شعار قسم ميدان

زيدان يعيد اختراع ريال مدريد.. بين ثلج المنطق وجحيم الجماهير

ميدان - زيدان مع اللاعب فيديريكو فالفيردي

يُحكى أن فابيو كابيللو فاز بالدوري مع ريال مدريد فأقالوه، وأن مانويل بيلغريني حقّق 96 نقطة وخسر الدوري في النهاية أمام بارسا بيب فأقالوه، وأن زين الدين زيدان حقّق 3 ألقاب متتالية لدوري أبطال أوروبا ثم صرّح بأن الليغا أهم، إذن الليغا أهم؟ لا، فمورينيو حقّق الدوري بـ 100 نقطة ثم أُقيل في النهاية لأنه لم يفز بدوري الأبطال. هل فهمت شيئا؟ لا؟ ولا نحن، وفي الحقيقة نحن هنا لكي نحاول أن نفهم. (1)(2)(3)

  

في ريال مدريد لا معايير ثابتة، كل شيء يتوقف على ما يحتاج إليه الوقت الحالي، وعلى ذلك الأساس تأتي القرارات والتخطيطات، وبناء على ذلك فإن الوضع الحالي يجب أن يُقاس بمتطلبات اليوم لا بتجارب الأمس. وبناء على كل ذلك، كيف يبدو الوضع في ريال مدريد اليوم؟ حسنا، الآن يمكننا أن نبدأ.

   

بين نسف ومبالغات

في حال كنت من أعداء ريال مدريد وزيدان ستشعر أن الفريق ليس بالجودة التي يتحدّث عنها مناصروه، وإن كنت من المناصرين فستغضب حتما من محاولات نسف كل ما يقوم به المدرب الفرنسي وكل نجاح لفريقه، وستبدو لك الأمور كمبالغات معتادة من مشجعي فريق أنت لا تحبه، وبالتبعية لا تحب جماهيره، ونتيجة لذلك أنت لا تحب أيضا ما يقولونه في حالات الفوز أو الخسارة.

    

"زين الدين زيدان" مدرب فريق "ريال مدريد" (رويترز)

    

لكن بين هذا وذاك، غالبا ما يستقر الصواب. إذا وقفت في المنتصف فإنك -يا للمفاجأة- ستضع ما يقوله الطرفان في خانة المبالغة، وستشعر أنه بوجهيه لا يُعبِّر عن الحقيقة، إذ إن الفريق قد تطور بالفعل، ولكنه لم يصل إلى هذه الدرجة المرعبة بعد. نعلم أن البعض يدرك ذلك، ولكن إن افترضنا حتى أن الأغلبية تدركه، هل هذا هو ما يُصرَّح به من قِبل هذا المعسكر أو ذاك؟ هنا تكمن خلاصة القصة باختصار.

    

لا تقلق، الأمر ليس موجها ضد ريال مدريد، هذه الحالة منتشرة في كل مكان تُذكر فيه كرة القدم، تذكَّر أن العالم بات يكره فان دايك اليوم لأن بعضا من سكانه يرفضون مقارنته بسيرخيو راموس، والبعض الآخر يرى أنه جبان يهرب من المواجهة خصوصا تلك التي كانت أمام ميسي، والفئة الثالثة تكره الفريق الذي يرتدي قميصه ومبالغات جماهيره، أما البقية ففي الوقت الذي تصفّحوا فيه مواقع التواصل الاجتماعي شاهدوا كل ذلك، فقرّروا أن يسيروا على النهج نفسه حتى وإن لم يمتلكوا سببا واضحا.

  

اطمئن أيضا، هي ليست حملة مقصودة ضد فان دايك بعينه، تذكَّر فقط أن كرة القدم تُدار هكذا، وأن مشجعيها ينسفون الحقائق يوما تلو الآخر، وهو يعلمون أنهم يقومون بذلك فقط من أجل انتماءاتهم، والنتيجة؟ أن الحقائق تضيع في زحام هذه المشاجرات اليومية، ويبدو العالم بها ككرة من النار تحرق كل مَن يحاول إيقافها، أما المنطق فهو ككتلة ثلج تبقى خفية دائما لأنها لا تستطيع العيش في هذه الأجواء. رجاء حاول ألّا يداهمك الملل من استغراقنا في الأمثلة والتشبيهات، فهي مهمة حتى نتجنّب اتهامات المعسكرين بالنسف أو التطبيل، لأننا لن نمارس أيًّا منهما، فقط سنخبرك أن ريال مدريد ليس أفضل فريق في العالم حاليا ولا أسوأ فريق، اتفقنا؟

  

     

نظرة على المنافسين

هذه هي أول طبقة عليك تقشيرها للوصول إلى لُب الحقيقة، فقبل الشروع في تقييم أحد الفِرَق من الضروري معرفة مَن ينافس، نظرا لأن حجم منافسيه وحالتهم كفيلان بإخبارك عن وضعه الحقيقي. هل تعلم أن غلاسغو رينجرز هو النادي الأوروبي الأكثر تتويجا بالبطولات في تاريخ كرة القدم؟ هل أثّرت هذه المعلومة على تقييمك له كفريق متواضع مقارنة بالكبار؟ الإجابة ستتوقف على إجابتك المتعلقة بالسؤال المذكور؛ مَن ينافس؟ (4)

  

بالعودة إلى ريال مدريد، أنت مطالب أولا بإلقاء نظرة على وضعية منافسيه محليا قبل الحديث عن صدارته للدوري، ذلك بالطبع لأن معاركه الأوروبية لم تحتدم بعد، ولأن الهدف بالنسبة للفريق هذا الموسم يُعَدُّ الليغا أولا باعتراف زيدان نفسه، وأخيرا، لأن الدوري يحتوي على العديد من المباريات التي تُمثِّل أغلب موسم الفريق، والتي من الممكن منطقيا معرفة حالته من خلالها في حال وصل إلى منتصف الموسم وهو لم يرمِ المنديل فيما يتعلق بها بعد. (5)

  

لنترك الأمثلة قليلا، ولننظر إلى جدول ترتيب الدوري الإسباني الذي يُشير إلى تصدر ريال مدريد، ولكن ماذا عن المركز الثاني؟ برشلونة؟ أقال مدربه لسوء النتائج منذ نحو شهر، وجمع 46 نقطة فقط من 22 مباراة بواقع 14 انتصارا و4 تعادلات و4 هزائم، كما حقّق أسوأ بداية له في تاريخه الحديث. كان هذا على مستوى الأرقام المباشرة، أما عن الإحصائيات التفصيلية، فماذا عنها؟ (6)(7)(8)

  

على مستوى الأهداف المتوقعة والنقاط المتوقعة وفقا لـ "understat.com" فإن ريال مدريد سجّل أهدافا أقل بـ 4 أهداف من المتوقع له وفقا لتحليل المباريات التي خاضها، حيث سجّل 40 هدفا بدلا من 44 كان من المفترض أن يُسجِّلهم بتحليل الفرص التي صنعها نتيجة للعب المنطقي، دون النظر إلى الكرات التي تنتهي في الشباك بتجليات غير منطقية أو بأخطاء من الخصوم وما شابه. (9)

    undefined

  

وماذا عن برشلونة؟ هنا المفاجأة، فريق يمتلك ميسي فمن البديهي أن يُسجِّل عددا أكبر من الأهداف المتوقعة له، لأن حلول البرغوث الأرجنتيني غالبا ما تكون بعيدة عن المنطق والإحصائيات، ولكننا سنصدمك الآن أنه رغم كل ذلك إضافة إلى تجليات ليو التي نشاهدها معا هذا الموسم فإن برشلونة سجّل أقل بـ 12 هدفا من الأهداف المتوقعة، أي إنه سجّل 52 بدلا من 40 فقط! أي إنه بتحليل الفرص التي من المنطقي أن تنتهي في المرمى سيخسر برشلونة نحو خُمس الأهداف التي سجّلها. عن أي وضع تتحدث الآن؟ (10)

  

أما أتلتيكو مدريد، فكونه فاز في 10 مباريات فقط من أصل 22 خاضها، وكونه يقبع في المركز الرابع بعيدا عن الصدارة بـ 10 نقاط، فهذه أشياء تخبرك عن وضعه دون تمحيص، أما إذا أجبرك القدر على مشاهدة مبارياته هذا الموسم فأنت لا تحتاج أصلا إلى أن تضعه في خانة المنافسين لكي تبدأ في تحليل موقفه. (11)

  

في كلاسيكو الدور الأول لم يستطع ريال مدريد حسم النقاط الثلاثة أمام نسخة برشلونة السيئة، وفي ديربي الإياب فاز الميرينغي بهدف للا شيء في مباراة لم يقنع فيها بشهادة مناصريه. هل يعني ذلك أن الفريق لم يتطور أو أنه لا يستحق الإشادة على التحول الذي طرأ عليه في الشهور الأخيرة؟ قطعا لا، ففي حال خاض ريال مدريد هاتين المباراتين بالنسق نفسه الذي بدأ به الموسم فإن كلتيهما كانت ستنتهي بفضيحة، على الأقل بخسارتين. هذه هي مواجهات الفريق المباشرة أمام منافسيه. لحظة، من تم اختيارهما لجائزة رجل المباراة في المواجهتين؟ كاسيميرو أمام برشلونة وفالفيردي أمام أتلتيكو مدريد، حسنا، تذكَّر هذين الاسمين جيدا وهيا بنا إلى الفقرة التالية. (12)(13)

 

اختراعات زيدان

undefined

  

أي اختراعات؟ تلك التي تتعلّق بخط الوسط، بمعضلة استمرت لسنوات منذ رحل تشابي ألونسو عن الفريق، اللاعب الذي كان بمقدوره القيام بدور قاطع الكرات وبناء الهجمات في الوقت ذاته، لم يكن يجد أي مشكلة في إرسال التمريرات الكاسرة للخطوط والتقدُّم بالكرة ثم العودة وإفساد الهجمات كأي لاعب ارتكاز تقليدي. منذ ذلك الحين أتى أنشيلوتي وحاول صناعة ارتكاز من توني كروس، الشيء الذي باء بالفشل، وبات يُشعرك أن صانع الألعاب الخارق في بايرن ميونخ كسول في ريال مدريد، وأن الرجل الذي أنهى موسم 2014 بنسق عالٍ تبعه أداء باهر في كأس العالم جاء إلى الفريق الملكي لكي يحصل على راتبه مستمتعا بمشاهدة المباريات من أرض الملعب. (14)

  

منذ ظهر كاسيميرو بدت هذه المشكلة في طريقها للحل، ووصل وسط ملعب ريال مدريد إلى حد الكمال كرويا في موسم 2017 الذي قدَّم فيه زيدان أفضل مواسمه على الإطلاق، كاسيميرو أمامه مودريتش وكروس ومعهم إيسكو في أفضل حالاته، أي طريقة لعب لا يناسبها هذا الرباعي وهو في أفضل حالاته؟

    

كاسيميرو ومودريتش وتوني كروس وفالفيردي (رويترز)
كاسيميرو ومودريتش وتوني كروس وفالفيردي (رويترز)

    

مع الوقت وتراجع قدرة مودريتش على أداء تلك الأدوار بدنيا بات ريال مدريد في حاجة إلى مَن تبدأ عنده الكرة بعد قطعها، وهو الدور الذي حاول زيدان انتزاعه من كاسيميرو بالقوة، ما خلّف نتائج عكسية بأن يتقدّم متوسط الميدان البرازيلي كثيرا ويُفرِّغ مركزه، أو أن يحاول الاحتفاظ بالكرة أكثر من اللازم ويتسبّب في معاناة الفريق من المرتدات وفقدان الكرة بشكل متكرر، لتؤدي كل هذه العوامل في النهاية إلى تراجع رأس مال زيدان الأول وهو وسط الملعب، إضافة إلى الثورة التكتيكية والإحصائية والتي باتت كفيلة بكشف وفضح تفاصيل أساليب اللعب الناجحة سريعا، تسبّب كل ذلك في ألّا تصمد منظومة المدرب الفرنسي لفترة طويلة، ومنذ ذلك الحين والأمور من سيئ إلى أسوأ.

     

في بداية هذا الموسم اقتنع زيدان أن هذا الدور الذي يطلبه من كاسيميرو يستلزم وجود لاعب وسط آخر بجوار البرازيلي، ليبقى في مكانه ممارسا مهمته الأساسية، ويتكفل اللاعب الذي سيجاوره بمهام المساندة والمراقبة والخروج بالكرة والتقدُّم، وأخذ مساحة من الحرية في الحركة دون أن يُفرِّغ منطقة مُلغَّمة كتلك التي يغطيها لاعب الارتكاز الأخير.

     

المزيد من كاسيميرو وفالفيردي

ماذا يتبقى الآن؟ تحديد مواصفات الرجل الذي سيجاور كاسيميرو، وهنا من الممكن تلخيص ما تم في الغرف المغلقة بين زيدان وفالفيردي في حوار الفنان حسن حسني مع محمد سعد في الفيلم المصري الشهير "بوحة"، تخيل أن زيدان جلس أمام فالفيردي وأخبره بأن هذا الدور يحتاج إلى مهارة في التدرج بالكرة، موجود، سرعة فائقة؟ موجود، معدلات بدنية خارقة؟ موجود، قدرة على التحرك في الفراغات وتغطية مساحات واسعة؟ موجود!

  

  

فالفيردي منح ريال مدريد رئة يمنى جديدة، اللاعب بات يُمثِّل جناحا أيمن إضافة إلى كونه لاعب وسط، الأمر الذي نشّط الجبهة التي يعاني فيها الميرينغي من تراجع مستوى كارفاخال وانشغال بيل بمباريات الغولف، وبالطبع لم تكن تلك النظرة الأولى وحدها دليلا على ما قدمته ثنائية كاسيميرو وفيدي، هناك إحصائيات لا يمكن إغفالها خاصة في عصر سطوتها.

  

فبالنسبة لكاسيميرو يزداد معدل التدخلات الناجحة (tackles) ليصبح 3.5 تدخلا ناجحا في المباراة الواحدة، بينما يمرر تمريرات مفتاحية (key passes) بمعدل نصف تمريرة فقط في المباراة. على الجانب الآخر يُشير معدل تدخلات فالفيردي الناجحة إلى 1.3 تدخل في المباراة الواحدة، بينما ترتفع تمريراته المفتاحية إلى تمريرة واحدة في المباراة، مع نسبة تمريرات صحيحة تصل إلى 88%، وبالطبع أنت تعرف جيدا أنها ليست مجرد تمريرات قصيرة للاعب الأقرب، وأخيرا فيما يخص المراوغات فإن فيدي يقدم مراوغة صحيحة واحدة كل مباراة مقابل نصف لكاسميرو، هل بات تكامل الأدوار واضحا الآن؟ (15)(16)

  

إضافة إلى ذلك، فإن إمداد المنظومة بعنصر جائع كفالفيردي كفيل بأن يقضي على ما سمّاه فيرغسون بالدورة الكروية التي تمتد 4 سنوات، وتحتاج بعدها إلى تجديد لكي لا تقضي الرتابة على الجودة، وهو ما ظهر لدى فالفيردي الذي يقاتل لـ 90 دقيقة، ولا يشعر المدرب أو حتى المشجع بأنه تكاسل في هذه اللقطة أو تلك، الأمر نفسه الذي ينطبق على ميندي، وتذكَّر أيضا هذا الاسم جيدا وهيا بنا إلى الفقرة التالية. (17)

   

   

العيوب بين معالجة وإخفاء

بالحديث عن إضافة ميندي وجودة الوسط تبدأ الإجابة عن سؤال آخر، فإذا كان ريال مدريد قد تلقّى 13 هدفا فقط في الليغا في 22 مباراة كأقوى دفاع في البطولة على الإطلاق، وثالث أقوى دفاع في الدوريات الخمس الكبرى، سلسلة من المباريات المتتالية التي يخرج فيها بشباك نظيفة، فهل تحسّنت منظومة الفريق الدفاعية؟ وماذا عن الأداء الفردي للحارس كورتوا؟ هل تُعبِّر هذه الأرقام عنهما فقط أم هناك احتمالية في أن يكون الفضل لعنصر ثالث؟ (18)(19)

  

في الحقيقة دور ثنائية الوسط المذكورة في إظهار دفاع ريال مدريد بهذه القوة لا يمكن إغفاله، وكذلك لا يمكن إغفال تأثير ميل زيدان إلى لعب المباريات الكبيرة بـ 5 لاعبين في الوسط على الأمر ذاته، وبالمناسبة هذا الأمر لم يحدث مرة واحدة فقط، بل تكرّر في أكثر من مباراة وتحديدا منذ منافسات السوبر الإسباني.

  

البعض انتقد كثافة لاعبي الوسط أمام أندية كفالنسيا وخصوصا أتلتيكو، ما الحاجة إلى خلق التكتلات أمام خصوم لا تبحث عن كسب معركة وسط الميدان؟ أتلتيكو تحديدا ما الداعي لأن تملأ وسط ملعبك أمامه إذا كان من الممكن إرهاقه من الأطراف؟ هذه النقطة وإن أثّرت سلبا على شجاعة الفريق الملكي في بعض الأوقات فإنها بالضرورة تعطيه خطا محصنا أمام دفاعه، ما يُقلِّل من احتمالية استقبال كرات تكون فيها الزيادة العددية للاعبي الخصوم. (20)

    

كاسيميرو وفالفيردي (وكالة الأنباء الأوروبية)
كاسيميرو وفالفيردي (وكالة الأنباء الأوروبية)

  

بالطبع أمام هذه الأرقام المرعبة على المستوى الدفاعي قد لا تُصدِّق أن المنظومة الدفاعية لم تتحسّن بهذا القدر، وقبل أن تسأل عن الأدلة سنحملها إليك، إذ سيطر ريال مدريد تماما في مواجهة الإياب أمام باريس سان جيرمان في آخر مواجهات دور المجموعات من دوري الأبطال، ونجح في التقدُّم بهدفين وتسديد 20 كرة على مرمى نادي العاصمة الفرنسية، وبمجرد خروج فالفيردي قبل النهاية بربع ساعة فقط، تلقّى الميرينغي هدفين في دقيقتين وكاد يتلقّى الثالث ويخسر المباراة، وخسر السيطرة التي لم تغب عنه منذ البداية وحتى خروج فيدي. (21)

  

مباراة واحدة لا تكفي؟ نعلم ذلك، في مطلع فبراير/شباط خرج ريال مدريد من كأس ملك إسبانيا في مباراة لعبها أمام ريال سوسيداد وخسر فيها برباعية، تلك التي تلقّى فيها الفريق 19 كرة على مرماه. لماذا؟ لأنه لعب بدون كاسيميرو، رغم أنه حافظ على عناصر الوسط الناجح نفسها؛ فالفيردي وكروس وأي ثالث ممن تناوبوا على المشاركة هذا الموسم. (22)

   

بالنظر إلى ما حدث في هاتين المباراتين، وبمراجعة سجل لقاءات ريال مدريد هذا الموسم وإحصاء عدد المرات التي كان فيها كاسيميرو وفالفيردي مفتاحين للفوز، ومقارنة إحصائيات المباريات التي شاركت فيها هذه الثنائية بسيل الهجمات الذي يتلقاه الفريق بغياب أحدهما أو كليهما تبدو المعادلة أكثر اتزانا، خصوصا أن خروج ميندي من التشكيل يعني أن كارثة كبرى ستحل بالجهة اليسرى كما كان يحدث في السابق بمشاركة مارسيلو، ألم نطلب منك تذكُّر اسم ميندي جيدا؟ ذلك لأنه يُمثِّل الإضافة الوحيدة بالنسبة للمنظومة الدفاعية إذا قمت بعزلها عن باقي الفريق، عدا ذلك لن تجد الكثير من التحسن فيما يتعلق بأخطاء التمركز وهفوات راموس وفاران المتكررة، من حسن الحظ فقط أنها وجدت جدارا ثنائيا عازلا وزحاما في وسط الملعب في أغلب الأوقات.

   

زيدان المظلوم؟

undefined

  

الحديث هنا عن إصابة هازارد، الأمر الذي لا يبدو ظلما للمدرب كونه لاعبا واحدا، وكونها حوادث تتكرّر كثيرا في ميادين الكرة، ولكن السؤال الآن ما الذي كان من الممكن أن يحدث في حال لم يتعرّض هازارد للإصابة؟ اللاعب الذي تعاقد معه ريال مدريد ليكون قائد الخط الأمامي، ما حجم التأثير الذي كان من الممكن أن يظهر على الفريق إن لم يُصب؟ وبغض النظر عن كون ذلك الأمر يتكرّر أم لا.

  

هل تُعَدُّ القدرات الفردية للاعبين شيئا صالحا لتقييم المدرب؟ نحن لا نُقيِّم زيدان هنا، هي فقط مقارنة بما وصل إليه ريال مدريد الآن وما كان من الممكن أن يصل إليه بوجود هازارد، اللاعب الذي غاب عن ريال مدريد في 21 مباراة هذا الموسم، وشارك في مطلعه بوزن زائد ولياقة غير مكتملة باعترافه الشخصي، لذا لا يبدو أن ريال مدريد الذي أحضر هازارد هذا الموسم مقابل 100 مليون يورو و30 مليون كإضافات قد استفاد من هذه الصفقة، خاصة أنه كان بإمكانه الانتظار حتى نهاية الموسم الحالي وإحضاره مجانا بعد نهاية عقده، ما يعني أن الإدارة تكبّدت ثمن الصفقة نظريا من أجل هذا الموسم، والذي لم تحصد منه ما يستحق هذه التضحية. (23)(24)

  

في حال وجود هازارد كان بالإمكان حصد المزيد من النقاط، تماما كتلك التي أنقذ بها ميسي رقبة فالفيردي كثيرا، وأشارت الأرقام إلى فوز المدرب السابق لبرشلونة ببطولتَيْ دوري، وكاد يحصد الثلاثية لولا ما حدث أمام ليفربول. الجميع يعرف أنه لم يكن صاحب الفضل في ذلك، ولكنه استفاد منه بصفته مديرا فنيا، وهو ما كان سيحصده زيدان في حال وضع هازارد بصمته المنتظرة، دون النظر أيضا إلى حجم بصمة المدرب الفرنسي على هذا الأمر.

    

هازارد (وكالة الأنباء الأوروبية)
هازارد (وكالة الأنباء الأوروبية)

  

فقط تخيَّل أن الكلاسيكو قد حُسم بأقدامه، وبعض المباريات التي تعادل فيها ريال مدريد قد حُسمت بالطريقة ذاتها، هل كان زيدان ليحصل على التقييم نفسه الذي سيحصل عليه اليوم؟ هذه أزمة أخرى تتكرر في كل مرة تُقرِّر فيها الجماهير وضع المدرب واللاعبين والإدارة في سلة واحدة في حالة النجاح أو الفشل.

   

أين الخلاصة إذن؟

"أجد زيدان متحفظا للغاية، ولكن لا يمكن إلقاء اللوم عليه كونه فاز بـ 3 ألقاب لدوري أبطال أوروبا، فقط أشعر أنني أتحمل تكلفة الذهاب من غاليسا إلى سانتياغو بيرنابيو من أجل الاستمتاع بنوع آخر من كرة القدم، فأنا لست من المشجعين الذين ينظرون إلى لوحة النتائج فقط، أحب الاستمتاع بكرة قدم جيدة" (25)

(خوسيه غارسيا.. مشجع لريال مدريد منذ ستينيات القرن الماضي)

  

في حال تُوِّج زيدان بالثنائية سيكون الأفضل، وفي حال خسرها سيكون الأسوأ، وفي حال حقَّق أحد اللقبين فإنه سيُحقِّق أحدهما بالحظ أو سيخسر الآخر به
في حال تُوِّج زيدان بالثنائية سيكون الأفضل، وفي حال خسرها سيكون الأسوأ، وفي حال حقَّق أحد اللقبين فإنه سيُحقِّق أحدهما بالحظ أو سيخسر الآخر به
       

ربما تحدَّث غارسيا بما في قلب البعض، وربما سيطالبه البقية بالصمت لأن لوحة النتائج هي الأهم، ولكون ريال مدريد بات الأقرب لحصد لقب الدوري الإسباني، ولأنه يبدو في وضع أفضل من غريمه برشلونة، تلك الأشياء التي تهمّ المشجع المدريدي أكثر من غيرها، تهمّ المشجعين جميعا بالطبع أكثر من غيرها، ولكن فيما يتعلق بريال مدريد فإن غياب الهوية الواضحة وأسلوب اللعب المميز يجعل النجاح هو الغاية وإن تعددت وسائله، بالأحرى وإن لم تمتلك وسائل واضحة من الأساس.

  

في الوقت نفسه الرجل لا ينكر أن ما وصل إليه الفريق حاليا يُعَدُّ طفرة مقارنة بما بدأ عليه الموسم، ولكنه ليس الكمال، وليس أفضل شيء، وهذا ما نحن هنا من أجله، فإن كل ما تم سرده كان من أجل الوصول إلى نتيجة واحدة؛ وهي الاقتناع بأن هناك مساحة كبرى في المنتصف، تلك التي تفصل ما بين كلمتَيْ أفضل وأسوأ.

  

النهاية؟ ليست سينمائية مع الأسف، لأننا سنكون على موعد مع نسف كل ما قيل هنا وفي أي مكان آخر، ففي حال تُوِّج زيدان بالثنائية سيكون الأفضل، وفي حال خسرها سيكون الأسوأ، وفي حال حقَّق أحد اللقبين فإنه سيُحقِّق أحدهما بالحظ أو سيخسر الآخر به. ألم نخبرك أولا أن المنطق يشبه كتلة الثلج وأن الواقع ككرة النار؟ للأسف بات علينا الاعتراف بأنه لا مكان لمثل هذه الأحاديث في عالم تقديس النتائج.

المصدر : الجزيرة