شعار قسم ميدان

بين أرسنال 2004 وليفربول الآن.. هل اللاهزيمة هي المعيار الأهم للأفضلية؟

ميدان - بين أرسنال 2004 وليفربول الآن.. هل اللاهزيمة هي المعيار الأهم للأفضلية؟

من صفقة القرن إلى الكورونا نقلنا واتفورد إلى دائرة اهتمام أخرى، بعدما حقّق المفاجأة وتغلب على ليفربول بنتيجة 3-0 قاتلا آمال مشجعي الريدز في التتويج بلقب دوري اللا هزيمة بعد موسم استثنائي من كتيبة كلوب أكلوا فيه الأخضر واليابس حتى قابلوا تروي دييني ورفاقه المهددين بالهبوط، ليسقط ليفربول أخيرا بعد 422 يوما بدون هزيمة في الدوري الإنجليزي الممتاز، إذ ترجع آخر خسارة لهم إلى تاريخ 3 يناير/كانون الثاني 2019 أمام مانشستر سيتي في ملعب الاتحاد.

  
وضع واتفورد حدًّا لإنجاز تاريخي كان يسعى لأجله يورغن كلوب ولاعبوه، سقوط ليفربول قابله صعود نوستالجيا الماضي من جهة أخرى، حيث أعاد ذلك للأذهان دوري اللا هزيمة الذي حقّقه أرسنال موسم 2003-2004 بعدما نجح في الفوز بالبطولة بدون أي خسارة، الإنجاز الذي يُقدِّره أرسين فينجر كثيرا ويعيش على أطلاله الكثير من مشجعي الغانرز، لِمَ لا وهو الرقم الأصعب في التاريخ الحديث للمسابقة.
  
استدعى فوز واتفورد دخول تشيلسي مورينيو موسم 2004-2005 على طول الخط، الفريق الذي حافظ على سجله بدون هزائم من أكتوبر/تشرين الأول 2004 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2005، ليحتدّ النقاش على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية حول ماهية الفريق الأفضل، كل طرف لديه من الأدلة والبراهين ما يُرجِّح كفّته، لكن أين تكمن الحقيقة؟

      

    

بافتراض أفضلية أرسنال

يجلس مشجع أرسنال على طاولة النقاش، ومعه حزمة من الملفات والأدلة التي تُثبت أفضلية أرسنال على منافسيه، يُحضر أوراقه ويأخذ نفسا عميقا ثم يبدأ بالسرد، في البداية يجب أن نتطرق للحديث عن الميزانية، فالفريق الذي أنفق 100 مليون لتحقيق لقب ما لا يمكن أن يتساوى مع الفريق الذي حقّق اللقب نفسه بصافي إنفاق أقل، وبناء عليه، إذا نظرنا إلى آخر 3 فترات انتقالية -كبرى- قبل تحقيق دوري اللا هزيمة فسنجد أن أرسنال أنفق 53 مليون يورو كصافي إنفاق بعد خصم إيرادات البيع، بينما استثمر تشيلسي أكثر من 300 مليون يورو لتحقيق سلسلة اللا هزيمة الخاصة بهم ولقب الدوري الإنجليزي، مُتّبعين سياسية الإفساد التي لم تتوقف عندهم فقط، بل طالت كل الكبار فيما بعد، وصولا إلى ليفربول كلوب الذي وصل صافي إنفاقه في آخر 3 مواسم إلى 90 مليون يورو، وعلى الرغم من قيامه بصفقات مدوية فإن مبلغ بيع كوتينيو (145) قلّص كثيرا من إجمالي النفقات. (1) (2) (3)
    
كان ذلك على مستوى الإنفاق، لكن بالانتقال إلى حسابات الفوز والخسارة فإن الفريق خاض 38 مباراة بدون أي هزيمة محققا 26 انتصارا، بما في ذلك انتصاران على منافسه المباشر -في ذلك الموسم- تشيلسي ذهابا وإيابا، ليتقدَّم السير أليكس فيرغسون في إحدى مقابلاته بأول طعن له في القضية موضحا أن أرسنال تعادل في أكثر من 30% من المباريات التي خاضها، فقد تعادل الغانرز بالفعل في 12 مباراة، وهو ضعف عدد تعادلات مانشستر يونايتد في الموسم نفسه، ليردّ المشجع الأرسنالي سريعا بأن اليونايتد تعادل بالفعل في 6 مباريات لكنه تلقّى 9 هزائم وحلَّ ثالثا في جدول الترتيب خلف تشيلسي الوصيف، وهو ما يعطينا فكرة عن صعوبة التعادل، الأمر ليس سهلا كما يبدو، وتحقيق دوري بدون خسارة ليس أمرا شائعا. (4)

      

  
يُعزِّز المشجع الأرسنالي موقف فريقه بتذكيرنا أن كرة القدم وقتها لم تكن تتمتع بكثير من الرفاهيات الحالية، لم تحظَ كرة القدم وقتها بالطفرات الكبيرة على مستوى علوم البيانات والتحليل الفني والإحصائي وكاميرات المراقبة التكتيكية، ولم تشهد اللعبة حينذاك تطورا كبيرا في مجالات الطب الرياضي والتدريبات البدنية، مؤكدا أن هزيمة ليفربول ضد واتفورد يجب أن تجعل الجميع ينظر إلى إنجاز أرسنال بالكثير من الاحترام والتقدير خاصة مع عدم تكراره منذ ذلك الحين رغم كل ما تشهده اللعبة من تطورات وتسهيلات.

      

بافتراض عكس ذلك

بينما امتنع مشجعو توتنهام، صفّق عدد كبير من الحضور لمشجع أرسنال بسبب اجتهاده وتفانيه في عرض وجهة نظر موضوعية يرى أنها كافية لترجيح كفّته، إلى أن جاء دور الاستئناف لمشجع ليفربول الذي استغرق بعض الوقت في تفقُّد حاسوبه قبل البدء في عرض وجهة نظره التي بدأها بالهجوم على أرسنال قبل إلقاء التحية على الحضور:
  
أولا؛ لديّ احتجاج على لقب "Invincibles"، لأن أرسنال قد قُهِر من فِرَق محلية في ذلك الموسم ولكن في سياق آخر، إذ تم إقصاؤه من كأس الاتحاد الإنجليزي وكأس رابطة الأندية الإنجليزية على أيدي مانشستر يونايتد وميدلسبره تواليا، بينما ودّع دوري أبطال أوروبا أمام تشيلسي، ما يعني أن فريق اللا هزيمة خرج من 3 بطولات بعد الهزيمة من فِرَق إنجليزية. (5)
     
ثانيا؛ في موسم اللا هزيمة لعب أرسنال لفكرة عدم الخسارة أكثر من لعبه للمجد وصناعة التاريخ، فقد تعادل الفريق في 12 مناسبة. لا حرج في التعادل، لكن الحرج في عدم السعي للفوز، حيث تُوضِّح الأرقام أن خلال المباريات التي تعادل فيها أرسنال لم يُسجِّل الفريق أي هدف بعد الدقيقة 60، ما يعني أنهم دائما ما ارتضوا بالتعادل ولم يقوموا بالمخاطرة والسعي للفوز مثلما يفعل ليفربول في الموسم الحالي، فقد انتصر ليفربول في 13 مباراة في دوري هذا الموسم بهدف وحيد، ثمانية من هذه الانتصارات أتت بأهداف حاسمة في آخر 20 دقيقة، ما يعطينا فكرة عن الإصرار والسعي نحو الفوز وصناعة التاريخ. (6)

        

     
ثالثا؛ بالخروج من نطاق الدوري إلى سياق سلاسل اللا هزيمة، تتفوّق سلسلة ليفربول رقميا على سلسلتَيْ اللا هزيمة الخاصة بأرسنال وتشيلسي وفقا لمعدل النقاط المسجلة في المباراة الواحدة، فقد حقّق أرسنال معدل 2.47 نقطة لكل مباراة في 49 مباراة خاضها، وكان معدل تشيلسي 2.65 نقطة في 40 مباراة، بينما وصل ليفربول إلى معدل 2.77 نقطة في 44 مباراة، مُحرزين 104 هدف بمعدل 2.36 هدف لكل مباراة، وهو الرقم الأعلى بين السلاسل الثلاثة. (7)
  
رابعا؛ يجب الاتفاق على اختلاف مستوى المسابقة جذريا عن وقت بداية الألفية بسبب الطفرات الكبيرة في عقود البث والتي عادت بالنفع على الجميع، لم يكن ينافس أرسنال سوى مانشستر يونايتد، حيث ظل الصراع على أشده بينهما منذ منتصف التسعينيات حتى بدايات دخول تشيلسي إلى المنافسة، وللمفارقة لم يوقف سلسلة أرسنال إلا مانشستر يونايتد، بينما مَن أوقف سلسلة ليفربول هو واتفورد الذي يُصارع الهبوط، ما يعطينا فكرة عن قدر التنافسية في الدوري، ليس فقط ضمن الكبار الذين وصلوا إلى 6-7 فِرَق، وهو ما لم يكن موجودا وقت إنجاز أرسنال، ولكن بالنظر إلى فِرَق منتصف وأسفل الجدول حيث أندية مثل أستون فيلا الذي وصل إلى نهائي كأس الحليب، ونوريتش سيتي النادي الذي يُقدِّم عروضا باهرة ونجح في إحراج الكبار لدرجة تصنيفه من البعض كأفضل نادٍ هابط في التاريخ الحديث للمسابقة، ولا يمكننا تجاهل أندية مثل ويست هام وساوثهامبتون ونيوكاسل بكل ما يملكونه من عُدّة وعتاد.
  
أثناء احتدام النقاش، قاطع الحدث مشجع مان سيتي، فعلى الرغم من صغر سنه فإنه بدا مُطّلعا، فقد طعن في أفضلية أرسنال مستشهدا بتقرير "أدم سميث" محلل سكاي سبورتس، الذي قارن فيه موسم الـ 100 نقطة للسيتي بموسم اللا هزيمة لأرسنال عند الجولة 18 من كلا الموسمين.
  
وأوضح التقرير زيادة في نقاط السيتي بنسبة 24% عن مجموع ما جمعه أرسنال عند الجولة نفسها، كما تخطّت أهداف مان سيتي أهداف أرسنال بنسبة 65%، حيث أحرز فريق غوارديولا 56 هدفا من 141 تسديدة على المرمى بنسبة تحويل وصلت إلى 40%، بينما تمكّن أرسنال من إحراز 34 هدفا من 105 تسديدة بنسبة تحويل توقّفت عند 32%، تطوّرت الأرقام بنهاية الحملتين، مع استمرار تفوُّق السيتي حيث أنهى الموسم محرزا 106 هدف، بينما توقَّف سجل أرسنال في موسم اللا هزيمة عند الرقم 73. لم يقتصر تفوُّق السيتي على الجانب الهجومي فقط، لكنه شمل أيضا الجانب الدفاعي، فقد استقبل السيتي تسديدات أقل بنسبة 32% عن تلك التي تلقّاها أرسنال، على الرغم من استقبال كلا الفريقين لـ 12 هدفا بعد 18 جولة من عمر المسابقة. (8)

        

 

القول الفصل

يبحث البشر بشكل عام عن المعنى والقيمة في معظم جوانب حياتهم، حتى عند اختيار فريق للتشجيع، يسعى كل مشجع للشعور بالاحترام والتقدير بين أقرانه من المشجعين؛ احتياج إنساني أصيل خُلق للإشباع، ومثلما تُشعرنا الإنجازات بالقيمة وتُشبعنا بكثير من الاعتزاز والتقدير، تُشعرنا بطولات وإنجازات الفريق الذي نشجعه بالشعور ذاته، حيث تُحقِّق لنا المعنى من فكرة التشجيع وتُشعرنا أن الأمر كان يستحق تلك المُعاناة.
  
مُشجع أرسنال يرى في دوري اللا هزيمة قيمة كبرى غير قابلة للمساس، لذلك يدافع عن الإنجاز ويعتبر الانتقاص من ذلك الإنجاز انتقاصا منه شخصيا ومن قيمته، وبالمثل مشجع ليفربول الذي يستشهد بالأرقام على أنه بالرغم من فشل فريقه بالتتويج بدوري اللا هزيمة فإنه امتلك سجلات رقمية أفضل، كذلك مشجع السيتي وغيره من المشجعين.

      

    
خسر ليفربول حظوظه في تكرار إنجاز أرسنال، لكن بإمكانه تحطيم عدد النقاط التاريخي للدوري (100) إذا استمر في حصد النقاط بالمعدل الحالي ليصل إلى 107 نقطة، ومن جهة أخرى يبقى إنجاز أرسنال عظيما صامدا بالرغم من حصيلة التعادلات التي أُخذت عليه. لم يُحقِّق مانشستر سيتي الإنجاز ذاته لكنه حقّق الرباعية المحلية التي لم يُحقِّقها غيره، ويكفيه شهادة معظم المتابعين بأن ما قدَّمه الفريق هو أمتع مُنتج كروي شاهده متابعو الدوري الإنجليزي منذ زمن بعيد، كذلك مانشستر يونايتد الذي لم يُحقِّق موسم لا هزيمة لكنه حقّق الثلاثية عام 99 جامعا بين الدوري والكأس ودوري الأبطال.

      

    
وفقا لمبدأ الوفرة فإن الجميع كانوا عظماء في سياق معين، ويمكن للقمة أن تسعهم جميعا، خاصة مع عدم موضوعية المقارنات العابرة للعصور، لأن كل حقبة كانت لها خصائصها التي تُميّزها عن غيرها، ولأن معيار الأفضلية نسبي، حيث يتغيّر الفريق الأفضل دائما بتغيُّر منظور الحكم. يُشبه الأمر البحث عن المحارب التنين بفيلم "كونغ فو باندا" (Kung Fu Panda)، عندما يفتح "بو" لفيفة التنين التي تعطيه الإجابة فيُفاجأ أنها فارغة، وبالمثل إذا بحثت عن أفضل فريق في تاريخ البريميرليغ فإنك لن تجده، ولكنك ستجد فِرَقا عظيمة كل فريق منهم "له ما له، وعليه ما عليه".

المصدر : الجزيرة