شعار قسم ميدان

هواوي وأجهزة "ميت".. الإبداع في استخدام الذكاء الاصطناعي

ميدان - هوواوي ميت 10

ليست هذه المرّة الأولى التي تعقد فيها شركة "هواوي" (Huawei) الصينية مؤتمرا للكشف عن هواتفها ومنتجاتها الجديدة، لكن كمّية التشويق هذا العام كانت أكبر من السابق لأن الشركة تُراهن على الذكاء الاصطناعي بشكل كبير.

 

تلك الإثارة، التي رافقها وسم خاص بالشركة على تويتر، كانت تُخبّئ خلفها هاتفين جديدين، "ميت 10″ (Mate 10) و"ميت 10 برو" (Mate 10 Pro)، التي تأتي لاختتام موسم الهواتف الذكية قبل أيام من وصول الجيل العاشر من هواتف "آيفون إكس" (iPhone X) إلى الأسواق.

 

 

الابتكار يبدأ من الداخل

لم تُقدّم أجهزة "ميت 10″ و"ميت 10 برو" الشيء الجديد الذي لا مثيل له في عالم الهواتف الذكية(1)، فكلا الجهازين يحملان شاشة تمتد على كامل الوجه الأمامي تقريبا مع أطراف جانبية مُنحنية وبدون حواف جانبية، في تصميم مُشابه لذلك المستخدم في هواتف "غالاكسي إس 8″ و"إس 8+" من شركة سامسونغ. ومن ناحية القياس، فهاتف "ميت 10" يحمل شاشة حجمها 5.9 بوصة "إف إتش دي+" (+FHD)، بينما يحمل الثاني شاشة 6 بوصة بدقّة "2 كيه" (2K).

 

هواوي خدعت الجميع عندما استخدمت "برو" في تسمية الهاتف الثاني، فالبعض ظنّ أنه الأخ الأكبر للأول عملا بعادات الشركة التقنية مثل آبل في "آيفون 8" و"آيفون 8 بلس"، أو غوغل في "بكسل 2" و"بكسل 2 إكس إل"، لكنها اختارت كلمة "برو" فقط للإشارة إلى بعض الفروقات البسيطة في مُستشعر البصمة الموجود على الوجه الأمامي في "ميت 10" وعلى الوجه الخلفي في شقيقه الاحترافي "ميت 10 برو".

 

وقرّرت الشركة في هواتفها الجديدة الذهاب إلى ما هو أبعد من المواصفات أو التصميم الخارجي، فهي ركّزت على الذكاء الاصطناعي في كل زاوية من زوايا الهواتف لتقديم تجربة استخدام استباقية تتماشى مع المُستقبل، وذلك من خلال مُعالج "كيرين 970" (Kirin 970) الذي يحمل وحدة معالجة عصبونية تُحاول مُحاكاة دماغ الإنسان لتقديم ذكاء غير مسبوق في الهواتف. وبالحديث عن المُعالج، فهو ثماني الأنوية مُجزّء بواقع 4 للأداء العالي بتردد 2.36 غيغاهيرتز، و4 للأداء المتوسط والمنخفض بتردد 1.8 غيغاهيرتز. كما قامت الشركة باستخدام مُعالج رسوميات يعمل بواسطة 12 نواة.

 

undefined

  

ما سبق يعني أداء عاليا جدا في الظروف الطبيعية بعيدا حتى عن الذكاء الاصطناعي الذي يُمكن رصده بداية في المايكروفون المُخصّص لالتقاط صوت المستخدم أثناء إجراء المُكالمات، فهو قادر على رصد الصوت حتى عند الهمس، وذلك بعد تحليل صوت المستخدم مع مرور الوقت وتعلّم صفاته المُميّزة ليُصبح النظام قادرا على التقاط الصوت أيا كانت شدّته، أو أيا كانت ظروف الضجيج المُحيطة بالهاتف.

 

 
مُستشعر البصمة بدوره يستفيد من ذكاء الآلة، فمع تكرار الاستخدام يُصبح فك قفل الجهاز أسرع بواقع 0.33 ثانية فقط حسبما ذكرت الشركة خلال المؤتمر. والحال نفسه كذلك في الشاشة التي تقوم بضبط الإضاءة لتوفير الطاقة قدر الإمكان ليس بحسب الوسط المُحيط فقط، بل على حسب المحتوى، حيث حرصت الشركة على تطوير تقنية "آي جي بي دبليو" (RGBW) التي تضمن عرض اللون الأبيض في شاشة "ميت 10" دون الحاجة إلى تشغيل مصابيحها بشكل كامل، وبالتالي توفير سطوع عالٍ دون التأثير على شحن الجهاز.

 

 

وبالحديث عن الشحن، زوّدت الشركة كلا الهاتفين ببطارية 4000 ملّي أمبير، وهي تستفيد كذلك من الذكاء الاصطناعي، كيف؟ من خلال توفير فترة استخدام تصل إلى يوم كامل عند الاستخدام الكثيف، أو فترة تصل إلى يومين عند استخدامه بشكل مُعتدل، وهذا شيء نادرا ما يُمكن رصده في الهواتف الذكية حاليا. ولا يجب تجاهل ميزة "سوبر تشارج" (SuperCharge) التي تسمح بشحن الجهاز بسرعة كبيرة، فتوزيع الطاقة وتخزينها يمر عبر تلك الخوارزميات أيضا. وبشكل عام، تتميّز هواتف هواوي ببطاريّتها ذات الأداء العالي إذ صُنّفت بطارية أجهزة "ميت 9" على أنها الأفضل في 2016.(2)

 

علامة "ميت"
undefined

 

تحمل علامة "ميت" التجارية أكثر من معنى بالنسبة للمستخدمين، فمن الشاشة الكبيرة إلى البطارية التي تصمد لفترة طويلة وصولا إلى الكاميرات التي لم تُهملها هواوي هذا العام كذلك، فالهواتف الجديدة تحمل كاميرا مزدوجة عمودية التموضع عدستها الأولى بدقّة 20 ميغابكسل لالتقاط اللونين الأبيض والأسود، والثانية بدقّة 12 ميغابكسل لالتقاط الألوان بشكل كامل. السيناريو المُعتاد هو أن يقوم مُعالج الصورة بدمج الصورتين الواردتين من العدستين لتقديم صورة بجودة عالية، لكن هواوي نقلت هذا التحدّي إلى درجة أعلى عندما قرّرت استخدام مُعالجين للصورة في ذات الوقت عوضا عن واحد.

 

ولأن التطور التقني لا يكفي في الكاميرات وفق رؤية الشركة الصينية، قرّرت الاستفادة من الذكاء الاصطناعي من جديد وذلك من خلال توفير خوارزميات للتعرّف على الأشياء أثناء التقاط الصورة لتفعيل الوضعية الأنسب، فالنظام تدرّب على أكثر من 100 مليون صورة وأصبح قادرا بشكل شبه فوري على تحديد العنصر الموجود أمام الكاميرا وتفعيل الوضعية المناسبة قبل أن يضغط المستخدم على زر التصوير، عند توجيه الكاميرا على الأزهار سيتم تفعيل وضعية تسمح بالحفاظ على الدرجات اللونية التي تهم عند تصوير مثل تلك العناصر، وسيتكرّر نفس الأمر عند توجيهها نحو الطعام، على سبيل المثال لا الحصر.

 

ولأن أجهزة "ميت" يجب أن تكون رائدة، أعلنت الشركة عن شراكة مع مايكروسوفت وتحديدا أداة الترجمة الخاصّة بها لتوفّر بذلك إمكانية ترجمة النصوص من الصور بشكل فوري بعد الاستفادة من الشبكات العصبونية، وهي عمليات يمكن القيام بها حتى عند عدم توفّر اتصال بالإنترنت لأن المعالج سيتكفّل بكل شيء تقريبا.

 

ولم تتوقّف شراكة هواوي وغوغل في الهواتف الجديدة على نظام أندرويد فقط، وهي من أوائل الهواتف على مستوى العالم التي تعمل بنظام "أندرويد 8" (Android 8)، فذلك التعاون نتج عنه أيضا واجهات غوغل البرمجية للذكاء الاصطناعي لرفع مستوى الذكاء وإتاحة أدوات أمام المُطوّرين لتغيير تجربة استخدام التطبيقات التقليدية.

 

خلال المؤتمر لم تترك هواوي أي شركة تقنية بحالها، فهي قارنت أجهزتها الجديدة مع هواتف آبل الجديدة، ثم عادت وقارنت هواتف "بي 10" مع هواتف "غالاكسي إس 7" من سامسونغ من ناحية تراجع الأداء بعد 18 شهرا من الاستخدام، وهذا أمر طبيعي جدا وتقوم به أي شركة. لكن المُقارنة الحقيقية التي لم تتطرّق إليها الشركة بشكل مُباشر كانت مع أداة "ديكس" (DeX) التي تقوم بتحويل هواتف "غالاكسي إس 8″ و"إس 8 بلس" و"نوت 8″ من سامسونغ إلى حواسب مع إمكانية وصلها بشاشة ولوحة مفاتيح وماوس أيضا.

 

في هذا الصدد قدّمت هواوي إمكانية تحويل الهواتف الجديدة إلى حاسب دون الحاجة إلى أي مُلحق وبمجرّد وصل الجهاز بشاشة خارجية ليتم تغيير طريقة عرض التطبيقات لتتلائم مع الحجم الجديد، كما ستظهر مُرتّبة ضمن مُجلّدات لتسهيل الوصول إليها. وإذا كانت تلك التقنية لا تكفي فإن هواوي كان لديها الإجابة بالفعل، فبعد وصل الهاتف بالحاسب يُمكن الاستفادة من الهاتف وتحويله إلى لوحة مفاتيح أو إلى لوحة تتبّع، "تراك باد" (TrackPad)، لتحريك الماوس. وبالمناسبة، يُمكن وصل لوحة مفاتيح وماوس لاسلكية بالهاتف لاستخدامهما بعد تحويله إلى حاسب.

 

ولأنها عازمة على المنافسة، نجحت الشركة بفصل الهاتف عن الحاسب مرّة أُخرى، فعند تلقّي مُكالمة أو رسالة لن تظهر على شاشة الحاسب، وهو أمر مفيد عند تقديم المحاضرات على سبيل المثال، ليحصل المستخدم بذلك على فضاء للعمل، وفضاء آخر شخصي يُمكن منعهما من التداخل معا.

 undefined

 
أخيرا، وبالعودة إلى كون الأجهزة الجديدة هواتف فإنها تدعم استخدام شريحتي اتصال يُمكن تفعيلهما في ذات الوقت مع دعم لشبكات الجيل الرابع أيضا، فبالعادة تكون واحدة من الشرائح داعمة لهذا المعيار، بينما تدعم الشريحة الثانية معيارا أقدم. أما من ناحية الاتصال بالإنترنت فالهواتف الجديدة نجحت في تحقيق سرعة وصلت إلى 1.2 غيغابت في الثانية الواحدة عند استخدام الجيل 4.5 للاتصال، لتتفوّق بذلك على هواتف مثل "غالاكسي إس 8" التي وصلت سرعة الاتصال فيها إلى 1 غيغابت في الثانية الواحدة(3).

 

شيئا فشيئا تُثبّت هواوي قدمها بين الكبار على المستوى التقني، فهي تقريبا بمكانة سامسونغ عند الحديث عن الابتكار في الأجهزة العاملة بنظام أندرويد. وتتويجا لتلك الجهود كرّرت هواوي تعاونها مع شركة "بورش ديزاين" (Porsche Design) مُعلنة عن نسخة وجهها الخلفي مصنوع من السيراميك بذواكر عشوائية 6 غيغابايت ومساحة تخزين 256 غيغابايت، بينما يحمل هاتف "ميت 10" ذواكر 4 غيغابايت ومساحة 64 غيغابايت، وهاتف "ميت 10 برو" ذواكر 6 غيغابايت ومساحة 126 غيغابايت، لتتنوع بذلك الخيارات أمام المستخدمين.

 

انضمت أجهزة هواوي الجديدة إلى الهواتف الذكية الرائدة التي رأت النور خلال 2017 على غرار "بكسل 2 إكس إل" من غوغل، و"آيفون إكس" من آبل، و"في 30″ (V30) من "إل جي" (LG)، دون نسيان "غالاكسي إس 8" التي قدّمت للعالم شاشات الهواتف الذكية بشكل جديد كُليًّا دفعت من خلاله معايير إنتاج الهواتف وتصميمها في السنوات القليلة القادمة.

  

 
ومثلما دفعت سامسونغ العجلة دفعت جهود غوغل وآبل معايير المعالجات من خلال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في كل شيء تقريبا، الأمر الذي قامت به هواوي بمعالجها الخاص، النقطة التي تفتقر إليها غوغل حاليا والتي تسعى للوصول إليها في وقت لاحق خلال الأعوام القادمة لتقديم هذا المستوى من الذكاء داخل أجهزتها المُستقبلية التي ستأتي بعد الاستفادة من خبرات مُهندسي "إتش تي سي" (HTC) الذين انضموا إليها في وقت سابق.

المصدر : الجزيرة