شعار قسم ميدان

مستقبل تقنيات الشحن اللاسلكي في الهواتف الذكية

Midan - wireless charging system
مظعم الأماكن العامة والمقاهي توفّر شواحن لاسلكية تعمل وفق معيار Qi مثل مقاهي Starbucks، أو قاعات الطيران (رويترز)

مع مرور السنوات يتغيّر اهتمام المستخدمين بمواصفات الأجهزة الذكية، فبداية كانت مواصفات مثل دقّة الشاشة والكاميرا من أهم العوامل التي تُرجح كفّة هاتف على الآخر، ثم انتقلنا بعدها للحديث عن سعة الذاكرة الداخلية وسرعة المعالجة، كون التطبيقات بدأت بالتطوّر، وبالتالي تحتاج إلى ذاكرة تخزين عالية، إلى جانب مُعالج وذاكرة وصول عشوائي RAM بكفاءة عالية أيضاً.

 

انطلاقًا من هذه المُعطيات أصبحت التعديلات الافتراضية التي تدخل على أي جهاز ذكي جديد هي نفسها، زيادة في دقّة الكاميرا ووضوح الألوان في الشاشة، وزيادة في ذواكر التخزين، الوصول العشوائي وتردد المعالج، مع القليل من الميزات الأُخرى. لكن واحدة من الأمور التي تزايدت أهمّيتها في الآونة الأخيرة هي تقنية الشحن اللاسلكي، أي شحن الجهاز دون الحاجة إلى وصله بالشحن من خلال وضعه على صحيفة تقوم بالعملية.

 

لم يتفق العلماء كثيراً حول ناحية تأثير هذه التقنيات على صحة الإنسان، فبعضهم يرى أن كمية الإشعاعات الصادرة عن التيارات والحقول المغناطيسية صغيرة جداً، ولا تؤذي الإنسان

والأمثلة على الهواتف الذكية التي تدعم الشحن اللاسلكي Wireless Charging كثيرة، منها Galaxy S6 و S6 Edge من سامسونج، أو Nexus 4، و5، و6، و7 من شركة جوجل، وأخيراً هواتف Lumia 920، و928 من شركة مايكروسوفت، وهذا جزء بسيط فقط من الهواتف الذكية التي تدعم هذه الخاصيّة المُثيرة للاهتمام [1].

 

ما هو الشحن اللاسلكي؟
بشكل عام يمكن النظر إلى الشحن اللاسلكي على أنه عملية نقل الطاقة عبر الهواء (لاسلكياً) دون الحاجة إلى استخدام الأسلاك كما هو الحال في مُعظم الأجهزة الكهربائية. وفي يومنا الحالي تقف خلف هذه التقنيات مؤسستان، الأولى تحمل اسم The Wireless Power Consortium وتُعرف اختصاراً بـ WPC، والثانية هي AirFuel [2]. أما الأولى فهي مسؤولة عن معيار Qi -يُلفظ تشي- الذي يُعتبر من أوائل معايير الشحن اللاسلكي وأكثرها كفاءة، ويُستخدم في مُعظم الأجهزة التي تعتمد على الشحن اللاسلكي أو نقل الطاقة عبر الهواء. أما المؤسسة الثانية فهي مسؤولة عن معيارين، الأول هو AirFuel Inductive والثاني AirFuel Resonant، والاختلاف بينهما في المسافة التي يمكن نقل الطاقة عبرها لاسلكياً.

 

الأهم من أسماء الشركات أو المعايير هو آلية عمل مثل هذه التقنيات، فنحن نعلم أنه وفي الأسلاك يتم الاعتماد على قابلية النحاس لنقل التيار من طرف لآخر، لكن ماذا عن نقل الكهرباء لاسلكياً؟

 

بداية يتم تحويل الجهد الكهربائي Voltage إلى تيار كهربائي متناوب AC ونقله عبر دارة ناقلة إلى دارة أُخرى مؤلفة من سلك ملفوف. هُنا وجرّاء مرور التيار بالسلك يتولد حقل مغناطيسي يجذب إليه المُستقبل، الذي هو عبارة عن دارة مؤلفة من سلك ملفوف أيضاً، وبالتالي يبدأ مرور التيار من طرف لآخر عبر الحقل المغناطيسي المتولد عبر التيار المتناوب الذي يتحول بعد الوصول إلى المُستقبل إلى تيّار مُستمر DC وبالتالي شحن البطارية [3].

 

أيهما أفضل Qi أو AirFuel؟
بكل تأكيد تتجه التقنية بشكل عام نحو مستقبل بعيد عن التوصيلات، وبالتالي ومع مرور الوقت سنرى كثيراً من الأجهزة التي تدعم الشحن اللاسلكي
بكل تأكيد تتجه التقنية بشكل عام نحو مستقبل بعيد عن التوصيلات، وبالتالي ومع مرور الوقت سنرى كثيراً من الأجهزة التي تدعم الشحن اللاسلكي
 

ذكرنا أن AirFuel تمتلك معيارين، الأول هو AirFuel Inductive وهو يعمل تمامًا مثل Qi عبر نقل الكهرباء بواسطة حقل مغناطيسي، لكن الفرق بينهما هو الترددات المستخدمة في كل معيار فقط، فعلى سبيل المثال تدعم هواتف Galaxy S6 وGalaxy S7 من شركة سامسونج كلا المعيارين دون مشاكل أبداً، وبالتالي بدارة واحدة يمكن معالجة التيارات الواردة عبر الحقل المغناطيسي وشحن الأجهزة بكفاءة أفضل [4].

 

وبما أن الأقدمية لمعيار Qi، فمظعم الأماكن العامة والمقاهي توفّر شواحن لاسلكية تعمل وفق هذا المعيار مثل مقاهي Starbucks، أو قاعات طيران الإمارات في مطار دبي الدولي [5]، دون نسيان السيارات التي بدأت هي الأُخرى أيضًا بدعم الشحن اللاسلكي بشكل افتراضي لتوفير أسطح لشحن الأجهزة الذكية بداخلها.

 

وهنا يبقى لدينا معيار AirFuel Resonant الذي وبشكل نظري يعمل تماماً مثل البقية، لكنه أصبح يُربط بشكل أو بآخر بالشواحن اللاسلكية ذات المدى البعيد، كما أن هذا المعيار يسمح بشحن أكثر من جهاز في الوقت ذاته، مما يجعله من الخيارات المُتميّزة في المنازل أو الأماكن العامّة أيضًا [6].

 

وبما أن آلية العمل ما بين Qi وAirFuel Inductive واحدة، فكثير من الشركات المتخصصة في صناعة الدارات الكهربائية بدأت بتطوير دارات متوافقة مع المعيارين، ومن هذه الشركات كوالكوم Qualcomm وMediaTek. لكن هناك من يرغب في الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك مثل شركة NuCurrent التي تقوم بتطوير دارة تدعم جميع المعايير الثلاثة في الوقت ذاته لاستخدامها في شحن الأجهزة الذكية كالهواتف أو الساعات [7].

 

هل هذا كل شيء؟
في حقيقة الأمر، تقوم معظم المعايير على المبادئ ذاتها باستثناء بعض التغييرات البسيطة، لكن وخلال معرض CES 2016 استعرضت شركة Humavox مثالاً لشواحن لاسلكية لا تعتمد على الحقل المغناطيسي لنقل الطاقة، لكنها تعتمد على موجات الراديو لهذا الغرض [8]، صحيح أن المدى سوف يكون قصيراً حاله حال البقية، لكنه لا يحتاج إلى دارات كبيرة، وبالتالي يمكن توفير مساحة أكبر في الأجهزة الذكية لأشياء أفضل، أو حتى لجعلها أنحف من ناحية السماكة.

 

ذكرت شركة LG أنها تعمل على شاحن لاسلكي يوفر طاقة بقدرة 15 وات، وهو يتفوّق على النماذج الحالية التي توفر طاقة بقدرة 5 وات فقط

هناك أيضاً شركة Energous -وهي تتعاون مع مؤسسة AirFuel- التي طوّرت معيار WattUp الذي يسمح بنقل التيار الكهربائي على مسافات طويلة تصل إلى ستة أمتار تقريباً [9]، وطبعاً تنقص الاستطاعة كلما ابتعد المستخدم عن المُرسل، لكن نجاحها في نقل التيار الكهربائي على هذه المسافة لاسلكياً أمر مُميّز، كما ذكرت بعض المصادر أن شركة آبل مُهتمة باستخدام هذا المعيار لأنه يكسر كثيراً من القيود والحواجز عندما يتعلّق الأمر بشحن الأجهزة واستخدامها في الوقت ذاته [10].

 

وبالحديث عن شركة آبل وهواتف iPhone التي لا تدعم الشحن اللاسلكي حتى اللحظة، فهناك إمكانية لشحنها لاسلكياً، ليس هي فقط، بل جميع الأجهزة التي لا تدعم الشحن اللاسلكي من خلال بعض الأغطية الخاصّة التي يتم وضع الجهاز داخلها، ثم وضعه على قاعدة الشحن اللاسلكي المتوفقة مع الغطاء، أو يمكن في بعض الأجهزة وصل قطعة صغيرة بموصّل الشحن ومن ثم تقريبه من صفيحة الشحن لتبدأ العملية أيضاً بشكل فوري.

 

مخاطر صحيّة؟
بشكل عام لم يتفق العلماء كثيراً حول هذه المسألة، خصوصاً من ناحية تأثير هذه التقنيات على صحة الإنسان، فبعضهم يرى أن كمية الإشعاعات الصادرة عن التيارات والحقول المغناطيسية صغيرة جداً، ولا تؤذي الإنسان، في حين أن بعضهم الآخر أكّد بوجود تأثير سلبي حتى لو كان صغيراً [11].

 

أما من ناحية المساوئ، فعدم وجود جدوى عند نقل التيار أمر شائع جداً، فالتيار سيفقد جزءاً كبيراً من استطاعته ليصل جزء بسيط منه إلى الجهاز، وهو ما يعني فترات أطول لشحن الجهاز، لكن شركة سامسونج على سبيل المثال تعمل على تطوير شاحن سريع يعتمد على معيار Qi قادر على شحن الأجهزة أسرع بمعدل مرّة ونصف من شواحن Qi التقليدية. كما ذكرت شركة LG أنها هي الأُخرى تعمل على شاحن لاسلكي يوفر طاقة بقدرة 15 وات، وهو يتفوّق على النماذج الحالية التي توفر طاقة بقدرة 5 وات فقط [12].

 

ماذا عن المُستقبل؟
بكل تأكيد تتجه التقنية بشكل عام نحو مستقبل بعيد عن التوصيلات، وبالتالي ومع مرور الوقت سنرى كثيراً من الأجهزة التي تدعم الشحن اللاسلكي من جهة، مع تطوير في آلية وسرعة نقل التيار من الشاحن إلى الجهاز من جهة أُخرى. كما تُركّز كثيراً من الشركات على زيادة المسافة التي يمكن نقل التيار الكهربائي عبرها، وبالتالي التخلّص من ضرورة وضع الجهاز على مسافات لا تزيد عن 2.5 سم، مثلما هو الحال في معظم شواحن Qi.

 

يتوقع بعضهم أيضاً أن نتخلّى تماماً عن الشواحن في المنازل والمكاتب من خلال وجود وحدة لبث التيار الكهربائي عبرها، لتقوم بشحن الأجهزة المُزوّدة بدارات خاصّة لاستقبال التيار وتحويله إلى البطارية، وبالتالي لن تعود مسألة انتهاء شحن الجهاز من الأمور المُقلقة بالنسبة إلى العديد من المستخدمين، لكن الوصول إلى مثل هذا المُستقبل قد تُعيق طريقه بعض المخاوف الصحيّة، فمؤسسات مثل هيئة الاتصالات الفيدرالية FCC لن توافق بسهولة على مثل هذه المعايير قبل التأكد من سلامتها وصعوبة حدوث مشكلات تؤثر في حياة المستخدمين.

المصدر : الجزيرة