرد أن يصبح أحد الأفراد المكروهين رياضيا محلَّ تعاطف أو شفقة، ففي هذه الحالات أنت لا تتعامل مع بشر، بل آلات. لاعبون أو مدربون أو رؤساء أندية، هذه هي أجناسهم وليست مجرد وظائف، ليس مسموحا لك الحديث عن كون هذا اللاعب السيئ سيئا ولكن لا يستحق هذه المعاملة، أو أن هذا المدرب كان يجب أن يُقال ولكن ليس بهذه الطريقة. ماذا عن فالفيردي؟ ارجع خطوة للخلف وعُد للجملة السابقة.

  

ما وصلنا إليه في الكواليس هو أن إدارة برشلونة قد ذهبت إلى خيار إقالة فالفيردي المؤجَّل منذ ريمونتادا ليفربول، لتبدأ في الحديث مع تشافي دون علم فالفيردي، وافق أحدهم؟ سيُقال المدرب، لم يوافق أحدهم؟ سيستمر إرنستو إلى نهاية الموسم. ولكن المفاجأة كانت أن الخبر قد تسرّب، لتُكمل إدارة برشلونة البحث بين البدائل بعدما علم فالفيردي بالأمر وأبدى استياءه. (2)

    

مدرب برشلونة السابق
مدرب برشلونة السابق "أرنيستو فالفيردي" (رويترز)

   

عملية تقوم فيها الإدارة بتجريد الرجل من صلاحياته كافة كإنسان وليس كمدرب، فأنت تُخبره ضمنيا بأنه مسلوب الحق في اختيار مصيره، وأنه لا يصلح لتلك المهمة التي سيضطر إلى إكمالها في حال لم تجد البدائل، وأن عليه البقاء صامتا حتى تنتهي تلك العملية لكي يُبلَّغ بالقرار الذي سيُنفِّذه. الأمر منطقي فقط في حالة كنت تتحدّث عن طفل يُقرِّر أبواه هل سيُرسلانه إلى جَدّه في عطلة نهاية الأسبوع أم لا، وليس عن مستقبل مدرب تُناقشه إدارة أحد أكبر الأندية في العالم.

  

في هذه الحالة ستجد الغالبية يرون أن فالفيردي يستحق الإهانة بتلك الطريقة لأنه مدرب سيئ، كما كان تشاكا يستحق أن تموت زوجته وتُصاب ابنته بالسرطان لأنه لاعب سيئ، وكما يستحق أي فرد من أفراد اللعبة أن تُنتهك كرامته وإنسانيته لأنه لا يؤدي دوره بالكفاءة المطلوبة، إن كنت ممّن يتفقون مع وجهة النظر تلك فإنك على الأرجح لن تصل إلى نهاية هذه الفقرة نظرا لكونها تتضمّن دفاعا عن إنسانية رجل أنت لا تعتبره إنسانا من الأساس. (3)

  

أندريس إنييستا وصف ما حدث من قِبل إدارة برشلونة بالتعامل القبيح، وطالَبهم باحترام المدرب أكثر من ذلك. في حالة جمعك القَدَر بالرسام فيما بعد، قُم بسؤاله حول كفاءة فالفيردي كمدرب أو مقارنته بغوارديولا مثلا، حينها ستُخبرك إجابته بالفارق الذي نحاول إيضاحه ما بين الكفاءة وحتمية التعامل الإنساني. (4)

    

   

التعلُّم من الماضي

بالنظر إلى العملية التي قام بها برشلونة، وإلى احتمالية فشل التعاقد مع مدرب في الوقت الحالي، نظرا لأن كيكي سيتين كان ثالث البدائل، وأنه كان من المُحتَمل أن يرفض كما رفض تشافي وكومان، في هذه الحالة كان فالفيردي سيضطر إلى إكمال الموسم، مع إبلاغه ضمنيا بأنه سيجلس على هذا الكرسي لأن البقية رفضوا ليس إلا، والآن بعد أن أخبرناك بذلك، فلتنسَ كل ما سبق ولتقم بشحن همم لاعبيك ووضع الخطط المناسبة وفُز معنا بالدوري والكأس ودوري الأبطال! (5)

  

السيناريو الأقرب لتلك القصة حدث قبل أقل من 4 سنوات، حين أعلن مانشستر سيتي في شتاء العام 2016 أن بيب غوارديولا سيكون المدير الفني للفريق بداية من الموسم المقبل، وأن مانويل بيليغريني عليه إكمال الموسم الحالي والفوز بالبريميرليغ ودوري الأبطال بعد أن تم إخباره بأنه سيرحل بعد 6 أشهر لأنه ليس بالكفاءة المطلوبة. (6)

    

حينها كان مانشستر سيتي هو أقوى المرشحين للفوز بالبريميرليغ الذي خطفه ليستر سيتي في النهاية، ولعل اسم البطل هنا يُخبرك عن سهولة المنافسة، إذ لم يكن أيٌّ من الكبار لديه ما يؤهِّله لها. حينها وصل مانشستر سيتي أيضا إلى أبعد نقطة في تاريخه في دوري الأبطال، تلك التي فاز بها ريال مدريد الذي أقال مدربه قبلها بـ 5 أشهر، ولعل هذه القصة أيضا تُخبرك عن ضعف هذه النسخة من البطولة مقارنة بما سبقها وما تلاها.

  

حينها ظهر مانشستر سيتي بوجه شاحب في مشهد لا يحتاج إلى تفسير، فضلا عن كونه ليس مفاجئا إطلاقا، المدرب الذي أُبلِغ بإقالته قبلها والذي لم يحصل على الاحترام المطلوب لن يكون قادرا على قيادة اللاعبين، الذين سيتعاطف بعضهم معه حتى وإن أجزم بأفضلية الاسم القادم لخلافته.هذا الأمر -الذي لا يحتاج إلى أن يكون قد حدث من قبل حتى تُدرك أنه سيُنتج كارثة- هو ما تكرّر مع برشلونة، الإدارة التي فقدت القدرة على التفكير بمنطقية في عشرات المواقف من قبل، ولم تتعلّم من أخطاء ارتكبتها بنفسها، ناهيك بإمكانية التعلُّم من أخطاء الآخرين.

   

فوضى
undefined

    

نحن لم ننتهِ بعد من عرض الجوانب التي تُثير الضحك في تلك المسألة، هناك فصل جديد تُعنونه أسماء البدائل التي وضعها برشلونة لفالفيردي، 3 أسماء لا يجمعها أي روابط مشتركة، ما يؤكد أن برشلونة لم يمتلك أي تخطيط لمرحلة ما بعد إقالة المدرب الحالي، فقط علينا التخلُّص منه حتى لا تُحطِّم الجماهير رؤوسنا.

  

برشلونة وضع تشافي خيارا أول، ورونالد كومان خيارا ثانيا، وكيكي سيتين خيارا ثالثا، اسم أول معتزل منذ أقل من عام ولديه تجربة محدودة كمدرب في قطر لم تحصل على الوقت الكافي حتى تُقيَّم بموضوعية، واسم ثانٍ كان لاعبا حتى منتصف التسعينيات ولم يُقدِّم أي تجربة مميزة سوى تلك التي قام بها مع منتخب هولندا مؤخرا، وبالطبع لا تحتاج إلى أن نُخبرك عن الفارق بين تدريب المنتخبات والأندية، وبما أننا فتحنا باب النظر في التجارب السابقة فأمامنا رحلة لويس فان خال من نصف نهائي كأس العالم مع الطواحين إلى قاع الضحك مع مانشستر يونايتد. (7)

  

الاسم الثالث كان كيكي سيتين، رجل يمتلك تجربة تُشبه ماوريسيو سارّي، أفكار ثورية مع أندية صغيرة وكرة قدم جذّابة بإمكانيات متواضعة ونتائج ليست بأفضل شيء، تخيَّل أن تلك الأسماء الثلاثة وضعها برشلونة في قالب واحد ليختار من بينها في ظرف أقل من أسبوع، وكأنك تتحدّث عن رجل قرّر الاختيار ما بين الزواج وشراء البطاطا وفتح شركة استثمار عقاري.

  

إضافة إلى ذلك، برشلونة لم يكن يعلم موقف أحد البدائل من الأساس، لحظة، هو لم يكن قد وضع قائمة بالبدائل، سنُقيل فالفيردي ولنبحث كما بحث الفنان المصري أحمد آدم وهو يُجسِّد شخصية "القرموطي" الشهيرة عن بلد يُسافر لها نجله من خلال مُجسَّم للكرة الأرضية. اليابان؟ براكين وزلازل، كوريا؟ نووي، اسكتلندا؟ هي اسكتلندا!

     

   

مَن الجاني؟

المشهد الأخير هنا في رحلة العبث الإداري في برشلونة ستكون مع بحث إدارته عن موقف بطولي وهمي، مشهد يُظهِر إرنستو فالفيردي سببا في كل نكبات برشلونة. هذا قد يكون صحيحا بالفعل، ولكن السؤال المنطقي سيكون مَن الذي أتى به إلى هنا؟ وهل ادّعى فالفيردي يوما أنه رجل يستحق تدريب برشلونة؟ ابحث داخل تصريحات الرجل وعُدْ لتُكمل معنا.

 

خلال رحلة العامين ونصف التي قضاها فالفيردي في برشلونة، لم يبالغ الرجل أبدا في تقدير ما حقّقه، الرجل عمل بقدر ما يمتلك من إمكانيات، ثم حقَّق نتائج مقبولة بمظهر سيئ، فوجد إدارة تُجدِّد له وتُشيد بما يُقدِّم ودعما مطلقا من لاعبيه، فأكمل، يُحقِّق إنجازا رقميا، يخفق في مشهد آخر، والدعم هو ذاته بل يزيد أحيانا. إذا صعد فالفيردي في نهاية موسم تباهى بما قدَّمه مقارنة بالأسماء الكبرى في عالم التدريب. في تلك الحالة سيكون الرجل مستحقا لكل ما حدث فيه في المشهد الختامي، ولكن الأمر كان غير ذلك، الرجل لم يدّعِ شيئا، ووجد إدارة لا تفقه شيئا في كرة القدم تُشيد بما يُقدِّمه فقط لأنه يحصد بطولات بغض النظر عن تفاصيلها، إذن لماذا يُلام وحده في النهاية؟

    

نجاح سيتين في جلب الثلاثية لن يُثبت أن الإدارة كانت مُحِقّة في طريقة التعامل مع فالفيردي، وفشله لن يُثبت أن فالفيردي كان مدربا مميزا لأنه ليس كذلك
نجاح سيتين في جلب الثلاثية لن يُثبت أن الإدارة كانت مُحِقّة في طريقة التعامل مع فالفيردي، وفشله لن يُثبت أن فالفيردي كان مدربا مميزا لأنه ليس كذلك
   

كل هذه العوامل السابقة تُبرز أن برشلونة بنهاية المشهد لم يُقدِّم نفسه كنادٍ يحترم نفسه، أو كإدارة لديها خطة، أو كأفراد لديهم من الاحترافية والإنسانية ما يكفي، كل هذه الأشياء تتضاعف في حال كنت تُقدِّم نفسك كأكثر من مجرد نادٍ، وكرمز للثورة على طغيان العاصمة، ومع ترديد عبارات الفلسفة والهوية وما شابه، تلك الأشياء التي رسّختها أجيال برشلونة السابقة بشكل حقيقي، ما جعل الفريق الكتالوني بالفعل يبدو كأكثر من مجرد نادٍ، ويفوق بذلك تلك الأندية التي تهدف لتحقيق النجاحات الرياضية فقط. واليوم؟ بات مؤسسة ربحية لا هي أكثر من مجرد نادٍ، ولا هي ترقى حتى لتلك المؤسسات التي تبحث عن النجاحات الرياضية بأي طريقة.

  

ختاما، لن يكون المستقبل مؤشرا لتغيير أي حرف مما قيل هنا، نجاح سيتين في جلب الثلاثية لن يُثبت أن الإدارة كانت مُحِقّة في طريقة التعامل مع فالفيردي، وفشله لن يُثبت أن فالفيردي كان مدربا مميزا لأنه ليس كذلك، ولأن هذا القرار كان يجب أن يُتَّخذ مبكرا عن موعده ولكن بشكل أكثر احتراما، ومع الأسف نحن نُخبرك من الآن أن كل ذلك لن يحدث، وأننا على موعد مع التدليس أيًّا كانت النتائج، فنحن نُعاني حتى الآن من نفي كل ما ارتكبه مورينيو من أخطاء في فترة مانشستر يونايتد فقط لأن خليفته كان سولشاير، فما بالك بالمدرب الذي فاز بالدوري مرتين ووصل إلى نصف نهائي دوري الأبطال؟ (8)

 

القصة لن تكون في فالفيردي ولم تكن في مورينيو، فنحن نميل إلى الدفاع عن الماضي، هذه فطرة بشرية، سوء الماضي يكون بعيدا عن الذاكرة بتفاصيله، لذا فهو بالطبع كان أفضل مما نحن فيه الآن، وهذه بُشرى خير لإدارة برشلونة الحالية، فبعد سنوات ستسمع عبارة "ولا يوم من أيام بارتوميو وإدارته"، حينها لا تستغرب، ولا تفتح سجل نتائج برشلونة في حقبته، فقط تذكّر إعادة قراءة ما كُتب هنا حتى تتذكّر أننا أول مَن أخبرك.

المصدر : الجزيرة