شعار قسم ميدان

الدرع المكسور.. عن مناورة أبيدال لحصار ميسي

ميدان - الدرع المكسور.. عن مناورة أبيدال لحصار ميسي

مرة أخرى نعود من حيث توقفنا، من إقالة إرنستو فالفيردي التي كعادتها كانت تحمل انتصارا خادعا، لا يختلف إطلاقا عن انتصاراته نفسها. هذه هي تركة إدارة جوسيب ماريا بارتوميو بلا رتوش، إنها تلك التركة العفنة التي ستواصل الكشف عن مدى تعفنها خطوة تلو الأخرى.

  

البداية تلك المرة من تصريحات إريك أبيدال المدير الرياضي للنادي، حيث قال: "الكثير من اللاعبين لم يشعروا بالسعادة مع فالفيردي، وبالتالي لم يعملوا كثيرا. هناك أشياء يمكنني أن أشمّها بصفتي لاعبا سابقا، أخبرت الإدارة ما أفكر به وكنت أفكر بأنه قرار يجب اتخاذه". سمع ليونيل ميسي تلك الكلمات، اللاعبون غير سعداء ولا يعملون؟ أنا؟(1)

     

ما الجديد؟

"بصراحة لا أحب فعل تلك الأشياء، ولكني أعتقد أن كل شخص يجب أن يكون مسؤولا عن أفعاله وأن يتحمل تبعات قراراته. اللاعبون مسؤولون عما يحدث في الملعب، وكنا أول مَن يعترف حين لم نكن جيدين. الناس في الإدارة الرياضية أيضا يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم وأن ينسبوا قراراتهم لأنفسهم. أخيرا، أعتقد أنه حين يدور الحديث عن اللاعبين، من الأفضل أن يتم تقديم الأسماء، لأنه إذا لم يكن هناك أسماء سنتّسخ جميعا وستتغذّى التعليقات غير الحقيقية".

(ليونيل ميسي عبر إنستغرام)

         

ليونيل ميسي (رويترز)
ليونيل ميسي (رويترز)

     

هذا هو السؤال الآن، ما الجديد تلك المرة؟ "التعليقات غير الحقيقية" المقصودة هنا هي الأحاديث عن توحش سيطرة غرف الملابس على دوائر صناعة القرار، بكلمات أخرى: تحرك الإدارة لضم نيمار وبقاء فالفيردي لكل هذا الوقت، أمران لطالما نُسبا لغرفة ملابس البلوغرانا عموما وللبرغوث الأرجنتيني نفسه على وجه التحديد. لماذا صمت ليو طوال هذا الوقت تجاه تلك "التعليقات"؟

  

هذا ليس الشيء الوحيد الذي لا يبدو جديدا، الصراع برمّته ليس مستحدثا على الإطلاق أو بالأحرى فكرة الصراع ذاتها، ففي فترة بارتوميو وحده شهدنا صراع "ميسي – خافيير فاوس" أحد مديري النادي الذي انتقد الحاجة إلى تجديد عقد ليو فردّ الأخير بأنه "لا يعلم شيئا عن كرة القدم"، وصراع "ميسي – لويس إنريكي" الذي كاد يطيح بالأخير في أشهره الستة الأولى، وصراع "بارتوميو – جوردي ميستري" نائب الرئيس السابق والذي انتهى بإقالته وتنصيب الرئيس نفسه نائبا لنفسه، وأيضا صراع "بارتوميو – بيب سيغورا" المدير الرياضي السابق حول استعادة نيمار، الخلافات الداخلية للبيت الكتالوني باتت في الشارع منذ زمن طويل.

    

   

على صعيد ميسي وحده، كلهم أشخاص لم تربطه بهم أي علاقة، ميستري هو رجل إداري بحت، وعام تصعيد ميسي للفريق الأول هو نفسه عام رحيل إنريكي عنه، ولكن أبيدال زميل سابق، أحد هؤلاء الكبار في غرفة الملابس الذين احتضنوا الطفل المعجزة في بداياته، وهم الذين يُكِنُّ لهم ليو كل الاحترام والود طوال الوقت. ليس فقط مَن زاملوه لوقت طويل مثل تشافي وإنييستا وبويول، بل رونالدينيو وإيتو الذين قضوا معه 4 و5 سنوات فقط على الترتيب.

  

ولكن قبل أن نبحث عن الإجابة علينا أن نعرف أين نبحث عنها أصلا وسط تلك الفوضى الشاملة التي فجّرت كل شيء بعد أعوام من كنس التراب تحت السجاد، فالآن يتحدث الجميع عن مليار يورو أنفقها بارتوميو في الهواء، وعن مهاجم باعوا أبيل رويز وكارلس بيريز لضمّه فلم يأتِ، وعن كارثة في عمق الأجنحة أيضا بتأكد إصابة ديمبيليه لنهاية الموسم، ليصبح قوام الخط الهجومي لبرشلونة عن بكرة أبيه هو ميسي وغريزمان والمراهق فاتي حتى إشعار آخر. مهزلة في إقالة المدرب ومهزلة في اختيار بديله، مهزلة في إدارة الصيف وأخرى أكبر في الشتاء، وحين يقول بعض الصحفيين إن ميسي هو مَن يحكم فهذه ليست مشكلة كبيرة، أما أن يحاول مسؤول إداري مجرد التلميح لشيء مشابه، فلم يعد هناك مجال للصمت حتى وإن كان القائل هو خورخي ميسي شخصيا.

   

خطوة للخلف.. خطوتان للأمام

وكأن كل ما سبق لم يكن كافيا، لدينا المزيد من الحلوى في الوقت ذاته. 16 لاعبا فقط من الفريق الأول كانوا موجودين في قائمة مباراة أتلتيك بلباو وهذا كل ما يملكه البلوغرانا في اللحظة الحالية، صامويل أومتيتي كان في المحكمة صباح الأمس لاتهامه بإحداث تلفيات قيمتها قرابة 200 ألف يورو في سكنه المستأجر السابق، إيفان راكيتيتش أعلن صراحة عن عدم سعادته حيال محاولات الإدارة لإجباره على الرحيل في الصيف، وأخيرا أرتورو فيدال يتحرك قضائيا عن طريق ممثليه للحصول على مكافآت إضافية متنازع عليها مع الإدارة.

  

هذا هو الوضع الحالي كما لخّصه "سيد لو" في تقريره لصحيفة "غارديان"، وهو الوضع الذي قرّر خلاله أبيدال أن يُلقي بعض اللوم على اللاعبين، وفي الحقيقة الاحتمالان قائمان، ولكن أحدهما لن يبرئ الفرنسي أبدا، إذ إن كان ما قاله أبيدال مجرد تملص من المسؤولية فإن ميسي على حق، وإن كان ما قاله أبيدال هو الحقيقة فتلك كارثة أكبر.(2)

    

إريك أبيدال (رويترز)
إريك أبيدال (رويترز)

    

بنظرة سريعة على وضع المدير الرياضي، أقر الرجل بأن "عملية إقالة فالفيردي" قد بدأت في الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول في أعقاب الكلاسيكو المزري، وبالنظر لتاريخ إقالة فالفيردي (13 يناير/كانون الثاني)، نجد أن الإدارة الرياضية قد أهدرت قرابة الشهر لتتعاقد مع كيكي سيتين كملاذ أخير. أبيدال قرّر تكذيب كل ما قيل عن التفاوض مع تشافي علنا، رغم تأكيد إدارة السد لوجود تواصل بين الطرفين. يقول أبيدال: "إذا كان تشافي يملك عرضا فليظهره"، نعم، وكأن كل العروض تبدأ بعقود رسمية موثقة تنتظر التوقيع وليس بالمفاوضات الشفهية.(3)

    

لا شك في ذلك، منصب أبيدال كان مُهدَّدا للغاية بعد كل تلك المهازل في إقالة فالفيردي واختيار بديله وإدارة سوق الشتاء التي أزّمت وضع الفريق أكثر مما كان متأزما، ولكن للأمانة علينا أن نُصفِّق له الآن بعد مناورته المذهلة لإنقاذ منصبه إن كانت متعمدة، وإن كان يتحلى بهذا الخبث اللازم من الأساس: حين يرسل المدير الرياضي لبرشلونة اتهاما مبطنا لـ "بعض اللاعبين" بالتحكم في سير النادي، تذهب الأصابع كلها إلى ميسي مغذية الأسطورة القائلة إنه الحاكم الفعلي للنادي، والآن أمام الجميع حل من اثنين: إما وأد الخلاف والإبقاء على المدير الرياضي، وإما إقالته وإثبات أن ميسي هو الحاكم الفعلي للنادي.

      

 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 

A post shared by Leo Messi (@leomessi) onJan 30, 2020 at 2:07pm PST

  

حدود الصبر

بطبيعة الحال انتهى العرض بتثبيت أبيدال في منصبه، ففي برشلونة دائما ما يظل هناك متسع تحت السجاد، ولكن عرض آخر قد بدأ بالفعل، يلخّصه "سيد لو" في عناصر نعرفها جميعا: شعور متزايد بأن سنوات ميسي الأخيرة تذهب أدراج الرياح، ميسي لم يفُز بدوري الأبطال منذ 5 سنوات، ميسي يشاهد برشلونة يفشل في البناء من حوله، ميسي يرى فشلا إداريا مستمرا، أربعة رجال قد تناوبوا على منصب المدير الرياضي بلا جدوى، مليار يورو أنفقهم بارتوميو في الهواء الطلق، الرئيس يُعيِّن نفسه نائبا للرئيس، إلخ. كل هذا يُعَدُّ سيئا بحد ذاته، ولكن الأسوأ هو أن تكون درعا لكل هذا الهراء.(4)

  

الدرع قد انكسر، أو بالأحرى انفجر، والواقع أمامنا هو رجل قد ضاق ذرعا من اختباء الفشلة في ذيل ثوبه، وإلقائهم بكل تلك التبعات على كتفيه. لو كان يحكم كليا كما يُصوِّر البعض لما تكلّم، فقط كان ليكتفي بمكالمة تُقصي أبيدال من منصبه. ميسي بات يشعر بالوحدة والضجر في آنٍ واحد، ومن هنا بدأ العرض.(5)

  

باعتراف أبيدال نفسه، ميسي يملك عقدا ينتهي في صيف 2021، ولكن يحق له الرحيل مجانا في الصيف المقبل، في حقيقة الأمر كل ما عليه أن يفعله -والعهدة على أبيدال مرة أخرى- أن يبلغ النادي رسميا في مايو/أيار، فقط بتلك البساطة، والآن، نَفَس عميق: لاعبان تشاجرا في تدريبات برشلونة عقب إقالة فالفيردي، و"إل بايس" تزعم أنهما ميسي وتير شتيغن.. مانشستر إيفينينغ نيوز تؤكد مراقبة مانشستر سيتي لوضع ليو تمهيدا للتعاقد معه مجانا.. أحدهم قال مجانا؟ يوفنتوس يتجهّز للانقضاض على ميسي وتحقيق حلم جمعه مع كريستيانو رونالدو في فريق واحد، ولا أحد سيلوم عمال "فيات" إن أعلنوا العصيان المدني تلك المرة.(6،7)

     

وصلنا كالعادة إلى وقت الخاتمة، أو بالأحرى وقت التذكير السنوي.. الموسمي.. الشهري؟ الأسبوعي للأمانة، بأن هذا النادي لن يرى خيرا ما دام جوسيب ماريا بارتوميو على رأسه. نلقاكم على خير في الكارثة المقبلة.

المصدر : الجزيرة