شعار قسم ميدان

صراع الحواسب المكتبية بين مايكروسوفت وآبل

midan - pc

وقفت الحواسب المكتبية Desktop في مكانها لفترة طويلة من الزمن، فهي أخذت شكلًا واحدًا ولم تعد تحتل تلك الأهمية بالنسبة للكثيرين في ظل الثورة التقنية الكبيرة التي طالت الأجهزة الذكية وتحديدًا الهواتف والحواسب اللوحية.

 

المحاولات الخجولة كان لها مكان بكل تأكيد من قبل الكثير من الشركات ولا سيما آبل، لكن ولأنها خجولة لم تتجاوز العلبة الرئيسية Case، فآبل قدّمت حاسب Mac Pro عام 2013 بمواصفات عالية جدًا وبتصميم رائع [1]، لكنه لم يُعد اختراع العجلة أو يُعيد تعريف مبدأ الحواسب المكتبية مثلما هو الحال مع مايكروسوفت التي تجرّأت وأطلقت حاسب Surface Studio المكتبي [2].

 

الشكل التقليدي
 (pexels.com)
 (pexels.com)

ولفهم السبب الأساسي وراء أهمية خطوة مايكروسوفت يجب المرور بشكل سريع على شكل الحواسب المكتبية التي ليست بخفيّة على أحد، فهي مؤلفة بشكل أساسي من العلبة الرئيسية، إضافة إلى شاشة، ولوحة مفاتيح، وماوس. أشكال أُخرى توفّرت أيضًا مثل الكل في واحد All-in-One مثل حواسب iMac من آبل أو Surface Studio من مايكروسوفت، وهي حواسب تُدمج فيها العلبة الرئيسية بالشاشة.

 

الأهم من الشكل أو المكونات هي وسائل الإدخال بشكل أساسي، فجميع تلك الحواسب أيًا كانت أنواعها يتم التعامل معها عبر الماوس ولوحة المفاتيح، وهذا شكل اعتدنا عليه حتى في الحواسب المحمولة Laptops، إلى أن جاءت الحواسب اللوحية Tablets مثل iPad أو Galaxy Tab من سامسونج التي غيّرت مفهوم الحواسب المُتنقّلة وجعلت التعامل معها يتم عبر اللمس، وهذا منحى آخر للحواسب المحمولة؛ أي أن الحواسب المحمولة واللوحية في اتجاه، والحواسب المكتبية في اتجاه آخر.

 

مايكروسوفت وحاسب سيرفس ستوديو


عند النظر إلى حاسب مايكروسوفت الجديد، سيبدو للوهلة الأولى وكأنه مجرّد حاسب مكتبي آخر بتصميم جديد جذّاب، وشاشة كبيرة تُغري المهتمين في مجال التصميم بشكل رئيسي، لكن ما أن يبدأ
الفيديو التعريفي بالعمل حتى يعلم المستخدم أن شاشة هذا الحاسب تعمل باللمس، حيث يمكن استخدام الإصبع أو القلم الضوئي Stylus للكتابة أو اختيار العناصر عوضًا عن الماوس ولوحة المفاتيح.

 

هذا ليس كل شيء بكل تأكيد، فمايكروسوفت قدّمت ما يُعرف بـ Surface Dial، وهو عبارة عن قرص يتم وضعه على الشاشة للتفاعل مع بعض العناصر؛ تخيّل أنك ترسم وتريد تغيير لون الخط، باستخدام القرص يمكن بعد وضعه على الشاشة تدويره لتظهر قائمة الألوان لاختيار الدرجة المناسبة على سبيل المثال لا الحصر. حيث تتوفر استخدامات أُخرى للقرص لا يُمكن شرحها كتابيًا والأفضل متابعتها عبر مقطع الفيديو الرسمي الذي توفّره مايكروسوفت.

 

مايكروسوفت ومن خلال سيرفس ستوديو لم تدخل عالم الحواسب المكتبية من أوسع أبوابه فقط، بل قدّمت نموذجًا جديد كُليًا للحواسب المكتبية، فبعد سنوات من استخدام الماوس ولوحة المفاتيح، حان الوقت الآن لاستخدام القلم الضوئي والقرص والأصابع للتعامل مع هذا النوع من الحواسب، دون نسيان أن الشاشة يمكن ضبط درجة ميلانها لتحويلها إلى سطح للرسم أو للكتابة على حسب تفضيل المستخدم، وبالتالي الجهاز يستهدف شريحة كبيرة من المُتخصصين الذين دائمًا ما وجدوا في حواسب iMac من شركة آبل الملاذ الآمن والخيار الأفضل لأسباب عديدة.

 

آبل وحواسب iMac
من وجهة نظر آبل، اعتاد الناس على نظام macOS في حواسبها المحمولة والمكتبية، وبالتالي توفير شاشة تعمل باللمس يعني أيضًا تغيير تجربة الاستخدام داخل نظام التشغيل لكي تتوافق مع وسيلة الإدخال الجديدة، وهو ما لن يتقبّله المستخدم أبدًا.
من وجهة نظر آبل، اعتاد الناس على نظام macOS في حواسبها المحمولة والمكتبية، وبالتالي توفير شاشة تعمل باللمس يعني أيضًا تغيير تجربة الاستخدام داخل نظام التشغيل لكي تتوافق مع وسيلة الإدخال الجديدة، وهو ما لن يتقبّله المستخدم أبدًا.
 
من ينظر للمرّة الأولى لحاسب سيرفس ستوديو سيقول بكل تأكيد أنه تقليد لحواسب iMac من آبل التي تأتي بشاشة كبيرة أيضًا ولوحة مفاتيح وماوس. لكن الحاسبان بكل تأكيد يختلفان بشكل كبير لعدّة عوامل سنتحدث عنها بعد تفصيل حواسب iMac من آبل.

 

حواسب iMac تُعتبر من أفضل نماذج حواسب الكل في واحد التي يتم إدخال المعلومات إليها بواسطة لوحة مفاتيح وماوس أو قرص التتبع Track Pad، وبالتالي هي مثال مُميّز فقط في عالم الحواسب المكتبية التي تتبع جميعها نفس النهج. آبل التي عوّدتنا على الابتكار خلال السنوات الماضية ما زالت في عام 2016 تتبع نفس الأسلوب المستخدم في الحواسب المكتبية ولم تمتلك شجاعة مايكروسوفت، أو بصحيح العبارة، امتلكت الشجاعة لكنها لم تُظهر هذا للعلن. شركة آبل ولفترة طويلة قامت داخليًا بتجربة نماذج لحواسب Mac المحمولة والمكتبية بشاشات تعمل باللمس، لكنها لم تجد أن التجربة مُميّزة، ورفض فريق العمل أولًا، ومجلس الإدارة ثانيًا جميع تلك النماذج مُعتبرين أنها لا تُقدم تجربة استخدام مُميّزة أبدًا، ولهذا السبب ما تزال آبل مُتمسّكة بنفس النموذج في الحواسب المكتبية [3].

 

من وجهة نظر آبل، اعتاد الناس على نظام macOS في حواسبها المحمولة والمكتبية، وبالتالي توفير شاشة تعمل باللمس يعني أيضًا تغيير تجربة الاستخدام داخل نظام التشغيل لكي تتوافق مع وسيلة الإدخال الجديدة، وهو ما لن يتقبّله المستخدم أبدًا لأن نظام macOS قائم على شريط التطبيقات Dock الموجود أسفل سطح المكتب، إضافة إلى شريط القوائم Menu Toolbar الموجود في الأعلى، وهي من مكونات هوية النظام التي لن يتم التعامل معها بصورة صحيحة لو توفّرت إمكانية لمس الشاشة لأن شريط القوائم مثلًا لا يتّسع لإصبع المستخدم، ولا يُمكن حتى لشريط التطبيقات التفاعل مع القلم، صحيح أنها مُجرّد تأثيرات بسيطة أو تعديلات بسيطة، لكن بالنسبة للهوية لم تجد آبل أن هناك دوافع كافية أو مغريات تدفعها للقيام بهذا الأمر [4].

 

من جهة ثانية، ترى آبل أن نظام iOS على هواتف iPhone وحواسب iPad اللوحية صُمم ليعمل باللمس، وبالتالي حواسب iPad Pro بشاشة 12.9 بوصة هي الخيار الأمثل للراغبين بالحصول على نفس تجربة حاسب مايكروسوفت الجديد، فالشاشة في iPad Pro كبيرة وتعمل باللمس، كما توفّر آبل قلم Apple Pencil الذي يتعرّف على قوّة الضغط ودرجة الميلان للرسم بطرق احترافية جدًا، وهذا حسب كلام الخُبراء الذين قاموا بتجربته.

 

إذًا، فإن آبل وخلال السنوات القليلة القادمة لن تقوم بتغيير نموذج الحواسب المكتبية والمحمولة، وستبقي على الفاصل ما بين نظامي macOS وiOS، وبالتالي لن نرى حاسب مكتبي أو محمولة بشاشة تعمل باللمس على الأقل في السنوات الثلاث القادمة.

 

منبع اختلاف مايكروسوفت
 (pixabay.com)
 (pixabay.com)

بالعودة إلى شركة مايكروسوفت وحواسب سيرفس ستوديو التي تعمل بنظام ويندوز 10 نجد أن مايكروسوفت لم تضطر إلى تغيير تجربة الاستخدام أبدًا، بل خصّصت النظام مع تقديم أدوات للاستفادة من الشاشة وهذا كل ما في الأمر. طبعًا هذه الجرأة ليست وليدة اليوم أبدًا، فهي فشلت سابقًا في ويندوز 8 عندما أطلقت نسخة سمّتها Windows RT مُخصصة للأجهزة المحمولة والتي تعمل باللمس، وهو ما أدى إلى شرخ في تجربة الاستخدام والتطوير [5].

 

بالنسبة لتجربة الاستخدام، توفّرت أمام المستخدم نسخة ويندوز تعمل بالماوس، وأُخرى تعمل باللمس، صحيح أن الواجهات واحدة، لكن تغيير التسمية ظهر كشبح مُخيف بالنسبة للبعض. أما بالنسبة للمطورين فهم كانوا بحاجة لكتابة تطبيقاتهم مرّة لويندوز 8 العادي، ومرّة لويندوز RT لأن معمارية المعالج مختلفة، وبالتالي عانى المُطوّر قبل أن يعاني المستخدم [6]. هذا كان درسًا ليس مجانيًا بكل تأكيد، لكنه ساعد في توحيد تجربة الاستخدام في ويندوز 10، فالتجربة واحدة سواءً كانت على سيرفس ستوديو، أو سيرفس برو Surface Pro، أو أي حاسب محمول آخر.

 

لم تقلق مايكروسوفت أبدًا في دخول عالم الشاشات التي تعمل باللمس في ويندوز 10 لأنها مثلما ذكرنا غامرت وفشلت سابقًا وتعلمت الدرس، وبالتالي -حتى هذه اللحظة- كل الأمور تسير في طريقها الصحيح بالنسبة لمايكروسوفت التي غيّرت في عالم الحواسب المكتبية لأننا كمستخدمين لم نعتد أو نرى نماذج لحواسب بتلك القوّة والاحترافية، وبكل تأكيد يبقى الحكم النهائي للمستخدم بعد وصول الحواسب الجديد إلى الأسواق، حيث من المتوقع أن تصل مع نهاية عام 2016 وبداية 2017.

 

ويبقى السؤال الأبرز الآن: هل سينجح نموذج مايكروسوفت في إزاحة نموذج آبل الذي قاد المسيرة لسنوات طويلة؟ أم ستنتزع مايكروسوفت مكانًا لها فقط دون التأثير على آبل؟ أم هل تبقى رؤية آبل هي الثاقبة والأصح ويفشل مايكروسوفت سيرفس ستوديو؟

المستخدم يجد في وسائل الإدخال الجديدة وسيلة رائعة للتعامل مع الحواسب المكتبية التي أخذت شكلًا واحدًا منذ ثمانينات القرن الماضي، وبالتالي تدفع جرأة مايكروسوفت الجميع للذهاب بنفس الاتجاه، بما في ذلك آبل.
المستخدم يجد في وسائل الإدخال الجديدة وسيلة رائعة للتعامل مع الحواسب المكتبية التي أخذت شكلًا واحدًا منذ ثمانينات القرن الماضي، وبالتالي تدفع جرأة مايكروسوفت الجميع للذهاب بنفس الاتجاه، بما في ذلك آبل.

الإجابة على هذا السؤال مستحيلة تقريبًا لأن نظرة آبل مبنية على الكثير من العوامل أهمّها تجربة استخدام macOS على الشاشات التي تعمل باللمس، التي ومن وجهة نظر مُهندسي آبل ليست بتلك التجربة المُميّزة والتي دفعت فريق العمل للتخلّي عن الفكرة بشكل فوري. أما مايكروسوفت، فهي تمتلك نظامًا قويًا -ويندوز 10- يحظى باهتمام مُتزايد مع مرور الوقت، وبالتالي وبسبب استخدامه سابقًا في حواسب سيرفس برو اللوحية، لن يُستهجن أو يبدو وكأنه شيء جديد كُليًا يدفع الجميع للتخلّي عنه.

 

بل قد يجد المُصممون في الشاشة التي يمكن ثني قاعدتها لتُصبح كلوح الرسم أفضل وسيلة تقنية اخترعت حتى هذه اللحظة لتخدم احتياجاتهم، دون نسيان المستخدم المتوسط؛ أي الذي يعتمد على الحاسب لأغراض غير تصفّح الإنترنت وتشغيل الألعاب، فهو قد يجد في وسائل الإدخال الجديدة وسيلة رائعة للتعامل مع الحواسب المكتبية التي أخذت شكلًا واحدًا منذ ثمانينات القرن الماضي، وبالتالي تدفع جرأة مايكروسوفت الجميع للذهاب بنفس الاتجاه، بما في ذلك آبل بكل تأكيد.

المصدر : الجزيرة