شعار قسم ميدان

من يترك الآخر.. صلاح أم ليفربول؟

ميدان - من يترك الآخر.. صلاح أم ليفربول؟

إن كنت مشجعا لليفربول، فحاول أن تتجاوز أحزانك بعدما توقفت احتفالات لقب البريميرليغ المضمون بفعل وباء عالمي لم يكن على بال أحد، وحاول أن تحتاط فيما هو قادم وتوقّع المصائب قبل وقوعها. هذه المرة قد يتعلّق الأمر باللاعب الأبرز في الفريق، محمد صلاح، وأنباء رحيله عن الريدز. 

 

قبل أن نبدأ، عليك فقط الإجابة عن بعض الأسئلة، وإن أجبتها جميعا بمحمد صلاح، فقد أمسكت معنا بأول الخيط. مَن اللاعب الأكثر مساهمة بإحراز الأهداف؟ مَن اللاعب الأكثر إضاعة للفرص؟ مَن اللاعب الأكثر أنانية بين الثلاثي الأمامي؟ أكثر لاعب يغني له جمهور الأنفيلد؟ وأخيرا، مَن تراه الأقرب للرحيل من بين ثلاثي خط الهجوم؟ يبدو أننا أمام حالة تقييم غريبة بعض الشيء، ينقصها فقط عدم التقدير.

    

  

عدم تقدير

بالفعل، صرّح مدافع ليفربول السابق "جيمي كاراغر" في أحد أستوديوهات شبكة "سكاي سبورتس" بمعاناة صلاح من عدم التقدير، ليس من المنافسين، بل من مشجعي ليفربول أنفسهم، حيث قال:

"يمتلك ليفربول 6 لاعبين من فئة النجوم، أليسون، وفان دايك، وأرنولد، والثلاثي ماني، فيرمينو، صلاح. إذا عرضت على مشجعي ليفربول مبلغا كبيرا نظير بيع أحد الخماسي المذكور أولا، فسيرفضون مهما كان المبلغ، لكن إن عرضت عليهم 130 مليون على سبيل المثال مقابل صلاح، فسيفكرون، وأنا أرى في ذلك عدم تقدير لما يُقدِّمه".(1)

   

قرّر "كاراغر" الرد على ذلك بأقصر طريق مباشر؛ عبر الأرقام، فمنذ قدوم لاعب روما السابق إلى الأنفيلد في أغسطس/آب 2017، كان الأكثر مساهمة بالأهداف تسجيلا وصناعة -خلف ليونيل ميسي بالطبع- في الدوريات الخمس الكبرى برصيد 92 هدفا في 97 مباراة (حتى فبراير/شباط 2020). وجدير بالذكر أنه اللاعب الوحيد من ليفربول في المراكز العشرة الأولى بالقائمة. (2)

     

  

لكن هذه الطريقة في الاستعانة بالأرقام دون تفاصيل يعتبرها الكثيرون تلاعبا، حتى وإن كانت أرقام لاعب حصل على لقب هداف البريميرليغ لموسمين متتاليين، لذا وجب التفنيد لمعرفة أسباب شعور الجماهير تجاه أداء صلاح.

  

أول الأسباب وأكثرها تداولا هو أنانية النجم المصري، حيث جعل صلاح إحراز الأهداف همه الأول، حتى لو على حساب التمرير لزملائه في وضعيات أفضل. لكن وفقا لموقع "Football Whispers" فإن صلاح ليس بهذا السوء؛ حيث قارنت الأرقام بين إسهامات ثلاثي خط الهجوم في موسم 2018-2019، وما لُعب من موسم 2019-2020، حيث تقدّمهم صلاح في معدل الأهداف بـ 0.63 لكل 90 دقيقة، وتبعه ماني 0.61، لكن الأغرب أن صلاح تقدّمهم أيضا على مستوى الصناعة والتمريرات المفتاحية، بمعدل 0.25 أسيست لكل 90 دقيقة متساويا مع فيرمينو، و1.91 تمريرة مفتاحية. (3)

     

   

نسخة كريستيانو

هل من الطبيعي ألا نشعر بهذه الأرقام؟ من الواضح أنه كذلك، وتحوُّل صلاح إلى نسخة من كريستيانو رونالدو ساعد على ذلك، لذا دعنا ننتقل للسبب التالي، وهو أخف وطأة من سابقه، صلاح سريع لكنه لا يراوغ مثل ساديو ماني.

 

في الحقيقة لست وحدك مَن يتخيل ذلك، لأن ماني يظهر أكثر من صلاح في الثلث الثاني، ويساهم أكثر منه في التدرج بالكرة من الثلث الثاني إلى الثالث، وبالتبعية يستلم كرات أكثر بعيدا عن مناطق الخطورة، عكس المصري الذي يميل للتمركز بين مدافعي الخصم. لكن أرقام موقع "whoscored" قد تُربكك قليلا، حيث بلغ معدل مراوغات ماني في موسم 2019-2020 "2.1" مراوغة لكل 90 دقيقة، أعلى من معدل صلاح بـ "0.1" فقط! (4) (5)

  

لنحاول تفسير هذه الأرقام وتغاضي الجمهور عنها، علينا أن ننتبه للتغيُّر الحادث بمنظومة ليفربول، والذي بدّل مهام صلاح. بعد موسم 2017-2018، قدّم المصري نفسه بمهام أقرب إلى المهاجم عن الجناح، فيما يُعرف باسم "Wide Forward" (وهو المهاجم الذي يبدأ تمركزه بعيدا عن العمق ثم يتحرك للداخل)، وبالتبعية أقنعت معدلاته التهديفية المدرب الألماني "يورغن كلوب" بتقريبه أكثر من العمق، وبالتوازي بدأ نجم الظهير الأيمن "ترينت ألكسندر أرنولد" في السطوع، لتكمل تحركات الثنائي بعضهم بعضا؛ يترك صلاح الخط، ويتولى حجز ظهير الخصم، تمهيدا لصعود "أرنولد" وإرسال العرضيات. (6)

   

قدّم المحلل "فيجنيش جيانيث" تحليلا بالتعاون مع موقع "Statsbomb" يُوضِّح هذه النقطة بدقّة، عبر دراسة أداء صلاح في الفترة من أغسطس/آب إلى نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2019. كان صلاح الأكثر استلاما للكرات في أنصاف المساحات (المساحة الطولية بين الظهير وقلب الدفاع) وإيصالها للثلث الأخير، والتغريدة التالية ستوضح لك أكثر. (7)

      

  

بالنسبة لإمكانيات وسرعة صلاح، لا يُعَدُّ التمركز في العمق المزدحم أبرز نقاط قوته، خاصة عندما يُركِّز أكثر من اللازم على التسجيل بنفسه، فيظهر التسرع متبوعا بقرارت خاطئة، حتى في لعبات سهلة لا تستدعي كل هذا التعثر، لكن إجمالا يظل تعامل صلاح مع هذا الوضع جيدا. إذن أين المشكلة التي تسبّبت بعدم التقدير، أو بالأحرى سوء الفهم؟

  

كيف تُقدِّم نفسك؟

لا تكمن المشكلة في الأرقام والإحصائيات بقدر ما تكمن في الطريقة التي قدّم بها صلاح نفسه بملعب الأنفيلد. فالدولي المصري لم يُقدِّم نفسه كلاعب عادي أو لاعب من الفئة الأولى، لكنه قدّم نفسه بشكل أعقد، فيما يمكن تسميته بكرة القدم وغيرها بـ "Game Changer"، وهو اللاعب القادر على التدخل في اللحظات الحاسمة لترجيح كفة فريقه.

  

لم يكتفِ صلاح في موسمه الأول بمعدل تهديفي خارق، لكنه كان حاسما في كل المواعيد الكبرى تقريبا. دون الحاجة إلى الرجوع إلى ملخصات ذلك الموسم، فقد أحرز في مرمى تشيلسي، توتنهام، أرسنال، مانشستر سيتي في الدوري ودوري الأبطال، روما، حتى الديربي ضد إيفرتون، ولم يسلم منه سوى مانشستر يونايتد بدفاعه المتأخر جدا بقيادة جوزيه مورينيو. كان موسما خياليا، تخلله أيضا قيادة المنتخب المصري إلى مونديال روسيا 2018. أما في الموسم التالي، هدف في نابولي، تسديدة بعيدة ضد تشيلسي، ضربتا جزاء أمام أرسنال وتوتنهام، والأخيرة بنهائي دوري أبطال أوروبا، حتى وإن نسينا هدفا أو اثنين، فلا شيء يُضاهي موسمه الأول.

  

أن تُقدِّم نفسك بهذه الطريقة ثم تتراجع خطوة للوراء، فإن هذا سيجعل تقييمك محل جدل دائم، حتى وإن وضعتك تلك الخطوة ضمن الفئة الأولى. ومن هنا باتت المشكلة معنوية بحتة، زاد صلاح حجمها باستخدامه السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي، مع بعض التصريحات الغريبة، ليخسر المعركة المعنوية مع كثير من متابعيه، رغم فوزه نظريا بالمعركة الرقمية، ومن ثم لاحقه سوء التقدير، الذي فتح الباب أمام إمكانية الرحيل.

    

   

لكن هل تنظر إدارة ليفربول إلى الأمر بالنظرة الجماهيرية نفسها؟ مستحيل، فنحن نتحدث عن الإدارة الأفضل على مستوى العالم في إدارة سوق الانتقالات عبر البيانات والإحصائيات، ووفقا لما سيجدونه، يظل صلاح هو أفضل "Wide Forward" على مستوى التهديف، ولا يضاهيه فيما يفعل سوى الفرنسي كليان مبابي، لكن وفقا للمستجدات فالباب مفتوح لكل الاحتمالات.

  

وبات الكثيرون يناقشون الأمر كأنه موجود، كاراغر وغاري نيفيل يتجادلان بشأنه، محمد النني ينصحه بالبقاء، ضاربا المثل بحال إيدين هازارد في ريال مدريد، وستيف ماكمانمان يرى أن النجم المصري عليه ألا يفكر بالرحيل. لكنهم تناسوا جميعا أن صلاح وفقا لشخصيته الحالية سيرغب بالرحيل إلى ريال مدريد أو برشلونة للاقتراب خطوة من الكرة الذهبية، باعتباره كان الأقرب من بين ثلاثي هجوم ليفربول للمنافسة عليها. (8) (9)

  

تلك الشخصية التي اختلفت الجماهير في وصفها بين الأنانية الضارة أو حب الذات الدافع للنجاح، ستجعلهم في الأخير يتفقون على أن تبعات هذه الطباع ستكون طموحا مشروعا بالكرة الذهبية، وقد يتلاقى هذا الطموح مع آخر الأخبار الواردة من القارة السمراء بإقامة كأس أمم أفريقيا القادمة في يناير/كانون الثاني 2021، وهو ما قد يضع ليفربول في ورطة باعتماده على الثنائي صلاح وماني، والخروج من هذه الورطة قد يتضمن بيع أحدهما، وحتى تحين هذه اللحظة، سنكون جاهزين بمناقشة البدائل. (10)

المصدر : الجزيرة