شعار قسم ميدان

الخدمات السحابية.. طريق أمازون للسيطرة على سوق الشرق الأوسط

ميدان - امازون في البحرين

حطّت شركة أمازون رحالها في الوطن العربي بشكل رسمي بعد مُباحثات طويلة بدأت مع نهاية عام 2016 للاستحواذ على سوق. كوم، أحد أكبر المتاجر الإلكترونية على مستوى الوطن العربي. وما بين صد ورد، أنهت الشركة الأميركية صفقة الاستحواذ على المتجر لقاء مبلغ يصل إلى 650 مليون دولار أميركي مع انتصاف عام 2017(1).

  

وبعدما بدت خطوتها منطقية في ظل رغبتها في توسيع رقعة عملياتها على صعيد التجارة الإلكترونية، عقدت أمازون مؤتمرا في البحرين مُعلنة أيضًا عن أول مركز بيانات لخدماتها السحابية "أمازون ويب سيرفس" (Amazon Web Services) في المنطقة، واضعة ثقلها الكامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا(2).

Renault Samsung QM5 is seen as visitors and photographers gather to take photographs of a model posing next to a Renault Samsung QM3 at the Seoul Motor Show 2015 in Goyang April 3, 2015. The Seoul Motor Show, the largest auto event in South Korea, kicked off on Friday with 32 automakers showing their latest cars and new technologies, according to local media. REUTERS/Kim Hong-Ji

 

"أمازون ويب سيرفس"

تُقدّم شركة أمازون، ومنذ 11 عاما تقريبًا، منصّة للتخزين السحابي والأدوات السحابية المُختلفة، وهي منصّة تسمح للشركات ولأصحاب المواقع والتطبيقات بتخزين البيانات على خوادم لا مركزية موجودة في مناطق جغرافية مُتفرّقة لضمان الوصول إليها في أي وقت ولتجنّب حدوث أية انقطاعات مُفاجأة(3).

 

قبل صيحة التخزين السحابي كانت هناك استضافات عاديّة، يُمكن تمثيلها بحاسب له مُعالج وقرص صلب لتخزين البيانات مُتّصل بالإنترنت وله عنوان إلكتروني "آي بي" (IP Address) ثابت، بحيث يتم تخزين بيانات الموقع والتطبيقات عليه، ويتم طلبه عبر عنوانه الإلكتروني لاستخراج تلك البيانات. لكن ماذا لو انقطع الاتصال أو توقّف المعالج لسبب أو لآخر؟ سيتوقّف الوصول لتلك البيانات لحين إصلاحه. مع قدوم التخزين السحابي تغيّر هذا الأمر، فالبيانات تُخزّن الآن في مراكز كبيرة جدًا لمعالجتها وتوفيرها في أي وقت دون أن تحتاج كل شركة لإنشاء مركزها الخاص.

 

ما قامت به أمازون هو توفير بُنية تحتية صلبة من جهة، وأدوات لإدارة تلك البُنية من جهة أُخرى. هذا نتج عنه مجموعة كبيرة من الخدمات مثل "إس 3" (S3) لتخزين الملفّات على السحاب على غرار الصور ومقاطع الفيديو. كما توجد قواعد بيانات مثل "آر دي إس" (RDS)، وهي قواعد علائقية يُمكن تخزين المعلومات فيها للعودة إليها من أي جهاز بعد الاستفادة من الواجهات البرمجية التي تُقدّمها أمازون.

القائمة تطول فهي تحتوي مثلًا على أداة لإيقاف هجمات الحرمان من الخدمة "دي دوس" (DDoS)، وأُخرى لتشغيل الألعاب وإنشاء جلسة خاصّة بكل لاعب، بالإضافة إلى أدوات لإدارة التنبيهات التي تُرسلها التطبيقات للمستخدمين، وأدوات للمحادثات الفورية والدعم الفنّي. "لامدا" (Lamda) لوحدها حكاية أُخرى للراغبين بأتمتة المهام، فعند رفع صورة لتخزينها على خدمة "إس 3″، يُمكن كتابة برنامج داخل "لامدا" يقوم بتصغير حجم الصورة، لتتكرّر العملية آليًا في كل مرّة. ليس هذا فحسب، بل يُمكن كتابة مهارات (تطبيقات) لمساعد أمازون الرقمي، "أليكسا" (Alexa)، لضمان عمله بشكل دائم وفي أي وقت(3)(4).

 

  

تلك الأدوات، رفقة أُخرى لإدارة المهام مع خوارزميات الذكاء الاصطناعي، أدّت لصناعة إمبراطورية تُدر الملايين شهريًا على أمازون المعروفة بمتجرها الإلكتروني فقط، والتي تعمل بجد لتوفير حلول سحابية لا مثيل لها تعتمد عليها أكبر الشركات العالمية.

 

السحاب عربيًا

تُعتبر خدمات أمازون السحابية، المعروفة اختصارًا بـ "إيه دبليو إس" (AWS)، من الأبرز على مستوى العالم إلى جانب غوغل ومايكروسوفت، الشركات التي توفّر هي الأُخرى مُخدّمات وأدوات سحابية للشركات. وبالأرقام، فإن قطاع الخدمات السحابية في أمازون نما خلال الربع الأخير بنسبة 42٪، مُحققًا عائدات للشركة بلغت 4.10 مليار دولار أميركي(5).

 

ساهمت التطبيقات والشركات العربية في جزء لا بأس به من تلك العائدات، فاستخدام خدمات أمازون السحابية على مستوى الوطن العربي مُمكن حتى دون وجود مركز للبيانات فيه، فاختيار أقرب مركز بيانات جُغرافيًا كان يفي بالغرض، وهذا فقط لتقليل وقت الاستجابة قدر الإمكان وتوفير حلول سريعة جدًا. شركة كريم للنقل التشاركي على سبيل المثال، والتي تأسّست عام 2012، اعتمدت في بُنيتها التحتيّة على خدمات أمازون السحابية، الأمر الذي سمح لها بالنمو بمقدار عشرة أضعاف كل عام.

وعن وصول خدمات أمازون السحابية للمنطقة قال "ماغنوس أولسن" (Magnus Olsson)، أحد مؤسّسي الشركة، إن خدمات أمازون سمحت لشركة كريم في النمو والخروج من دبي إلى أكثر من 80 مدينة في المنطقة بما فيها تركيا وباكستان مع تخديم أكثر من 12 مليون رحلة في تلك المدن المُختلفة وبأقل التكاليف والجهود المُمكنة بفضل أدوات أمازون المتنوّعة(6).

  

 

"رونالدو مشوّر" (Ronaldo Mouchawar)، مؤسّس سوق.كوم، تحدّث أيضًا عن أهمّية وصول "إيه دبليو إس" رسميًا للمنطقة مؤكّدًا أنها ستسمح للشركات بالنمو والتطوّر بسرعة كبيرة لأن المُستقبل حاليًا للحوسبة السحابية التي بدأت الجهات الحكومية والشركات الخاصّة في المنطقة بالتوجّه إليها. وتُدرك أمازون أن يد واحدة لا تُصفّق، وأن النمو الذي يتحدّث عنه "مشوّر" لن يتم إلا بالتعاون.

ولهذا السبب أعلنت أيضًا عن برنامج لتدريب الأساتذة والمختصّين في المنطقة مع تقديم مواد تعليمية خاصّة تسمح لهم فهم آلية عمل خدمات أمازون السحابية لنقل تلك المعرفة فيما بعد للطُلاب والراغبين بدخول عالم الحوسبة السحابية من بوابة أمازون، وذلك عبر دروس ومُحاضرات خاصّة تشرح كل شيء بالتفصيل. كما خصّصت برامج للطُلاب في جامعات الإمارات العربية المُتحدة، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان، والبحرين، إضافة إلى الأردن، بحيث يُمكن الالتحاق بالبرامج التعليمية والحصول على الشهادات اللازمة لإدارة التطبيقات والمواقع والتخزين السحابي(7).

 

ولم تكتف أمازون بالطُلاب فقط، فهي تعاونت مع مجموعة كبيرة من الحاضنات ومُسرّعات الأعمال في المنطقة العربية لدعم الشركات الناشئة والصغيرة ومُساعدتها على نقل بياناتها لضمان قابلية تطوير أعلى وتوسّع للبُنية التحتية دون زيادة التكاليف. وتلك برامج تتضمّن ورشات عمل، وبرامج تدريب لكوادر الشركات، ودعم فنّي مُباشر من قبل موظّفين من أمازون. وبهذا الشكل تكتمل رؤية أمازون التي تؤمن أن توفير التقنية لوحده لا يكفي دون تقديمها على طبق من ذهب للراغبين بالاعتماد عليها(7).

 undefined

 
أما عن السبب الذي يدفع أمازون لاختيار البحرين دونًا عن غيرها من دول المنطقة العربية فهذا لأكثر من سبب بدءًا من جهود الحكومة البحرينية وجديّتها في نقل الخدمات الحكومية لتُصبح سحابية، أي متوفّرة للمواطن من أي مكان وباستخدام أي جهاز. كما أنها ستُساعد أمازون في إدارة مركزها الجديد للبيانات بالطاقة النظيفة بشكل كامل، لتكون بذلك أول مُنشأة في البحرين تعمل بالطاقة المُتجدّدة بدعم من الحكومة لتحقيق رؤية أمازون التي دائمًا ما تسعى لاستخدام تقنيات ووسائل تشغيل لا تؤثّر على البيئة. ويجب التنويه إلى أن البحرين لم تكن الوحيدة عربيًا، فالإمارات العربية المُتحدة سوف تستضيف حلول أمازون السحابية لإدارة الشبكات "إيدج نيتورك" (Edge Network) التي تُقدّم أدوات لتوفير المحتوى أو للحماية من الهجمات الخبيثة، وهذا مع حلول 2018.

 

 

على الصعيد العالمي هناك أسماء كبيرة جدًا تعتمد على تلك الخدمات والحلول في مُقدّمتها "نت فليكس" (Netflix)، واحدة من أكبر شركات بثّ المحتوى حسب الطلب على مستوى العالم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مجموعة "إم بي سي" (MBC) العربية تعتمد أيضًا على حلول أمازون السحابية لبثّ المحتوى حسب الطلب خصوصًا في الشهر الفضيل، شهر رمضان المُبارك، الذي ترتفع فيه نسبة المشاهدات بنسبة كبيرة جدًا. وبالإضافة للأسماء السابقة، تعتمد عليها أيضًا شركات مثل "إتش تي سي" (HTC)، و"بي إم دبليو" (BMW)، وتطبيق "إير بي أن بي" (AirBnB)، وشركة شاومي الصينية، رفقة سامسونغ وشركة "ليفت" (Lyft) للنقل التشاركي(8)، كما أن شركة "سناب" (Snap Inc)، المالكة والمُطوّرة لتطبيق "سناب شات" قرّرت دفع مليار دولار أميركي لاستخدام حلول أمازون السحابية(9)، وهي التي تعمد في ذات الوقت على خدمات التخزين السحابي من غوغل أيضًا.

 undefined

 
تلك الأسماء والمبالغ المالية المدفوعة تعكس أهمّية الخدمات السحابية في عصرنا الحالي، عصر الأجهزة الذكية وأجهزة إنترنت الأشياء المُتصلة بالإنترنت، والتي تحتاج لجهود جبّارة لمعالجة طلباتها الكثيرة وتوفير البيانات اللازمة بأسرع وقت، وهو أمر تضمنه خدمات أمازون السحابية، وغيرها من الخدمات السحابية الكُبرى بكل تأكيد. ولهذا السبب لا يُمكن اعتبار وصول سحاب أمازون للوطن العربي بالأمر العادي، صحيح أن استخدام تلك الأدوات كان مُمكنًا، إلا أنه الآن أصبح أقرب بفضل جهود أمازون وخُبرائها للعمل جنبًا إلى جنب مع الطاقات العربية الكامنة. ومن جهة أُخرى، قد تتشجّع شركات أُخرى لدخول المنطقة أسوة بشجاعة أمازون، خصوصًا أن السوق العربي ناشئ حاليًا، ونسبة نموّه ستضمن أرباح لأي شركة تستثمر فيه بشكل صحيح، مثلما تقوم أمازون في الوقت الراهن.

المصدر : الجزيرة