شعار قسم ميدان

معالِجات الأجهزة الذكية.. عقول رقمية خارقة غيرت حياتنا

ميدان - معالج كوالكوم

تُبدع الشركات التقنية عامًا بعد عام في أجهزتها الذكية المُختلفة خصوصًا الهواتف الذكية والحواسب اللوحية، فسامسونغ غيّرت شكل الهواتف بشاشات تمتد على كامل الوجه الأمامي مُنحنية الأطراف، وغوغل أتقنت التصوير، بينما ركّزت آبل على الواقع المُعزّز وتطبيقاته المُختلفة.

 
تلك التغييرات لم تكن لتحصل لولا وجود وحدة صغيرة جدًا بداخل تلك الأجهزة، وحدة أصغر من الشاشة بمراحل ومن عدسة الكاميرا. لكنها قادرة على إدارة جميع المُكوّنات والقيام بملايين العمليات في الثانية الواحدة. المعالجات، أو وحدات المعالجة المركزية، أصبحت متطوّرة جدًا في الهواتف الذكية، بل وتفوّقت من ناحية الأداء -في بعض الأوقات- على مُعالجات الحواسب المحمولة والمكتبية أيضًا(1).

  undefined

 

"كيرين 970"

سخرت هواوي مؤخرًا من آبل ومن خاصيّة التعرّف على الوجه "فيس آي دي" (Face ID) في الجيل العاشر من هواتف "آيفون"(2)، ذاكرةً أن هواتفها الجديدة "ميت 10" (Mate 10) ستُقدّم المعنى الحقيقي للذكاء الاصطناعي في الأجهزة الذكية. تلك الثقة لم تأتي من فراغ أو من كونها تقترب شيئًا فشيئًا من التفوّق على آبل من ناحية الحصّة السوقية(3)، بل هي نابعة من مُعالجها الجديد "كيرين 970" (Kirin 970) الذي يُقدّم مفاهيم جديدة في معالجات الأجهزة الذكية(4).

 

يعمل معالج هواوي الجديد بواسطة أربع أنوية بتردد 2.4 غيغاهيرتز، وأربعة بتردد 1.8 غيغاهيرتز، لتكون المُحصّلة ثمان أنوية تتناوب في العمل بناءً على المهمّة ودرجة تعقيدها وقدرات المُعالجة التي تتطلّبها أيضًا. أما وحدة مُعالجة الرسوميات، "مالي-جي72 إم بي 12" (Mali-G72 MP12)، فهي تعمل بواسطة 12 نواة مُختلفة لتوفير أداء عالي جدًا عند تشغيل الألعاب والتطبيقات التي تعتمد على رسوميات عالية الدقّة.

 

وبالاستمرار داخل "كيرين 970″، طوّرت الشركة وحدة خاصّة لمعالجة الفيديو وتكويده لدعم الفيديو بترميز "إتش إي في سي" (HEVC) الذي يضمن مساحة أصغر دون التفريط في الجودة أبدًا، مع دعم لتقنيات "إتش دي آر 10" (HDR 10) بطبيعة الحال. كما يتوافق المعالج الجديد مع ذواكر وصول عشوائي بمساحة 4 غيغابايت، وهو معالج تم تصنيعه وفق تقنيات 10 نانومتر، وهذا يعني أنه بحجم أصغر من الأجيال السابقة من جهة، ويضمن أداء أفضل دون إصدار حرارة عالية، وبالتالي لن ترتفع درجة حرارة الجهاز الذي يعتمد على هذا المعالج. أما وحدة الاتصال داخل "كيرين 970" فهي حقّقت أرقام غير مسبوقة في مجال الاتصالات اللاسلكية على مستوى العالم(5)، فمن ناحية سرعة تحميل البيانات، وصلت السرعة إلى 1.2 غيغابت في الثانية الواحدة، في وقت وصلت فيه السرعة في مُعالجات بقيّة الشركات إلى 1 غيغابت في الثانية الواحدة كحد أقصى.

 undefined

 

وعلى الرغم من قوّة الأرقام السابقة، إلا أنها ليست العامل الذي تستند عليه هواوي، فوحدة المعالجة العصبونية "إن بي يو" (NPU) هي ما يُميّزه عن البقية، وهي الشيء الذي سيجعل هواتف "ميت 10" القادمة الأجهزة الحقيقية للذكاء الاصطناعي. تعتمد تلك الوحدة على خوارزميات التعلّم الذاتي لإتمام جميع المهام، وهذا يسمح بتوفير سرعة معالجة أعلى بنسبة 25٪ مع فعالية أعلى بنسبة 50٪، وهذا الفرق يظهر عند استخدام نفس المعالج مرّة مع وحدة معالجة عصبونية، ومرّة بدونها. وخلال الدقيقة الواحدة، تمكّن "كيرين 970" من معالجة 2000 صورة، وهذا رقم عالي جدًا على اعتبار أنه في كل صورة يقوم بتحليل المشهد للتعرّف على الوجوه والعناصر الموجودة قبل تقديمها للنظام، ثم للمُستخدم(4)
 
جميع الوحدات السابقة، إضافة إلى وحدة لمعالجة الصور، ووحدة لمعالجة الصوت، وأُخرى لمعالجة المُستشعرات موجودة داخل "كيرين 970″، أي أن ذلك العقل الإلكتروني الجبّار موجود في شريحة لا تتجاوز مساحتها حاجز الـ 125 ملي متر مُربّع.

 

"سناب دراغون 835"

لا يقل اسم شركة "كوالكوم" أهمّية عن اسم أندرويد عند الحديث عن الهواتف الذكية، فالشركة ومُعالجاتها من عائلة "سناب دراغون" (Snapdragon) تُغذّي ملايين الأجهزة الذكية الموجودة حول العالم في الوقت الراهن، خصوصًا معالج "سناب دراغون 835" الذي تعمل به أجهزة على غرار "غالاكسي إس 8″ و"إس 8 بلس" و"نوت 8″ من سامسونغ(7)، إضافة إلى هواتف "إتش تي سي" (HTC) الجديدة "يو 11" (U11)، دون نسيان "في 30" (V30) من إنتاج شركة "إل جي" (LG)، ونوكيا 8 أيضًا(6).

 

اختارت مُعظم الشركات هذا المُعالج لأنه يعمل بثمان أنوية أيضًا بتردد يصل إلى 2.45 غيغاهيرتز تقريبًا مع وحدة معالجة رسوميات "أدرينو 540" (Adreno 540) التي تمنح سرعة معالجة أعلى بنسبة 25٪، ومعالجة ألوان أفضل بنسبة 60٪ تقريبًا، وهذا يعني توافقه مع شاشات بدقّة "4 كيه" (4K). كما توجد وحدة تسمح باستخدام كاميرات بدقّة تصل إلى 32 ميغابكسل عند استخدام عدسة مزدوجة، أو 16 ميغابكسل عند استخدام عدسة واحدة، وهذا مع وجود مُعالج للصورة يضمن التقاط جميع التفاصيل من المُستشعر قبل تقديمها للخوارزميات لمعالجتها وإخراجها بالشكل الأمثل. ولا تقل قدرات المعالج عند تصوير الفيديو، فهو يدعم تسجيله بدقّة "4 كيه" أيضًا، وكل ما تحتاجه الشركة المُصنّعة هو اختيار العدسة المناسبة للاستفادة من قدرات المعالجة تلك.

 

معالج كوالكوم (مواقع التواصل)
معالج كوالكوم (مواقع التواصل)

من ناحية الاتصال، لا يقل "سناب دراغون 835" عن "كيرين 970″، صحيح أن الأخير تفوّق من ناحية سرعة التحميل، إلا أن معالج كوالكوم قادر على توفير سرعة تحميل تصل إلى 1 غيغابت في الثانية الواحدة. تلك السرعات ما تزال بعيدة نوعًا ما عن السوق الاستهلاكي، إلا أن دعم الجهاز والمعالج لها أمر يُطيل من عُمره ويضمن المُستخدم أنه سيتمكّن من استخدام تلك السرعات فور وصولها. 

 

الشحن السريع، والاتصال قريب المدى "إن إف سي" (NFC)، وبلوتوث 5، ما هي سوى تقنيات بسيطة يدعمها هذا المعالج رفقة دعم آخر المعايير القياسية الخاصّة بالشبكات اللاسلكية "واي فاي" لتقديم سرعات اتصال عالية. كما خصّصت الشركة وحدة لحماية البيانات الحسّاسة لا يُمكن الوصول لها سوى عن طريق مكتبات النظام حصريًا، وهي بيانات البصمة على سبيل المثال لا الحصر.

 

المعنى الحقيقي لتلك الميّزات هو أن أي شركة قادرة على شراء لوحة رئيسية متوافقة مع هذا المعالج، ومن ثم اختيار أحدث المكوّنات من شاشات، وكاميرات، ومُكبّرات للصوت. وتبقى المهمة الرئيسية هي ربط تلك المكوّنات مع بعضها البعض، ومع وحدة المعالجة الرئيسية، عن طريق الواجهات البرمجية المُختلفة التي توفّرها كوالكوم في مُعالجها الأخير الذي سيخلفه "سناب دراغون 845" القادم في 2018 مع هواتف "غالاكسي إس 9" بنسبة كبيرة(8).
 

"إيه 11 بايونيك"

undefined
 
كشفت آبل عن ثلاثة هواتف ذكيّة مؤخرًا هي "آيفون 8″ و"8 بلس" وأخيرًا "آيفون إكس"، الجيل العاشر الذي يُمثّل مُستقبل الهواتف الذكية بالنسبة لآبل. ولتشغيل تلك الأجهزة، اختارت آبل مُعالج "إيه 11 بايونيك" (A11 Bionic)
(9)، المُعالج الذي يضمن أداء أعلى بنسبة 70٪ بالمقارنة مع أداء المُستخدم في "آيفون 7″ و"7 بلس". يحمل المعالج الجديد ست أنوية اثنتان للمهام التي تتطلّب قوّة معالجة عالية، وأربعة للمهام العادية والمتوسّطة كذلك، مع وجود وحدة للتحكّم بتشغيل تلك الأنوية بناء على البيانات التي يُرسلها التطبيق، أي أنها مسؤولة عن تحليل الطلبات واختيار القوّة المطلوبة لضمان أداء أعلى من جهة، وتوفير الطاقة من جهة أُخرى.

 

ومثلما هو الحال في معالج "كيرين 970″، اعتمدت آبل في المُعالج الجديد على مُحرّك عصبوني لوظائف التعلّم الذاتي والذكاء الاصطناعي، وهذا يجعل "إيه 11 بايونيك" قادرًا على القيام بأكثر من 600 مليار عملية في الثانية الواحدة، وهذا مطلوب في مُستشعرات التعرّف على الوجه التي تقوم بتحليل 30 ألف نقطة للتعرّف على وجه المُستخدم ورسم أبعاده خلال أجزاء من الثانية فقط. ومع تعلّم عادات المُستخدم والوظائف التي يقوم بها ستُصبح وحدة المعالجة قادرة تلقائيًا على نقل المهام من الأنوية القوية إلى المتوسّطة حتى لو كانت المهمّة تتطلّب أداءً عاليا، وهذا لأن المُحرّك العصبوني تعلّم كل شيء وأصبح قادرًا على معالجة تلك المهمة بسرعة أكبر، وهو شيء سيرصده مُستخدمو الهواتف الجديدة مع مرور الوقت.

 

ويوفّر المعالج الجديد دعمًا للواقع الافتراضي "إيه آر" (AR)، وهو شيء استعرضته آبل في خاصيّة الوجوه التعبيرية المُتحرّكة. كما يدعم كذلك واجهات "ميتال 2" الرسومية التي تسمح بتشغيل الرسومات ثلاثية الأبعاد دون التأثير على أداء الجهاز ودون التفريط في شحنه أيضًا. وبالحديث عن الرسوميات، فإن وحدة معالجتها التي تُطوّرها آبل للمرّة الأولى تُقدّم أداء أعلى بنسبة 30٪ تقريبًا، بالمقارنة بالوحدة الموجودة في هواتف الشركة الصادرة في 2016.

undefined

 
ميّزت مثل الشحن اللاسلكي، وتشغيل مُكبّر الصوت، بالإضافة إلى تشغيل الكاميرا الخلفية المزدوجة ومعالجة الصور المُلتقطة باستخدامها من المهام التي يُمكن للشريحة الجديدة القيام بها. كما خصّصت الشركة وحدة لحماية بيانات المُستخدم الحسّاسة، وأُخرى لمعالجة أوامر المُستخدم الصوتية التي تعمل كقاعدة معرفة محمية داخل الجهاز تتعلّم عادات وتفضيلات المُستخدم مع مرور الوقت. كما حرصت آبل على تقديم وحدة معالجة صغيرة، "إم 11" (M11) التي تقوم بتنفيذ بعض المهام دون الحاجة للاستعانة بالمعالج الأصلي أبدًا، وهذا على غرار نطق جملة "هاي سيري" (Hey Siri) لتفعيل المُساعد الرقمي دون لمس الجهاز.

 

يُمكن الغوص أكثر والعثور على تفاصيل تقنية أكثر في مُعالج آبل الأخير، وفي بقيّة المعالجات بطبيعة الحال. لكن وعلى أرض الواقع، تفوّق معالج "إيه 11 بايونيك" من ناحية الأداء على معالجات شركة إنتل المُستخدمة في حواسب "ماك بوك برو" على الرغم من فارق تردد الأنوية وسعة الذواكر العشوائية كذلك التي تبلغ 3 غيغابايت كحد أقصى في هواتف آبل الأخيرة، بينما تبدأ من 8 غيغابايت في حواسبها المحمولة الصادرة في نفس العام(1).

 

تُعرف مُعالجات الهواتف الذكية بـ "إس أو سي" (SoC)، وهي اختصار لـ "نظام داخل الشريحة"، أي أنها ليست مُجرّد مُعالجات تُمرّر لها البيانات لإجراء العمليات الحسابية، بل هي مسؤولة عن كل شيء في الجهاز الذكي، فكل مكوّن يحتوي على وحدة معالجته الخاصّة، لكن المعالج هو القوّة الحقيقية الذي يقوم بكل شيء لضمان أفضل أداء على كافّة الأصعدة مثلما هو واضح في المعالجات المذكورة.

المصدر : الجزيرة