شعار قسم ميدان

سرقة القرن.. لماذا نحب إرلينغ هالاند؟

ميدان - لماذا نحب إرلينغ هالاند؟

مجرد لاعب نرويجي واعد وُلد عام 2000، سجّل الكثير من الأهداف فجأة في دوري الأبطال، وما المشكلة؟ كان هناك هذا البرازيلي لويز أدريانو في شاختار، وكان هناك أريتم دزوبا في زينيت، ما الذي حدث حتى نهتم جميعا بمهاجم سالزبورغ؟

   

حسنا، الآن يجب أن نهتم، فاللاعب قد خضع بالفعل للعديد من الاختبارات، أو بالأحرى مرحلة ثقب الفقاعة، ليُثبت في غضون أيام معدودة أنه ليس هذا اللاعب التقليدي المعتاد الذي يحظى بفترة واحدة رائعة في حياته بأحد الأندية المتواضعة ثم ينكشف في أول محطة تالية، على النقيض تماما، لدينا منافس حقيقي على الحذاء الذهبي، ولدينا قيمة مثبتة وأمر واقع في عالم كرة القدم اليوم. مهلا، أليس ذلك مبكرا على لاعب يبلغ من العمر 19 عاما فقط؟

     

مَن هو؟

"الرجل الطفل" كما يسمونه هذه الأيام، وُلد في الحادي والعشرين من يونيو/حزيران عام 2000 في مدينة ليدز الإنجليزية، وهو ابن لاعب سابق أيضا، ألف إينج هالاند لاعب وسط ليدز يونايتد في هذا الوقت، والذي انتقل منه إلى مانشستر سيتي في عام ولادة إيرلينغ نفسه، قبل أن يوقف مسيرته الكروية في صيف 2003 ولمدة 8 سنوات، استقر خلالها في النرويج حيث نشأ بطل قصتنا، ثم عاد لاحقا إلى كرة القدم لمدة عامين بين 2011 و2013 في صفوف نادي روسلاند النرويجي. بكلمات أخرى، أوقف الرجل مسيرته في عمر 31 عاما، ثم عاد في عامه التاسع والثلاثين ليُنهيها على مشارف الرقم 41. (1)

    

وتماما كأي قصة يابانية تعرفونها، تماما كما يريد "ناروتو" أن يصبح "الهوكاغي"، بدأ إرلينغ هالاند مسيرته الكروية في سن 6 سنوات مع فريق براين المحلي، ومن هنا وُلد حلمه بأن يصبح "أفضل لاعب في العالم". ولأنه "لا يوجد طريق مختصر لتصبح الهوكاغي"، كان هالاند على استعداد لبذل كل ما لديه من جهد منذ البداية، بما في ذلك التدرب في الصالات الرياضية في مثل هذا العمر الصغير، فقط ليتقدم خطوة على أقرانه، أو بالأحرى منافسيه. (2)

    

إرلينغ هالاند (غيتي)
إرلينغ هالاند (غيتي)

    

تضحيات هالاند وجدت مكافأة سريعة للغاية، حين تم تصعيده للفريق الأول في سبتمبر/أيلول 2015، أي في عمر 15 عاما فقط. وبالفعل نال مشاركته الأولى في العمر نفسه، ليلفت نظر كشافي "مولده"، النادي نفسه الذي كان يقوده بهذا الوقت أولي غونار سولشاير مدرب مانشستر يونايتد الحالي، والذي فشل لاحقا في ضم مواطنه. بالفعل انتقل هالاند إلى مولده في صيف 2017 ليلفت المزيد من الأنظار، وتبدأ العروض المغرية من أسماء أكبر في أوروبا، ولكنه ضرب بها جميعا عرض الحائط، منتقلا إلى ريد بول سالزبورغ النمساوي في يناير/كانون الثاني 2019. (3)

  

وصل هالاند في وجود ماركو روز مدربا لسالزبورغ، وجود انتهى في الصيف بالفعل، بعد أن لعب معه 5 مباريات فقط سجّل خلالها هدفا وحيدا، ليأتي جيسي مارش بدلا منه. ومع كل خطوة يزداد اتساع مدى القفزة، فمن 20 هدفا في 50 مباراة مع سولشاير في مولده إلى 28 هدفا في 22 مباراة فقط مع جيسي مارش في سالزبورغ، أي في النصف الأول من الموسم الجاري فقط. يُبحر تقرير "لايف بلوغر" أكثر داخل شخصية اللاعب، الذي لا يملك وشوما لأنها ليست ضمن اهتماماته، ولم يُعرف عنه التدخين أو شرب الكحول حتى الآن، كما لا تزال ديانته غامضة، إلا أن التقرير ذاته وجد صورة لشقيقه الأكبر "أستور" أمام مسجد في دبي، مما يرجح كونه مسلما. دليل دامغ للغاية! (2) (4)

   

لعبة الأرقام

8 أهداف في دور المجموعات بدوري أبطال أوروبا، أول مراهق في تاريخ المسابقة يسجل في 5 مباريات متتالية. رحلة مثيرة للاهتمام مع سالزبورغ مقارعا خلالها ليفربول ونابولي ولكنها انتهت بهبوطه إلى الدوري الأوروبي، ليغادر هالاند أيضا مجددا التحدي على الفور. ومع ارتفاع وتيرة الأسماء الكبيرة التي ترغب بضمه، كان قراره صوب بوروسيا دورتموند، وبما أن الحديث كان عما يميز هذا الفتى، يجب إضافة أنه يعرف جيدا كيف يختار.

    

   

مانشستر يونايتد يملك الكثير من الإغراءات، نادي أكبر من دورتموند، راتب أكبر من سقف رواتب دورتموند، دوري أقوى من الألماني، ومدرب يشارك هالاند الجنسية وسبق لهما العمل معا بالفعل، ولكنه في النهاية اختار البيئة الأفضل والمساحة الأكبر للعب في فريق أكثر استقرارا من الناحية الفنية، وسرعان ما آتى هذا الخيار ثماره.

  

183 ثانية فقط مرّوا على نزوله لأول مرة بقميص أسود الفيستيفاليا، الفريق متأخر بنتيجة 3-1 وها هو يجعلها 3-2، ثم يُسجِّل هدفي الفوز (5-3) مكملا الثلاثية الأولى في أقل من شوط. بداية صاخبة للغاية، لا يمكن لزخم البدايات أن يستمر طويلا، المباراة التالية مباشرة، هالاند يأتي في الدقيقة 65 ويسجل هدفين، لينال مشاركته الأساسية الأولى في المباراة الثالثة ويسجل هدفين أيضا. دورتموند يخسر أمام فيردر بريمن ولكن هالاند البديل يسجل، دورتموند يفوز على أينتراخت وهالاند الأساسي يسجل أيضا.

  

في 6 مباريات خاضها النرويجي مع فريقه الجديد، بواقع مشاركتين بصفة أساسية و4 مشاركات كبديل، سجّل 9 أهداف في 5 مباريات منها، أي إنه لم يفشل في التسجيل سوى أمام باير ليفركوزن. هذه هي الموهبة، والموهبة تفرض نفسها، في تحليل "Total Football Analysis" للاعب وباختصار شديد للغاية: أمامنا مهاجم فارع الطول وهذا -بالمناسبة- هو سر تسميته بـ "الرجل الطفل"، يجيد استغلال طوله والفوز بالصراعات الهوائية، أيضا يملك السرعة والقدرة على التحرك بذكاء، واللمسة الخلاقة في الصناعة، بالإضافة إلى كفاءة الإنهاء والضغط على المدافعين. اللعنة! ما الذي ينقصه إذن؟ (5)

     

هالاند ليس مجرد موهبة تستحق التقدير، بل هو رمزية مميزة للغاية في هذه الحقبة بالتحديد، شأنه شأن أندرو روبرتسون ذي الملايين الثمانية
هالاند ليس مجرد موهبة تستحق التقدير، بل هو رمزية مميزة للغاية في هذه الحقبة بالتحديد، شأنه شأن أندرو روبرتسون ذي الملايين الثمانية
     
سرقة القرن

"أردت التعبير عن شعور محدد في الثقافة الكورية، ولكن ردود الفعل في العالم كله كانت متشابهة. بالأصل نحن نعيش جميعا في البلد نفسه، والذي يُدعى الرأسمالية"

بونغ جون هو مخرج فيلم "طفيلي" (Parasite) الفائز بجائزة الأوسكار (6)

    

نعيش الآن حقبة كروية محددة المعالم، تتدفق ملايينها وملياراتها وتبتلع كل شيء. الوضع الحالي هو ما يسمى بالكرة الحديثة، والتي ما زالت تملك الكثير من المناهضين، ورغم ذلك لا سبيل لإيقاف قطارها. الأمر لم يتوقف عند شراء كبار النجوم بمبالغ خرافية، لم يتوقف عند 94 مليون في كريستيانو رونالدو أو 100 مليون لأجل غاريث بيل ولا حتى آخر محطة نعرفها بـ 222 مليون لأجل نيمار، فقد مدّ الجنون المالي جذوره إلى الشباب والمراهقين.

  

بداية كيليان مبابي كانت مبشرة للغاية، نحن أمام مهاجم سيصبح قيمة عالمية وواحدا من الأفضل إن لم يصبح الأفضل، في البداية لم تكن تلك العوامل كافية لنسمع رقما مثل (145 مليون يورو) في لاعب لم يبلغ عامه العشرين بعد، ولكننا على الأقل رأيناه في الأدوار المتقدمة لدوري الأبطال قبل ذلك، اليوم يمكنك سماع 120 مليون في جواو فيليكس دون أن يُقدِّم أي شيء على أي ساحة مرموقة. الكل بات يتحين الفرصة للانقضاض على الموهبة المقبلة، الكل يريد أن يكون ميسي أو رونالدو التالي من نصيبه، الكل سيغامر بدفع ما يفوق الـ 100 مليون كي لا يضطر لدفع ما يفوق الـ 200 بعد عامين أو ثلاثة. (7) (8)

  

لا يوجد ما يدل على ذلك أكثر من نهج ريال مدريد الحالي، والذي تحول بقوة كبيرة وبأربعينات مستمرة من الملايين صوب احتكار سوق الشباب البرازيلي، فالنبش وراء المواهب بات أعنف من ذي قبل، ووسط كل هذا الضجيج يخرج هالاند بشرط جزائي تافه قيمته 20 مليون يورو، تافه لدرجة تسمح لأحد مشجعي أستون فيلا بالطمع فيه.

    

  

هذا الشرط غيّر كل شيء للأفضل، على الأقل منح الفتى فرصة العمل دون أن يتحول سعره إلى لافتة ملصقة بظهره، يلعب دون أن يطالبه الجميع بتحقيق ما يساوي 150 مليون يورو، يلعب ويتألق ويُقدِّم هذا المستوى الباهر في بداياته مع دورتموند، دون أن يرى أحد أن هذا لا يكفي بعد. هالاند ليس مجرد موهبة تستحق التقدير، بل هو رمزية مميزة للغاية في هذه الحقبة بالتحديد، شأنه شأن أندرو روبرتسون ذي الملايين الثمانية، أو شأن أتالانتا غاسبيريني، أو حتى ليستر رانييري، هؤلاء الذين ليسوا مليارات تسير على قدمين في هذا البلد الواحد الذي نعيش به جميعا.

المصدر : الجزيرة