شعار قسم ميدان

هل يقضي الواقع الافتراضي (VR) على مفاهيم التواصل الاجتماعي؟

midan- vr

مرّت الشبكات الاجتماعية، وتحديدًا شبكة فيسبوك Facebook، منذ تأسيسها وحتى هذه اللحظة بالكثير من المراحل المُختلفة، فبعيدًا عن الميّزات، أو المشاكل القانونية، أو غيرها من الأمور التي لا تهم جميع المستخدمين، تغيّرت طريقة وآلية الاستخدام بشكل عام، وهذا الكلام لا ينطبق على فيسبوك فقط، بل تقريبًا على التجربة الاجتماعية الافتراضية على الإنترنت.

 

ولأن وسائل التواصل تتطور مع مرور الوقت وانتقلت من الشكل المكتوب إلى الشكل المرئي، كان هذا مصير المحتوى على الشبكات الاجتماعية أيضًا، وظهرت لنا في فيسبوك إمكانية مشاركة مقاطع الفيديو قبل أعوام كثيرة [1]، قبل أن تظهر لدينا إمكانية مشاركة مقاطع الفيديو بزاوية 360 درجة [2]، أو كما تُسمّى مقاطع فيديو الواقع الافتراضي Virtual Reality التي يعتبرها البعض امتدادًا للتجربة الافتراضية والشبكات الاجتماعية على الإنترنت، لكن صفة الاجتماعية لا تبدو طاغية على الواقع الافتراضي بشكل كبير.

 

مراحل التجربة الاجتماعية على الشبكات
undefined

آلية الاستخدام وخلال 12 عام تغيّرت بعض الشيء، وأخذت نماذج وأشكال مُختلفة يُمكن لأي مستخدم ملاحظتها بسهولة تامة، فالنموذج الأول، وهو نموذج ساري المفعول حتى يومنا هذا، قائم على المستخدمين الذين يقومون بالتعبير عن أنفسهم بشكل زائد، ومُبالغ فيه حُبًا بالظهور، وهذه ظاهرة موجودة في كل المُجتمعات وليست محصورة فقط في بقعة جغرافية أو حقبة زمنية مُحددة.

 

ولأن هذا النموذج وصل إلى حد الإشباع، بدأ نموذج آخر بالظهور، وهو نموذج يتمثّل بالتجربة الاجتماعية على الشبكة نفسها، فخلاله أصبح الاستعراض يتم عن طريق الأصدقاء وكثرة المُتفاعلين مع المُشاركة.

 

ومن جديد، طال الإشباع هذا النموذج لننتقل إلى نموذج آخر وهو نقل التجربة الاجتماعية الافتراضية إلى الحياة العملية، أي نشر مشاركات تتمثّل بصور ومقاطع فيديو تمّت على أرض الواقع مع مجموعة من الأصدقاء، ولعل نجاح تطبيق انستجرام Instagram دليل واضح على أهمية هذا النموذج، وفجأة أصبحنا نرى ذلك الشخص المُنعزل يخرج مع مجموعة كبيرة من الأشخاص طمعًا في مشاركة الصورة النهائية على حسابه.

 

بعض النماذج ما تزال منبوذة أو ذات تأثير سلبي على الإنسان، وبعضها الآخر -مثل النموذج الأخير- قضى على بعض الانطوائية التي أوجدتها النماذج الأقدم، وبالتالي أصبح استخدام الشبكات الاجتماعية أمر مُرحب فيه، لكن علينا ألا ننسى أن لكل شيء وجه جميل وآخر قبيح، وإساءة استخدام التقنية أمر موجود منذ القدم، وليس بشيء جديد أبدًا؛ أي أن الشبكات الاجتماعية بنماذج الاستخدام المُختلفة ليست بهذا السوء دائمًا.

 

الواقع الافتراضي

كانت هناك صور تخيّليّة قديمة للإنسان مُرتديًا نظّارة على رأسه تحتوي على شاشة لينتقل إلى عالم آخر، وهذا ما يُعرف في يومنا الحالي بالواقع الافتراضي Virtual Reality، أي أن التقنية تقوم بفرض واقع غير حقيقي يختلف تمامًا عن الواقع الذي يتواجد فيه المستخدم [3].

 

تخيّل أنك كمستخدم تقف في غرفتك الخاصّة، لكن وما أن تضع النظّارة حتى تنتقل لواقع آخر كانتقالك إلى مدينة الألعاب أو إلى قُمرة قيادة طائرة إلى جانب الطيّار. هذا ليس كل شيء، فبمجرد تحريك رأسك يتحرك المشهد معك، وكأنك موجود فيه وتكتشف خباياه باستخدام عيونك الحقيقة. ولكي أزيدك من الشعر بيتًا، يمكنك ارتداء بعض القُفازات أو مقابض التحكم في اليدين من أجل التحكم في المشهد الظاهر أمامك، أي أنك تنتقل تمامًا إلى عالم آخر غير الذي تتواجد فيه الآن.

 

من الناحية التقنية، يُعتبر الواقع الافتراضي من الأمور المُثيرة جدًا، خصوصًا عندما يُستخدم داخل الألعاب، لتتعزّز بذلك تجربة الاستخدام بشكل كبير.

 

شبكة فيسبوك وتحديدًا مارك زوكربيرج Mark Zuckerberg آمنوا ومنذ اللحظة الأولى بأهمية المحتوى الذي ينتجه المستخدم للوصول إلى القمة، وهذا النموذج نفسه الذي اتبعه زوكربيرج مع الواقع الافتراضي، حيث استحوذ بداية على شركة Oculus من أجل تطوير نظّارات للواقع الافتراضي [4]، لكنه اعتمد على المستخدمين لتوفير محتوى لهذه النظّارات من خلال دعم إمكانية مشاركة مقاطع فيديو بزاوية 360 درجة [5].

 

هل سقطت الاجتماعية سهوًا؟
بعد قضاء ساعات طويلة اجتماعيًا مع الأصدقاء على فيسبوك أو حتى خارجه، يتم التوجه نحو نظّارات الواقع الافتراضي التي تخلق نوعًا من العزلة، وبالتالي هل يمكن لتقنية أن تؤثر على الأُخرى؟ 
بعد قضاء ساعات طويلة اجتماعيًا مع الأصدقاء على فيسبوك أو حتى خارجه، يتم التوجه نحو نظّارات الواقع الافتراضي التي تخلق نوعًا من العزلة، وبالتالي هل يمكن لتقنية أن تؤثر على الأُخرى؟ 
عزّزت شبكة فيسبوك التجربة الاجتماعية الافتراضية، فهي كانت شبكة افتراضية في البداية، لتنتقل فيما بعد إلى شبكة اجتماعية افتراضية مع التشديد على دور الاجتماعية من خلال النماذج التي تحدثنا عنها في الأعلى.

 

لكن وفي الواقع الافتراضي لم يكن لكلمة الاجتماعية -حتى يومنا الحالي- تواجد، وهو ما أدى إلى شرخ نوعًا ما في التوجّه التقني.

 

فيسبوك شبكة اجتماعية تدعم الواقع الافتراضي، وهذا أمر طبيعي جدًا، فالمنطق يدفع أي شركة لتدعيم تقنياتها والمضي قدمًا، وعدم الوقوف في مكانها على النجاحات والمكاسب التي قامت بتحقيقها. لكن وفي نفس الوقت يذهب المستخدم في اتجاهين مختلفين>

 

فبعد قضاء ساعات طويلة اجتماعيًا مع الأصدقاء على فيسبوك أو حتى خارجه، يتم التوجه نحو نظّارات الواقع الافتراضي التي تخلق نوعًا من العزلة، وبالتالي هل يمكن لتقنية أن تؤثر على الأُخرى؟ أي هل ستُنقص الشبكات الاجتماعية من أهمية الواقع الافتراضي؟ أم هل سيؤدي استخدام الواقع الافتراضي إلى إنقاص أهمية الشبكات الاجتماعية؟

 

تأثير الواقع الافتراضي
لفهم عدم تداخل أو تكامل الشبكات الاجتماعية مع الواقع الافتراضي، يجب النظر بتمعّن إلى تأثيرات الواقع الافتراضي على المستخدم نفسه.

 

بعد استخدام نظّارات الواقع الافتراضي تنشأ تأثيرات فيزيائية جسدية، بحيث يشعر المستخدم ببعض الانفصام عن الواقع لفترة من الزمن
بعد استخدام نظّارات الواقع الافتراضي تنشأ تأثيرات فيزيائية جسدية، بحيث يشعر المستخدم ببعض الانفصام عن الواقع لفترة من الزمن

فبعد استخدام نظّارات الواقع الافتراضي تنشأ تأثيرات فيزيائية جسدية، بحيث يشعر المستخدم ببعض الانفصام عن الواقع لفترة من الزمن، دون نسيان بعض الأعراض الصحية مثل الغثيان أو الدوار الشديد. عند محاولة استخدام الهاتف الذكي بعد تجربة نظّارة الواقع الافتراضي ستبدو الشاشة وكأنها شفّافة أو أن إصبع المستخدم يقوم باختراقها لأن العناصر الفيزيائية في الواقع الافتراضي تختلف عن الواقع الحقيقي، وبالتالي يتداخل العالمان معًا [6].

 

هناك تأثيرات نفسية أيضًا مثل الغربة عن الواقع، وهذا شعور يترافق مع حزن شديد وكآبة لأن الإنسان في الواقع الافتراضي بإمكانه التحكم بكل شيء تقريبًا، في حين أنه وفي الواقع الحقيقي يعيش ضمن حدود لا يمكنه تخطّيها بسهولة تامّة، ففي الواقع الافتراضي الصعب يبدو مُمكنًا [7].

 

هذه التأثيرات سواءً النفسية أو الجسدية قد تؤدي إلى عزوف الكثيرين عن الواقع الافتراضي أو استخدامه، وهو واقع أو مرحلة تقنية بدت أنها التطوّر الطبيعي للأجهزة التي نقوم باستخدامها يوميًا، لكن للأسف مُخالفتها للواقع والاتجاه التقني قد يحول دون ذلك.

 

لو نظرنا إلى المشاريع على الإنترنت أو على الأجهزة الذكية لوجدنا أنها قائمة على التشاركية، فالجميع يتوجه إلى أفضل المطاعم من أجل تصوير الوجبة ومشاركتها. أو يقوم البعض ببدء الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية من أجل مشاركة الموقع الجغرافي وما إلى ذلك، هذا كله ينجح بفضل وجود شبكة حولنا على هذه الأجهزة.

 

وهذا الأمر ينطبق على الألعاب، فأي منصّة ألعاب لا تُعزز التجربة التشاركية وإمكانية اللعب مع الأصدقاء عبر الإنترنت لا تنجح ولا تُقدّم المتعة المطلوبة أبدًا. ويجب عدم نسيان النقل التشاركي Ride-Sharing الذي يعتمد على مفهوم الاجتماعية بشكل أو بآخر، وبالتالي نعيش في عالم اجتماعي كامل، وهو ما يجعل نظّارات الواقع الافتراضي ناقصة إلى جانب تأثيراتها التي ذُكرت سابقًا.

 

آبل التي غرّدت خارج السرب
تيم كوك Tim Cook الرئيس التنفيذي قال إنه يُفضّل مراقبة تجربة الواقع الافتراضي وإلى المكان الذي يمكن أن تصل إليه، لكنه يُفضّل الواقع المُعزّز بصورة أكبر 
تيم كوك Tim Cook الرئيس التنفيذي قال إنه يُفضّل مراقبة تجربة الواقع الافتراضي وإلى المكان الذي يمكن أن تصل إليه، لكنه يُفضّل الواقع المُعزّز بصورة أكبر 
 
لو نظرنا إلى جميع الشركات التقنية مثل جوجل Google [8]، أو سامسونج Samsung [9]، أو حتى HTC [10]، لوجدنا أن مُصطلح الواقع الافتراضي موجود في قاموسها، إلا أن آبل Apple لم تخطي أبدًا على نفس الدرب وقررت التوجه إلى مجال مجاور يتماشى مع صيحة الشبكات الاجتماعية.

 

قررت آبل خوض غمار الواقع المُعزّز Augmented Reality الذي ينطلق أولًا وأخيرًا من الواقع الذي نعيشه في يومنا الحالي، مع إضافة بعض العناصر إليه لتحسينه أو تجربة أشياء جديدة عليه. لعبة بوكيمون Go على سبيل المثال أو تطبيق سناب شات Snapchat هي أمثلة على الواقع المُعزّز، ففي تطبيق سناب شات يمكن للمستخدم تسجيل فيديو وإضافة عناصر إليه لتغيير الواقع الحالي، أو تعزيزه بمعنى آخر.

 

طبعًا آبل لم تُهمل الواقع الافتراضي، لكن تيم كوك Tim Cook الرئيس التنفيذي قال إنه يُفضّل مراقبة تجربة الواقع الافتراضي وإلى المكان الذي يمكن أن تصل إليه، لكنه يُفضّل الواقع المُعزّز بصورة أكبر [11].

 

لو تناولنا الواقع المُعزّز والواقع الافتراضي لوجدنا أن الأول أفضل بكثير، فنحن لدينا مثلًا حديقة فارغة نرغب بإنشاء بركة من الماء في أوسطها. من خلال تطبيقات ونظّارات الواقع المُعزّز يمكننا النظر إلى المشهد الحقيقي وإضافة بركة إليه، أو حمّام كبير للسباحة، أو أي شيء آخر، وهنا سيشعر المستخدم بمتعة تُضاهي مُتعته عندما يقوم بنشر مشاركة ويقوم الأصدقاء بالتعليق عليها.

 

أما في الواقع الافتراضي وفي ظل الجينات الاجتماعية والتشاركية التي نمت فينا بعد ظهور الشبكات الاجتماعية، فلن تصل المُتعة إلى حدّها الأقصى لأن كل شيء يبقى للمستخدم نفسه، صحيح أن هذه التجربة قد تُصبح اجتماعية فيما بعد، لكن وفي ظل التحرّك نحو تطوير تقنيات الواقع المُعزّز قد تنحصر أهمية الواقع الافتراضي في مجالات مُحددة بعدما توقع الجميع أن تكون جزءًا لا يتجزء من حياة المستخدمين في المُستقبل القريب.

المصدر : الجزيرة